كتاب عن الإرهاب يحرم قتل الآمنين وتدمير المنشآت.. ويطالب بخطاب يعالج ظاهرة الغلو

أولى ندوات الجنادرية تبحث مفهوم «الإسلاموفوبيا».. وتقرر أن تأزم العلاقة مع الغرب جعل الإسلام يحل خطرا مثل الشيوعية

استهدف تنظيم القاعدة في حربه على السعودية مجموعة من المصالح الأمنية والمجمعات السكنية («الشرق الأوسط»)
TT

في وقت أكدت فيه ندوة عُقدت في الرياض، ضمن المهرجان الوطني للتراث والثقافة، أن «الإسلاموفوبيا» كانت سابقة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) وليست ناتجة عنه، وأن اختزال العلاقة بين الغرب والإسلام في صورة العداء والمواجهة هو تصور خاطئ من قبل الغربيين، مما جعل الإسلام يحل خطرا بديلا عن خطر الشيوعية، جاء مؤلف سعودي يتناول خطورة الإرهاب ومسؤولية الأمن الفكري في القضاء عليه ليؤكد أن الغلو في الدين وترويع الآمنين والسعي في الأرض فسادا لإهلاك البشر وتدمير المنشآت والممتلكات من أسوأ نتائج القول على الله بغير حق ومن أعظم المحرمات وأشدها، مطالبا بضرورة تضافر جميع الجهود للتصدي للفكر الضال مع انتهاج منهج الشفافية والوضوح عند طرح جميع القضايا المعاصرة التي تهم الشباب والناشئة.

وتزامن صدور الكتاب مع أولى ندوات وفعاليات مهرجان الجنادرية، التي انطلقت يوم الخميس الماضي وحفلت بمحاور، كان أهمها ما دار من سجال حول مفهوم «الإسلاموفوبيا» الذي خرج بطروحات أكدت أن تباين الأديان يحتم التعايش بينها، وأن تشويه صورة الإسلام الحقيقية أسهم في تخويف الغرب منه، كما أن فشل تأقلم المسلمين في إقامتهم في الغرب زاد من تعقيد العلاقة بين الإسلام والغرب ليحل الإسلام خطرا بديلا عن خطر الشيوعية.

ورأت الندوة أن الواقع يؤكد أن المسلمين هم أكثر المتضررين من الأعمال الوحشية التي وُصم بها الإسلام والتي ترتكبها الجماعات الإرهابية، وأن اختزال العلاقة بين الغرب والإسلام في صورة العداوة والمواجهة هو تصور خاطئ عند الساسة والمفكرين الغربيين لعدم التمييز بين الإسلام والجماعات الإرهابية التي هي عدو للبشرية جمعاء وأن «الإسلاموفوبيا» كانت سابقة لأحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001 وليست ناتجة عنه.

وفيما يتعلق بالمؤلَّف السعودي الذي صدر قبل أيام عن خطورة الإرهاب ومسؤولية الأمن الفكري، كشف وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ، عن أن طغام من حدثاء الأسنان وسفهاء الأحلام، خرجوا على ولاة الأمر، وغلوا في الدين، وقالوا على الله بغير علم في أعظم المسائل العقدية الدينية والشرعية، فضلوا وأضلوا، وأساءوا إلى أمتهم الإسلامية، فكانت إساءتهم إلى دينهم أعظم، فألصقت بالإسلام تهمة إزهاق أرواح الآمنين، وحورب الإسلام في جميع أنحاء العالم، مشددا على أن الغلو في الدين، وترويع الآمنين، والسعي في الأرض فسادا لإهلاك الحرث والنسل من أسوأ نتائج القول على الله بغير علم، الذي هو من أعظم المحرمات وأشدها، وهو من أعظم الشرور التي ابتليت بها الأمة الإسلامية بعامة، وبلاد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية بخاصة.

