القضايا الأمنية وتأكيدات وسطية الإسلام تتصدر اهتمامات الملك عبد الله

في أول دراسة تناولت خطابات خادم الحرمين الشريفين خلال نصف العقد الماضي

قضايا الإرهاب والتطرف وتبعات أحداث سبتمبر تصدرت اهتمامات الملك من خلال عشرات الخطابات التي طرحها في نصف العقد الماضي
TT

رصدت دراسة حديثة أعدتها أميرة سعودية ونالت بها شهادة الدكتوراه المرتكزات والمضامين والأبعاد والقضايا والأولويات التي حملتها خطابات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز خلال السنوات الخمس من العقد الماضي، واستقرأت الدراسة أحداث الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) من عام 2001 وما تمخض عنها من تبعات طالت الأوضاع الأمنية والسياسية والثقافية والاجتماعية في كثير من دول العالم وفي السعودية بشكل خاص، وشددت الدراسة على أن قضايا التطرف والإرهاب لا صلة لها بالإسلام، مؤكدة أن الخطابات الملكية ركزت في أطروحاتها على أن جرائم الإرهاب مناقضة لكل الشرائع والقيم الدينية.

وغطت الدراسة التي أنجزتها الأميرة الباحثة ملكة بنت سعود بن زيد آل جربا 96 خطابا للملك عبد الله خلال 5 سنوات، كاشفة عن أن القضايا الأمنية، والتطرف والإرهاب استحوذت على الحيز الأكبر من هذه الخطابات، كما كشفت الدراسة عن أن أطروحات هذه الخطابات فيما يخص الجانب الاجتماعي ركزت على أن التغيير التدريجي يحافظ على التوازن الاجتماعي وأن الخصوصية الاجتماعية في السعودية هي جزء من الهوية المستمدة من الدين.

واعتبرت الدراسة التي نوقشت مؤخرا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية للأميرة آل جربا للحصول على رسالة الدكتوراه بعنوان «اتصال القيادة السياسية بالمجتمع السعودي خلال الأزمات، دراسة تحليلية على عينة من خطابات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود خلال المدة من 23/6/1422هـ حتى 18/8/1428هـ، في ضوء الأسس العلمية لتكوين الرأي العام الوطني»، اعتبرت أن الاتجاه العقلي في الخطابات الملكية التي شملتها الدراسة كان هو الاتجاه الغالب، وقد اعتمد الخطاب الذي استهدف الخارج على أسلوب الطرح العقلي، وجاءت القيم الشرعية والوطنية في مقدمة القيم المتضمنة في الخطابات الموجهة للداخل، في حين برزت القيم الإنسانية والأمنية والتاريخية في الخطابات التي تتناول موضوعات خارجية.

ورأت الدراسة أن الخطابات الملكية المدعمة بـ165 برهانا وحجة ركزت على أن الإسلام دين السلام والتسامح والوسطية والتعايش، وهو بريء من الإجرام وسفك الدماء وقتل الأبرياء، وأن جرائم الإرهاب مناقضة لكل الشرائع والقيم الدينية، مشددة على الحضور القوي للاعتبارات الدينية في الخطابات الملكية التي رصدتها الدراسة.

ووفقا لهذه الدراسة التي صدرت مؤخرا تصدرت القضايا الأمنية اهتمامات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، وأجرت آل جربا دراسة على 96 خطابا لخادم الحرمين الشريفين خلال 5 أعوام وتوصلت إلى أن القضايا الأمنية احتلت المركز الأول من حيث المساحة المخصصة لها، تلتها القضايا السياسية.

وجاء في خطابات الملك عبد الله 69 أطروحة مدعمة بـ165 برهانا أو حجة، توزعت في القضايا المختلفة، واحتلت المرتكزات الدينية الإسلامية مركز الصدارة في القيم المتضمنة، والأهداف الضمنية، والأطروحات والحجج والبراهين التي تضمنتها الخطابات خلال فترة الدراسة، كما نالت قضية التطرف والإرهاب الجزء الأكبر من الطرح بأبعادها الأمنية والفكرية والسياسية، وشددت أطروحات الخطابات في الجانب الاجتماعي على أن التغيير التدريجي يحافظ على التوازن الاجتماعي وأن الخصوصية الاجتماعية في المملكة جزء من الهوية المستمدة من مبادئ الدين الإسلامي الحنيف.

