«أهل العوجا».. نخوة العرب التي ارتبطت بتاريخ السعودية وعاصمة الدولة الأولى

دارة الملك عبد العزيز تستعرض معانيها وتفسيراتها وتحسم الجدل بشأن دلالتها * الأمير سلمان: «العوجا» نخوة مكانية ودينية انطلقت من الدرعية * عرف بها آل سعود واشتهرت بين أهل العارض ونجد وامتدت لتشمل نواحي السعودية

«العوجا» ارتبطت بالدرعية عاصمة الدولة السعودية الأولى وحاضنة الدعوة الإصلاحية
TT

ارتبطت كلمة «العوجا» بتاريخ السعودية، وأصبحت من أشهر النخوات في المنطقة، وتباينت الآراء حول دلالات هذه الكلمة، التي عرفها العرب قديما وأصبحت جزءا مهما من ثقافتهم وحياتهم الاجتماعية، حيث ارتبطت النخوة بمعان تتصل بالقبيلة والمكان والشخص والأسرة، والخيل والإبل، وبأحداث تاريخية متعددة.

ونجح الدكتور فهد بن عبد الله السماري الأمين العام لدارة الملك عبد العزيز الأمين العام لمراكز الوثائق والدراسات في دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية والباحث والمؤلف في تاريخ السعودية والجزيرة العربية، في رصد المعنى المراد بكلمة «العوجا» انطلاقا من أن بعض الكلمات كتب لها الاشتهار والبقاء، بما تحمله تلك الكلمات من معان سامية أصيلة، وما تدعو له من مقاصد شريفة وغايات نبيلة، ومن هذه الكلمات التي ارتبطت بالتاريخ السعودي العريق نخوة أهل العوجا التي التصقت بأئمتهم، وهي قولهم: «خيال العوجا.. أنا ابن مقرن»، أو «راعي العوجا.. أنا ابن مقرن»، حيث تحرك في نفوسهم مكامن الشجاعة، وتؤلف بين قلوبهم للوقوف صفا واحدا أمام عدوهم المتربص بهم، فتسمو أرواحهم فوق حطام الدنيا الزائل ليحققوا المجد التليد ببناء هذه المملكة الغالية، وتوحيد السبل لأهلها لرفع البناء الحضاري المشيد، والرقي التنموي الفريد.

وقدمت دارة الملك عبد العزيز كتابا يدرس المعنى المراد بكلمة «العوجا»، حيث مهد المؤلف الدكتور السماري بالحديث عن النخوة العربية الأصيلة، وأثرها في دفع حماستهم نحو الوقوف إلى جانب المظلوم ورد المعتدين، مشيرا إلى أبرز تلك النخوات العربية وهي «نخوة العوجا، التي عرف بها آل سعود الميامين»، واشتهرت في منطقة العارض في نجد، معرجا على ذكر المدلول اللغوي لكلمة «العوجا» التي تكون في الغالب صفة لشيء أعوج من الأمكنة أو أجزاء من جسم الإنسان أو الحيوان.

وعرض الكتاب آراء الباحثين في مدلول كلمة العوجا، مناقشا كل رأي منها، ثم ختم بإيراد التفسير الراجح لمدلول هذه الكلمة التي اتضح أنها ذات ارتباط مكاني بالدرعية، وارتباط ديني بالدعوة الإصلاحية التي انطلقت منها.

وحرصت دارة الملك عبد العزيز على نشر الكتاب من خلال مركزها المتخصص (مركز توثيق تاريخ الأسرة المالكة) ليقينها التام بأهمية مثل هذه الدراسات التاريخية التي تحلل بعض الألفاظ اللغوية، وتبين ارتباطها التاريخي بالمكان، وأثرها الحماسي في النفوس، وتضع يد الأجيال المقبلة على مدلول هذه الكلمات التي كتب الله لها البقاء على الألسنة بما التصق بها من معان سامية ومقاصد نبيلة.

استهل كتاب «أهل العوجا» إيضاح من الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض ورئيس مجلس إدارة دارة الملك عبد العزيز، بشأن «العوجا» المنشور في مجلة «اليمامة» في عددها رقم 3089، وتأتي أهمية هذا الإيضاح في أنه صادر من رجل عرف عنه سعة الاطلاع في التاريخ بشكل عام وتاريخ الجزيرة العربية والسعودية بشكل خاص، بل إن هذه الدراسة تعد من ثمرات قراءات الأمير سلمان الناقدة والفاحصة لموضوعات تاريخنا الوطني، حيث إن مناقشاته للموضوعات التاريخية تأخذ أبعادا علمية وتوثيقية ومنهجية راسخة تقوم على الدليل والمصدر وليس على الهوى أو المبالغة، كما عبر عن ذلك المؤلف الدكتور فهد السماري في تعليقه على فكرة الكتاب.

يقول الأمير سلمان: «تابعت باهتمام ما نشر في المجلة بشأن موضوع (نخوة العوجا)، واطلعت على ما نشر في العدد المؤرخ في 16/1/1431هـ وما ورد فيه من ردود على ما نشرته الدارة حيال معنى تلك النخوة»، مضيفا: «انطلاقا من أهمية إيضاح المراد بنخوة العوجا بصفتها جزءا مهما من تاريخنا الوطني، فإنه من الضروري تصحيح ما كتب عنها وإثبات ما دلت عليه المصادر وذلك وفق الآتي:

أولا: من المهم جدا أن لا يترك تاريخنا الوطني ساحة مفتوحة للآراء التي لا تعتمد على دليل، أو الاستنتاجات التي تعتمد على نقل غير موثق، أو رأي ظني فقط في ظل وجود دليل.

ولأهمية التوثيق، ورصد أحداث تاريخنا الوطني بشكل علمي، اتجهت دارة الملك عبد العزيز تحت إشرافي المباشر ببرامجها وأنشطتها إلى تحقيق ذلك، والتعاون المفتوح والواسع مع جميع الباحثين والباحثات، ويتجلى ذلك في ما عقدته وتعقده من ندوات ومؤتمرات، وما نشرته وتنشره من بحوث ورسائل علمية، وما تقدمه للباحثين من وثائق ومصادر، وما تعده من دراسات.. كل ذلك يقوم في أساسه على المنهج العلمي المعتمد على الدليل والمصادر، كما شجعت الدارة على أهمية النقاش العلمي، وإشباع الموضوعات العلمية بحثا ودراسة، والاسترشاد بجميع الآراء للرغبة في الوصول إلى رأي علمي موثق في إطار المنهج العلمي المعروف.

