المذياع ينافس التلفاز في خيارات السعوديين لمتابعة الأحداث السياسية

الأحداث الدائرة في أكثر من بلد عربي كانت عاملا لعودة الراديو إلى الواجهة بعد سنوات من اندثاره

الأحداث التي شهدتها وتشهدها دول عربية فرضت نفسها على المشهد العام السعودي (تصوير: فواز المطيري)
TT

على الرغم من أن أحد المفكرين، ممن لهم شأن وخبرة في دهاليز السياسة، كان له رأي يتفق معه الجميع في ما مضى، وهو القول بأن «من السياسة ترك السياسة»، فإن هذا القول بات ينافي واقعه هذه الآونة، خصوصا مع تنامي الأحداث السياسية في العالم أجمع، وولع النفس البشرية، خصوصا في العالم العربي، بمتابعة ما يدور على الأرض، في دول شهدت خروجا من المواطن على أنظمته، كـ«تونس، ومصر، وليبيا، ومؤخرا اليمن».

لكن الحديث هنا يأخذ منحى واتجاها آخر، بعد أن وجد الإنسان العربي، مهما كانت طبقته، غنيا أو فقيرا، رئيسا أو مرؤوسا، أن الولع بالسياسة بات ذا أبواب عدة، خصوصا مع تطور التقنية والتكنولوجيا، وظهور الفضائيات على اختلاف تخصصاتها واهتماماتها.

فتأثير الثورات العربية، التي طرأت على بعض الدول العربية مؤخرا، طال مناحي عدة في حياة الإنسان العربي اليومية من المحيط للخليج العربي، وباتت هذه الثورات تؤثر بشكل مباشر تارة، وتارة أخرى غير مباشر في حياة البشر، على الأقل، المتابعين للأحداث في الميدان من خلال شاشات الفضائيات الإخبارية التي نشطت ووجدت في تلك الثورات وجبة دسمة ومرضية لجماهيرها.

فحجم المتابعة لتلك الثورات في وسائل الإعلام المختلفة، سواء المرئية أو المقروءة، بات يشكل لا محالة، هدفا لصانعي الإعلام في العالم العربي، إن لم يكن في العالم بأسره.

اللافت ليس هنا، بل في استعادة وسائل قديمة للواجهة من جديد، لا سيما بعد مواكبة التكنولوجيا في القرن الحالي، والحديث هنا يبرز عن محطات إخبارية تبث على موجات الراديو، الذي كان في الماضي حكرا على كبار السن من المهتمين بمتابعة شؤون الشعوب الأخرى.

فالواقع يحكي أن الثورات العربية وعودتها للواجهة من جديد، لا سيما التي انتصرت منها على أنظمتها، كانت عاملا أساسيا لعودة المذياع، أو الراديو الذي أسهمت الفضائيات في اندثاره، أو ربما هناك ظروف قادت لعودته إجبارا لا خيارا.

الظروف التي عاشها المواطن العربي خلال الأشهر القليلة الماضية، وارتباطه بشاشات التلفاز لمتابعة قنوات فضائية، وجدت ضالتها في تغطية ما يدور على الأرض في الدول العربية التي شهدت توترات سياسية، أجبرت البعض حال خروجه من منزله على البحث في ترددات مذياع مركبته، لوجود قنوات أيضا، وجدت ضالتها في متابعة التوترات ذاتها، لكن بطريقة الصوت دون الصورة.

ومن هنا كان العامل الأبرز في ظهور محطات تبث محتواها على موجات المذياع، لتعمل هي الأخرى على المساهمة في إشباع رغبة من تعلقوا بالمحطات الإخبارية، وأصبحوا مهووسون بالسياسة.

وأسهمت هذه الثورات في إعادة الكثير من العادات القديمة للواجهة من جديد. وقد انتصرت هذه الثورات العربية لها، وكان من أبرزها الاستماع للراديو، الذي إعادته الثورات العربية للمشهد الإعلامي، وزادت نسب الاستماع له والمتابعة، بعد انخفاضها على أثر اتساع وانتشار الفضائيات، واعتماد البشرية عليها في ما يتعلق بأمور الحصول على المعلومة. وطبقا لمن عايشوا حروبا مضت، كانت حرب الخليج الأولى عام 1990 إبان غزو العراق للكويت، آخر عهد المواطن العربي والخليجي تحديدا في اعتماده على الراديو فقط، لمعرفة الأحداث الدائرة على الأرض في تلك الفترة.

