د. صباح أبو زنادة: التمريض السعودي ما زال غائبا عن الخطط التنموية

رئيسة المجلس العلمي للتمريض في حوار مع «الشرق الأوسط»: مشكلة نقص العاملين تتفاقم مع زيادة السكان

د.صباح أبو زنادة (تصوير: مروان الجهني)
TT

رغم الإقبال الملاحظ مؤخرا على مهنة التمريض في المملكة، إلا أن هذا القطاع لا يزال يواجه الكثير من الانتقادات سواء على الصعيد المجتمعي أو الممارسات المهنية للتمريض، إلى جانب المشكلات التي بحاجة إلى حلول عاجلة وجذرية، أبرزها عدم وجود جهة واحدة مسؤولة عن التمريض في المملكة، بالإضافة إلى افتقار المملكة لخطة استراتيجية لسعودة التمريض على المستوى المحلي أو المؤسسي، إلا أن الدكتورة صباح أبو زنادة رئيسة المجلس العلمي للتمريض أكدت في حوار مع «الشرق الأوسط» أن كل ما يتم وما هو مشاهد وقرارات متخذة بحق التمريض ما هو إلا عبارة عن محاولات لتغطية بعض المشكلات التي تصادف مسؤولي وزارة الصحة وليس نتاج خطة محكمة..! التمريض السعودي ما زال غائبا عن الاهتمام في الخطط التنموية في القطاع الصحي، وإن احتياج المملكة الفعلي للقوى العاملة التمريضية هو 172380 ممرضة، وليس ما هو مطروح في تقرير وزارة الصحة وهو 84000 ممرضة، وإن مشكلة نقص العاملين السعوديين في حقل التمريض تتفاقم مع زيادة العدد السكاني.

الأمر الذي يعتبر بمثابة صدمة، هو أن العاملين في قطاع التمريض من حملة البكالوريوس لا يتجاوزون 4% فقط، فكيف يتم الرقي بالخدمات المقدمة في هذا القطاع المرتبط بالدرجة الأولى بحياة الإنسان.. هذه المحاور وغيرها في الحوار الذي أجرته «الشرق الأوسط»، فإلى نص الحوار:

* تواجه الممرضة السعودية جملة من الانتقادات.

- النقد مطلوب ونحن نبحث عنه، لكن غير المطلوب هو التعميم، فعندما نقول إن التمريض السعودي ليس في محل ثقة، فهذا ظلم للتمريض السعودي ككل، حتى لو كان هذا هو الانطباع الأعم بالنسبة للتمريض السعودي ولأسباب كثيرة، أولها بأن فاقد الشيء لا يعطيه، 97% من التمريض السعودي المتواجد حاليا والذين يباشرون عمل التمريض ويعتبرون في خط المواجهة مع الجمهور هم من حملة الدبلومات، والسؤال الذي يطرح نفسه.. هل هؤلاء لا يملكون ذكاء أو مهارات أو لا يملكون علما، وهنا أوضح بأن خريجي الدبلومات عبارة عن خريجي الثانوية علمي في الفترة الحالية من 1425هـ، وقبلها كانوا أقل من الثانوية من مرحلة الإعدادي والابتدائي إلى أن وصلنا للعام 1425هـ وأصبحوا خريجي الدبلومات من حملة الثانوية، كما يفتقر التعليم العام بصفة عامة إلى تأهيل الدارسين، للاعتماد على أنفسهم في البحث عن المعلومة والتعليم الذاتي الذي ينمي القدرات الشخصية لدى الدارس، وأيضا يفتقر التعليم العام للإمكانيات التي تساعده على تأهيل المدرسين لتدريب الدارسين للاعتماد على النفس في التحصيل العلمي.

