السعودية تقدم مبادرة لحماية الأطفال من إساءة استخدام التكنولوجيا

رأت أن السكوت عن انتشار الصور الإباحية سيؤدي إلى انتشار الجرائم

تسعى السعودية من خلال مبادرتها المرتقبة لحماية الأطفال من إساءة استخدام وسائل التقنية الحديثة («الشرق الأوسط»)
TT

كشف مدير عام الشؤون القانونية والتعاون الدولي بوزارة الداخلية السعودية الدكتور عبد الله الأنصاري لـ«الشرق الأوسط» أن بلاده ستقدم مبادرة لحماية الأطفال من إساءة استخدام التكنولوجيا في التعدّي عليهم واستغلالهم، وذلك خلال الدورة العشرين لمنع الجريمة والعدالة الجنائية التي ستنعقد في النمسا.

وبيّن الأنصاري أن هذه المبادرة قد اعتمدت على نهج السعودية المبني على الشريعة الإسلامية التي حرمت أي عدوان على النفس البشرية وعالجت جذور هذه المشكلة، ولذلك فإن السعودية قد دأبت أن لا تركز جهودها في مكافحة عمليات العدوان الجنسي للأطفال فحسب - مع شناعتها وشدة استنكارها - بل صبت جهودها في الجذر الفاسد الذي نشأ منه هذا الفرع الذميم، وهو الصور الإباحية والجنسية قاطبة، بغض النظر عن مصادرها أو الوسائط المستغلة لنقلها أو تبادلها.

وأضاف الأنصاري أن هناك عددا من المختصين قاموا بحصر وإجراء الكثير من الدراسات والأبحاث العلمية والأمنية والتي أجمعت على حقيقة واحدة مشتركة، وهي أن السكوت عن انتشار الصور الإباحية والجنسية سيؤدي لا محالة إلى انتشار الكثير من السلبيات والجرائم الاجتماعية الممنوعة الأخرى، التي ستكبد الدول غالي الثمن في الجوانب المالية والاجتماعية والأمنية، وأن جذر الداء يكمن في إدمان الصور الإباحية، ويمر بخمس مراحل متتالية هي: «الفضول والإدمان والتصعيد والتبلد ثم التطبيق العملي».

وبيّن أن مبادرة السعودية قد استعرضت التدابير الفنية والتقنية والتشريعية التي اتخذتها المملكة لمكافحة استخدام التكنولوجيا في التعدّي على الأطفال واستغلالهم، من أبرزها صدور نظام مكافحة جرائم المعلوماتية بقرار مجلس الوزراء رقم 79 وتاريخ 7/3/1428هـ الموافق 22/7/2007م، والذي يهدف إلى حفظ المجتمع وأفراده من هذه الجرائم الفتاكة.

وشدد الأنصاري على أن المبادرة السعودية رأت الحل الأمثل لآفة العدوان الجنسي على الأطفال، وترويج ونشر صور تلك الانتهاكات من خلال تقنيات المعلومات والاتصالات «لا بد أن يرتكز على استهداف الجذر قبل الفرع. والجذر لهذا الداء وغيره من الآفات والجرائم ذات العلاقة يكمن في انتشار الصور الإباحية والجنسية بكل أنواعها. وإن حسن معالجة هذا الجذر يتطلب التركيز على خمسة محاور رئيسة، هي الحل الفني من خلال إنشاء الأنظمة والحلول التقنية الكفيلة بزيادة صعوبة الوصول إلى هذه المواد، خصوصا أمام الأطفال ومن لم يبحث عنها. والحل التشريعي والجزائي عبر وضع التشريعات والجزاءات الكفيلة بردع كل مروجي هذه المواد ممن تستهويهم أنفسهم الضعيفة لنشر هذه الرذائل والفتن الاجتماعية طلبا لمكاسب آنية محدودة، والتوعية والإرشاد من أجل توعية أولياء الأمور والمدرسين والعائلات والأطفال إلى محاسن ومساوئ التقنية وأفضل أساليب الوقاية والحصانة الذاتية والعلاج، وذلك من خلال وضع البرامج الطبية والنفسية المتخصصة بمعالجة المدمنين والضحايا لمنع التفاقم أو الانتشار أو التكرار، والحد من التبعات، والبدائل النافعة، وذلك من خلال إيجاد الملهيات والخدمات البديلة البناءة والمفيدة التي تشغل أوقات مستخدمي التقنية بما هو مفيد ومسلِّ في آنٍ واحد لهم ولعائلاتهم ولمجتمعهم.