وقال آل الشيخ، في تقديمه للكتاب الـ17 الذي أنجزه سلمان بن محمد العمري تحت عنوان «خطورة الإرهاب ومسؤولية الأمن الفكري»: لقد وفق الله - تعالى - المملكة العربية السعودية إلى محاربة هذه الظاهرة السيئة؛ ظاهرة الغلو في الدين، بالوسائل الشرعية، فكانت الوسيلة في ذلك هي الإقناع الشرعي، والخطاب العقلي والفكري، إدراكا منها أن الفكر إنما يعالج بالفكر، وأن المبادئ إنما تقابل بالعقل والحجج، وكان من أهم الجهات التي أسهمت في محاربة هذا الفكر الضال، وتبصير المسلمين بشروره وبيان مخالفته للشريعة السمحة، ومناصحة المغرر بهم من شباب هذه البلاد المباركة: وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد من خلال أئمتها وخطبائها وعلمائها ومفكريها، ومن خلال ما قامت به من ندوات ومؤتمرات، وما قامت به من طباعة كتب ورسائل ونشرات، وغير ذلك من المناشط المنوعة.

وأضاف الوزير آل الشيخ أن بلاده، ممثلة في وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، أسهمت أيضا من خلال البرنامج المتميز «حملة السكينة» الذي كان لـه كبير الأثر في علاج المشكلة، وتحييد كثيرين عن التعاطف، أو الانتماء للإرهاب، وقد كانت لهذه الجهود الجليلة والأعمال المباركة آثار نافعة، وثمار يانعة، هدى الله بها كثيرا ممن ضلوا عن سواء السبيل، فرجعوا إلى الصراط المستقيم، وأنار بها بصيرة كثير من الناس، فعرفوا الحق، ووقاهم شر الوقوع في حمأة الغلو، والتطرف، والإرهاب.

وأبرز وزير الشؤون الإسلامية، في تقديمه، أن معد الكتاب سلمان العمري قد تناول موضوع خطورة الإرهاب ومسؤولية الأمن الفكري في كتابه هذا تناولا علميا جيدا، بأسلوب ميسر، وعبارات سهلة يفهمها الجميع، بيَّن فيه حقيقة الإرهاب ومفهومه، وأظهر مضاره وأخطاره، وجهود الدولة في محاربته، وأبرز جهود العلماء الأجلاء في تبصير الناس وتوعيتهم، وبيان الحق المستند على الدليل من الكتاب والسنة ورعاية مصالح الأمة، فأجاد وأفاد، سائلا الله أن ينفع بهذا الكتاب، وأن يقي بلاد المسلمين بعامة، وهذه البلاد بخاصة، شر الفتن ما ظهر منها وما بطن.

واعتبر المؤلف العمري، في تقديمه لكتابه، الذي جاء في 238 صفحة من الحجم المتوسط، أن ما حدث في بلادنا، خلال السنوات الماضية، من أحداث مؤسفة وأعمال إرهابية بغيضة قامت بها فئة من الخارجين على الجماعة، هو امتداد لفكر منحرف يخرج بين الحين والآخر، يصيب الأمة بطعون مؤلمة؛ لأنها ليست من الأعداء، بل من أناس ينتمون إلينا، ولكن الله - سبحانه وتعالى - دائما يرد كيد الظالمين في نحورهم، ويوقعهم في شرور أعمالهم، وتكون عاقبتهم السوء في هذه الدنيا، وما عند الله في يوم الفصل أشد وأعظم؛ فقد استرخصوا النفس البشرية بالقتل والاغتيال، ودمروا الممتلكات وأهلكوا الحرث والنسل، ولقد قيض الله لهم في هذه البلاد رجال أمن أشاوس، استطاعوا، بحمد الله، القضاء عليهم في أوقات قياسية، على الرغم مما خططوا له، وجمعوا له من أموال وعدة وعتاد، وما عانته دول عظيمة في عقود طوال كانت لرجال الأمن لدينا الضربة القاضية في مدة يسيرة، ولا ننسى هنا تضافر الجهود وتكاملها في عناصر الأمن العام، والأمن الفكري المتمثل في قيام المؤسسات المعنية، ومنها المؤسسات الشرعية من خلال العلماء والقضاة والخطباء والدعاة وطلبة العلم وأئمة المساجد بجهود مشكورة في التصدي لهذا الفكر المنحرف، والتحذير منه، ومنع انتشاره، والتوضيح للناس مدى خطورته من عدم الانسياق بالعواطف مع ما يشيعونه، وكان لتكامل هذه الجهود، بتوفيق الله، الأثر الكبير في اندحار فلول الإرهاب والقضاء عليه.