«الشرق الأوسط» رصدت تحركا ملموسا طرأ على أسواق الأجهزة الكهربائية، وبرمجة أجهزة استقبال القنوات الفضائية في منطقة حائل (شمال السعودية)، من حيث الإقبال على شراء أجهزة التلفزيون، والراديو، بحسب عاملين، حيث أكد البعض منهم تنامي عمليات الشراء لتلك السلع، وتتزامن معها بنسبة أكبر نوعا ما عمليات البرمجة وإعادة ضبط توجيه الأطباق الفضائية اللاقطة.

وأخذ الكثير من العاملين في أسواق «الراديوهات» تقييد طلبات من أسواق التوريد في المدن السعودية الكبرى، لتأمين «أنتلات»، أو الأعمدة اللاقطة للموجات الإذاعية في المركبات، جراء زيادة الطلب عليها بعد الأحداث الدائرة في الدول العربية سابقة الذكر، خصوصا في المركبات ذات الموديلات القديمة، التي وجد أصحابها أنفسهم أمام ضرورة تركيب الأعمدة اللاقطة، والبعض الآخر لجأ بطريقة بدائية لوضع «علاقات» ملابس حديدية، للتمكن من التقاط موجات المحطات الإذاعية الإخبارية، لتلبية الرغبة الذاتية في نفوسهم، التي وجدت نفسها أمام ولع من نوع آخر بمتابعة ما تصنعه الشعوب في مقابل رؤساء دول مضت عقود من الزمان دون أن يحدث تغيير في وجوههم من جانب، والخطط الرامية لتنمية ورفعة حياة شعوبهم من جانب آخر، حتى بلغت النفوس ذروة انفجار قادها للخروج عن طورها للمطالبة بحياة طالما حلمت بها مجرد أحلام لم ولن تتحقق.

وهنا يؤكد نواف مطلق العبيكة، في العقد الرابع من العمر، أن وسائل الإعلام أصبحت جزءا رئيسيا من حياته اليومية، وبات يقضي ساعات طويلة في متابعة الأحداث التي تمر بها الأقطار العربية.

ويرى نواف أفضلية في تنوع وزيادة المحطات الإخبارية، التي يؤكد أنها تلبي رغبات عدة في نفوس المتابعين، بل وأكد وجود من بات يوزع يومه بين وسائل الإعلام المختلفة، فإذا كان خارج المنزل في السيارة على سبيل المثال، فتكون هناك محطات إذاعية خاصة، وإن كان في العمل أيضا توجد محطات إذاعية أخرى تلبي رغبته، حتى وإن كان في البر، فهناك إذاعات تلبي رغبته في المتابعة، ليأتي وقت الاستراحة (وهي المتنفس للكثير من السعوديين)، فتكون لها محطات إخبارية تلفزيونية خاصة تتم متابعتها لرصد ما يدور من أحداث سياسية في دول عربية شهدت انكفاء الشعب على أنظمته. أما رفعت محمد، مغترب مصري يعمل نجارا في حائل، فقد وجد ضالته في متابعة الأحداث في مصر، خلال تنقلاته من المنزل وفي المركبة، وفي محل النجارة الذي يعمل به.

وكانت وزارة الثقافة والإعلام السعودية، قد منحت مؤخرا 5 إذاعات محلية تابعة لجهات إعلامية محلية هي شركة «روتانا» للصوتيات والمرئيات، و«اتحاد شمس»، وشركة «غاية الإبداع»، وتحالف «ألف ألف»، وتحالف «الموارد»، ليصل مجموع الإذاعات في السعودية الحكومية والخاصة إلى 11 إذاعة، في حين أسست وزارة الثقافة والإعلام البنى التحتية اللازمة لإرسال هذه المحطات التي بدأت بثها مبدئيا في 5 مدن رئيسية، هي: الرياض، ومكة المكرمة، والمدينة المنورة، وجدة، والدمام، ويتوقع أن يصل نطاق البث إلى 30 مدينة بالمملكة بشكل تدريجي خلال 6 أشهر.