وأضاف أنه نظرا إلى ما يشهده العالم اليوم من تسارع تطور والتقاء تقنيات المعلومات والترفيه والاتصالات مثل التلفاز والإنترنت والاتصالات المتنقلة والألعاب الإلكترونية ضمن ظاهرة «الاندماج» (أو «التقارب») العالمية، فإن السعودية ترى أنه من الضروري استباق هذه الأحداث من خلال دراسة توحيد صلاحيات التقنين لمحتويات هذه التقنيات منعا لتداخل الصلاحيات والمسؤوليات، وحفاظا على سياسات وآليات موحدة للتعامل مع هذه التقنيات المقبلة على الاندماج. وقد يكون من محاسن هذا التوجه في حال تنفيذه ما يلي: ضمان استمرارية التعامل مع هذه الظواهر بكفاءة وإتقان مهما تغيرت التقنيات الوسيطة، ومنع الازدواجية أو التضارب في السياسات أو القرارات، والقدرة على تفريغ وتدريب المختصين في كل المجالات المعنية، وسرعة وخفة الاستجابة بفاعلية للمتطلبات الوطنية الأمنية والاجتماعية.

وأشار إلى أن السعودية ومن خلال استشعارها لعظم مسؤولية المجتمع الدولي لحماية الأطفال ضد إساءة استخدام التكنولوجيا في التعدّي على الأطفال واستغلالهم ترى أنه من الضروري اتخاذ الإجراءات التالية: إنشاء تحالف بين الإدارات الأمنية في المملكة وخارجها يتخصص أصحابها في تلقي وإحالة ومتابعة بلاغات العدوان على الأطفال، من خلال نظام حاسوبي موحد، مع التنسيق حسب الحاجة لإغلاق المواقع المبلغ عنها من مصادرها، والتعرف على كل من قام بتحميل تلك المواد المنكرة إليها أو منها، ومعاقبتهم حسب ما تقتضيه الأنظمة والقوانين ذات العلاقة. وقد تكون أمثل وسيلة لتحقيق ذلك دون ازدواجية أن تنضم المملكة وبقية الدول ذات الاهتمام المشترك في مكافحة هذا الداء الاجتماعي. والعمل على تبادل الخبرات الفنية والقوائم السوداء والمتضمنة مواقع وخدمات تروج للإباحية بشكل عام وفق تصنيف واضح، وهذا سيكون له أثر في إيجاد بيئة رافضة شبه موحدة للمواقع الإباحية على مستوى الدول ذات الاهتمام.

وكشف الأنصاري أن المبادرة السعودية دعت إلى التعاون مع الدول ذات الاهتمام المشترك لبحث مدى إمكانية وضع نظام تقييم إلزامي عالمي لمحتويات تقنيات المعلومات للسماح لكل دولة وكل عائلة وكل مربٍّ بترشيح وحجب ما يراه ضارا اجتماعيا للأطفال ولنموهم الفكري والخلقي السليم، وطالب بتبني الأمم المتحدة لاتفاقية شاملة على غرار الاتفاقية الأوروبية حول جرائم الإنترنت.

وأشار إلى أن الجهات الأمنية تعد هي الجهة المختصة في ضبط وتلقي البلاغات ذات العلاقة بهذه الجرائم وأمثالها، وتتولى هيئة التحقيق والادعاء العام التحقيق في الجرائم الواردة في النظام، بينما تقدم هيئة الاتصالات وتقنية المعلومات - وفقا لاختصاصها - الدعم والمساندة الفنية للجهات الأمنية المختصة، خلال مراحل ضبط الجرائم والتحقيق فيها.