هذا الوضع ينعكس سلبيا على نمو الشخصية لدى الفرد وأدائه لعمله مستقبلا، بالإضافة إلى عمرهم عند التخرج من الدبلوم وهو 20 سنة، فيكون نضوجهم العاطفي والفكري وتجاربهم في الحياة محدودة،،علاوة على أن المجتمع لا يدعم مفاهيم العمل وأخلاقيته وسلوكياته، ومن هذا المنطلق، أقرت منظمة الصحة العالمية أن يكون الانخراط في التمريض فقط لحملة درجة البكالوريوس في مجال التمريض، وبدأ العمل وفق هذا القانون من عام 2010، وقد توصلت منظمة الصحة العالمية لهذا القرار بناء على تقويم خريجي الدبلوم على المستوى العالمي، ليس فقط على مستوى السعودية من حيث قدرتهم لتقديم رعاية تمريضية آمنة. وهنا أحذر من إمكانيات ضعف مستوى البكالوريوس في التمريض بالمملكة إذا لم يتم تعديل مستوى التعليم العام وزيادة وعي المجتمع تجاه أخلاقيات وسلوكيات العمل مع وضع نظم داخل المؤسسات تضمن تحقيقها.

* اختلاف تعامل المجتمع مع الممرضة السعودية دون الأجنبية، بماذا تفسرينه؟

- هناك 3 أمور ساعدت في اختلاف التعامل مع الممرضة السعودية بعكس الأجنبية، أولها أن الممرضة الأجنبية تأتي وفقا لنظام الاستقدام الحالي الذي يشترط خبرة سنتين على الأقل، مع العلم أن معظم من يتم استقدامهن يكون لديهن خبرة أكثر من سنتين، 5 سنوات وما فوق، أما الممرضة السعودية فتكون إما خريجة حديثة، أو لديها خبرة أقل، فطبيعة الحال تكون الأجنبية لديها خبرة أكثر من الممرضة السعودية، لذلك تجد المجتمع يفضل التعامل مع صاحبة الخبرة والمهارة في تقديم الخدمة.

ثانيا مجتمعاتهم تحثهم على بناء الثقة في شخصياتهم وممارسة الذكاء الاجتماعي في التعامل لتحقيق الأهداف وليس كما يحدث في مجتمعاتنا من الاعتماد على القبلية والأسرة في تحقيق الأهداف.

ثالثا كما ذكرت سابقا لا يوجد في مجتمعنا تقدير لأخلاقيات وسلوكيات العمل وعكس هذا نجده في المجتمعات الأخرى. ففي النهاية التمريض السعودي بتجاربه وأخلاقياته هو نتاج تربية المجتمع والنظم التعليمية بالمملكة.

* كم بلغ عدد حالات التحرش بالممرضات؟

- في البداية أود أن أوضح مسألة مهمة في ملف التحرش الجنسي، هي التحرش لا يقع فقط على الممرضات، التحرش الجنسي يكون موجودا في أي قطاع يتواجد فيه امرأة ورجل، سواء كان صحيا أو تعليميا أو غيرهما، طالما لا توجد أنظمة رادعة لمثل هذا السلوك المختل، فالتحرش قطعا موجود في التمريض لكننا نتحرج عن الحديث عنه.

* طالما أن التحرش الجنسي موجود لماذا لا نجد إحصائيات أو أرقاما دقيقة عن تلك الحالات؟

- صحيح.. نظرا لحساسية الموضوع وصعوبة إثباته، التحرش في المملكة وإن تحدثنا عنه سواء كان المتحرش به أنثى أو ذكرا يصعب إثباته، والسؤال الذي يطرح نفسه، ما هو النظام الذي يحميني دون التشهير ويكفل الأمر إعطاء الحق للمتحرش بها سلبيا، لا سيما أننا نعيش في مجتمع ذكوري، وأن المشتكى عليه رجل، ومن يطبق النظام رجل، وحتى إن منحها حقها فلن يكون كاملا، وهذا وضع لا بد أن نعترف به، وصعوبة إيجاد إحصائيات لمثل هذه القضايا تعود لعدم وجود جهة مسؤولة عن هذا الملف بشكل مستقل، بالإضافة إلى أن المجتمع غير منصف، وأكبر فرد غير منصف للمرأة المرأة نفسها.

