جدة: كابوس المياه الجوفية ينذر أحياء الشرق بـ«خطر محدق»

يمثل تهديدا للبنى التحتية وقد يتسبب في سقوط بعض المنازل القديمة

برك المياه المتجمعة تهدد المنازل والبنى التحتية في بعض احياء جدة («الشرق الأوسط»)
TT

في حين يرقد عدد من الأحياء في مدينة جدة، خاصة في ناحيتها الشرقية، على المياه، وتغص بأنهار من المياه الجوفية، أكدت أمانة جدة أنها تعمل على مشروع لحل قضية تلك المواقع التي تحوي المياه الجوفية التي باتت تهدد البنية التحتية للمدينة، دون أن تحدد زمنا فعليا للبدء في عمليات الحل والمشاريع الميدانية.

وعلى أثر الأمطار المتكررة على مدينة جدة، التي اتسمت بمعدلات هطول، وصفت بـ«القياسية»، تواجه منازل وبيوت قديمة، مخاطر تسرب مياه الأمطار إلى داخل التربة، في أحياء سكنية شعبية، خاصة تلك التي تقع في المناطق الشرقية والجنوبية بمحافظة جدة. عبد الله الغانم، الذي تجاوز العقد الخامس من عمره، يخشى على منزله القديم الكائن في أحد الأحياء الشعبية بجنوب جدة من الانهيار، ويجلس مترقبا سقوط منزله، الذي لم يعد في مخزون طاقته الصمود أمام التحديات المناخية التي طرأت مؤخرا على مدينة جدة.

يؤكد الغانم لـ«الشرق الأوسط» أنه ينتظر سقوط منزله القديم، المكون من 3 طوابق على شكل مبنى سكني يضم 4 عائلات، كل عائلة لا يقل أفرادها عن 8، جلهم مقيمون في السعودية، دفعهم ضيق حالهم إلى استئجار شقة تتكون من 3 غرف، في تلك المنطقة الشعبية، التي تزخر بالعشرات من هذه المباني القديمة.

يتابع غانم وصف مشاعر المقيمين في هذه المباني، قائلا: «زخات المطر باتت مرعبة، لأن أساسات المباني السكنية في هذه المنطقة، مهيأة للانهيار في أي وقت، سواء أثناء هطول المطر أو بعده، ولم يقتصر تهديد المياه الجوفية على المباني السكنية فقط، بل امتد أثرها إلى المباني المدرسية».

ولمواجهة تداعيات الأمطار وتأثيراتها على البنى التحتية لتلك المنازل، اعتمدت وزارة الشؤون البلدية والقروية كودا جديدا سيتم تطبيقه على جميع الوحدات السكنية والعقارية، لحمياتها من مخاطر الانهيار.

يأتي ذلك متوافقا مع تحذير هيئة المساحة الجيولوجية من تسرب تلك المياه، حيث تهدد هذه الظاهرة سلامة المنازل والبيوت الشعبية، خاصة أن غالبية تلك الأحياء الشرقية والجنوبية بجدة، تضم المئات من الوحدات السكنية القديمة، التي تقف على شفا الانهيار.

إلى ذلك كشف مصدر مسؤول في أمانة محافظة جدة لـ«الشرق الأوسط» عن بلوغ إجمالي أطوال الشبكات المنفذة لتخفيض المياه السطحية - الجوفية - إلى نحو 261 كم، وبقدرة تصريفية للمياه تصل لأكثر من 448 ألف م3 في اليوم، وذلك في عدة مناطق متفرقة بالمحافظة. وقال المصدر الذي فضل حجب اسمه، إن الأمانة تقوم حاليا بطرح باقي مراحل مشروع الشبكة، حيث تم الانتهاء من أعمال التصميم للشبكة البالغة أطوالها نحو 170 كم وبقدرة تصريف تصل إلى نحو 430 ألف م3 في اليوم. وفي هذا الصدد، أوضحت الأمانة عبر مركزها الإعلامي، أن مدينة جدة سوف تظل تعاني من ارتفاع منسوب المياه الجوفية، وأن الحل الجذري لمشكلة الطفح المائي في الأحياء بشكل عام سيكون مع الانتهاء من مشاريع الشبكة الرئيسية للصرف الصحي في المحافظة، لافتة إلى أن المياه الجوفية في جدة هي نتاج طبيعي وليست مشكلة دائمة.