وأشار إلى أن من التدابير صدور نظام مكافحة جرائم الاتجار بالأشخاص بقرار مجلس الوزراء رقم 244 بتاريخ 20/7/1430هـ الموافق 13/7/2009م، حيث عرف النظام مصطلح الاتجار بالأشخاص في الفقرة رقم (1) من المادة الأولى منه على أنه «استخدام شخص أو إلحاقه، أو نقله، أو إيواؤه، أو استقباله، من أجل إساءة الاستغلال»، كما أبانت المادة الثانية من ذات النظام أشكال الاتجار بالأشخاص حيث جاء فيها: «يحظر الاتجار بأي شخص بأي شكل من الأشكال، بما في ذلك إكراهه أو تهديده، أو الاحتيال عليه، أو خداعه، أو خطفه، أو استغلال الوظيفة، أو النفوذ، أو إساءة استعمال سلطة ما عليه، أو استغلال ضعفه، أو إعطاء مبالغ مالية أو مزايا أو تلقيها لنيل موافقة شخص له سيطرة على آخر من أجل الاعتداء الجنسي، أو العمل أو الخدمة قسرا والتسول، أو الاسترقاق، أو الممارسات الشبيهة بالرق، أو الاستعباد، أو نزع الأعضاء لإجراء تجارب طبية عليه».

موضحا أن من أبرز ملامح هذا النظام ما جاء في المواد التالية، المادة الثالثة التي تعاقب كل من ارتكب جريمة الاتجار بالأشخاص بالسجن مدة لا تزيد على خمس عشرة سنة أو بغرامة لا تزيد على مليون ريال أو بهما معا. وشددت المادة الرابعة على العقوبات المنصوص عليها في هذا النظام في عدد من الحالات، منها ما يلي: إذا ارتكبت ضد امرأة أو أحد من ذوي الاحتياجات الخاصة، وإذا ارتكبت ضد طفل حتى لو لم يكن الجاني عالما بأن المجني عليه طفل، وإذا كان مرتكبها موظفا من موظفي إنفاذ الأنظمة. كما بيّن النظام عقوبات محددة لحالات مختلفة ضد الاتجار بالأشخاص أدرجت تحت المواد السادسة والسابعة والثامنة والتاسعة والعاشرة والثالثة عشرة.

وأضاف أن من أبرز الخطوات التي تهدف إلى حماية الطفل من هذا النوع من الجرائم إعداد مشروع «نظام الحد من الإيذاء» ومشروع «نظام الحد من إيذاء الأطفال» اللذين لا يزالان قيد الدراسة الآن في هيئة الخبراء بمجلس الوزراء.

وأكد أن مشروع نظام الحد من إيذاء الأطفال يهدف إلى حمايتهم من كل أنواع الإساءة والإهمال ومظاهرها في الأسرة والمدرسة والحي والأماكن العامة أو حتى دور الرعاية والتربية البديلة والمؤسسات الحكومية والأهلية، كما يشدد النظام المكون من (24) مادة على تحقيق وتوفير الرعاية اللازمة للطفل والحد من انتشار أشكال الإساءة التي قد يتعرض لها، ونشر الوعي بحقه في الحياة بلا إهمال وإساءة.

واعتبر المشروع المقترح بقاء الطفل دون سند عائلي من الحالات التي تهدد سلامته وصحته النفسية والجسدية، وضم إليها أيضا عددا من الحالات مثل الإهمال والتشرد والتقصير المتواصل في تربيته ورعايته والاستمرار في سوء معاملته واستغلاله جنسيا أو اقتصاديا أو استغلاله في الإجرام والتسول، ويضاف إلى ذلك انقطاع الطفل عن التعليم واعتياده مغادرة محل إقامته أو تغيبه عنه دون رقابة أو علم من المسؤول عنه، وبقاؤه دون أوراق رسمية تثبت هويته.