* إذن.. ما مدى الحاجة لإنشاء مؤسسات غير حكومية مثل نقابات للتمريض ومجلس تشريعي للتمريض الذي تطالبون به؟

- قبل الإجابة، أود أن ألفت إلى أنه في الوقت الحالي لا توجد جهة واحدة مسؤولة عن التمريض بالمملكة، حيث يوجد حاليا بالمملكة جمعية مهنية للتمريض تختص بتطوير المهنة وممارسيها، علما أن الجمعيات المهنية فاقدة لفعاليتها لقلة الدعم المادي، وهي تحت مظلة الجامعات لذلك هي مهملة وضعيفة، كما يوجد المجلس العلمي للتمريض (Board) بالهيئة السعودية للتخصصات الصحية، الذي يختص بالتدريب المهني المتخصص بالتمريض، وينقصنا مجلس تشريعي (Council) الذي يختص بوضع معايير المهنة وتشريعاتها، وينقصنا نقابة تمريض تعنى بضمان حقوق الممارسين، كما ينقصنا جمعية تعاونية تختص بالشؤون الاجتماعية والاقتصادية للممارسين، وتمس الحاجة إلى أنشاء مجلس للتمريض في المملكة تحت مسمى «المجلس السعودي للتمريض» وذلك أسوة بالمجالس والهيئات التي تعنى بالمهن الصحية وغيرها في المملكة وفي دول مجلس التعاون، وفي مختلف دول العالم. وحيث إن التمريض يمثل 50% من القوى العاملة الصحية وتقدم خدمات التمريض على مدار 24 ساعة، بالإضافة إلى أن 80% من جميع الخدمات الصحية تقدم من خلال الكادر التمريضي، فإن أي إرباك أو تحسين في قطاع التمريض يعني إرباك أو تحسين القطاع الصحي بالمملكة.

وتتركز رسالة المجلس حول الارتقاء بالمستوى الصحي للمجتمع من خلال إيجاد نظام تشريعي لمهنة التمريض يضمن جودة الخدمة والممارسة المهنية التمريضية، ويضمن حماية المستفيدين والعاملين في المهنة.

كما أن المجلس سيعنى بالتخطيط والتنمية البشرية التمريضية، وتمثيل المملكة في المحافل والمجالس الخليجية والعربية والإسلامية والدولية. وقد طالبنا بإيجاد المجلس السعودي للتمريض من ضمن توصيات الحوار الوطني ورفعت توصية لمجلس الشورى، ولكن إلى الآن ليس هناك أي رد، يجب الاهتمام بإيجاد المؤسسات غير الحكومية التي سوف تلعب دورا فعالا لتصحيح وضع التمريض في البلاد، حيث يوجد نقص كبير في القوى العاملة التمريضية السعودية، حيث إن التمريض السعودي يمثل فقط 30% من العدد الكلي للعمالة التمريضية المتواجدة بالمملكة. وبالرغم من أن نسبة التمريض السعودي في وزارة الصحة هي 45%، إلا أن نسبته لا تتجاوز 17% في القطاعات الحكومية الأخرى، ولا تتعدى 4% بالقطاع الخاص بناء على تقرير وزارة الصحة. والحقيقة مشكلة نقص العاملين السعوديين في حقل التمريض تتفاقم مع زيادة العدد السكاني، خاصة أن الزيادة المتوقعة في عدد السكان بالمملكة سوف تصل إلى 45 مليون نسمة في عام 2025. كما يتوقع أن لا تتجاوز نسبة التمريض السعودي في نفس العام عن 43% من القوى العاملة في التمريض المتواجدة بالمملكة، وهذا يعني أن العدد السكاني سوف يزيد بنسبة 53%، ونسبة التمريض السعودي سوف تزيد بنسبة 13%.

* وما مدى تأثير انتشار المعاهد الصحية مؤخرا على مهنية التمريض برأيك؟

- 120 معهدا صحيا على مستوى المملكة للدبلومات الصحية، مع التأكيد بأن سنوات التعليم في الدبلوم (سنتين) ليست كافية لتغطية المعلومات والمهارات اللازمة لتحقيق الكفاءات المطلوبة في مجال التمريض، حيث يدرس الطالب في التمريض جميع التخصصات الطبية والتشريح والعلوم الأساسية.. إلخ، لذلك الناحية العلمية ضعيفة، وكذلك بالنسبة للمهارات السريرية، مما ينتج في ضعف المخرجات التعليمية من الناحية العلمية والنضوج والمهارات، علاوة على أن أصحاب المعاهد يركزون على تحقيق الإرباح لأنفسهم، في حين تكون نسبة النجاح في اختبارات الهيئة السعودية لتخصصات الصحية الكتابي ما بين 30 إلى 40%، بمعنى إن الطالب لو أجاب على 30% من الاختبار يعتبر ناجحا، وبغض النظر عن أي شي آخر، فإن اهتمام المسؤولين بوضعهم ومظهرهم أمام المجتمع هو الأهم، لذلك يسهلون استمرارية المعاهد ويقفون حجر عثرة في طريق الارتقاء بالخدمة التمريضية.

