زواج المسيار.. «تجارة» يعززها «القانون لا يحمي المغفلين»

مختصون يؤكدون أن الطلب على هذا النوع يفوق العرض بما يرفع معدل المتاجرة

العنصر النسائي يعزز من توسع دائرة المتاجرة غير الشرعية بزواج المسيار تحت مسمى خاطبة (تصوير: خالد الخميس)
TT

بدأت مؤخرا تكتسح عالم التجارة غير المشروعة ظاهرة غريبة، تستنزف المقبلين عليها ماديا تحت ذريعة «زواج المسيار»، فبحسب تبريرات من يتاجرون في هذا النوع من التجارة التي نشطت خلال الأعوام القليلة الماضية، فإن رغبة ملحة من قبل أعداد كبيرة من الرجال، من المتصلين على بعض المهتمين بذات التجارة، أو مرتادي المواقع الإلكترونية المروجة لذات النوع من التجارة، كانت سببا في تعزيز هذا الاتجاه، الذي يراه آخرون «مفهوما لاستغلال المغفلين» الذين لا يحميهم القانون.

«الشرق الأوسط» كانت متابعة لإحدى تلك الصفقات، وتمكنت من الحصول على إيضاح موجز حول آلية عمل هؤلاء التجار، كما يدعون أنفسهم، واتضح من حديث شخص «رفض الإفصاح عن اسمه» أن تلك المهنة أخذت تدر عليه مبالغ طائلة، تتجاوز أحيانا الـ8000 ريال لليوم الواحد.

وعن كيفية إتمام الصفقات غير الشرعية تلك، قال خلال استنطاق «الشرق الأوسط» له عن كيفية استغلاله مثل هؤلاء الباحثين عن هذا النوع من الزواج «لا بد من وجود عنصر نسائي واحد فقط للحصول على تلك المبالغ، لتمثل دور الخاطبة، حيث تردها مكالمات من قبل بعض متصفحي تلك المواقع المختصة بالإعلان عن زواج المسيار، لتتولى هي مهمة وصف العروس الوهمية بكل ما تملك من مخزون لغوي عن الجمال، وبذلك يتعلق المتصل بتلك الفتاة التي أوهمته الخاطبة بها، فتطلب ما يندرج تحت إطار (عربون أو مقدم) قد يصل في معظم الأحيان إلى 3000 ريال فأكثر، لتستكمل إجراءاتها الكاذبة التي أقنعته بها، وترسل رقم حساب بنكي في الغالب لا يكون لها، لتتم بعد ذلك عملية المناصفة بينها وبين الرجل الذي كان نقطة إثارة للباحث عن الزواج وبين الخاطبة ليلى، ليصبح ذلك المغفل شخصا وقع في شباك النصب والاحتيال، لتتواصل عملية البحث عن آخر يقع في شرك زواج المسيار الوهمي».

وحول السرية المتبعة في العمل يقول المجهول «نحن نعتمد على أرقام مجهولة في التواصل، وعند تكرار اتصال الشخص الذي تمكنا منه للحصول على ذلك المبلغ، نبدأ في خطوات التجاهل حتى ييأس من تجاهلنا له الذي غالبا ما يطول بحسب تكرار اتصاله».

وعند سؤالنا له عن رقم الحساب إذا ما كان قد يسهل على الجهات الأمنية والمسؤولة الوصول إليه، رفض المجهول الرد علينا، حتى شعرنا بأن التلاعب في أرقام الحسابات والإيقاع بالأبرياء شيء وارد.

وتجنبت «الشرق الأوسط» في حديثها مع ذلك المجهول كثرة التدقيق في طرح الأسئلة والبحث عن إجابات حساسة، حتى لا تفقد ثقته ومعاونيه، فطلبت الصحيفة أن يزودها برقم إحدى ضحاياه، فوافق على الفور، وعند مهاتفة الضحية، وتوضيح سبب الاتصال، قال: «بدأت القصة منذ أن كنت أتصفح بعض المواقع، التي تسهل إجراءات ذلك النوع من الزواج، ومع اطلاعي على قوانين وأنظمة تلك الجهات المتخفية، التي تتمثل في السرية التامة من قبلهم على معلومات الراغبين في زواج المسيار، وسرعة توفير فتاة بالمواصفات المطلوبة، لم أتردد للحظة، وسارعت بالاتصال لترد علي امرأة أكدت أنها الخاطبة، وأن ما تقوم به حقق نجاحا لأغلب الراغبين في الزواج، وطالبتني بالجدية، معللة أن الفتاة تتحدر من أسرة طيبة، إلا أن المسؤولية التي تقع في الزواج التقليدي، وبحسب قول الخاطبة، جعلت الفتاة تفضل زواج المسيار».

