المدينة المنورة تستجلي تجارب أبرع خطاطي المصحف وتعرض نماذج من خطوطهم وزخرفاتهم

أول ملتقى عالمي يجمع 280 منهم تستضيفه غدا على مدى أسبوع مدينة المصطفى

TT

تستضيف المدينة المنورة اعتبارا من السادس والعشرين من شهر أبريل (نيسان) الحالي وحتى الثاني من شهر مايو (أيار) المقبل أول ملتقى من نوعه في العالم لأشهر خطاطي وخطاطات المصحف الشريف، تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز بمشاركة 280 خطاطا وخطاطه من 31 دولة، ويصاحب الملتقى معرض يقدم تعريفا لدور مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في المدينة المنورة الذي ينظم الملتقى، كما سيطرح خلال الملتقى كتاب وأفلام ومطويات توثق السيرة الذاتية لأشهر خطاطي المصحف وتبرز أعمالهم وشيئا من تجاربهم وأقوالهم ورؤاهم المستقبلية حول كتابة المصحف في هذه المناسبة.

وفي السياق ذاته، أوضح الأمين العام للمجمع رئيس اللجنة التحضيرية للملتقى الدكتور محمد سالم بن شديد العوفي أن تنظيم الملتقى يأتي ضمن الرسالة التي يقوم بها المجمع تجاه العناية بالقرآن الكريم، والسنة والسيرة النبوية، وما يتصل بهما من علوم، وقال: «لقد شرف الله السعودية بخدمة المسجد الحرام، والمسجد النبوي، وخصها بدور رائد في خدمة الإسلام والمسلمين والعناية بمصدري التشريع؛ الكتاب والسنة، ليأتي إنشاء هذا المجمع مثنيا على هذا الدور واستشعارا من المملكة بأهمية خدمة القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة من خلال هذا الجهاز المتخصص والمتفرغ لهذا العمل الجليل، ألا وهو طباعة المصحف الشريف وتوزيعه بمختلف الإصدارات والروايات على المسلمين في شتى أرجاء المعمورة، وبترجمة معاني القرآن الكريم إلى كثير من اللغات العالمية، وطباعة كتب السنة والسيرة النبوية».

وأشار إلى أن أهداف المجمع التفصيلية تتجلى في طباعة المصحف الشريف بالروايات المشهورة في العالم الإسلامي، وتسجيل تلاوة القرآن الكريم بالروايات المشهورة في العالم الإسلامي، وترجمة معاني القرآن الكريم وتفسيره، والعناية بعلوم القرآن الكريم، والعناية بالسنة والسيرة النبوية، والعناية بالبحوث والدراسات الإسلامية، والوفاء باحتياجات المسلمين في داخل المملكة وخارجها من إصدارات المجمع المختلفة، ونشر إصدارات المجمع على الشبكات العالمية، لافتا إلى أن عدد المشاركين في الملتقى يبلغ 280 خطاطا وخطاطة ينتمون إلى 31 دولة عربية وإسلامية ودول أخرى من مختلف أرجاء المعمورة، بينما يبلغ عدد الجهات المشاركة 20 جهة رسمية، وعدد اللوحات 600 لوحة من روائع الخط والزخرفة.

وأشار العوفي إلى أن أهداف الملتقى تتمحور في تقدير جهود أمهر خطاطي المصحف الشريف، وتكريمهم والاحتفاء بهم، وتجلية تجارب أبرع الخطاطين في كتابة المصحف، وبيان مناهجهم في ذلك؛ للإفادة منها، وإبراز الرسالة التي يحملها خطاط المصحف الشريف، والعمل على إيجاد ضوابط مرعية في زخرفة المصاحف، ودراسة سبل التوفيق بين خطوط الخطاطين والحاسب الآلي؛ خدمة للخط العربي، ومحاولة الوصول إلى توافق وتقارب في مصطلحات الخط العربي، وعرض نماذج بخط الخطاطين من المصاحف المكتوبة بالروايات المشهورة والقراءات المتواترة، واكتشاف طاقات واعدة من خطاطي المصحف الموهوبين، وتشجيع التواصل بين خطاطي المصاحف، والمهتمين والمختصين في دراسة الخط العربي.