ثانيا: أن (نخوة العوجا) نخوة مهمة ترتبط بأسرة آل سعود وبمنطقة العارض، وقد يعود ارتباطها بآل سعود إلى ما قبل قيام الدولة السعودية الأولى، ثم ارتبطت بجميع ما ينضوي تحت لواء الدولة السعودية، وكانت النخوة في المعارك والحروب التي خاضتها الدولة السعودية بأدوارها الثلاثة حتى في عهد الملك عبد العزيز. ومثلها مثل أي نخوة أخرى، فإنها لا بد أن تكون مرتبطة بمعنى ودلالة، ولا شك أن الدرعية التي هي حسب ما أشارت إليه القصائد الشعرية المعاصرة، كانت بمثابة المكان الذي تنتخي به أسرة آل سعود التي أنشأت هذا المكان الذي كان المنطلق لإنشاء دولة قوية نشرت الأمن والاستقرار في الجزيرة العربية، وأيدت الدعوة الإصلاحية التي تقوم على أساس الدين الصحيح كما جاء في القرآن الكريم وسنة النبي المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم.

ثالثا: من الآراء التي طرحت أن العوجا يقصد بها كلمة (لا إله إلا الله محمد رسول الله)، وذلك عندما جاء الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - بدعوته إلى التوحيد قيل له: (إن هذه عوجاء). والناظر إلى هذا التفسير يبدو أمامه عدد من التساؤلات؛ منها أن هذه الدعوة جاءت في بلاد الإسلام، وكان الناس على الإسلام، وإنما كانت هناك ممارسات شركية في الدرعية وغيرها من البلدان أشار إليها المؤرخون، فقام الشيخ محمد بن عبد الوهاب بالعمل على تصحيحها وإزالتها، ولقد بدأت هذه الدعوة في حريملاء ثم في العيينة، ثم أيدها الإمام محمد بن سعود وإخوانه مشاري وثنيان الذين كانوا طلابا على يد الشيخ محمد بن عبد الوهاب في العيينة، وكذلك العلماء مثل قاضي الدرعية حمد بن سويلم، ولم يرد في المصادر أن دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب عندما انطلقت في العيينة وصفت بأنها عوجاء.

كما أن إطلاق لقب (العوجا) على الدعوة مخالف لما حصل للدعوة من قبول وتأييد، وليس من المنطق أن يصف أولئك كلمة التوحيد بهذا الوصف وهم على علمهم بأهميتها وقيمتها الدينية.

أما ارتباط هذه النخوة بالدعوة والدين، فهو واضح وليس فيه لبس، لأن المقصود بالنخوة هو الدرعية التي اشتهرت بسبب الدعوة ونصرة الدين، وأصبحت القلب النابض لتلك الدعوة الإصلاحية، وارتبطت النخوة بآل سعود الذين أيدوا هذه الدعوة وأسسوا الدرعية، فارتباط النخوة هنا بدأ مع الدعوة، حيث أصبح المكان، وهو الدرعية، المنطلق والأساس لها.

رابعا: وردت الكثير من الآراء التي قالت بأن هذه النخوة تعني (الملة الحنيفية)، والتي قالت بأنها تعود لاسم لفرس عربي مشهورة، أو إنها تعود لاسم قطيع من الإبل المشهورة.. وغير ذلك من الآراء، إلا أن المصادر التي توافرت لنا من خلال الشعر الذي قيل في أيام الدولة السعودية الأولى ثم في عهد الملك عبد العزيز - رحمه الله - يدل دلالة قطعية وليست ظنية على أن العوجا هي الدرعية، مثل ما قالته موضي الدهلاوية في عام 1232هـ أثناء حصار جيوش إبراهيم باشا لمدينة الرس.

سر وملفاك العوجا مسيرة ديرة الشيخ بلغه السلام فهذا البيت يدل دلالة واضحة على أن الدرعية المقصود بها العوجا، واستخدام الشاعرة لهذه النخوة دليل على أن المقصود بها الدرعية في ذلك الوقت.

وقال الشاعر محمد أبو نهية في قصيدته المشهورة أيام سقوط الدرعية عام 1233هـ:

وأبكي على عوجا ربينا بربعها صغار كبار نشتري ونبيع دار إلى جاها الغريب يوالف وجنابها للممحلين ربيع وهذا دليل آخر على أن المقصود بالعوجا هي الدرعية التي تحدث بها هنا الشاعر محمد أبو نهية بكل وضوح.

وقال الشاعر محمد العوني أيضا في قصيدة له يوم معركة البكيرية سنة 1322هـ:

مني عليكم يا هل العوجا سلام واختص أبو تركي عمى عين الحريب أكرم هل العوجا مدابيس الظلام هم درعك الضافي إلى بار الصحيب وقال الشاعر فهد بن دحيم وهو شاعر العرضة المعروف:

ليا قيل أبو تركي من العوجا ظهر تزلزلت نجد ورقص شيطانها وفي هذا دلالة على أن هذا الشاعر أيضا استمر في استخدام العوجا بكل وضوح قاصدا الدرعية مثلما استخدمها قبله الشعراء المشار إليهم آنفا.

ويتأكد المقصد مرة أخرى في بيته القائل:

يا راكب حمرا من العوجا هميم تجفل إلى شافت سمار ظلالها وقوله أيضا:

نو من العوجا تظهر له رباب فيه الغضب والغيظ غادٍ له صهيل وشدد الأمير سلمان على أن «هذه الأبيات تدل دلالة واضحة بصفتها مصدرا يقودنا إلى فهم المقصود بالعوجا منذ أيام الدولة السعودية الأولى، وتحسم أي جدل يظهر بشأن المعاني الأخرى لها، فالروايات التي كتبت وأشارت إليها صحيفة (أم القرى)، وخير الدين الزركلي، وعبد الله بن خميس وغيرهم، تظل اجتهادات يشكرون عليها جميعا وكانت بمثابة الآراء غير القاطعة.

ومن خلال الرجوع إلى هذه الأبيات ومن خلال ما أعرفه شخصيا عن هذا الموضوع، فإنه ليس لدي شك في أن العوجا هي الدرعية التي كانت نخوة لأسرة آل سعود ثم لأهل العارض جميعا، ثم امتدت لتشمل جميع نواحي الدولة السعودية والمملكة العربية السعودية».

