الأمير خالد الفيصل: استعدنا 280 مليون متر مربع من الأراضي المعتدى عليها في جدة بقيمة 80 مليار ريال

في جلسة حوار مفتوح جدد فيها شبابه خلال منتدى جدة الاقتصادي

الأمير خالد الفيصل خلال لقائه المفتوح مع الإعلاميين (تصوير: خضر الزهراني)
TT

كشف الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة أمس عن استعادة إمارة المنطقة خلال الفترة الماضية نحو 280 مليون متر مربع من الأراضي المعتدى عليها في مدينة جدة، التي تقدر قيمتها بما يقارب 80 مليار ريال.

وأوضح خلال الجلسة الرابعة من جلسات منتدى جدة الاقتصادي في يومه الأخير أن تلك الأراضي ستدخل ضمن التخطيط الجديد، التي ستكون إما للمرافق الحكومية أو للمشاريع التنموية في جدة.

الجلسة التي حملت عنوان «لقاء القادة»، جدد من خلالها أمير منطقة مكة المكرمة شبابه في ظل الحوار المفتوح الذي جمعه مع نحو 20 شابا وشابة ألقوا عليه مجموعة من الأسئلة أكد بعدها أنها ألقيت بحماس يشبه حماسه في مرحلة الشباب من عمره.

وشهدت الجلسة التي ترجل فيها الأمير خالد الفيصل بجوار الشباب والشابات بعد أن فضل حينها نزع «بشته»، العديد من الحقائق، جاءت مجملة في كلمة ختامية وجهها لهم، إلى جانب إجاباته عن 20 سؤالا تم طرحها بمنتهى الشفافية أمام الحضور، معلنا عن عدة مشاريع جديدة تنصب في مصلحة الشباب، التي من أهمها عقد لقاء شهري معهم ابتداء من يوم الاثنين بعد المقبل على أن يكون هناك لقاء في أول اثنين من كل شهر.

كما أعلن أمير منطقة مكة المكرمة عن تخصيص أراض في الطائف تتجاوز مساحتها 5 ملايين متر مربع لصالح مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، وذلك بهدف إنشاء واد للتقنية، مشددا في الوقت نفسه على ضرورة تنفيذها بشكل عاجل في ظل وجود الاعتمادات المالية لها مسبقا، مشيرا إلى وجود مشاريع أخرى؛ من ضمنها مشروعا «الهدا والشفاء» ومشروع «سوق عكاظ»، إضافة إلى مشروع إنشاء مدينة صناعية كبيرة.

وأضاف: «تنطلق استراتيجية منطقة مكة المكرمة من الكعبة المشرفة وكيفية الدخول إليها والخروج منها، إلى جانب أن تكون تلك الاستراتيجية متوازية ومتوازنة في آن معا، بحيث تصبح المحافظات كالمدن الرئيسية».

ولفت الأمير خالد الفيصل إلى أن نحو 11 محافظة تابعة لمنطقة مكة المكرمة باتت تشرب من مياه محلاة، في حين تبقى ما يقارب محافظتين فقط ستلحق بها خلال الفترة المقبلة، مبينا أنه في المستقبل ستشهد كل محافظة مركزا للتنمية ومخططا للإسكان ومثله لكل من الدوائر الحكومية، إضافة إلى مخططات للاستثمار.

وزاد: «تم اعتماد تنفيذ مطار في القنفذة وميناء في الليث، إضافة إلى مشاريع اقتصادية في رابغ، لا سيما أن هناك دراسات بين إمارة منطقة مكة المكرمة والغرفة التجارية الصناعية بجدة»، مؤكدا أن رابغ تشهد حاليا عشرات الصناعات القائمة في ظل النهضة الكبيرة الحاصلة بها.

وفي ما يتعلق بمشاريع الحرم المكي والمشاعر المقدسة، أبان أمير منطقة مكة المكرمة أن هذه المشاريع لا يوازيها شيء على مستوى العالم، إضافة إلى مشروع الملك عبد الله بن عبد العزيز لإعمار مكة المكرمة، الذي تمت الموافقة عليه مبدئيا، بينما لا يزال ينتظر موافقة خادم الحرمين الشريفين، موضحا أنه في حال تنفيذه فإنه سيغير المنطقة بالكامل. واستطرد في القول: «يشمل المشروع النقل والإعمار، إضافة إلى أربعة طرق مماثلة لطريق الملك عبد العزيز من خارج مكة المكرمة إلى الحرم المكي، فضلا عن وجود قطار خفيف وحركة نقل جماعية كاملة في ظل إنشاء محطات على الطريق الدائري وبجوار الحرم المكي نفسه»، لافتا إلى إنشاء طريق دائري جديد ليصبح في مكة المكرمة 5 طرق دائرية.