وذكرت الباحثة أنه استنادا إلى استقراء أحداث الحادي عشر من سبتمبر لعام 2001، وما تمخض عنها من تبعات طالت الأوضاع الأمنية والسياسية والثقافية والاجتماعية في كثير من دول العالم، وفي المملكة العربية السعودية بشكل خاص، سعت هذه الدراسة إلى تحليل خطابات خادم الحرمين الشريفين، الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، في ضوء الأسس العلمية لتكوين الرأي العام الوطني أثناء الأزمات، من حيث: مراكز الاهتمام، في الخطاب، واستراتيجيات الإقناع المستخدمة، ومشكلات وأساليب الممارسة، وعناصر الاتصال، ومدى الاعتماد على تجزئة الجمهور في توجيه الخطاب. مضيفة أن بذل الجهود العلمية لدعم هذا الجانب من بحوث الإعلام والاتصال، في المملكة العربية السعودية سيتسق بشكل واضح مع اتجاهات التطوير والإصلاح التي تنتهجها المؤسسة السياسية في المملكة بقيادة مباشرة من خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود، كما أن هذه الحقيقة تشير إلى أن موضوع هذه الدراسة وهو «خطابات خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود وعلاقتها بوسائل الإعلام في ضوء الأسس العلمية لتكوين الرأي العام» تعد دراسة ملحة وجديرة بالعناية والاهتمام، بل ومتفردة في مجالها وموضوعها.

وكشفت الدراسة عن مراكز الاهتمام في خطابات خادم الحرمين الشريفين خلال فترة الدراسة، أن القضايا الأمنية تصدرت اهتمامات خادم الحرمين الشريفين في خطاباته خلال السنوات الخمس التي أعقبت أحداث سبتمبر 2001 بنسبة 27% تليها القضايا السياسية ثم الاقتصادية.

وتأتي هذه النتيجة لتشير إلى مواكبة خطابات القيادة السعودية للأحداث في الفترة الزمنية التي شملتها الدراسة، والتي شهدت مجموعة من الأحداث الأمنية الكبرى التي تأثرت بها المملكة والعالم، ابتداء بهجمات 11 سبتمبر 2001، مرورا بتفجيرات تونس 2002، والدار البيضاء 2003، ومدريد 2004، وعمان 2005، وشرم الشيخ 2005، وانتهاء بالهجمات الإرهابية التي استهدفت المملكة في تلك الفترة، وأبرزها: تفجيرات الرياض 12 مايو (أيار) 2003، وتفجيرات مجمع المحيا 8 نوفمبر (تشرين الثاني) 2003م وتفجيرات الوشم 20 أبريل (نيسان) 2004.

وتوصلت الباحثة إلى جملة من النتائج المهمة، التي أمكن من خلالها التعرف على أهم السمات والخصائص المتعلقة بالخطاب السياسي السعودي أثناء الأزمات. فقد بلغ عدد «خطابات، كلمات، مقابلات، تصريحات» خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، التي خضعت للدراسة، 96 خطابا، كلمة، مقابلة، تصريحا، خلال مدة 5 سنوات، أي 60 شهرا، بمتوسط 3 خطابات كل شهرين تقريبا، و19 خطابا كل عام. وغلب الأسلوب الجمعي بنسبة 60% تقريبا من الخطابات التي شملتها الدراسة، في مقابل الأنماط الأخرى للاتصال الإنساني. كما تصدرت القضايا الأمنية اهتمامات خادم الحرمين الشريفين في خطاباته خلال السنوات الخمس التي أعقبت أحداث سبتمبر 2001 تليها القضايا السياسية ثم الاقتصادية. واحتلت القضايا الأمنية المركز الأول، من حيث المساحة المخصصة لها، تلتها القضايا السياسية.

وكان الاتجاه العقلي هو الاتجاه الغالب في الخطابات التي شملتها الدراسة. غير أن اتجاه الطرح العقلي تركز في القضايا الاقتصادية، بينما تركز الطرح العاطفي في القضايا السياسية، وشكل الطرح المختلط (عقلي/عاطفي) المساحة الأكبر في تناول الخطابات للقضايا الأمنية. من جانب آخر، اعتمد الخطاب الملكي الذي استهدف الجمهور الدولي (الخارجي) على أسلوب الطرح «العقلي» بالدرجة الأولى، ثم الطرح «المختلط». أما في مخاطبة الجمهور الوطني فقد كان أسلوب الطرح «العاطفي» أكثر بروزا. بينما فضل اعتماد الاتجاه المختلط في الطرح (عقلي/ عاطفي) في مخاطبته للجمهور (الوطني/الفئوي)، وهم فئات المثقفين والعلماء والمشايخ والأعيان.