وعن فعاليات الملتقى، قال الدكتور العوفي: «إنها تتضمن تنظيم معرض مصاحب للملتقى، وعرضا تعريفيا بمشروع مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف للخطوط الحاسوبية المطابقة والموافقة لنص مصحف المدينة النبوية، ومحاضرة عن تاريخ كتابة المصاحف ومراحلها، وإلقاء الضوء على المعجم الذي يعده المجمع عن كتاب المصحف الشريف وأشهر الخطاطين له عبر العصور، وعرض تجارب شخصية لبعض مهرة الخطاطين في رحلتهم مع كتابة المصحف الشريف، وعقد ورشة عمل في موضوع مهم حول مشكلات كتابة المصاحف وضبطها، وتقديم دورة تعريفية عن رسم المصاحف وضبطها ومصطلحاتهما، وعن الخط العربي، وتوزيع استبانة على الخطاطين قبل انعقاد الملتقى بعد تحديد عناصره وصياغته؛ لاستجلاء مناهجهم وتجاربهم في كتابة المصحف الشريف، كما تتضمن الفعاليات إصدار كتاب وثائقي عن الملتقى يتضمن السير الذاتية لأشهر خطاطي المصحف، ونماذج ملونة من أبرز أعمالهم، وشيئا من تجاربهم وأقوالهم ورؤاهم المستقبلية حول كتابة المصاحف، وإنتاج فيلم إعلامي وآخر وثائقي يبرزان حركة كتابة المصاحف من لدن نشأتها إلى العصر الحاضر وقد عقد في المجمع اجتماع مع مؤسسة مختصة بالإنتاج الإعلامي لإعداد هذين الفيلمين، إلى جانب إصدار عدد خاص من مجلة «البحوث والدراسات القرآنية» التي تصدرها الأمانة العامة للمجمع بمناسبة انعقاد الملتقى، يستكتب له مجموعة من المختصين والنقاد في تاريخ المصاحف وخطوطها، وكتابتها ورسمها وضبطها، وتذهيبها وزخرفتها، والخط العربي.

وفي الشأن ذاته، أبدى عدد من خطاطي المصحف الشريف - في تصريحات لهم - تقديرهم لاهتمام مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة بخطاطي المصحف الشريف وحرصه على إبراز الدور الإسلامي لهم، وتسليط الضوء على العمل الإسلامي الكبير الذي يقومون به خدمة لكتاب الله الكريم.

اكتشاف طاقات واعدة

* وقال الخطاط السوري محمود بن محيي الدين البان الذي يعمل بجامعة حلب بسورية إن «هذا الملتقى سيسهم في اكتشاف طاقات واعدة من خطاطي المصحف الموهوبين، وتشجيع التواصل بين خطاطي المصحف، والمهتمين والمختصين في دراسة الخط العربي، وذلك من خلال ما يعرضه هؤلاء الكتبة من خطاطي المصاحف وغيرهم من المدعوين الأكارم من لوحات منمقة وآيات مكتوبة ومصاحف مخطوطة، وكذلك من خلال ورشات عمل لكل من يدعى للمشاركة في الكتابة المباشرة أو في المشاركة في بحث من البحوث العلمية المتعلقة بتاريخ الخط العربي والفن الإسلامي».

أما معلمة الرياضيات بوزارة التربية والتعليم في مصر أمل حافظ أحمد حافظ، فقالت: «هذا الملتقى يعد تشجيعا لخطاطي المصحف الشريف وفرصة رائعة للتواصل بين خطاطي المصحف الشريف وكذلك المهتمين والمختصين في دراسة الخط العربي، كما يعطي فرصة للتعارف وتبادل الخبرات والتعرض للنقد البناء من قبل الخطاطين الزملاء، الذي يعطي فرصة للتعلم والارتقاء بالأعمال، والذي بدوره يفيد في كتابة آيات الذكر الحكيم في أدق وأبهى الصور والتركيبات، ويؤدي الملتقى أيضا إلى التعريف بأشهر الخطاطين، خصوصا خطاطي المصحف الشريف»، متمنية وصول هذا الملتقى للإعلام العالمي حتى تبرز أهمية رسالتهم الجليلة للعالم بأكمله.

ومن المشاركات في الملتقى مدرسة اللغة العربية اللبنانية الجنسية رانية محمود بعيون والحاصلة على الماجستير في الآداب (تخصص لغة عربية)، وتتابع حاليا دراسة الدكتوراه في الدراسات المعجمية، التي أكدت أن «تنظيم المجمع لمثل هذه الندوات العلمية المتخصصة له دور كبير في إغناء الدراسات حول القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة؛ فهي، من جهة، تشجع الجهود العلمية على الخوض في تراثنا الإسلامي، ومن جهة أخرى، تهيئ فرصة التواصل والتعاون المثمر بين المتخصصين في قضايا القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة، من مختلف أنحاء العالم، وتبادل الخبرات في ما بينهم، بحيث تكون جهودهم العلمية مكملة بعضها لبعض، وذلك لتحقيق الأهداف المرجوة».