وزاد الضحية في استرساله في سرد قصته، حتى بلغ القول: «بادرت الخاطبة بوصف شكل الفتاة، فصممت مجددا على رغبتي التي اتضحت من خلال كثرة الأسئلة السطحية من قبلي، لأتفاجأ بالعربون أو المقدم الذي طلبته مني، وهو 2000 ريال، إلا أنني وافقت فورا لإنهاء تبعات وشروط إتمام الزواج، وبعد تحويلي للمبلغ، صدمت بواقع تجاهل تلك الخاطبة لي، وعدم ردها على مكالماتي، فأيقنت في لحظتها أنني وقعت ضحية لكمين هم خططوا له منذ البداية».

وعن سبب عدم لجوئه لجهة أمنية تنصفه قال: «القانون لا يحمي المغفلين، فأنا السبب فيما حدث لي، كما أن الإحراج الذي سيطالني بعد توضيح أسباب إرسالي للمبلغ شكل عائقا قويا بين الإبلاغ عن استغلالهم لي وحقي في الشكوى».

من هذا المنطلق استطلعت «الشرق الأوسط» رأي الجهات الاستشارية المختصة، التي من شأنها تقييم سبب إقبال الكثير على هذا النوع من الزواج، والدافع التي جعلت منهم ضحايا سهلة الاستنزاف ماديا، حيث أكد الدكتور خلف الرافعي استشاري اجتماعي، أن المعنى الحقيقي من زاج المسيار، الذي يقصد به السير أو المرور على «الزوجة المسيارية» دون الالتزام بالمبيت والنفقة، يجعل كثيرا من الرجال يسعون خلف زواج المسيار، ويقابل ذلك قلة عدد الفتيات اللاتي قد يوافقن على مثل هذا النوع من الزواج، والسبب هو نفسه الذي أطاح بكثير من الرجال، كضحايا لتلك المؤامرة، فالطلب يفوق العرض بـ70%، أي، وبحسب قول الرفاعي، أن الباحث عن زوجة للمسيار سيقنعه أي عرض يقدم له، حتى إن شك في مصداقية من يتعامل معهم، إلا أن الرغبة في تجربة الحظ والتعلق بالمواصفات التي تبرزها الخاطبة له، يغلق عليه جميع منافذ التفكير، ويعطل لديه مفهوم التردد أو إعادة حساباته المعتمدة على التفكير والتقصي. وأضاف الاستشاري الاجتماعي قائلا: «إن مواقع النت التي تروج لمثل تلك الزيجات، ما هي إلا مصيدة توقع بكل مغفل يسعى خلف رغباته التي تعطل عملية إفراز نسب من الذكاء، لتحقق من تلك الجهة، قبل الإيقاع به».

وعن أسباب صمت الأغلبية الموقع بهم يقول الدكتور الرفاعي: «ما يميز زواج المسيار هو السرية والكتمان، لذلك نجد أن كل ما يعمل بالخفاء، يصبح بيئة خصبة لجهات معينة، تدير كفة الإجراءات غير الشرعية، وتستغل من نظموا واتفقوا على الكتمان، تحت مظلة زواج المسيار، لذلك من الصعب أن نجد الضحية يجاهر بما أصابه خوفا من انكشاف أمره أولا، واستحياء منه على فعلته ثانيا، والقلق من الظهور بمظهر المستغفل ثالثا، وكل تلك الأسباب ساعدت على تغذية تلك الجهات غير الشرعية، لتستقطب أعدادا مهولة من المستغفلين، حتى تدر من ورائهم أرباحا مالية خيالية، قد تتجاوز الـ50000 ريال للشهر الواحد، ويتم تقاسمها بين فريق العمل (غير الشرعيين) المكون من شخص يستقبل المبالغ المادية، وسيدة تؤدي دور الخاطبة».

وزاد الرافعي «هذان الشخصان قد يقعان في خلاف كبير على تقاسم الربح فيفترقان، ليكون كل منهما فريقا جديدا، يكمل مسيرة عمله السابق، وبهذا تصبح تلك المتاجرة غير الشرعية ظاهرة، قد تقصف بالقواعد والثوابت الاجتماعية والاقتصادية والدينية».