جدلٌ في السعودية حول جواز امتلاك الآباء لحسابات الأبناء البنكية

أمهاتٌ يُحذّرن.. والشرع يبيح.. والقانون يجيز امتلاك الأب حسابات ادخار الأبناء

التفويض القانوني للأب لا يمنعه من اتباع سياسة وضع اليد على كافة أموال حسابات ادخار أبنائه
TT

اعترض نجاح تجربة حساب ادخار الأبناء في البنوك السعودية التي باتت تروج لها مؤخرا كافة المصارف السعودية، إشكالات شرعية وقانونية حدت من نسبة إقبال الأمهات على افتتاح حسابات توفير وادخار شهرية لأبنائهن تطبيقا للمثل الشائع «القرش الأبيض في اليوم الأسود».

فرغم تجاوز الأمهات مسألة اشتراط المصارف السعودية ورقة تفويض من الأب للأم، بإجراء كافة المعاملات البنكية من سحب وإيداع وتحويل وأي معاملات مصرفية أخرى تخص الحساب حسب ما تراه، فإن أجراس الخطر وقعت في نفوس الأمهات، سواء المطلقات أم أولئك اللائي ما زلن على ذمة أزواجهن، بعد تحذير العاملين في البنوك بأن هذا التفويض القانوني، لا يمنع الأب من اتباع سياسة وضع اليد على كافة أموال حسابات ادخار أبنائه، وإن كانت أموالا عائدة إلى الأم، أو هبات من آخرين، فضّلت الأم ادخارها، حتى بلوغهم سن الرشد، تحت قاعدة «أنت ومالك لأبيك» رغم ما شهد تخريج الحديث من خلاف فقهي كبير. «الشرق الأوسط» تحدثت مع إحدى المسؤولات بأحد فروع البنك السعودي الأميركي (سامبا) في العاصمة السعودية الرياض، التي فضلت عدم ذكر اسمها، حول الإشكاليات التي بات يعاني منها حساب ادخار الأبناء الخاص بـ«سامبا» وهو ما يسمى «سامبا ستارز» الذي يُقدم خدماته إلى من هم فوق العشرة أعوام، مع حدٍ للسحب اليومي لا يتجاوز 100 ريال، مع اشتراط موافقة ولي الأمر. وأكدت أن عددا كبيرا من النساء، يلجأن إلى فتح حسابات ادخار شهريه لأبنائهن دون علم الأب، قد يصل ما في تلك الحسابات إلى ملايين الريالات، سواء كانت في خطوة لادخار أموال لهم، تُعينهم عند كبرهم، أو لمنع الزوج من إنفاق وتبديد كافة أموالها التي في حسابها الخاص، والتي تمتع فيها الزوج بأحقية مزيفة للاطلاع والتصرف بكل ما فيه. إلا أنه ونتيجة لإشكالات باتت تواجه العاملين في البنوك، تتمحور حول لجوء بعض الآباء لسحب كافة أموال أبنائه ممن لا يزالون دون السن القانونية، وما باتوا يشاهدونه من حرقة الأمهات على ضياع كافة أموالهن، تؤكد المسؤولة بفرع «سامبا» حرص العاملات على تحذير الأم من إباحة القانون للأب وضع اليد على كافة ممتلكات الأبناء في حساباتهم، مما دفع الأمهات إلى العزوف عن الأمر والاستعاضة به إلى فتح حسابات أخرى بأسمائهن الشخصية. كل ذلك أتى تحت مسألة ولاية الأب، والتي شهدت خلافا فقهيا كبيرا بين القول بـ«حق التملك» للهبة، وبين «حق التصرف» بها، بما تقتضيه مصلحة الأبناء غير البالغين، أو البالغين غير الراشدين. إلا أن هذا المنطلق اختلفت الآراء الفقهية عليه، وبقي مفهوم «حق التملك» أوسع نطاقا من مفهوم حق «التصرف الولائي» للأب على أبنائه، حيث إن مفهوم «ولاية التصرف» مقيد بدائرة المصلحة التي تعود على الأبناء بالنفع المعنوي أو المادي، وعدم وجود المفسدة.