ووصف الأمير خالد الفيصل المشاريع العاجلة التي وجه بها خادم الحرمين الشريفين لمدينة جدة بعد الكارثة بـ«الاستثنائية» من ملك استثنائي لشعب استثنائي، والتي لم تحدث في تاريخ السعودية منذ قيامها. وزاد: «تتضمن مشاريع جدة العشوائيات، وجائزة مكة للتميز، وملتقى شباب مكة الذي بدأ منذ العام الماضي، إلا أن احتفاله النهائي سيكون في جدة في الإجازة المقبلة».

«ملتقى شباب مكة»، كما أبان أمير المنطقة، يتمثل في مسابقات بمدارس منطقة مكة المكرمة من بنين وبنات يتم من خلالها إجراء تصفيات في كل محافظة ومن ثم التصفيات النهائية في مدينة جدة.

استراتيجية منطقة مكة المكرمة، بدأت بورش عمل شارك فيها أكثر من 100 مواطن على اختلاف أطيافهم، وضعوها ضمن الخطة العشرية للمنطقة، وذلك بحسب ما ذكره أمير منطقة مكة المكرمة، حيث أكد أنه بعد مرور 4 سنوات على إمارته سيكون هناك تقييم لما تم خلال هذه الأعوام، إضافة إلى الخطة التي بدأت منذ عامين. وزاد: «خصص لتقييم الاستراتيجية ما يزيد على 15 ورشة عمل بمشاركة مئات المواطنين على اختلاف فئاتهم العمرية، وسوف يتم تقديم تقرير من قبل الذين قاموا على وضع الخطة وليس من منسوبي إمارة المنطقة لإيصالها إلى المسؤولين والإعلان عنها قريبا عبر وسائل الإعلام المختلفة».

ومن بين الحقائق التي كشف عنها الأمير خالد الفيصل خلال حواره مع الشباب والشابات، إعادة هيكلة إمارة منطقة مكة المكرمة بالكامل لتتناسب مع الخطة الاستراتيجية والتنموية، حيث إنه لأول مرة يتم إنشاء وكالة لشؤون التنمية فقط تابعة للإمارة، إضافة إلى اعتماد إدارة لتنفيذ الأحكام، ولجنة الفساد الإداري ومكافحته، مبينا أن هذه اللجنة بدأت أعمالها منذ فترة وسيتم الإعلان عن نتائجها قريبا.

وردا على سؤال أحد الشباب حول الطرق التي من خلالها يستطيع المواطن الإبلاغ عن أي فساد أو سرقات مالية، أكد أمير منطقة مكة المكرمة على أن أقصر الوسائل لذلك تتضمن لقاءه شخصيا في الإمارة أو أحد وكلائه أو عبر الهاتف وموقع إمارة منطقة مكة المكرمة الإلكتروني.

أحد الأسئلة الموجهة إلى الأمير خالد الفيصل كان بمثابة مطالبة بضرورة إيجاد التوازن بين الاهتمام بالجماليات والأولويات في مدينة جدة، وهو ما شدد عليه خلال إجابته، في ظل بدء تنفيذ مشاريع الصرف الصحي التي من المزمع انتهاء المرحلة الحالية منها في نهاية عام 2012 بحسب معلومات وزارة المياه التي أعلنت عنها. ولكنه استدرك قائلا: «لن تنتهي إشكاليات مدينة جدة إلا بانتهاء مشاريع الصرف الصحي بها، خصوصا أن هناك أحياء لم تشملها الدراسة، إلا أنه سيشملها الأمر الملكي الجديد في ما يتعلق بالحلول العاجلة لجدة بعد الكارثة».