وزادت قائلة: «هذه الخطوة التي قام بها مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، في إقامته ملتقى يجمع أشهر خطاطي المصحف الشريف في العالم، تعد من أجل الخطوات التي من شأنها تهيئة جو التواصل ليس بين خطاطي المصحف الشريف فحسب، ولكن بين كل من له علاقة بالخط العربي وقضاياه، خدمة لحرف كتاب الله الكريم، فأي علم لكي ينهض ويزدهر لا بد من أن تتضافر لخدمته جهود متعددة يجمعها هدف واحد، ومن هنا تأتي أهمية هذا الملتقى»، مشيرة إلى أن من ثمرة هذا الملتقى أيضا، ظهور جيل جديد من خطاطي المصحف، وذلك من خلال إعطاء الفرصة للمواهب الشابة من الخطاطين في الاحتكاك المباشر مع أمهر خطاطي المصحف الشريف في العالم، والاستفادة من خبراتهم، ومنهجهم في كتابة المصحف الشريف، مما يساعدهم على الارتقاء بمستوى أعمالهم، ويشجعهم على خوض مثل هذه التجربة في خدمة كتاب الله.

من جهتها، شددت سامية أكسان من تركيا، إحدى خطاطات المصحف الشريف، على أن تنظيم مثل هذا الملتقى له أثر كبير في التعريف بخطاطي المصحف الشريف، ويسهم كذلك في تجمع الخطاطين في مكان واحد والتعارف بعضهم على بعض والاستفادة في ما بينهم، وتشجيع التواصل مع الآخرين في هذه الساحة وتوجيه الخطاطين الذين يكتبون القرآن الكريم بالصبر والثبات والعزم، وهذا من شأنه أن يبرز رسالة خطاطي المصحف الشريف، ويسهم في تشجيع الخطاطين الذي يكتبون القرآن وتجميعهم وتعارفهم فيما بينهم وتوجيههم بتقوية الأحاديث وتبادل المعلومات حول كتابة المصحف، وطبع مصاحفهم أو نشرها على الإنترنت.

أما الخطاط المغربي بلعيد حميدي، أستاذ فن الخط بمؤسسة «الحلقة» لإحياء التراث والتنمية المحلية بالقاهرة فيقول إن «هذا الملتقى المبارك، الذي بادر مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف إلى تنظيمه، لأول مرة في هذه المرحلة التاريخية من عمر الأمة الإسلامية، يعد التفاتة كريمة منه إلى نخبة من خطاطي القرآن الكريم، الذين يساهمون الآن في ظهور نسخ جديدة مخطوطة ومطبوعة وفي حلل جديدة تتناسب ومتطلبات العصر وتساير تطور فن الخط الإسلامي. لكن أشهر خطاطي المصحف الشريف آيلون إلى زوال بالنظر إلى تقدمهم في السن، فهم لا يمثلون سوى نسبة ضئيلة بين أعداد الخطاطين في العالم».

وأضاف قائلا: «ومن هنا يتجلى دور هذا الملتقى المبارك في التعريف بخطاطي القرآن الكريم وتكريمهم، ومن ثم مد جسور التواصل مع الخطاطين الشباب الموهوبين من ذوي الميول الصادقة لتحمل أعباء هذه الرسالة الجليلة التي يتجلى فيها قوله تعالى: (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) وذلك من خلال تنظيم لقاءات دورية وتنظيم ورشات حية في الطرق والأساليب المختلفة في كتابة المصحف الشريف، كما يمكن للمجمع تنظيم مسابقات سنوية للتفنن في كتابة القرآن الكريم يشرف عليها أشهر خطاطي المصحف الشريف ونخبة من علماء الرسم والضبط في مختلف الروايات، مما سينمي ثقافة الخطاط في مجال رسم وضبط المصحف الشريف، كما يجب رصد جوائز قيمة للمتميزين لاستنهاض الهمم وشحذ العزائم لدى الخطاطين للانخراط في هذا الورشات الإسلامية المقدسة: كتابة القرآن الكريم، رسالة الله الخالدة إلى العالم، وهذا من شأنه أن يضمن استمرار خدمة الخطاطين لكتاب الله تعالى».