وحذر العمري من أن الفكر المنحرف لا ينقطع، بل ويظهر مرة ويختفي أخرى، وكان لا بد من التحصين المسبق له، ومنع ظهوره ما أمكن السبيل إلى ذلك، وقال: من هنا، تظهر أهمية العمل على تحقيق الأمن الفكري عند أبنائنا، وهي مسؤولية يجب أن يضطلع بها كل غيور على ممتلكاتنا الغالية وبلدنا الحبيب، وما لقاء الأمير نايف بن عبد العزيز مع الأئمة والخطباء والدعاة، إلا خطوة على طريق تحقيق الأمن الفكري، كما أن المؤتمرات التي رعاها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في مدينتي الرياض وجدة إنما هي خطوة رائدة في تحمل المسؤولية الفكرية وإعطائها الأهمية البارزة في سبيل محاصرة الإرهاب، ووقاية أبنائنا من شره وسمومه، وتبيان موقف الإسلام وبلادنا من الإرهاب.

وشدد معد الكتاب، في توصياته، على أهمية تضافر جميع الجهود من قبل الهيئات والمؤسسات التربوية والدينية والاجتماعية والإعلامية في مواجهة الإرهاب ومكافحته ومقاومته؛ لأنها مسؤولية جماعية، وليست مسؤولية رجال الأمن بمفردهم، والعمل على تحصين الشباب والناشئة من الأفكار المنحرفة والضالة، وذلك عن طريق المؤسسات الشبابية والتعليمية ووقايتهم؛ لأن الوقاية خير من العلاج، مؤكدا أهمية قيام الجامعات السعودية بتخصيص دراسات وبحوث أكاديمية في مرحلتي الماجستير والدكتوراه عن الإرهاب ومسبباته وعلاج العوامل المساعدة في قيامه ونشوئه دينيا واجتماعيا واقتصاديا وسياسيا، مبينا أهمية قيام وسائل الإعلام بتقديم الرسائل التوعوية، خاصة في المقالات والحوارات، وليست الإثارة والاستفزاز والتهييج، مع تبيان مظاهر الوسطية في ديننا الإسلامي من خلال المناهج الدراسية وتقديم الشواهد من تاريخ السلف الصالح من المسلمين، وذم الغلو والتطرف، إلى جانب ضرورة العناية بالشباب واحتضانهم من قبل العلماء والدعاة، والتواصل معهم عبر الدروس واللقاءات المباشرة واحتوائهم لكي لا يتبناهم أصحاب الفكر الضال والمنحرف.

وأوصى معد الكتاب بانتهاج منهج الشفافية والوضوح في طرح جميع القضايا التي تهم الشباب والناشئة والبحث عن سبل المعالجة، وعدم ادعاء الكمال والتمام ومحو العيوب، مع تشجيع المثقفين والأدباء وتحفيزهم للمساهمة بالدور المنشود منهم إلى جانب الدعاة والخطباء والوعاظ في مكافحة الفكر المنحرف بنقد السلوكيات والأفكار المنحرفة، إضافة إلى ضرورة تكثيف نشر اعترافات الشباب الذين انتصحوا ومن سبق أن غرر بهم وما كانوا عليه من أخطاء وتقديمهم كنماذج للشباب الآخرين لكي لا يقعوا فيما وقعوا هم فيه، مع تبيان جهود المملكة في العمل الإسلامي والدعوي في داخل المملكة وخارجها، وما تقوم به في خدمة الإسلام والمسلمين، وتصحيح الأفكار المغلوطة لدى الشباب.

وطالب العمري الجهات ذات الاختصاص بضرورة مواصلة المؤسسات الشرعية بعقد الندوات لتوضيح منهج الإسلام الوسطي، وكشف الأفكار الغالية وأساليبها للمجتمع، خاصة الشباب، ووضع برامج توعية للأسر حتى يقوم الآباء بدورهم تجاه أبنائهم، وحمايتهم من المنزلقات التي قد توقعهم في أتون هذه الفتن، وتضر بهم وبأهلهم ووطنهم وأمتهم، وكذا مطالبة وسائل الإعلام بالاستمرار في كشف الوجه القبيح للإرهاب، وذلك بإبراز أحاديث العلماء والدعاة وطلبة العلم وخطباء الجمعة، مهيبا بفرسان المنابر القيام بتناول خطورة الإرهاب والغلو والتطرف، وإيضاح حقيقة أصحاب الأفكار المتطرفة الغالية.