وختم الأمير سلمان تعليقه بشأن العوجا بقوله: «وهذه النخوة (العوجا) ترتبط بالمكان، وهي الدرعية، وبالدعوة التي على أساسها قامت الدولة السعودية وعاصمتها الدرعية واشتهرت بها وأصبحت الأساس لها إلى يومنا هذا. وبهذا تكون النخوة هي للمكان وللدعوة التي انطلقت منها بشكل متلازم».

من جانبه، قال الدكتور فهد السماري: «لقد سجل التاريخ الأثر الكبير لتلك النخوات والألقاب التي شحذت همما، وقادت إلى حروب، وجمعت الآلاف من الناس، وغيرت أحداثا ووقائع على أرض الميدان»، مضيفا: «وعلى الرغم من أهمية هذه النخوات والعزاوي والألقاب، إلا أن الدارسين لم يولوها العناية العلمية اللازمة التي تستحقها من حيث البحث في نشأتها وتوثيقها، لذا نجد تعريفات مختصرة لبعض من تلك النخوات والألقاب والعزاوي داخل بعض الكتب دون تركيز أو توسع. وعلى الرغم من ظهور عدد من المؤلفات المباشرة وغير المباشرة حول هذا الموضوع والتي تستحق الإشادة، إلا أنه لا تزال هناك حاجة ماسة إلى إعداد مرجع شامل وموثق يضم معظم النخوات والألقاب والعزاوي المتعلقة بالجزيرة العربية.

لكلمة (نخوة) في مدلولها اللغوي عدة معان؛ فلقد ورد في (القاموس المحيط) للفيروز آبادي: (نخا، ينخو، نخوة، افتخر وتعظم، وانتخى فلانا مدحه، وأنخى: زادت نخوته).

وجاء في (تاج العروس من جواهر القاموس) لمحمد مرتضى الزبيدي: (ونخا ينخو نخوة افتخر وتعظم كنخى كعنى، وهو أكثر).

قال الأصمعي: (زهي فلان فهو مزهو، ولا يقال زها ونخي فلان، وانتخى) ولا يقال نخا ويقال انتخى علينا فلان أي افتخر وتعظم، وأنشد الليث:

وما رأينا معشرا فينتخوا والنخوة الكبر والعظمة، ونخا فلانا مدحه ينخوه نخوا، وأنخى الرجل زادت نخوته أي عظمته وكبره.

وجاء في (أساس البلاغة) لجار الله الزمخشري: نخو به نخوة، ونخي فلان، وهو منخو: مزهو. وانتخى من كذا استنكف منه، والعرب تنتخي من الدنايا، وقال ذو الرمة:

فرب امرئ ذي نخوة قد رميته بقاصمة توهي عظام الحواجب وللنخوات أثرها الكبير في نفوس الناس المنتسبين إليها بشكل يفوق الوصف، فهي من المحركات الأساسية للمجتمع الذي ترتبط به تلك النخوة. ونظرا لأن أسباب إطلاق تلك النخوات غير معلومة في بعض من حالاتها، فإن الآراء تتعدد من جهة، ومحاولات التفسير المبنية على دلالات النخوة تزداد من جهة أخرى.

* «نخوة العوجا» ومدلولها اللغوي

* من أبرز النخوات المعروفة في الجزيرة العربية، التي ارتبطت بتاريخ المملكة العربية السعودية، نخوة (العوجا) التي عرف بها آل سعود وأهل العارض في نجد، وأصبحت من أشهر النخوات في المنطقة، قال عبد الله بن خميس: (هذه كلمة تطلق على نخوة حكم آل سعود منذ أن تأسست، فالأئمة يتنخون هكذا:

(خيال العوجا.. وأنا ابن مقرن).

أو (راعي العوجا.. وأنا ابن مقرن). وقد أطلقت هذه الكلمة على الحكام والمحكومين معا، فأصبحت (نخوة للجميع). ومن عبارات النخوة أيضا:

(أهل العوجا) و(خيال العوجا)، وهكذا».

ويتناول الدكتور السماري المدلول اللغوي لكلمة «عوجا» مشيرا إلى ما ورد في المصادر القديمة عن معنى كلمة «عوجا»، حيث «ورد في (لسان العرب) لابن منظور: العوج الانعطاف فيما كان قائما، والعوج بالتحريك مصدر قولك: عوج الشيء، بالكسر، فهو أعوج، والاسم العوج، بكسر العين.

وعاج يعوج إذا عطف. والعوج في الأرض أن لا تستوي، وفي التنزيل: (لا ترى فيها عوجا ولا أمتا)، قال ابن الأثير قد تكرر ذكر العوج في الحديث اسما وفعلا ومصدرا وفاعلا ومفعولا، وهو بفتح العين مختص بكل شخص مرئي كالأجسام، وبالكسر بما ليس بمرئي كالرأي والقول، وقيل: الكسر يقال فيهما معا، والأول أكثر، ومنه الحديث: (حتى تقيم به الملة العوجاء)، يعني ملة إبراهيم، على نبينا وعليه الصلاة والسلام، التي غيرتها العرب عن استقامتها. والعوج، بكسر العين، في الدين، تقول: في دينه عوج، وفيما كان التعويج يكثر مثل الأرض والمعاش، ومثل قولك: عجت إليه أعوج عياجا وعوجا، وأنشد:

قفا نسأل منازل آل ليلى متى عوج إليها وانثناء وفي التنزيل قال تعالى: (الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا)، قال الفراء: معناه الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب قيما ولم يجعل له عوجا، وفيه تأخير أريد به التقديم. وعوج الطريق وعوجه: زيغه. وعوج الدين والخلق: فساده وميله على المثل. والفعل من كل ذلك عوج عوجا واعوج وانعاج، وهو أعوج، لكل مرئي، والأنثى عوجاء، والجماعة عوج.

وقال الأزهري: وغيره - أي الأصمعي - يجيز عوجت الشيء تعويجا فتعوج، إذا حنيته وهو ضد قومته، فأما إذا انحنى من ذاته، فيقال: اعوج اعوجاجا. يقال: عصا مُعوجة (بضم الميم) ولا تقل مِعوجة، (بكسر الميم)، ويقال عجته فانعاج أي عطفته فانعطف.