ظاهرة التسول في مدينة جدة كانت أحد المحاور التي تم طرحها خلال جلسة الحوار مع الشباب، حيث أبان أمير منطقة مكة المكرمة أن أكثر المتسولين هم من العمالة الوافدة المتخلفة عن موسمي الحج والعمرة، غير أنه أشار في الوقت نفسه إلى أن عدد المتخلفين بدأ في التناقص، إلى جانب أن مشروع العشوائيات من شأنه أن يعمل على معالجة تلك القضية. وأضاف: «لن تحل تلك الإشكالية جذريا إلا بانتهاء مشاريع تطوير العشوائيات باعتبارها بؤرة للمتخلفين، حيث سيتم تحويلها إلى أحياء راقية تليق بالمجتمع السعودي، غير أن مسؤولية معالجة هذه المشكلة تقع أيضا على عاتق الجهات الحكومية والمجتمع نفسه الذي ينبغي أن لا يتستر عليهم».

إحدى الشابات أثارت نقطة ضرورة خروج خطب الجمعة في المساجد من قالبها التقليدي وملامستها لهموم وقضايا المجتمع؛ إذ أكد الأمير خالد الفيصل على وجود خطب تعالج بعض المشكلات الاجتماعية في المجتمع السعودي، خصوصا أنها اختلفت كثيرا عن السابق، مشيرا إلى أن الارتقاء بمستوى الأئمة وتدريبهم من قبل وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد سيسهم في تطور وتغيير نمط خطب الجمعة الذي يجب تغييره فعلا.

ولم يغفل أمير منطقة مكة المكرمة عن التطرق لقضية البطالة، حيث أبان أنها في ازدياد ليس على مستوى السعودية فقط، وإنما في جميع دول العالم، غير أن الأهمية تكمن في معالجتها وليس تحديدها فحسب، واصفا إياها بـ«المرض الاجتماعي والاقتصادي». وذكر أن الأوامر الملكية الجديدة تؤكد اهتمام الدولة بها فعليا، خصوصا بعد الاجتماع الذي ضم وزيري العمل والتجارة والصناعة خلال ثاني أيام منتدى جدة الاقتصادي، مطالبا في الوقت نفسه بضرورة الإسراع في معالجتها كونها تسفر عن مشكلات اجتماعية واقتصادية إذا ما اتسع حجمها. وشدد على ضرورة مشاركة القطاعين الخاص والحكومي في معالجة البطالة، من خلال الإجراءات الحكومية ومبادرات القطاعات الخاصة، وإعداد دراسات للمساهمة الفاعلة في إنهاء المشكلة.

وأضاف: «الأمر الملكي يقضي بصرف إعانات للباحثين عن العمل وليس العاطلين المتكاسلين، حيث إن الباحث له الحق فيها، في حين العاطل عادة ما يكون من الطبقة الميسورة الذي اعتاد الاعتماد على عائلته في الإنفاق عليه». وأعلن الأمير خالد الفيصل أيضا عن وجود توجه لتعزيز صلاحيات دور العمدة ودمجها مع أدوار مراكز الأحياء، وذلك من خلال تطبيق النموذج الموجود مسبقا بمكة المكرمة على جدة، وتطوير مراكز الأحياء فيها من أجل الخروج بمؤسسات جديدة تخدم فئة الشباب والشابات بتلك الأحياء. وقال: «هناك إمكانية لتطوير مراكز الأحياء وتجهيزها بشكل أفضل، خصوصا في ظل البدء في إنشاء أندية رياضية اجتماعية لكل من الشباب والشابات في الأحياء ودمجها بتلك المراكز، إلا أنه لا بد من قيام الأجهزة الحكومية بدورها في ذلك ومساهمة القطاع الخاص أيضا». وأفاد أن التنظيم الجديد لمراكز الأحياء على مستوى منطقة مكة المكرمة يتضمن وجود مركز في كل حي عشوائي، وذلك بهدف إيجاد مراكز تليق بالمنطقة خلال السنوات المقبلة.

وبالنسبة لجانب التطوع الذي حقق نجاحا بارزا خلال أحداث كارثتي جدة الأولى والثانية، أعلن الأمير خالد الفيصل عن إنشاء جمعية لشباب مكة للتطوع، التي تمت الموافقة عليها لتبدأ أعمالها مطلع الأسبوع المقبل من خلال أول اجتماع لأعضاء مجلس إدارتها البالغ عدده 25 عضوا من بينهم 7 فقط من غير الشباب، مؤكدا أن أعمالها مستمرة على مدار السنة وليست للكوارث فقط.