وهناك حقيقة لا بد من مواجهتها، وهي ليس فقط نقص أعداد الممرضات، إنما أيضا في تدني مستوى الرعاية التمريضية بالمملكة، حيث إن المعايير العالمية والأبحاث توصي بأن تتكون القوى العاملة التمريضية من 70% اختصاصي تمريض (مستوى البكالوريوس)، و30% فني تمريض (مستوى المعاهد والكليات المتوسطة)، في حين أن القوى العاملة التمريضية في السعودية تتكون من 97% من فني التمريض، و3% فقط اختصاصي تمريض. وهذا ينعكس بصورة سلبية على مستوى الرعاية التمريضية بالسعودية، مما يؤدي إلى زيادة نسبة الأخطاء الصحية. وتبين الأبحاث أن هناك علاقة وثيقة بين مستوى تعليم الممرضات وسلامة المرضى، فكلما زاد مستوى تعليم (مستوى البكالوريوس) الممرضات في القطاع الصحي، فإن المؤشرات الصحية تتحسن. إن عدم وجود خطط استراتيجية وتنموية على مستوى المملكة لتحديد الاحتياج الفعلي للكادر التمريضي، بناء على المتغيرات الاجتماعية والاقتصادية والصحية، لإعداد الخريجين ومستوياتهم، لم يمكن المملكة من تحقيق التوازن بين نسبة الاختصاصيين والفنيين. علما بأن توجيهات المجلس العالمي للتمريض ومنظمة الصحة العالمية توصي بأن يكون مستوى البكالوريوس هو المستوى الأساسي لدخول مهنة التمريض وإلغاء جميع المستويات ما دون ذلك بعام 2010.

* ولماذا لا يوجد برنامج تجسير في التمريض للارتقاء بخريجي التمريض؟

- منظمة الصحة العالمية أوصت في 1995 بأن يؤهل الكادر التمريضي على درجة البكالوريوس وأن يتم تحقيق ذالك بعام 2010، على أن يتم إعداد برنامج التجسير الذي يؤهل خريجي الدبلوم من التمريض لدرجة البكالوريوس.

نحن الآن في عام 2011، ويوجد 120 معهدا صحيا أهليا بدرجة دبلوم تحت إشراف الهيئة السعودية للتخصصات الصحية، ومن المفترض تحويل هذه المعاهد إلى وزارة التعليم، وإدارة التعليم الأهلي للارتقاء بها لدرجة بكالوريوس. علاوة على أن كلا من صندوق التنمية البشرية والصندوق الخيري يدعمان هذه المعاهد من خلال توفير فرص المنح الدراسية بدلا من توفير هذه الفرص لدرجة البكالوريوس.

بالإضافة إلى أن وزارة الصحة نقلت جميع المعاهد والكليات التابعة لها إلى وزارة التعليم العالي 2007 وكان من المفترض أن تدمج هذه الكليات والمعاهد مع كليات التمريض بالجامعة التابعة للمنطقة المتواجد بها المعهد أو الكلية، على أن يتم تقديم برنامج التجسير بها، ولكن لم يحدث ذالك إلى الآن.

والسبب في ذلك يكمن في كون جميع عمداء كليات التمريض هم من الأطباء، وغيرهم ليسوا متخصصي تمريض من الذين لا يدركون أولويات واستراتيجيات المهنة، وحتى تستطيع وزارة الصحة توفير منح دراسية لموظفيها لدراسة برنامج التجسير بالمملكة، يجب أن يكون ذلك من خلال نظام الإيفاد، ولكن نظام الإيفاد ينطبق فقط لحاملي درجة البكالوريوس لاستكمال الدراسات العليا، وليتم تطبيقه لحاملي درجة الدبلوم يجب تغيير النظام، نحن نعمل منذ 6 سنوات في هذا الاتجاه بالتعاون مع وزارة الصحة ووزارة الخدمة المدنية ووزارة التعليم العالي، وإلى الآن لم يتم استحداث هذا النظام، ويستمر انتظار 23 ألف ممرضة وممرض من حاملي الدبلوم لاستحداث هذا النظام، مع فقد الأمل في أي ترقية إلى أن يتم حصولهم على البكالوريوس.

