«صولة الحق».. تجارب افتراضية لـ«ردع القاعدة» و«القرصنة البحرية» وتحرير الطائرات «المختطفة»

قوات الطوارئ تنفذ النسخة الرابعة منه بحضور محمد بن نايف.. ومدير الأمن العام يؤكد: لن نسمح لأحد بالتدخل في شؤوننا

انفجار عنيف يهز حيا سكنيا خلال تجربة فرضية لعملية تطهير حي من إرهابيين متحصنين (تصوير: مسفر الدوسري)
TT

على بعد 50 كيلومترا غرب العاصمة الرياض، وعلى أرض تحيطها التضاريس الجبلية من كل مكان، نفذت قوات الطوارئ الخاصة (الجهاز الخاص بمكافحة الإرهاب)، مجموعة من التجارب الافتراضية في ردع «إرهاب القاعدة» وعمليات القرصنة البحرية التي قد تتعرض لها ناقلات النفط من خلال إبحارها في المياه الإقليمية السعودية وتحرير الطائرات المختطفة، وذلك في تمرين أطلق عليه اسم «صولة الحق»، تم بحضور الأمير محمد بن نايف، مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية.

وهذه هي النسخة الرابعة، لمثل هذا النوع من التجارب الافتراضية التي تقوم بها قوات الطوارئ الخاصة التي يرمز لها بـ«SEF»، وهي تأتي في إطار «تمرين تعبوي»، كما تم وصفه من قبل إدارة التدريب بقيادة تلك القوات، وذلك لرفع القدرات القتالية لأفرادها.

قوات الطوارئ الخاصة، هي عبارة عن قوة أمنية، اعتمدت عليها السعودية بشكل كبير بعد الهجمات الدموية التي نفذها تنظيم القاعدة في العاصمة الرياض 12 مايو (أيار) 2003، والتي استهدفت مجمعات سكنية أسفرت عن عشرات القتلى والمصابين.

واهتمت قيادة وزارة الداخلية السعودية، على نحو متنام بقوات الطوارئ الخاصة، لرفع جاهزيتها في مواجهة «إرهاب القاعدة» تحديدا، لأنه يعتبر التحدي الأكبر للجهاز الأمني منذ 8 سنوات، وحتى اليوم، خلافا لموسم الحج، الذي تجند له الدولة كافة المؤسسات والقطاعات، وفي مقدمتها المؤسسات الأمنية.

وخلال تمرين «صولة الحق 4» الذي استمر نحو 4 ساعات، تم الإعلان عن استحداث فرق متخصصة في قوات الطوارئ الخاصة لمكافحة جريمة «القرصنة البحرية» التي تعتبر من الجرائم المستحدثة، ومن التطورات الإقليمية التي كادت تكبد الاقتصاد العالمي «خسائر فادحة»، لولا تضافر الجهود الدولية.

وقد أشرف الأمير محمد بن نايف، مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية، على تمرين «صولة الحق 4»، الذي حمل مجموعة من التجارب الافتراضية في كيفية تطهير الأحياء السكنية من الإرهابيين، والتعامل مع الهجمات المسلحة التي تستهدف المنشآت، وتحرير ناقلة نفط من أيدي القراصنة، وتحرير الطائرات المختطفة.

وطبقا للقياديين في قوة الطوارئ، فإن أفراد هذه القوات «تتلقى تدريبات عنيفة جدا»، في سبيل إخراج كوادر قادرة على التعامل والتكيف مع أي ظروف من الممكن أن تجد نفسها بها.

ويخضع أفراد قوات الطوارئ الخاصة إلى تدريبات يومية، في كيفية تخطي الحواجز العنيفة، وكيفية اجتياز العبارة في المناطق الملغومة.

وتدخل الطائرات العمودية كجزء من عمل قوات الطوارئ الخاصة، حيث خصصت قيادة تلك القوات مجموعة أفراد للتعامل من الجو مع الأهداف الأرضية، وذلك بالتدريب على الرماية من المروحيات.

واتسمت التجارب الافتراضية التي تم تنفيذها، بمقاربتها للواقع بشكل كبير، حيث استخدمت «الذخيرة الحية» في تلك التجارب، وجسدت إحداها واقعة حقيقية تتمثل في الهجوم الإرهابي الذي استهدف مقر قوات الطوارئ الخاصة قبل 7 سنوات.

ومن المهام التي تضطلع بها قوات الطوارئ الخاصة، التدخل في حالات الاعتداء على الأجهزة المكلفة بنقل السجناء من السجون إلى المحاكم، والعودة بهم مجددا.

وجعلت قيادة قوات الطوارئ الخاصة، مسألة «محاولة تخليص السجناء وتمكينهم من الهرب»، ضمن الأمور المحتمل وقوعها، خصوصا في ظل تورط آلاف السعوديين بنشاط تنظيم القاعدة منذ بدء التنظيم نشاطه في عام 2003.