وجاءت القيم الشرعية والوطنية في مقدمة القيم المتضمنة في الخطابات، وكانت القيم «الشرعية والوطنية والثقافية الاجتماعية» متضمنة بشكل رئيسي في الخطابات التي تحدد نطاقها الجغرافي بالداخل السعودي. في حين برزت القيم «الإنسانية والأمنية والتاريخية» في الخطابات التي تناولت موضوعات تحدد نطاقها الجغرافي بالخارج (الدولي). وأوضحت نتائج التحليل الكيفي للخطابات التي شملتها الدراسة، أنها تضمنت 69 أطروحة مدعمة بـ165 برهانا أو حجة، توزعت في القضايا المختلفة. وأوضحت نتائج الدراسة أن المرتكزات الدينية الإسلامية احتلت مركز الصدارة في القيم المتضمنة، والأهداف الضمنية، والأطروحات والحجج والبراهين التي تضمنتها الخطابات خلال فترة الدراسة. وكان الجمهور المخاطب في الخطابات التي شملتها الدراسة جمهورا وطنيا (عاما، أو فئويا) فيما يقارب نصف تكرارات القضايا والموضوعات التي تناولتها الدراسة.

إضافة إلى ذلك، كشفت الدراسة عن جملة من النتائج العامة والتفصيلية عرضتها الباحثة في الباب الثاني من هذه الدراسة، في 6 مباحث، إضافة إلى الخاتمة والتوصيات التي خلصت إليها الدراسة.

وفي السياق ذاته، أكدت الدراسة أن مشكلات الخطابات تتمثل في أن المرتكزات الدينية الإسلامية احتلت مركز الصدارة في القيم المتضمنة، والأهداف الضمنية، والأطروحات والحجج والبراهين التي تضمنتها الخطابات خلال فترة الدراسة، إضافة إلى القضية التي نالت الجزء الأكبر من الطرح في الخطابات، وهي قضية «التطرف والإرهاب» بأبعادها الأمنية والفكرية والسياسية، ركزت الخطابات في أطروحاتها على الاعتبارات الدينية المؤكدة أن «الإسلام دين السلام والتسامح والوسطية والتعايش» وأن الإسلام بريء من الإجرام وسفك الدماء وقتل الأبرياء، وأن جرائم الإرهاب مناقضة لكل الشرائع والقيم الدينية، وأن التطرف والإرهاب لا صلة لهما بجوهر الثقافة الإسلامية. كما جاء الحضور القوي للاعتبارات الدينية في الخطابات التي شملتها الدراسة، ليشير إلى وعي القيادة السياسية في المملكة بأن المجتمع السعودي ذو مرجعية دينية عميقة تشكل بنيته الأساسية، كما تمثل الجانب المستقر والجوهري من النظام الاجتماعي برمته. أيضا أكدت أهم العناصر الثقافية المستخدمة في الخطابات على دعم الدولة للانفتاح الثقافي والحضاري، ورفض الاتجاهات المطالبة بالانغلاق وإدانة الترويج لفكرة صدام الحضارات. وتوزعت بقية العناصر الثقافية في توزيع إشارات داخلية وخارجية عن الخطاب الثقافي والإعلامي والدعوي وتأكيد دور التعليم في مواجهة التطرف. كذلك تضمنت الخطابات طرحا مباشرا استهدف قضايا فئات وعناصر اجتماعية مختلفة أهمها «المرأة، الطفل، الشباب، الأسرة، الفقراء والمحتاجون». وكانت أطروحات الخطابات في الجانب الاجتماعي تؤكد أن «التغيير التدريجي يحافظ على التوازن الاجتماعي» وأن الخصوصية الاجتماعية في المملكة جزء من الهوية المستمدة من مبادئ الدين الإسلامي الحنيف، ومن تقاليد الشعب وعاداته وقيمه الأصيلة. كما رصدت الدراسة اتساقا واتفاقا واضحين بين المحددات الرئيسية والتفصيلية للخطابات في الشأن الاجتماعي من جهة ومقررات النظام الأساسي للحكم في المملكة العربية السعودية، وخاصة في بابه الثالث (مقومات المجتمع السعودي).