وبخلاف القول بحق تملك الأب لهبة الولد، فهو يعني أنه مالكٌ أصيل لا ينازعه أحد في ملكه، وهذا القول قد اختاره أهل السنة والجماعة، فذهب المالكية للقول بالجواز كما جاء في «الشرح الصغير»: وجاز للأب فقط لا الجد اعتصارها (الهبة) أي أخذها من ولده.

وفي هذا السياق، يؤكد القاضي أحمد العميرة رئيس المحكمة العامة بمحافظة رجال ألمع، أن ولاية الأب على ابنه ولاية جبرية يفرضها القانون، لذلك أي مال يوهب للابن في حياة الوالد، فله التصرف فيه بما فيه مصلحة حتى يكبر الولد ويصبح راشدا، سواء كان هذا المال المقدم للولد من الزوجة أو الجد والجدة، أو حتى من الدولة، فهو يتولى الصرفية، وينفق على الابن من ماله، ويحفظه له، حتى يصبح راشدا، وللأب أن يأكل منه بالمعروف، مع شروط محددة قيدت هذا الأمر، والإنفاق بضوابط شرعية.

أما فيما يتعلق بمقاضاة الابن للأب، في حال تبديد أمواله حين بلوغه السن القانونية، أفاد العميرة أن الأصل، لا تجوز مقاضاة الأب سوى بشروط، إلا أنه أكد أن افتتاح الأم حسابا باسمها بنيّة ادخار الأموال لأبنائها، يحمي كافة أموالها من أن تطاله أي يدٍ، حتى وإن كان الأب نفسه، موضحا أن افتتاح الأم حسابا باسمها وادخار المال فيه لأبنائها، ينتفي حق الأب سحب الأموال؛ حيث إن الحق لا يكون سوى بقبض الابن للمال، أو أن تحوله إلى حساب باسمه.

ويذهب الحنابلة في «كشاف القناع»، إلى أن الأب يقبض الهبة لولده الصغير والمجنون، وقال أيضا: وللأب الحر أن يتملك من مال ولده ما شاء. ثم قال صاحب «كشاف القناع»: للأب فقط إذا كان حرا أن يتملك من مال ولده ما شاء، ما لم يتعلق به حق كالرهن، مع حاجة الأب إلى تملك مال ولده ومع عدمها، في صغر الولد وكبره، وسخطه ورضاه، وبعلمه وبغير علمه. ويأتي ذلك استنادا لما روى الترمذي، وذكر أنه حديث حسن، عن عائشة (رضي الله عنها) قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): «إن أطيب ما أكلتم من كسبكم وإن أولادكم من كسبكم». وروى الطبراني في معجمه عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال: «جاء رجل إلى النبي (صلى الله عليه وسلم) فقال: إن أبي احتاج مالي، فقال: أنت ومالك لأبيك». ولأن الولد موهوب لأبيه بالنص القاطع، وما كان موهوبا كان له أخذ ماله كعبده.

وجاء في مذهب الأحناف في «الهداية» أنه: إذا وهب الأب لابنه الصغير هبة ملكها الابن بالعقد، لأنه في قبض الأب، فينوب عن قبض الهبة، ولا فرق بين ما إذا كان في يده أو في يد مودعه، لأن يده كيده.

ومع توفر الخلاف الفقهي لهذه المسألة، ترى عدد من الحقوقيات والأمهات أن الأخذ بالقول بإباحة مال الولد للوالد في زماننا هذا، يُفضي إلى محذورات عديدة، فالطمع استحوذ على نفوس الناس كبارا وصغارا، فكثير من الآباء لو قيل له إن الشرع أباح لك مال ولدك بشروط، لأخذ بالإباحة مطلقا وترك الشروط، وفي هذا فتح لباب التعسف - خصوصا في حق النساء العاملات - وما سيُقابل به من الأبناء من بُغض وقطيعة رحم، خاصةً مع استحواذ الشح على نفوس كثير منهم.