وخلال 6 سنوات ماضية استمرت وزارة الصحة في ابتعاث عدد محدود من المنح الدراسية التي يستفيد منها الممرضات والممرضين من حاملي درجة الدبلوم من الدراسة بالخارج لاستكمال دراستهم والحصول على درجة البكالوريوس، والمحظوظ أو المحظوظة من العائدين للوطن بعد حصولهم على درجة البكالوريوس ليفاجأوا بعدم ترقيتهم لعدم وجود وظائف اختصاصي تمريض، وذلك لإخفاق وزارة الصحة في التخطيط لإيجاد وظائف اختصاصي تمريض من خلال تحوير وظائف فني التمريض إلى اختصاصي تمريض.

* لكن هناك نقصا واضحا في إعداد الممرضات السعوديات المتخصصات؟

- صحيح، وهناك أبحاث أثبتت أهمية وضرورة تخصص الممرضين لنرتقي بالرعاية التمريضية، 30% من التمريض السعودي في حاجة إلى إنشاء برامج تخصصية على مستوى دبلوم ودراسات عليا.

* وماذا عن خطط السعودة للتمريض؟

- التمريض السعودي ما زال غائبا عن الاهتمام في الخطط التنموية في القطاع الصحي، للأسف تفتقر المملكة لخطة استراتيجيه لسعودة التمريض على المستوى المحلي أو المؤسسي، كل ما يتم الآن عبارة عن محاولات لتغطية بعض المشكلات التي تصادف المسؤول وليس نتاج خطة محكمة. فعلى المستوى العالمي يوجد فقط 15 مليون ممرضة يتنافس العالم على استقطابهن، وقد تمكنت الدول الأوروبية على استقطاب العدد الأكبر من ممرضات العالم، حيث يعكس تقرير المجلس العالمي للتمريض ومنظمة الصحة العالمية لمنطقة الشرق الأبيض المتوسط أنه يوجد لكل 10 آلاف نسمة في الدول الأوروبية معدل 66 ممرضة، وبمقارنة مع دول الخليج نجد أن قطر تأتي في المقدمة، حيث يوجد لكل 10 آلاف نسمة معدل ما هو 55 ممرضة، وتأتي المملكة في نهاية قائمة دول الخليج، حيث يوجد لكل 10 آلاف نسمة 40 ممرضة.

وتبين الأبحاث أن هناك علاقة وثيقة بين عدد الممرضات وسلامة المرضى، فكلما زادت أعدد الممرضات في القطاع الصحي فإن المؤشرات الصحية تتحسن وهو ما تم إثباته من خلال مقارنة المؤشرات الصحية بدول الخليج. ولتصحيح الوضع الحالي فإن احتياج المملكة الفعلي للقوى العاملة التمريضية هو 172380 ممرضة، وليس ما هو مطروح في تقرير وزارة الصحة وهو 84 ألف ممرضة.

* اقتصرت الأخطاء الطبية على الأطباء دون الكادر الطبي، على الرغم من أن 80% من الخدمات الصحية يقدم من الكادر التمريضي؟