وعاج الشيء عوجا وعياجا، وعوجه: عطفه. ويقال: نخيل عوج إذا مالت. قال لبيد يصف عيرا واتنه وسوقه إياها:

إذا اجتمعت وأحوذ جانبيها وأوردها على عوج طوال فقال بعضهم: معناه أوردها على نخيل نابتة على الماء قد مالت فاعوجت لكثرة حملها.

وقيل: معنى قوله (وأوردها على عوج طوال)، أي على قوائمها العوج، ولذلك قيل للخيل عوج. وقوله تعالى: (يومئذ يتبعون الداعي لا عوج له)، قال الزجاج: المعنى لا عوج لهم عن دعائه، لا يقدرون على أن لا يتبعوه، وقيل: أي يتبعون صوت الداعي للحشر لا عوج له، يقول: لا عوج للمدعوين عن الداعي، فجاز أن يقول (له) لأن المذهب إلى الداعي وصوته، وهو كما تقول: دعوتني دعوة لا عوج لك منها، أي لا أعوج لك ولا عنك، قال: وكل قائم يكون العوج فيه خلقة، فهو عوج، وأنشد ابن الأعرابي للبيد في مثله:

في نابه عوج يخالف شدقه.

ويقال لقوائم الدابة: عوج، ويستحب ذلك فيها، قال ابن سيده: والعوج، القوائم صفة غالبة، وخيل عوج، مجنبة، وهو منه وأعوج: فرس سابق ركب صغيرا فاعوجت قوائمه، والأعوجية منسوبة إليه. قال الأزهري: والخيل الأعوجية منسوبة إلى فحل كان يقال له أعوج، يقال: هذا الحصان من بنات أعوج، وفي حديث أم زرع: (ركب أعوجيا)، أي فرسا منسوبا إلى أعوج، وهو فحل كريم تنسب الخيل الكرام إليه.

وأما قوله: (أحوى من العوج وقاح الحافر) فإنه أراد من ولد أعوج. وكسر أعوج تكسير الصفات لأن أصله الصفة. وأعوج أيضا: فرس عدي من أيوب، قال الجوهري: أعوج اسم فرس كان لبني هلال تنسب إليه الأعوجيات وبنات أعوج، قال أبو عبيدة: كان أعوج لكندة، فأخذته بنو سليم في بعض أيامهم فصار إلى بني هلال، وليس في العرب فحل أشهر ولا أكثر نسلا منه، وقال الأصمعي في كتاب الفرس: أعوج كان لبني آكل المرار، ثم صار لبني هلال بن عامر.

والعوج: عطف رأس البعير بالزمام أو الخطام، تقول: عجت رأسه أعوجه عوجا، قال: والمرأة تعوج رأسها إلى ضجيعها، وعاج عنقه عوجا: عطفه، قال ذو الرمة يصف جواري قد عجن إليه رؤوسهن يوم ظعنهن:

حتى إذا عجن من أعناقهن لنا عوج الأخشة أعناق العناجيج أراد بالعناجيج جياد الركاب ههنا، واحدها عنجوج. ويقال لجياد الخيل: عناجيج أيضا، ويقال: عجته فانعاج لي، عطفته فانعطف لي، وعاج بالمكان وعليه عوجا وعوج وتعوج: عطف. وعجت بالمكان أعوج أي أقمت به، وفي حديث إسماعيل عليه السلام: (هل أنتم عائجون؟)، أي مقيمون، يقال عاج بالمكان وعوج أي أقام. وقيل: عاج به، أي عطف عليه ومال وألم به ومر عليه، وعجت غيري بالمكان أعوجه يتعدى ولا يتعدى، ومنه حديث أبي ذر: (ثم عاج رأسه إلى المرأة فأمرها بطعام)، أي أماله إليها والتفت نحوها. وامرأة عوجاء إذا كان لها ولد تعوج إليه لترضعه، ومنه قول الشاعر:

إذا المرغث العوجاء بات يعزها على ثديها ذو دغتين لهوج وانعاج عليه أي انعطف. والعائج: الواقف، وقال:

عجنا على ربع سلمى أي تعويج وضع التعويج موضع العوج إذا كان معناهما واحدا، وعاج ناقته وعوجها فانعاجت وتعوجت: عطفها، أنشد ابن الأعرابي:

عوجوا علي وعوجوا صحبي عوجا ولا كتعوج النحب عوجا متعلق بعوجوا لا بعوجوا، يقول: عوجوا مشاركين لا متفادين متكارهين، كما يتكاره صاحب النحب على قضائه. وما له على أصحابه تعويج ولا تعريج أي إقامة. ويقال عاج فلان فرسه إذا عطف رأسه، ومنه قول لبيد:

فعاجوا عليه من سواهم ضمر ويقال: ناقة عوجاء، إذا عجفت فاعوج ظهرها، وناقة عائجة: لينة الانعطاف، وعاج مذعان لا نظير لها في سقوط الهاء كانت فعلا أو فاعلا ذهبت عينه، قال الأزهري، ومنه قول الشاعر:

تقد بي الموماة عاج كأنها والعوجاء: الضامرة من الإبل، قال طرفة:

بعوجاء مرقال تروح وتغتدي وقول ذي الرمة:

عهدنا بها لو تسعف العوج بالهوى رقاق الثنايا واضحات المعاصم قيل في تفسيره: العوج الأيام، ويمكن أن يكون من هذا لأنها تعوج وتعطف، وما عجت من كلامه بشيء، أي ما باليت ولا انتفعت.

قال الأزهري: عوج ههنا جمع أعوج ويكون جمعا لعوجا. وقول بعض السعديين أنشده يعقوب:

يا دار سلمى بين ذات العوج يجوز أن يكون موضعا، ويجوز أن يكون عنى جمع حقف أعوج أو رملة عوجاء، وعوج اسم رجل، قال الليث: عوج بن عوق: رجل ذكر من عظم خلقه شناعة.

والعوجاء اسم امرأة، والعوجاء أحد أجبل طيئ سمي به لأن هذه المرأة صلبت عليه ولها حديث، قال عمرو بن جوين الطائي، وبعضهم يرويه لامرئ القيس:

إذا أجأ تلفعت بشعابها علي وأمست بالعماء مكلله وأصبحت العوجاء يهتز جيدها كجيد عروس أصبحت متبذله وقوله أنشده ثعلب:

إن تأتني وقد ملأت أعوجا أرسل فيها بازلا سفنجا قال: أعوج هنا اسم حوض، والعوجا القوس.