وحول تنفيذ شبكات تخفيف منسوب المياه الجوفية في مناطق دون أخرى، بينت الأمانة أن تنفيذ تلك المشاريع يتم بناء على أن موقع المناطق ينبغي توفر شرطين فيها، هما: أن يكون منسوب المياه الجوفية فيها مرتفعا، بالإضافة إلى وقوعها بالقرب من مناطق تصريف المياه، سواء كانت عن طريق البحر أو بوجود خطوط للتصريف.

وأكدت الأمانة تحذيرها العام الماضي قرابة 3079 مبنى بقطع المياه عنها، بسبب تسرب المياه منها، مبينة أن مشاريع تصريف المياه السطحية والجوفية تهدف إلى إيجاد الحلول المناسبة للتخلص من المياه المتجمعة في الشوارع والأحياء الداخلية، باستعمال أنابيب من البلاستيك وأنابيب من الخرسانة المسلحة، مغلفة بالقماش المسامي «جيوتيكستايل» لمنع دخول الأتربة وضمان التخلص من المياه المتسربة من باطن الأرض.

وجاء تحذير هيئة المساحة الجيولوجية على لسان رئيسها الدكتور زهير النواب، في تصريحات سابقة لـ«الشرق الأوسط» أن مياه الأمطار تؤثر على ارتفاع منسوب المياه الجوفية، وبالتالي كلما ارتفع منسوبها، زاد تأثيرها على قواعد المباني والمنشآت، وكذلك على التمديدات الأرضية، التي تشكل البنية التحتية للمدينة، خصوصا إذا ما استمر تعرضها للمياه الجوفية لمدة طويلة.

واعتبر ارتفاع منسوب المياه الجوفية من أهم العوامل التي تساعد على حدوث ظاهرة تميع وإسالة التربة في حالة حدوث زلازل - لا قدر الله - وقد يؤدي هذا إلى انهيار كامل للمباني، حيث تفقد بموجبها التربة قوتها وصلابتها بشكل كبير، نتيجة لتعرضها لإجهاد، يتولد من الاهتزازات الناتجة عن حدوث زلزال أو أي مصادر أخرى، الأمر الذي يؤدي إلى أن تتصرف التربة مثل السائل.

وكان المهندس عبد الله العساف مدير وحدة أعمال جدة في شركة المياه الوطنية قد أفصح لـ«الشرق الأوسط» في وقت سابق، عن أعطال بمحطات المعالجة والرفع، جراء استخدام فتحات ومناهل مخصصة للصرف الصحي لتصريف مياه الأمطار والسيول التي ضربت مدينة جدة مؤخرا.

وأضاف أن «شبكة الصرف الصحي من محطات وشبكات ومناهل مصممة لتصريف مياه صرف صحي فقط، واستخدامها لتصريف مياه الأمطار والسيول تسبب في أعطال بمحطات المعالجة ومحطات الرفع»، مؤكدا أنه «تم علاج المشكلة من قبل شركة المياه الوطنية».