وتم تدريب قوات الطوارئ الخاصة على كيفية التعامل مع فرضية تخليص السجناء، حيث تم استعراض قدرة تلك القوات على السيطرة على الوضع في الأرض، في حال حدوث مثل هذا الحادث، وسرعة استجابة الفرق الأرضية على تطويق المكان، وإخلاء السجين بواسطة الطائرات المروحية.

ويتمتع أفراد القوات الخاصة، بدقة الرماية بمجموعة مختلفة من الأسلحة. ويؤكد المسؤولون في القوة أن أفرادها مدربون على استخدام أسلحتهم، حتى بعد سقوطهم على الأرض، حيث يعتمدون على استراتيجية الكر والفر في العمليات القتالية.

وشهد تمرين «صولة الحق 4»، تجربة فرضية في كيفية تطهير حي سكني يتحصن فيه إرهابيون، وذلك محاكاة لعدد من المواجهات التي تمت مع عناصر تنظيم القاعدة، الذين اعتمدوا استراتيجية التحصن بالمواطنين كـ«دروع بشرية» في بداية المواجهات مع رجال الأمن.

وطبقا للمعلومات التي تم الإفصاح عنها أمس، فإن قوات الطوارئ الخاصة استخدمت «الغاز المسيل للدموع» في عمليات تطهير الأحياء السكنية من المجموعات الإرهابية.

وتضطلع قوات الطوارئ الخاصة بمسؤولية التعامل مع الإرهابيين في الأحياء السكنية بحكم اختصاصها، وعكست الفرضية التي تم تنفيذها أمس، الاستعانة بالمروحيات بشكل كبير في مسألة إنزال المقاتلين إلى سطح المنزل الذي يتحصن به الإرهابيون، وذلك لتجنيب التجمعات البشرية أي أضرار جانبية متوقعة لتبادل النيران بين الجانبين.

ورفعت قيادة قوات الطوارئ الخاصة مستوى تأهبها لمواجهة عمليات القرصنة البحرية التي تتم في المياه الإقليمية للسعودية.

وطبقت قوات الطوارئ الخاصة، خلال تمرين «صولة الحق»، فرضية لكيفية تحرير ناقلة نفط، تم احتجازها من قبل بعض القراصنة في المياه الإقليمية، حيث تم استخدام الطائرة العمودية في هذه العملية عبر عملية إنزال لأفراد هذه القوة لباخرة النفط، مدعومة بمجموعة من الأفراد قاموا بمداهمة الباخرة المختطفة عن طريق البحر، في وقت كان المختطفون يتحصنون خلف أسلحة ثقيلة وقذائف الـ«آر بي جي»، حيث تم تدمير القارب العائد للقراصنة في عرض البحر، واقتحام الباخرة وتحرير الرهائن والقبض على القراصنة.

وتم استعراض قدرة قوات الطوارئ الخاصة على تحرير الطائرات المختطفة، في وقت استعرضت فيه القوات أمس، التاريخ الدموي لجريمة اختطاف الطائرات منذ عام 1947 وحتى هذا الوقت.

ويمتاز أفراد قوات الطوارئ الخاصة بقدرتهم العالية على التعايش مع مختلف البيئات والتعاطي مع دواب الأرض، سامة كانت أو ضارية.

واستعرضت مجموعة من أفراد قوة الطوارئ الخاصة، مهاراتهم أمام الأمير محمد بن نايف وكبار المسؤولين في وزارة الداخلية، في التعامل مع الأفاعي والعقارب السامة والتماسيح، بينما أظهروا التكتيكات المتعلقة بالتخفي في البيئات الطبيعية أو الصحراوية.

وزخر تمرين «صولة الحق» بالكثير من العمليات الفرضية، من اقتحام الطائرات، وتخليص رهائن من القرصنة البحرية، وصد الهجوم المسلح على أحد المواقع الأمنية المهمة، ورماية الطائرات العمودية على أهداف أرضية واقتحام قرية هيكلية وتطهيرها من المجموعة الإرهابية ومهارات الرماية الفردية.

الفريق سعيد القحطاني، مدير الأمن العام السعودي، وصف قوات الطوارئ الخاصة بأنها «قوة إنسانية». قائلا إنها «مسلطة على كل ظالم، ويشهد لها دورها في الحج وفي الظروف الطارئة التي تشهدها البلاد».

وأكد مدير الأمن العام في السعودية، على احترام بلاده لجيرانها، وأنها لا تتدخل في شؤونهم الداخلية، حيث قال: «لسنا بلد اعتداء أو بلد تدخل. نحن نحترم الجيران والنظم العالمية، ولا نتدخل في شؤونهم، ولن نسمح لأحد بالتدخل في شؤوننا».

وكان الفريق القحطاني مدير الأمن العام، يتحدث عن هذا الأمر قبل دقائق من بدء تمرين «صولة الحق» الذي نفذته قوات الطوارئ الخاصة السعودية.