من جانبه، يقول الخطاط ناصر الميمون: «هذا الملتقى المبارك سيسهم في اكتشاف طاقات ومواهب عديدة، وعناصر شابة متمكنة من خطاطي المصحف، وسيكون ذلك بعون الله عندما يلتقي هؤلاء الشباب مع كبار الخطاطين والمهتمين بكتابة المصحف الشريف، وسيتشاورون بعضهم مع بعض في جميع الكتابات وفي مختلف قراءات القرآن الكريم، وستكون هناك (ورشات) لفن الخط، وطريقة كتابة صفحات من المصحف الشريف، ورسم بعض الآيات، وكذلك تجارب خطاطي القرآن الكريم».

أما الخطاط الباكستاني عبد الرشيد بت، فيصف عقد وتنظيم ندوة للعلماء والمفكرين بأنه خدمة دينية عظيمة: «المجمع قد جمع أعمال الخطاطين من جميع بلاد العالم الإسلامي مما يجعل هذا المعرض فريدا من نوعه، ووجود العلماء والمفكرين مع الخطاطين وأعمالهم الفنية الرائعة محاولة طيبة تعطي للخطاطين جهات جديدة، وكذلك سيكتشف العلماء والمفكرون من دراسة أعمال الخطاطين ولوحاتهم الفنية جوانب جديدة من الثقافة الإسلامية وزواياها المختفية. فالفكرة الأساسية التي ينبني عليه هذا المجمع هو جمع العلماء والمفكرين والخطاطين في ملتقى واحد، وهي فكرة رائعة».

ويؤكد الخطاط السوري الدكتور عثمان بن عبده حسين طه أن «لهذا الملتقى أهمية كبيرة في الكشف عن الطاقات والمواهب لأن هذه المواهب لا تظهر إلا بالتشجيع والتقدير، ولا يسـتمر التطور والإبداع في أي اختصاص من العلوم والفنون إلا باللقاءات المسـتمرة، سواء بالندوات أو المعارض.. يجري البحث فيها حول ما وصل إليه هذا الفن من نضج وتطور نحو الكمال، وذلك بأن الخط العربي فن أصيل، وتراث مهم، وسجل تاريخي بالنسبة للشعوب العربية والإسلامية، قيل في تعريف الخط: (إنه لسـان اليد، وسلاح المعرفة، وناقل الخبر، وحافظ الأثر)، ففي هذا الملتقى تعرض الأعمال وتدرس بإمعان من قبل الخبراء في النقد في إبداء ملاحظاتهم حول هذه الأعمال، ويقوم الباحثون الأكفاء بإظهار ما جرى عليها من التطور والإبداع بالمقارنة بين القديم والجديد، كما يجري طرح الأفكار المستجدة في هذا الموضوع استمرارا للتحسين والتجديد، والعمل الجاد للسير نحو الكمال».

ورفع وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد السعودي المشرف العام على مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ، عظيم الشكر وجزيل الثناء والامتنان لخادم الحرمين الشريفين على هذه الرعاية لهذا الملتقى المبارك الذي يتعلق بأعظم كتب الله، ودستور هذه الأمة، ومصدر تشريعها الأول، معتبرا أن هذه الرعاية تجدد التوكيد على الاهتمام المتواصل الذي يوليه خادم الحرمين للقرآن الكريم، والسنة النبوية، وكل ما يتعلق بخدمتهما، من طباعة ونشر، وعقد مؤتمرات، وندوات، وملتقيات تصب كلها في خدمة هذه الغاية السامية المتصلة بكتاب الله الكريم، وسنة رسوله، عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم. وزاد أنه انطلاقا من اهتمام وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد بالقرآن الكريم، ونظرا للعمل الرائد الذي يقوم به المجمع في هذا المجال، وما يتصف به من مرجعية في كتابة المصحف ومراجعته وتدقيقه وطباعته، وإدراكا لأهمية كتابة وخط المصحف الشريف، يأتي عقد هذا الملتقى لأول مرة، مشيرا إلى أنه من تمام فضل الله على السعودية أن وفق قيادتها لاتخاذ القرآن الكريم أساسا ودستورا لشؤون الحكم والحياة، وخدمته والعناية به، وإنشاء مجمع خاص لطباعته ونشره وتوزيعه.