وبين أن ما حدث خلال الأمطار الأخيرة هو قيام البعض بفتح المناهل وفتحات تصريف مياه الصرف الصحي للتخلص من المياه التي غطت معظم شوارع مدينة جدة، مضيفا أن شركة المياه الوطنية هي الجهة المسؤولة التي تتحمل إصلاح العطل بشبكات الصرف الصحي وهذا من منطلق مسؤوليتها الاجتماعية. وعلل ذلك بأن الحالة خلال فترة الأمطار الأخيرة كانت حالة استثنائية نظرا لكثرة المياه في الشوارع الرئيسة والفرعية إضافة إلى عدم وجود شبكة لتصريف مياه الأمطار والسيول في المحافظة. من جهتها، أرجعت أمانة محافظة جدة عبر المركز الإعلامي التابع لها حدوث مشكلات في تصريف مياه الأمطار بشكل عام إلى كون بعض قنوات تصريف الأمطار التي سبق أن نفذت في مدينة جدة منذ سنوات سابقة، كانت على أساس أن مستوى منسوب الأمطار بحد أقصى 25 ملم، ولكن تغير المناخ الجوي وما تبعه من هطول أمطار بمنسوب زاد على 120 ملم، في المشكلة الأخيرة، أدى إلى حدوث مشكلات في تصريف مياه الأمطار نتيجة الفارق بين ما هو منفذ على أساس 25 ملم وارتفاع منسوب مياه الأمطار إلى 120 ملم.

أما في ما يخص استخدام تلك الفتحات لتصريف مياه الأمطار والسيول، فأكدت أمانة محافظة جدة أنه ليست لها الصلاحية في تصريف مياه الأمطار والسيول من خلال تلك الفتحات، بجانب أن هذا الأمر مرفوض تماما من قبل مسؤولي الأمانة، بل إن مراقبي الأمانة من خلال جولاتهم الميدانية وملاحظتهم قيام بعض الأفراد بفتح أغطية تلك الفتحات، يتولون على الفور إغلاقها مع التنبيه بإيقاف مثل هذه الأعمال لما فيه من أضرار جسيمة، قد تتمثل في سقوط بعض الأفراد في تلك الفتحات أو السيارات نتيجة حجمها مقارنة بفتحات تصريف مياه الأمطار، بجانب ما قد تؤديه من أثر سلبي على الكميات الواردة لمحطات التنقية الخاصة بمياه الصرف الصحي.

وأكدت أن الأمانة ومن خلال التوجيهات الرامية تعمل على إعادة دراسة وضع قنوات تصريف مياه الأمطار في مشاريعها الجديدة بما يتلاءم مع ما حدث من تغييرات مناخية وبحيث تمتد الشبكات إلى مختلف أنحاء المدينة. وفي السياق ذاته، أكد الدكتور على عشقي أستاذ علم البيئة بجامعة الملك عبد العزيز لـ«الشرق الأوسط» أن 90 في المائة من محطات تحلية المياه لا تعمل وأن ما يعمل منها لا يعمل بطاقة إنتاجيه أكثر من 30 في المائة، وأن ما يرمى في البحر هو مياه صرف صحي 100 في المائة، لافتا إلى أن ذلك يعتبر حقيقة مثبتة لا يمكن إنكارها من قبل العاملين. وقال إن الجهات المختصة فشلت في معالجة مياه الصرف الصحي، وإن مدينة جدة أصبحت تعتبر أول مدينة في العالم من حيث تلوث شواطئها، جراء ما يتم التخلص منه من مياه صرف صحي غير معالج، وأن هناك العديد من الظواهر البيئية البحرية الخطيرة التي تهدد الإنسان والحيوان على حد سواء. واعتبر ظاهرة المد الأحمر، وهي عبارة عن تكاثر نوع من الطحالب الدقيقة يتحول فيها لون المياه الساحلية إلى اللون الأحمر أو الأصفر، أهم الظواهر البيئية، في حين تصنف هذه الظاهرة من الظواهر السامة والقاتلة للإنسان وللحياة البحرية، نتيجة للتخلص من مياه الصرف الصحي في البحر، إلى جانب بعض الأمراض التي قد يتعرض لها مرتادو شواطئ البحر الأحمر مثل النزلات المعوية وغيرها.