وتطرق الأمير خالد الفيصل إلى مسألة تنظيم المخيمات الشبابية في منطقة مكة المكرمة، وذلك من خلال تأكيده على عدم منعها، بل تنظيمها فقط، حيث أشار إلى أن القائمين عليها لا يريدون التنظيم وإنما الفوضى، لافتا إلى تشكيل اللجنة الثقافية في مجلس المنطقة لتشرف على جميع الأنشطة اللاصفية في المدارس والأنشطة الأخرى. ووصف المخيمات بـ«المنظر غير الحضاري»، وذلك إذا ما تمت بشكل عشوائي دون تنظيم وأسلوب محدد، مبينا أنه في إحدى المرات وخلال تجربته في إمارة المناطق تم اكتشاف مخيمات كانت تدرب الشباب على الرمي بالأسلحة النارية وتحويلها إلى تدريب عسكري بشكل ممنوع.

وأضاف: «إمارة منطقة مكة المكرمة لا تمنع أو توقف، بل تعمل على التنظيم، حيث إنه يجب على الشباب مكافحة الفوضى واحترام النظام، إضافة إلى أن المدارس والكليات والجامعات تتبع وزارتي التربية والتعليم والتعليم العالي، الأمر الذي يوجب تماشي التنظيمات مع الأنظمة المعمول بها في تلك الوزارتين».

كما طالب الأمير خالد الفيصل بضرورة تطوير الأنظمة بصفة مستمرة ومراجعتها في كل مرة، وذلك بعد أن حمل سؤال لإحدى الشابات استفسارا عن مدى استفادة الجهات الحكومية من النظام المعمول به في شركة «أرامكو السعودية»؛ إذ أكد الفيصل على عدم وجود ما يمنع من فعل ذلك سواء كانت أنظمة إدارية أو مالية، مضيفا: «تطوير تلك الأنظمة ليس عيبا».

ومن منطلق اقتران اسم الأمير خالد الفيصل بالثقافة والأدب، فقد طالب أحد الشباب بتنظيم معارض دولية للكتاب في جدة، إلا أن أمير المنطقة أفاد بأن مثل تلك المعارض عادة ما تعقد بالعواصم، وهو ما يحدث سنويا في الرياض، غير أنه رحب بمبادرة تنظيم معرض للكتاب في حدود أضيق من هذه المعارض الدولية. وأضاف: «نأمل أن يكون في كل حي مكتبة، إلا أن التوجه الحالي ينبغي أن يهتم بالمكتبات الإلكترونية التي تتيح للقارئ الحصول على ما يريد من أي مكان آخر، إضافة إلى البدء في إنشاء أندية للشباب والشابات تحوي الأنشطة كافة التي يحتاجونها لقضاء وقت ممتع ومفيد في آن معا وذلك بأحياء مدن منطقة مكة المكرمة».

الكلمة الختامية لأمير منطقة مكة المكرمة التي وجهها إلى الشباب والشابات لم تخلو من النصائح الأبوية واللفتات الإنسانية، فضلا عن لغة التفاؤل والتشجيع، خصوصا أن معظم أسئلتهم كانت منصبة على التنمية، إضافة إلى الافتخار بالشعب والقيادة والوطن. وتضمنت كلمته تذكيرهم بأن قدر السعوديين الوجود في بقعة تواجه كل من يسيء إلى الإسلام والمسلمين، مشددا عليهم بضرورة تحمل هذه المسؤولية وتقديرها والقيام بواجباتهم تجاهها على أكمل وجه. كما اشتملت كلمته أيضا على أن الشعب السعودي يشغله الآن الأوامر الملكية القاضية بالخير، الأمر الذي يجعله يفتخر بالشباب نتيجة اهتمامهم بالتنمية من خلال أسئلتهم، مطالبا إياهم بضرورة المقارنة خلال الأحداث الحالية بين السعودية والدول العربية الأخرى التي ما زالت تعيش صراعات مع أنظمة الحكم بها.

وأكد أمير منطقة مكة المكرمة على أن لقاءاته المقبلة مع فئة الشباب لن تقتصر على سماع ملاحظاتهم فحسب، وإنما يريد من خلالها أيضا إبداء آرائهم وتوجيهاتهم له، مختتما كلمته بالقول: «باسم والد الجميع الملك عبد الله، نحن في خدمتكم».