وقال ياقوت الحموي: العوجا: تأنيث الأعوج وهو معروف.. وهي هضبة تناوح جبلي طيئ أجأ وسلمى.. والعوجا: نهر بين أرسوف والرملة من أرض فلسطين من السواحل. وقال أبو بكر بن موسى: العوجا ماء لبني الصموت ببطن تربة، والعوجا في عدة مواضع.

ويتبين من هذا المدلول اللغوي أن كلمة «عوجاء» هي في الغالب صفة لشيء أعوج من الأمكنة وأجزاء الجسم في الإنسان والحيوان.

* آراء ودلالات في كلمة «العوجا»

* يورد الدكتور السماري تفسيرا لمعنى النخوة بناء على العديد من المعطيات المتوفرة لديه موضحا بالقول: «نظرا لأهمية نخوة (أهل العوجا) ومعرفة معناها، حاول عدد من الكتاب والباحثين تفسيره والبحث عن مدلولها وأسباب إطلاقها.

ولأن كلمة (العوجا) هي وصف لشيء، فقد تعددت الآراء بشأن ذلك الشيء الذي تعود إليه. وسأستعرض هنا بعضا من تلك المحاولات من خلال إيرادها حسب ما جاءت في المصادر والمراجع، ثم سأحاول أن أسوق تفسيرا لمعنى النخوة هذه بناء على المعطيات التي توافرت لدي من خلال المصادر المتنوعة واستقراء العبارات الخاصة بالنخوة ذاتها.

1- نشرت صحيفة (أم القرى) وصفا لهذه النخوة ومعانيها في عام 1349هـ تضمن الإشارة إلى أثرها في النفوس عند استخدامها، وإلى أصلها حسب ما رآه المحرر لتلك المادة المنشورة الذي أطلق على نفسه اسم (كاتب خبير)، ومما جاء في تلك المادة المنشورة في صحيفة (أم القرى) ما يأتي: (ولكل فريق من فرق الجند نداء يعرفون به وينتسبون إليه، هو (النخوة) التي ينتخون بها، والنخوة التي ينتخي بها أهل العارض هي (أهل العوجا)، وهذه اللفظة إذا نودي بها كان لها في النفوس أثر عجيب أهم من تأثير الكهرباء في الأجسام، ومتى نادوا: يا أهل العوجا، لا تلقى غير الدموع لتسيل على الخدود، ثم يقدمون إقدام الأبي، والموت أحب إليهم من الحياة حتى يقضي الله أمره).

ثم واصل كاتب المقال في صحيفة (أم القرى) شرح أصل هذه النخوة قائلا: (وقد بحثنا عن أصل هذه اللفظة ونشأتها، فعلمنا أنها نخوة قديمة وجدت منذ تأسيس الدرعية، ولها ما يقرب من أربعمائة سنة تقريبا (وقت كتابة المادة قبل 83 عاما)، وفي الغالب أن (العوجا) اسم لقطيع من الإبل، والعرب اشتهروا بالدفاع عن أنفسهم وأنعامهم، ومن كانت له إبل كثيرة معروفة كثر الطامعون به، لذلك كان بحاجة لأن يتدرع بالشجاعة والقوة ليدافع عن نفسه، فإذا كان ناجحا في الدفاع عن نفسه كانت له الشهرة والتفوق على أقرانه، ثم يحق له أن يعتز بتلك الإبل التي أحسن المحافظة عليها، والغالب أن أصل هذه النخوة اسم لتلك الإبل التي حافظوا، عليها وكانت تلك المحافظة من عنوان عزمهم ومتعتهم، ولكل قبيلة من القبائل وأهل المدن نخوة خاصة بهم، فنخوة أهل القصيم (ولد علي)، ونخوة أهل الجبل (أهل حايل أو سناعيس)، وقد غلب على هذه النخوات في الوقت الحاضر نخوة كانت وليدة الدعوة الدينية، فما زالت تسمع إذا عرضت الخيل (خيال التوحيد أخو من طاع الله، يا ويل عدوان الشريعة منا)، وأهل العارض أشد الناس شكيمة، وأصلبهم قيادا، في كل فرد منهم أنفة الملك، ولا يلين قيادهم لغير جلالة الملك، أو لمن يؤمره عليهم من آله أو من غير آله، وقد يؤمر على فريق منهم من ليس من أهل العارض، وبالله، ثم بهم خاض جلالة الملك أصعب المعارك، وكثيرا ما ناطح بالجمع القليل منهم الجموع الشديدة الكثيرة، فكتب الله له النصر معهم).

ويتضح من هذا الرأي الذي نشر في صحيفة «أم القرى» أن هذه النخوة قديمة، وأنها تعود إلى تأسيس الدرعية، وأن أصل التسمية في رأي الكاتب يعود إلى الإبل.

2- وورد لدى خير الدين الزركلي في كتابه (شبه الجزيرة في عهد الملك عبد العزيز) أن النخوة في اللغة: الفخر والازدهار والاستنكاف. انتخى فلان: افتخر، وقد جرت مجرى (الاعتزاء) الذي هو الشعار في الحروب والادعاء والانتساب، وكلاهما على الأكثر: اعتزاز بالنفس، واستفزاز لها في الحرب، أو عند الغضب في السلم، وفي حالي الانتفاض أو الفخر. وكان أكثر اعتزاء عبد العزيز: (أنا ابن فيصل) وهو جده الأدنى، و(أنا ابن مقرن) جده الأعلى، و(أنا أخو نورة!) كبرى شقيقاته، ويكني عنها في حالات الغضب الشديد فيقول: (أنا أخو الأنور المعزي!) أي عبد العزيز، ويشارك عشيرته وأهل العارض في قولهم: (أهل العوجا! إخوان من طاع الله!) والعوجا من أسماء العارض ينتخون بها من زمن طويل. وهذا التفسير الذي أشار إليه الزركلي يدل على ارتباط النخوة بالمكان، إلا أنه جعله من أسماء العارض، ولم يرد في المصادر أو المعاجم - حسب علمي - ما يشير إلى أن العوجا من أسماء العارض.