- أود أن أوضح في البداية أنه لا بد أن أسميها الأخطاء الصحية واستخدام كلمة الأخطاء الطبية خطأ، لأن كلمة الصحية تعني طبيبا ممرضة علوما صحية وصيدلة، وكل هؤلاء يخطئون، لكن عندما نقول أخطاء طبية يعني أن الطبيب وحده هو الذي يخطئ، ولكن في الواقع الجميع يخطئون، لكن نظرا لأنه لا يوجد تركيز على المهن الأخرى، فهناك أخطاء لا يعلم أحد عنها والجميع يتابع أخطاء الطبيب وهو ما تناولته الصحف ووسائل الإعلام، وعلى الرغم من وجود أخطاء كثيرة من قبل الكادر الصحي سواء من قبل الصيدلي أو الممرضة، ولعدم ثقافة المجتمع لا تظهر تلك الأخطاء جلية للعامة، إلا أنها موجودة، لكن لا نستطيع أن ننكر أن المجتمع أصبح يمتلك ثقافة صحية، كما أوصت الأبحاث بأنه يجب أن تكون نسبة التمريض في المستشفيات بما يعادل ممرضة واحدة لكل 4 مرضى في الأجنحة العامة، وقلة هذه النسبة تؤدي إلى رفع معدلات الوفيات وإلى بعض المضاعفات المرضية، والواقع في مستشفيات المملكة على حسب المسح الميداني وجود متوسط معدل عدد ممرضة واحدة لكل 10 مرضى في الأجنحة العامة في المدن الرئيسية، ويزداد الحال سواء في المحافظات والقرى والمراكز، وذلك لنقص القوى العاملة التمريضية.

* التدريب والمؤتمرات للممرضات دائما تكون في المدن الكبيرة؟

- تطوير النفس هي مسؤولية الشخص نفسه، وهي أحد مبادئ أخلاقيات المهنة وعلى الجميع الالتزام بها، سواء تم توفيرها من خلال نظام العمل أو لا. فعلى جميع الممارسين الصحيين وضع خطة لتطوير نفسهم مهنيا بناء على تطلعاتهم الشخصية لمستقبلهم. والدافع الحقيقي لتطوير النفس يأتي من داخل الإنسان يمكن تحفيزه خارجيا بإيجاد النظم والموارد والإمكانيات والمكافآت، فلا بد من تحديد خطة حقيقية لتطوير الشخص لذاته، هذا بجانب التأهيل الوظيفي الذي من المفترض أن تقدمه المنشآت لشخص ما، هل هناك نقص في التدريب؟ نعم هناك نقص وتقديم البرامج التدريبية والندوات يقتصر على المدن الكبيرة، نظرا لقلة المؤهلين للتدريب.

* في ظل التوسع والنهضة الصحية التي تعيشها المملكة إلا أننا ما زلنا نفتقر للممرضة السعودية المؤهلة والرعاية التمريضية الآمنة، إلى ماذا تعزين ذلك؟

- دور قيادات التمريض همش، وصانعو قرارات التمريض هم من الأطباء، وغيرهم الذين وجدوا في أنفسهم القدرة الإلهية في فهم أنظمة وقوانين وممارسة المهنة من غير دراسة أو ممارسة المهنة، علاوة على عدم تمكين الإدارة العامة للتمريض بوزارة الصحة بالصلاحيات اللازمة لتطوير المهنة، حيث إن الإدارة العامة للتمريض لا تملك وحدها صنع القرار للمهنة والممارسين، فنلحظ استخدام الممرضين كسائقي إسعاف، واستخدام فني التمريض كفني صيدلة، هذه القرارات ليست فقط تضر مهنة التمريض، بل تضعف الرعاية الصحية في وزارة الصحة، ولا تحقق رعاية آمنة للمواطنين، بالإضافة للحاجة لتطوير أداء الإدارة العامة للتمريض من خلال استقطاب كوادر مؤهلة وبأعداد كافية من أجل ضمان النهوض بالمهنة، ولا تتمكن هذه الإدارة من توزيع جهودها بالتساوي وبنفس القوة في جميع مناطق المملكة، حيث لاحظت أن هناك فروقا في أوضاع المهنة بين مدينة وأخرى، لأن فرص التأهيل والمتابعة والتقييم غير متساوية، والتوزيع لفئات التمريض على المناطق ما زال عشوائيا، حيث لا يخضع لتقييم قدراتهم العلمية، وهذا يفوت على بعض المناطق فرص النهوض بخدماتها التمريضية مقارنة بغيرها، وهذا يجعل فرص التطوير متباينة، وبحساب الوقت فإن الوزارة ستخسر الفارق الزمني للتطوير بين مدينة وأخرى، وهنا يلزم على قياديي التمريض التسلح بمهارات القيادة الفعلية من خلال البرامج التدريبية واستكمال دراساتهم العليا.

