كارثتا جدة: 142 قتيلا وعشرات الآلاف من الأضرار في «فاجعتين» فصل بينهما 14 شهرا

رغم قساوتهما فإنهما كانتا نقطة الانطلاق الحقيقية لمحاربة الفساد ومشاريع استثنائية للمنطقة

صورة كارثتي جدة القاتمة ما زالت تخيم على مخيلة أهلها لما جاءت به من أضرار كبيرة في الأنفس والأموال («الشرق الأوسط»)
TT

لا يمكن بأي حال من الأحوال، أن ينسى أهالي جدة خاصة، والسعودية بشكل عام، كارثتها الأولى في نوفمبر (تشرين الثاني) 2009، والتي راح ضحيتها 132 شخصا، وكارثتها الثانية في السادس والعشرين من يناير (كانون الثاني) من العام الحالي، والتي خلفت 10 قتلى.

وخلفت الكارثتان نحو 360 مصابا، عولجوا في المستشفيات، وشردت مئات الأسر، إضافة إلى عطب نحو 70 ألفا بين سيارات وعقارات ومحال تجارية، التي ما زالت الدولة حتى صباح اليوم تعوض ملاكها عما أصابهم من التلف فصرفت صباح اليوم 500 شيك.

وكشفت الكارثتان عن كثير من القصور والسلبيات حول ضعف تأسيس شبكات تصريف مياه السيول والأمطار للمدينة، وهشاشة الكثير من المشاريع القائمة في بعض الجسور والأنفاق، إضافة إلى الحاجة الملحة لعدد من المشاريع.

وفي كلتيهما، كان الرد حازما من قبل القيادة الحكيمة، ووجه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ونائبه الأمير سلطان بن عبد العزيز لتضع كل شخص أمام مسؤوليته، ببيان صادر من الديوان الملكي، أكد «ببالغ الحزن والألم الأحداث المأساوية التي نتجت عن هطول الأمطار على محافظة جدة، وما أدت إليه من وفيات، تجاوزت مائة شهيد، وإصابة الكثيرين، إضافة إلى الكثير من التلفيات والأضرار البالغة، على المنشآت العامة والممتلكات الخاصة»، مشددا على من وقع عليه وزر الفاجعة «كائنا من كان» أنه لن يستثنى من المساءلة والعقاب.

ووجه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز ونائبه الأمير سلطان بن عبد العزيز بعقد اللجان لاجتماعها بشكل عاجل، لتوفير كافة التعزيزات اللازمة للحد من تلك الأضرار، وتقديم العون والمساعدة للمتضررين، وتخفيف معاناتهم وتعويضهم جراء ما لحق بهم من خسائر جسيمة، وتم تشكيل لجان لتقصي الحقائق، وملاحقة المقصرين والعمل على درء المخاطر وإيجاد حلول عاجلة ودائمة لها.

وأكد حينها الأمير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية السعودي، في الثلاثين من يناير الماضي على عظم المسؤولية الملقاة على عاتق اللجنة الوزارية المعنية لبحث تداعيات سيول جدة، حيال مواجهة ما تعرضت له من أضرار نتيجة هطول الأمطار الغزيرة عليها وما واكب ذلك من خسائر جسيمة أدت إلى الكثير من الأضرار الخطيرة على الإنسان والمكان.

وأشار في مؤتمر صحافي عقده بعد اجتماع اللجنة الوزارية والجولة الميدانية الجوية التي شملت الأحياء المتضررة، إلى أنه سيتم قريبا الإعلان عن المتهمين بالتقصير من الجهات والأفراد في أمطار وسيول جدة وعن الإجراءات المتخذة حيال ذلك، مشيرا إلى أنه سيعلن عن أسماء المتورطين عند صدور الإحكام. وأشار إلى أن من يثبت تقصيره وتسببه سيشمله هذا العام ما شمل السابقين.

وأضاف أن لجنة تقصي الحقائق قامت بأعمالها وانتهت وحددت الأشخاص وتمت إحالتهم إلى هيئة التحقيق والادعاء العام التي ستحقق في هذا الموضوع «إما أن تدين وإما أن تبرئ وفي النهاية القضاء هو الفيصل».

وكان الأمير خالد الفيصل قال في آخر جلسات منتدى جدة الاقتصادي «إن المشاريع التي أمر بها خادم الحرمين الشريفين لمحافظة جدة استثنائية واعتمدت في وقت قياسي»، وتشمل تلك إعداد كافة الجهات الأمنية والخدمية المعنية بمجابهة الكوارث الطبيعية، خططا شاملة وموحدة لمواجهة الطوارئ، وإنشاء مركز لإدارة الأزمات والكوارث بصفة عاجلة، ودعم الدفاع المدني والمرور بكافة الإمكانيات، ودعم الجهات الأمنية المعنية بالكوارث الطبيعية بالكوادر المدربة والمؤهلة.

كما تتضمن إعادة هيكلة أمانة محافظة جدة ودعمها بكفاءات إدارية مؤهلة، مع توفير وسائل اتصال بديلة ومتقدمة، وتحديد مسارات وطرق مخصصة لآليات الدفاع المدني والإسعاف والهلال الأحمر والمرور كي يسهل انتقالها للموقع المطلـوب.

وتشتمل أيضا على تحديد أماكن آمنة (مناطق خضراء) وقت وقوع الكارثة للاحتماء من الأخطار، وتوفير دور للإيواء في كافة محافظات المنطقة، بالإضافة إلى تفعيل الدور الإعلامي في توعية المواطنين بما يمكنهم فعله أثناء وقوع الكوارث.

وأعلن الأمير خالد الفيصل في السابع من مارس (آذار) الماضي عن موافقته على الخطط العاجلة لحماية محافظة جدة من السيول والأمطار على المدى القريب، مؤكدا على أن تنفيذ تلك الحلول العاجلة سيتم في مدة لا تتعدى ستة أشهر، بعد أن وجه بالبدء فورا في تنفيذها. وأعلن عن أسماء نحو 11 شركة تمت دعوتها لتقديم عروضها، من أجل المنافسة للعمل كاستشاري لمشروع تصريف السيول والأمطار، وإنشاء البنية التحتية لمحافظة جدة.

وكانت كارثة جدة الثانية قد أسفرت عن تضرر ما يقارب 90 في المائة من إجمالي مساحة مدينة جدة، بحسب ما أعلن عنه الأمير نايف بن عبد العزيز، النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، عقب جولة قام بها آنذاك للوقوف على أضرار الأمطار والسيول، عبر مروحية تابعة للدفاع المدني.

في حين أكدت في وقت سابق مصادر مسؤولة تابعة لأمانة محافظة جدة، أن الصور الفضائية التي تم التقاطها لمدينة جدة كشفت عن أن المدينة بأكملها كانت مغطاة بالمياه، إلى جانب تشبع الأرض بالمياه الجوفية.

بينما خلفت الكارثة الأولى مئات القصص المأساوية وبلغت الوفيات 132 وشردت أكثر من 7797 أسرة وطالت الأضرار أكثر من 11849 عقارا، وتدمير أكثر من 10913 مركبة حظيت الكارثة بمعاملة خاصة خصصت لها ميزانية مفتوحة ومنحت للجانها صلاحيات واسعة لاستدعاء أي شخص أو مسؤول، كائنا من كان، ووجهت وزارة المالية بصرف مبلغ مليون ريال لذوي كل ضحية.