3- كما ورد لدى الزركلي أيضا رواية أخرى قال فيها: (إن الملك عبد العزيز كان يبث في رجال جيشه النخوة في إحدى المعارك ويقول لهم: يا أهل العوجا، والعوجا هي نخوتنا، والمقصود بها كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله، وذلك عند خروج الشيخ محمد بن عبد الوهاب ودعوته إلى لا إله إلا الله، قال له ابن معمر: هذه كلمة عوجاء. فكتب له جدي: نحن أهل العوجا، ومن ذلك الوقت هي نخوتنا إذا تأزم الأمر).

وهذه الرواية التي تفسر نخوة العوجا على أنها الدعوة إلى التوحيد أو كلمة (لا إله إلا الله) غير دقيقة، فهذه الرواية عن الملك عبد العزيز لم ترد في مصادر أخرى من جهة، كما أنها في مضمونها غير دقيقة من جهة أخرى، لأن الرواية اشتملت على أن الملك عبد العزيز انتخى رجاله بالعوجا ثم شرحها لهم وهذا يثير الشك في الرواية لأن المقام آنذاك وهو مقام حرب واستعداد، وليس مقام شرح للنخوة ومعناها في الغالب.

والدليل على عدم صحة هذا التفسير أيضا هو أن أهالي المنطقة كانوا مسلمين ويوحدون الله عز وجل، والدعوة لم تكن لهذا الأساس، وإنما للقضاء على ممارسات بدعية خاطئة في الدين، ولترسيخ التوحيد.

والأمر الآخر الذي ينقض هذا التفسير هو أن الشيخ محمد بن عبد الوهاب بدأ دعوته في العيينة عند ابن معمر الذي أيده وناصره، وبدأ الشيخ في تطبيق الدعوة فعليا في عدة مواقف، وعندما انتقل الشيخ إلى الدرعية واصل العمل في الدعوة ذاتها.

إذن، كيف يروى عن ابن معمر قوله: إن كلمة (لا إله إلا الله) كلمة عوجاء، وهو أول من أيد الشيخ وناصره، والذي يبدو هو أن الزركلي نقل هذه الرواية عن آخرين شاع لديهم مثل هذه التفسيرات التي هي مستمرة إلى هذا اليوم.

4- كتب الشيخ عبد الله بن خميس متسائلا عن أصل هذه النخوة قائلا: (فما هي هذه (العوجا)؟! لقد قال بعض الناس حين دعا الشيخ محمد بن عبد الوهاب دعوته السلفية، قالوا: إنها دعوة عوجاء!! فقال أبطال آل سعود، وقال أهل (الدرعية) وقال (أهل العارض) معهم: نحن أهل (العوجا).. إمعانا في الإيمان بهذه الدعوة وتصديقا لها، وتحقيقا للمتابعة المخلصة، وإشارة يردون بها على المكذبين والمعاندين والمعارضين بأنكم سوف تعلمون غدا حقيقة هذه الدعوة (العوجا) بزعمكم حينما يظهرها الله، وينصرها، ويمكن لها في الأرض).

ثم طرح الشيخ عبد الله بن خميس تفسيرا آخر قائلا: (ويعلل بعضهم بأن أصل العوجا هي الفرس المنسوبة إلى (بنات أعوج)، وهو فحل مشهور عند العرب تتابعت سلسلة بناته في ربيعة ونزار وورثها آل سعود عن آبائهم فأخذوا يعتزون به، وعنهم أخذ أهل العارض هذه النخوة).

ورجح ابن خميس الرأي الأول الذي أشار إليه من حيث ارتباط النخوة بدعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب.

5- أشار الأستاذ عبد الرحمن بن سليمان الرويشد، في إجابة مكتوبة غير منشورة لصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز، جاء فيها: (هذه الصيحة قديمة جدا فرجعت إلى كتب اللغة العربية الأمهات فوجدت في كتاب متن اللغة وهو كتاب يضم عددا من كتب قواميس اللغة من بينها لسان العرب والقاموس المحيط وعدد آخر، فوجدت أن هذه الكتب تقول: العوج: صفة غالبة للقوائم وتستحب في الخيل، والناقة اللينة الأعطاف، والأعوج: علم على فرس سابق تنسب إليه الأعوجيات من الخيل وهو من بنات أعوج، والعوجا: الناقة الضامرة والفرس الضامرة أيضا، والعوجا أيضا: هضبة، اسم لعدة مواضع في الجزيرة).

ورجح عبد الرحمن الرويشد نسبة نخوة العوجا إلى اسم فرس مشهورة قائلا: (وجدت في بعض الكتب أن العوجا اسم فرس مشهور من بنات أعوج، وهو فحل مشهور عند العرب تتابعت سلسلة بناته في ربيعة ونزار!! فعليه تكون نخوة آل سعود هم وأسلافهم من ربيعة أهل العوجا، نسبة إلى فرس مشهور من بنات أعوج الموجودة سلالته في ربيعة، لكن عصور الجهل والأمية غيبت هذه الحقيقة الأصلية، فأخذ الناس يتخبطون في تفسير معنى كلمة العوجا).

6- وكتب الأستاذ محمد بن عبد الله الخيال تفسيرا آخر لمعنى العوجا في هذه النخوة، وأشار في مقالته المنشورة في جريدة (الرياض) إلى ما ذكره عبد الله بن خميس من أن العوجا هنا هي الدعوة، وأكد الخيال أن العوجا هنا هي الملة الحنيفية مدللا بالحديث النبوي الوارد في صحيح البخاري: (عن يسار بن عطاء قال: لقيت عبد الله بن عمرو بن العاص، قلت: أخبرني عن صفة رسول الله صلى الله عليه وسلم في التوراة، قال: أجل والله إنه لموصوف في التوراة ببعض صفته في القرآن: «يأيها النبي إنا أرسناك شاهدا ومبشرا ونذيرا» وحرزا للأميين، أنت عبدي ورسولي، سميتك المتوكل، ليس بفظ ولا غليظ، ولا صخاب في الأسواق، ولا يدفع بالسيئة السيئة، ولكن يعفو ويغفر، ولن يقبضه الله حتى يقيم به الملة العوجا، بأن يقولوا: (لا إله إلا الله، ويفتح بها أعينا عميا، وآذانا صما، وقلوبا غلفا).