* وإلى مدى خدم الإعلام مهنة التمريض؟

- يخدم المهنة عندما يروج لها، فعلى سبيل المثال تجده يهتم بأيامها العالمية، ويناقش قضاياها ومشكلاتها بحيادية، لكن للأسف القلة من الإعلاميين الذين يتحرون الدقة والحقائق على حساب بحثه على سبقه الصحافي وإيجاد الإجابات لها، لكن هذا ليس كافيا، وصادفت كثيرا بأنني أقرأ مواضيع تكون فيها أخطاء، فتحري الدقة أمر مطلوب لا سيما أن وراء كل حقيقة، حقيقة أخرى، كما أن الإعلام له دور في تشويه مهنة التمريض لعدم الدقة في إعداد السيناريو الواقعي وتقصي الوقائع عند إعداد الأخبار والاعتماد فقط على المعلومات الخاطئة لدى معدي السيناريو والإعلاميين، وهذا لا يساعد على تصحيح نظرة المجتمع للتمريض، هذا الأمر ينعكس سلبيا في عدم التقييم السليم لأعمال المهنة، وهذا ينعكس في عدم التقدير الجيد للبدلات والرواتب المناسبة للعاملين في هذه المهنة، فالرواتب والبدلات هي إحدى الأدوات التي يستخدمها المجتمع لتقدير المهن المختلفة، وذلك يحدث لعدم استشارة المتخصصين في المهنة.

* ذكرت في أحد تصريحاتك الإعلامية بأن الممرضين هم خط الدفاع الثاني بعد الجيش، هل من توضيح أكثر لتلك العبارة؟

- ما قصدته هو أن النقص الحاد في الكوادر التمريضية بالمملكة يعتبر مسألة أمنية، حيث إن التمريض يعتبر خط الدفاع الثاني للمملكة بعد الجيش في تقديم الخدمات للمجتمع، والمملكة تعتمد حاليا على استقطاب كوادر تمريضية ما نسبته 70% من خارج المملكة، ففي حالة أي مشكلات صحية وبائية أو مخاطر طبيعية أو غيرها، فإن هذه النسبة سوف تغادر البلاد كما حدث مسبقا، ولن يتمكن القطاع الصحي بالمملكة من تقديم خدمات صحية آمنة.

* برأيك ما هي أبرز المشكلات التي تستدعي حلولا عاجلة لقطاع التمريض في السعودية؟

- تعريف مجال العمل للمستويات المختلفة في التمريض والاعتماد على تصنيف واحد للكادر التمريضي، أولا أي تصنيف يجب أن يكون الغرض منه واضحا، فهناك تصنيف لغرض تحديد مجال مزاولة المهنة بناءً على المؤهلات المكتسبة لكل فئة من فئات التمريض المختلفة، سواءً الحاصلة على دبلوم أو بكالوريوس أو ماجستير أو دكتوراه، وهذا التصنيف من مهام الهيئة السعودية للتخصصات الصحية ويجب على كل المؤسسات الصحية في المملكة الالتزام به، فالتنصيف لأفراد هيئة التمريض بالهيئة السعودية للتخصصات الصحية هي مساعد صحي، فني، اختصاصي، اختصاصي أول، استشاري.

وقد تجاهلت وزارة الصحة هذا الأمر عند تحديد مهام الفئات المختلفة للعاملين بها من فئات التمريض، حيث إنها أعطت مهام أكبر لفئات غير مؤهلة معتقدة أن سنوات الخدمة تغني عن المؤهلات، وتتابع سنوات الخدمة يكسب الممارس دقة في أداء نفس العمل لتكراره مرات ومرات، ولكن لا تكسبه معارف ومهارات جديدة، وهذه المعارف والمهارات الجديدة تكتسب بالتدرج التعليمي وعليه يتم إضافة مهام أكبر، وحددت الفئات كتالي (مساعد تمريض، ممرض، ممرض أول، ممرض مسؤول)، فالغرض الثاني من التصنيف يكون لتحديد المجالات والطبقات الإدارية المختلفة في أقسام التمريض في المؤسسات الصحية، وهذا يعتمد أيضا على المؤهلات والخبرات المكتسبة.