العميد ركن خالد الحربي، قائد قوات الطوارئ الخاصة، يقول إن «التدريب الأمني يعد أحد أهم أركان الإدارة الاستراتيجية التي تنتهجها السعودية، إيمانا من أصحاب القرار بأن مدى الجودة والارتقاء بالعمل والأداء الأمني مرتبط ارتباطا وثيقا بالإعداد الجيد والتنفيذ الأجود للخطط والبرامج التدريبية الأمنية، التي من شأنها ملاحقة ومقابلة كل التحديات الأمنية المستخدمة».

وأضاف «لذلك كان الموقف يستلزم التنبؤ بالأحداث المستقبلية قبل حدوثها وقراءتها، وفقا لمجريات الماضي والحاضر، في ظل متغيرات الحياة المتسارعة في جميع الميادين والجوانب الاجتماعية والاقتصادية والتقنية والإعلامية المختلفة».

وزاد في كلمته «ومن هنا بدأنا بترجمة هذا الموقف وتحويله إلى واقع ملموس، مما أدى إلى تغيير النمط التقليدي للتدريب الأمني، إلى أنماط أكثر تطورا وأعمق تخصصا، تماشيا مع خصوصية وحساسية العمل الأمني في كل فروعه المختلفة».

وشدد قائد قوات الطوارئ الخاصة، على أن التحدي والهاجس الذي كان يؤرق رجال الأمن، يتمثل في ديناميكية الجريمة التي ما زال رجل الأمن يطاردها أينما نمت وتجذرت. مؤكدا على استعانة السعودية برجالها المخلصين الذين واجهوا هذا التحدي الكبير.

وأشار العميد ركن الحربي، إلى أن الضربات الاستباقية التي سددتها قوات الطوارئ الخاصة لجريمة الإرهاب في مهدها، باتت «مضرب مثل لكل دول العالم وتجربة رائدة بكل المقاييس».

وفي موضوع متصل، دفعت مديرية الأمن العام بأكثر من 4 آلاف عسكري في عدد من التخصصات إلى الميدان، وذلك في حفل أقيم برعاية الأمير نايف بن عبد العزيز، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، وبحضور الأمير محمد بن نايف، مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية.

كلمة الفريق سعيد القحطاني، مدير الأمن العام، حملت شكرا للقيادة السياسية في البلاد، ممثلة في خادم الحرمين وولي عهده والنائب الثاني، منوها بأمر الملك المتعلق بترقية جميع المستحقين للترقية على الفور عن طريق تحوير وظائفهم إلى الرتب التي يستحقونها.

وقال في هذا الصدد: «إن الوطن يعيش أفراحه بعد عودة القائد الوالد خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، إلى أرض الوطن سالما معافى، كما أنه يعيش حالة الوفاء والمحبة والتلاحم بين الشعب والقيادة الرشيدة. كما أن رجال القوات المسلحة خصوصا رجال الأمن في هذه الأيام يزهون فخرا واعتزازا بما وصفهم به خادم الحرمين الشريفين في كلمته الضافية الصادقة الموفقة بأنهم الدرع الحصينة لهذا الوطن، إضافة إلى أنهم مع أهلهم باقي شعب المملكة صفا واحدا وبقلوب تنبض بالمحبة والوفاء والإخلاص للقيادة، وبأكف مرفوعة إلى البارئ يدعون لخادم الحرمين الشريفين بدوام الصحة والتوفيق والسداد في كل أعماله ويشكرونه على جميع ما صدر في الأوامر الكريمة التي كانت بلسم أفراح القلوب ودفعة لتحسين الأحوال الاقتصادية والاجتماعية ولمواصلة التنمية والتقدم لهذه البلاد العزيزة».

وبين مدير الأمن العام أن الخريجين في مدينة تدريب الأمن العام أمضوا عاما تدريبا كاملا استكملوا فيه إعدادهم العسكري وتأهيلهم التخصصي. مشيرا إلى أنهم باكورة إنتاج مدن تدريب الأمن العام الست، وأصبحوا على جاهزية كاملة للانضمام إلى زملائهم في مختلف تخصصات الأمن العام.

وشهد حفل تخريج مجموعة تقدر بـ4066 عسكريا من مختلف التخصصات من جميع مدن الأمن العام في السعودية، عرضا عسكريا، متبوعا بفرضية أمنية لسطو مسلح وكيفية تعامل رجال الأمن معها، تلاها عرض لمهارة الرماية لطلبة الخريجين.

وسلم الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز الجوائز والشهادات للطلبة المتفوقين، كما كرم ضباط مدينة التدريب والرعاة، بينما تسلم هدية تذكارية من مدير الأمن العام.

وفي ذات السياق قام مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية بافتتاح معهد المرور الواقع في شؤون التدريب بالأمن العام، وتفقد الأجنحة والقاعات المخصصة للأفراد والضباط في المجال المروري، واستمع لشرح من مدير معهد المرور العقيد محمد بن إبراهيم الربيق عن المعهد وأقسامه وإنشاءاته، كما افتتح معهد علوم الأدلة الجنائية لشؤون التدريب ومسبح الأمير محمد بن نايف الأولمبي.