وأشار الخيال في مقالته أيضا إلى مزيد من المعلومات التي تؤيد الرأي القائل بأن العوجا هي الملة الحنيفية، حيث قال: (كما قال ابن منظور في تعليل الملة الحنيفية: الحنف الاعوجاج في الرجل، وقال: الحنيف، المسلم الذي يتحنف عن الأديان أي يميل إلى الحق، وقيل: هو الذي يستقبل البيت الحرام على ملة إبراهيم على نبينا وعليه الصلاة والسلام)».

* الرأي الراجح في مدلول كلمة العوجا

* ويوضح الدكتور السماري بأنه ومن خلال هذه الآراء التي تناولت معنى النخوة (العوجا) يتبين أن هناك عددا من التفسيرات وهي:

- أنها تعود لاسم لفرس عربية مشهورة.

- أنها تعود لاسم قطيع من الإبل المشهورة.

- أنه يقصد بها الدعوة إلى الدين الصحيح، أو كلمة (لا إله إلا الله).

- أنه يقصد بها الملة الحنيفية.

- أنه يقصد بها اسم لمكان.

وناقش المؤلف هذه الآراء موردا التفسير الذي ترجح لديه لمعنى (العوجا) في هذه النخوة المشهورة، لافتا إلى أنه «في ما يتعلق بالرأي القائل بأنها اسم لقطيع من الإبل أو اسم لفرس مشهورة، فإنه لا يتناسب في رأيي مع حجم النخوة التي لها تأثيرها الكبير في أصحابها على مدى زمن ليس باليسير. كما أن الخيول والإبل ليست من الأشياء الدائمة التي يرتبط بها في مثل هذه النخوة القوية والقديمة، وليست قصرا على فئة بعينها، لأن صفة الاعوجاج في الإبل أو الخيل متحققة في كثير من الإبل والخيل في أكثر من مكان، وهذا لا يعني عدم وجود نخوات ترتبط بإبل مشهورة أو فرس مشهورة، وإنما قدم هذه النخوة وأثرها الكبير لا يتناسب في رأيي مع هذا التفسير. علاوة على ذلك، فإن تلك الإبل أو الفرس غير معروفة، ولم يرد عنها معلومات حتى يمكن القول بأنها مرتبطة بهذه النخوة.

أما بشأن التفسير الآخر الذي يقول: إن العوجا هنا هي الملة الحنيفية التي تدعو إليها دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فإنه يمكن مناقشته من جانبين: أولهما أن تفسير معنى (الملة العوجا) في الحديث المشار إليه، له وجه آخر ذكره الإمام ابن حجر في (فتح الباري) في كتاب تفسير القرآن، وهو أن الملة العوجا هي ملة الكفر. وقال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله الراجحي في شرح صحيح البخاري، كتاب تفسير القرآن: (إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا)، لها معنيان: أحدهما ما ذكره الشارح - أي ابن حجر في فتح الباري - وهو: أن الملة العوجا ملة الكفر، ومعنى حتى يقيم به، أي: حتى يتقى الشرك ويثبت التوحيد. والثاني: أن الملة العوجا هي التوحيد، وسميت عوجاء لميلها عن الشرك كالحنيفية من الحنف وهو الميل، والحنيف هو المائل عن الشرك إلى التوحيد، ومنه وصف إبراهيم عليه السلام، حنيفا، أي: مائلا عن الشرك إلى التوحيد، ومعنى حتى يقيم به أي: حتى يجعل الدين قائما به ومستقيما، ومنه قوله تعالى: (دِينا قِيَما مِّلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفا) وقوله: (ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ)، وقد كرر الشيخ الراجحي رأيه هذا في شرحه كتاب (شرح القواعد الأربع للشيخ محمد بن عبد الوهاب) عند تعليقه على معنى الحنيفية.

وقال الشيخ ملا علي القاري الهروي في كتابه: (مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح): الملة العوجا كما في التنزيل ذما للكفار (ويَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ الله ويبغونها عِوَجًا) وقال في مدح دين الإسلام: (ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ) (وإنك لتهدى إلى صراط مستقيم)، قال القاضي: يريد به ملة إبراهيم، فإنها قد اعوجت في أيام الفترة فزيدت ونقصت وغيرت وبدلت، وما زالت كذلك حتى قام الرسول صلى الله عليه وسلم فأقامها - أقامها الله وأدامها - بأن يقولوا لا إله إلا الله، متعلق بقوله: يقيم، وفيه إيماء إلى أن إقامة التوحيد في إدامة معنى هذه الكلمة من التفريد.

وقال شارح (المصابيح) - الكلام للشيخ القاري - قال الله تعالى: ولن نقبضه، أي رسول الله، حتى نقيم به الملة العوجا أي حتى نجعلها مستقيمة، ويريد بها ما كانت العرب تتدين بها وتزعم أنها ملة إبراهيم وإنما وصفها بالعوجا وسماها ملة على الاتساع كما يقال: الكفر ملة.

وفي كتاب (لسان العرب) لابن منظور مادة (عوج) قال: ومنه الحديث: حتى تقيم به الملة العوجا، يعني ملة إبراهيم، على نبينا وعليه الصلاة والسلام، التي غيرتها العرب عن استقامتها. والعوج، بكسر العين، في الدين، تقول: في دينه عوج، وفي ما كان التعويج يكثر مثل الأرض والمعاش، ومثل قولك: عجب إليه اعوج عياجا وعوجا.

لذا، فإن التسمي بأهل العوجا بمعنى الانتساب للملة الحنيفية فيه نظر، لأن المسلم مأمور بالانتساب للأسمى، وهو هنا الفطرة، وليس للملة بعد التغيير التحريف، وهذا ما ورد في الحديث الصحيح: (اللهم إني أصبحت على فطرة الإسلام وكلمة الإخلاص ودين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وملة أبينا إبراهيم حنيفا مسلما ولم يكن من المشركين).

أما التفسير الآخر لهذه النخوة، وهو القول بأنها تعني دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب، فهو غير دقيق أيضا للأسباب التي أشرت إليها سابقا عند مناقشة رواية خير الدين الزركلي.

فالدعوة بدأت في العيينة وكان لها صداها ومداها وإن كان قصيرا، ولا يوجد - حسب علمي - أي إشارة تفيد بوصف ما كان يقوم به الشيخ محمد بن عبد الوهاب في العيينة بأنها دعوة عوجاء.

كما أن وصف الدعوة بالعوجا بعد أن انتقلت إلى الدرعية من قبل ابن معمر أو غيره كما ورد في بعض الروايات غير منطقي، لأنها كانت تحظى بالقبول والتأييد في مراحلها الأولى في العيينة.