وهنا وللمرة الثانية تهفو وزارة الصحة في تحديد المؤهلات المناسبة لكل طبقة إدارية بل وغفلت عن بقية الطبقات الإدارية التي يجب تواجدها في المؤسسات الصحية، والتي يجب أن تكون (مساعد صحي، ممرض، ممرض أول، اختصاصي، ممرض مسؤول، رئيس قسم، مشرف، مساعد مدير التمريض، مدير التمريض، مدرب، مدرس تمريض، ممرضة الجودة، ممرضة مكافحة العدوى، ممرضة المعلوماتية).

* الفرص الوظيفية لخريجي التمريض هل لخريجي المعاهد أو الجامعات؟

- الفرص موجودة، لكن المشكلة في كيفية تأهيل الممرضين الخريجين لهذه الفرص وإيجاد الرواتب والبدالات المناسبة أسوة بالتخصصات الأخرى، ولكن حوافز التمريض والبدلات المرصودة الآن غير منصفة ولا تتناسب مع طبيعة العمل، فعندما تم تغيير السلم الوظيفي لإيجاد الكادر صحي، تم زيادة عدد ساعات العمل إلى 30%، وكان المقابل رصد 20% بدلات فقط، وهي أقل بدلات مقارنة بالصيادلة والأطباء، فقد تم رصد 50%، و60% بدلات لهم. وكذلك عندما تم تغيير السلم الوظيفي لإيجاد كادر صحي، تم تحديد 3 مستويات وظيفية لكل من الصيادلة والأطباء، ليتمكنوا من تثبيت خريجي البكالوريوس على مستوى اختصاصي، وخريجي الماجستير على مستوى اختصاصي أول، وخريجي الدكتوراه على مستوى استشاري، علما بأنه يوجد في التعليم التمريضي هذه المستويات الثلاثة (البكالوريوس، الماجستير، الدكتوراه)، ولكن تم تجاهل ذلك وتحديد مستوى واحد فقط لجميع المستويات، وهو مستوى اختصاصي.

* هل يستخدم التمريض السعودي من قبل بعض المستشفيات لتغطية نقصهم في أقسام أخرى؟

- أؤكد بأن هناك تسربا وأن نسبة التسرب تتزايد بالذات بين الفنيين، وهؤلاء يدربون على العمل الصحي، ومدير المستشفى الذي لديه مشكلة في السجلات الصحية يأخذ أحد الممرضين ويضعه هناك، لأنه يفهم ما المكتوب في الملف، و«الشباب يفرحون» بذلك؛ لأنهم خرجوا من التمريض، وهذا فيه تشجيع على التسرب، كذلك بعض السكرتارية الذين يعملون مع بعض الأطباء هم ممرضون كنوع من المساعدة على الخروج من العمل التمريضي، ومعظم الشباب تسربوا إلى الأعمال الإدارية، والبنات إلى إدارات الجودة، وأكبر دليل على أن المسؤولين يساعدون على التسرب أنه صدر قرار في المناطق النائية أن الممرض يعمل فني صيدلة، وقرار آخر بأن يعمل الممرض سائق إسعاف، هذه قرارات رسمية من وزارة الصحة؛ إذن تستطيع القول إن التسرب موجود ومشجع عليه من قبل المسؤولين.

* هل هناك تهميش لدور المرأة في القطاع الصحي رغم أنها تمثل بأكثر من 50% بالقطاع الصحي؟

- الأغلبية العظمى من التمريض من النساء، وإن هناك هضما لحقوق الممرضة، القطاع الصحي بالمملكة لم يشهد بروز دور للمرأة على مستوى الوظائف القيادية مثل وكيل وزارة أو مديرة شؤون صحية أو مساعدة أمين عام في الهيئة السعودية للتخصصات الصحية، أو أمين عام للمجلس السعودي للتمريض الذي نتمنى إنشاءه ونتوسم في دعم هذه المهنة الإنسانية، وبانتظار رعاية خاصة تتوج وترتقي بهذه المهنة الشريفة والارتقاء بالمستوى الصحي للمجتمع من خلال إيجاد المجلس السعودي للتمريض تشريعي لمهنة التمريض تضمن جودة الخدمة والممارسة المهنية التمريضية، وتضمن حماية المستفيدين والعاملين في المهنة.