وانتقال الشيخ إلى الدرعية موضح في المصادر؛ إذ إن أمير العينية عثمان بن حمد بن معمر تخلى عن الشيخ بسبب الضغوط التي تمت عليه من قبل رئيس الأحساء سليمان بن محمد بن عريعر الذي هدده بقطع خراجه من الأحساء، وليس بسبب عدم قبوله بها أو عدم استحسانه لها.

والرأي الذي أميل إليه هو أن معنى (العوجا) في هذه النخوة المؤثرة يعود إلى المكان، وهو هنا الدرعية التي أصبحت منطلق الدعوة الإصلاحية وبناء دولة راسخة وقوية وذات نفوذ واسع. والافتخار هنا أصبح مرتبطا بالمكان الذي ارتبط به أيضا افتخار آخر هو الانطلاق من خلالها للدعوة إلى العودة إلى الدين الصحيح التي امتدت آثارها إلى أماكن كثيرة وأسهمت في تأسيس الدولة السعودية.

وأورد أمين الريحاني تلك النخوة عندما تحدث عن معركة جراب، ونقل ما كان يقوله «الإخوان» وهم يعتزون وينتخون: أهل التوحيد! أهل التوحيد، أهل العوجا! أهل العوجا. وهذا يمكن تفسيره بأن النخوة هنا ارتبطت بالمكان وهو الدرعية التي احتضنت الدعوة إلى التوحيد! ونقل منير العجلاني في كتابه (تاريخ البلاد السعودية) عن صحيفة (الخليج الفارسي) قولها: (إن صيحة آل مقرن التي كانوا ينتخون بها في الحرب هي: خيال العوجا.. أنا ابن مقرن. ويعنون بالعوجا: الدرعية، لأن وادي حنيفة يتعرج عندها)».

* العوجا توثقت شعرا

* وبما أن الشعر هو مصدر من المصادر التي تدل على المعاني المقصودة، فإنه بالرجوع إلى العديد من القصائد القديمة يتبين أن الشعراء استخدموا كلمة «العوجا» بكل وضوح للدلالة على المكان، وهو الدرعية، الذي انطلقت منه دعوة النور والإصلاح.. دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب - رحمه الله - التي ساندها وأيدها وناصرها الإمام محمد بن سعود رحمه الله. فالمكان هو «الدرعية» التي كانت مقصدا للشيخ محمد بن عبد الوهاب عندما ناصره الإمام محمد بن سعود، وبدأت تباشير الدعوة وبناء الدولة السعودية منها على أساس الدين. ويبدو أن هذه النخوة تعود إلى هذه المرحلة المبكرة من تأسيس الدولة السعودية الأولى. وتأتي هذه الكلمة «العوجا» لوصف الدرعية التي تتسم من الناحية الجغرافية الطبيعية بالموقع غير المستقيم، الذي فرضه تكوين المنطقة على طرفي وادي حنيفة المتعرج، كما سبق أن ذكر عند استعراض المعاني اللغوية لكلمة (العوجا) حيث تبين إطلاقها في الغالب على وصف الشيء المادي بالاعوجاج، واستمر استخدام هذه النخوة في عهد الملك عبد العزيز - رحمه الله - للدلالة على ارتباط المملكة العربية السعودية بمنطلق تأسيس الدولة السعودية في الدرعية، ومناصرة الدعوة الإصلاحية.

واعتبر المؤلف الدكتور فهد السماري أنه إذا نظرنا إلى عدد من القصائد المبكرة والمتأخرة نجد أن كلمة «العوجا» استخدمت لاستنهاض الهمم والفخر والاعتزاز لدى الأهالي في البلاد السعودية. والأهم من هذا هو استخدام كلمة «العوجا» للدلالة على أنها تعني المكان، وليس كما ورد في بعض الآراء الأخرى.

فعلى سبيل المثال، نجد أن موضي الدهلاوية في مرحلة مبكرة قبيل سقوط الدرعية تستخدم كلمة «العوجا»، بصفتها المكان، حيث قالت:

سر وملفاك العوجا مسيرة ديرة الشيخ بلغه السلام وهنا جاءت كلمة «العوجا» للدلالة على الدرعية التي هي المقصد، وهي ديرة الإمام عبد الله بن سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود.

وشاعر آخر، هو عبد الله بن خالد، من أهالي الدرعية، أثناء حصار إبراهيم باشا للدرعية سنة 1223هـ:

سالت العوجا بدم حمر وهذا فيه دلالة على استخدام كلمة «العوجا» للإشارة بكل وضوح إلى المكان، وإلى موقع المعركة التي حدثت ونتج عنها سقوط الدرعية. ويؤكد هذا المعنى شاعر آخر وهو الشاعر محمد أبو نهية، الذي نظم مرثيته المشهورة، واستخدم فيها بكل وضوح تام كلمة «العوجا» للدلالة على الدرعية، حيث قال:

وأبكي على عوجا ربينا بربعها والشاعر حسين بن علي بن نفيسة أيضا استخدم كلمة «العوجا» للدلالة على الدرعية، حيث قال:

تألق في العوجا الهدى ثم أنورا ويتبين من خلال هذه الأبيات المتقدمة والمتأخرة استخدام كلمة «العوجا» للدلالة على الدرعية بكل وضوح في كثير من التعبيرات والإشارات.

ومختصر القول بعد البيان أن «هذه النخوة - في رأيي - ذات ارتباط مكاني واضح، وهو الدلالة على الدرعية في الأساس، ثم شملت منطقة العارض، وذات ارتباط ديني وثيق تمثل في الدعوة الإصلاحية في نجد التي نشأت في الدرعية وانطلقت منها، غير أن الصبغة التي ظهر عبرها هذا الارتباط الوثيق هي الانتساب للمكان الذي انطلقت منه هذه الدعوة.

وهو ما يشكل في ضوء المعطيات الدلالية والتوثيقية التي عرضتها في أسطر هذا الكتاب حقيقة لا يمكن التقليل من شأنها، مع إبداء التقدير للاجتهادات الأخرى في تفسير مصطلح (أهل العوجا) وخلفية إطلاقه، وإن كنت أرى - من وجهة نظري - أن الدلالة لا تزكيها، غير أن مساحة الرأي المشترك قد تتسع لذا وذاك ولغيرهما مما تسنده الأدلة والشواهد».