القورو في السعودية.. «قات» بطريقة نظامية

«الشرق الأوسط» ترصد رحلته من أفريقيا وصولا إلى أفواه أصحاب المزاج

شاحنة محملة بأكياس ممتلئة بالقورو («الشرق الأوسط»)
TT

بالكاد تتحدث العربية، على الرغم من احتكاكها اليومي بمختلف الفئات والطبقات في المجتمع، فالحاجة زينب في أواخر العقد الرابع من عمرها، دفعتها ظروف الحياة ومتطلباته إلى البحث عن مصدر رزق لها ولأبنائها الثمانية بعد أن توفي زوجها إثر مرض عجز الأطباء عن معرفة سببه لمدة عامين ونصف العام.

وكعادتها اليومية تستيقظ وقت صلاة الفجر لتؤدي فرضها، ومن ثم تعكف على تجهيز وتربيط ما تقوم على بيعه من ثمار وغيره إلا أن بيعها الأساسي يعتمد على بيع ثمرة القورو أو القورو، «الشرق الأوسط» اخترقت عالم الحاجة زينب لتكشف لها أكثر عن عالم الحاجّات وسر تمسكهن بذلك اللقب والمهنة التي هي في نظر الكثيرين مبتذلة محفوفة بالصعاب والمخاطر في أي لحظة.

فقالت: «يعتقد الكثيرون بأننا نتضايق حينما ينادوننا بحاجة لا سيما أن كلمة حاجة بالعامية وكما هو متداول هي مصطلح يطلق على أي امرأة أفريقية تفترش الطريق وتبيع به، لكن الحقيقة عكس ذلك، فهذه الكلمة بالنسبة لنا ذات مدلول ومعنى أسمى من ذلك بكثير، وهو لفظ لا تقترن به إلا من حجت بيت الله وأدت فريضتها».

وحول المردود المادي الذي يعود عليها جراء افتراشها الطريق، قالت: «الحمد لله ما يعود عليّ من بيع ما أفترشه في الطريق يكفيني لتأمين إيجار منزلي ومصاريفي أنا وأبنائي، خاصة بعد أن تركنا زوجي ومات»، مبينة أنها غيرت الأصناف التي تبيعها أكثر من مرة فتارة كانت تبيع الحلوى والشيبس إلى جانب بعض أنواع المكسرات وألعاب الأطفال، وتارة أخرى البخور إلى أن استقرت على بيع صنف واحد وهو القورو.

وتؤكد أثناء حديثها لـ«الشرق الأوسط» أن ما تجنيه من بيع تلك الثمرة الأفريقية وبالقرب من بيتها يضمن لها ولأبنائها حياة كريمة، لا سيما أن دخلها اليومي لا يقل عن 50 ريالا، وفي أسوأ الأحوال 30 ريالا، وأحيانا أكثر من 50 ريالا، وذلك يختلف بحسب أيام الأسبوع.

فبين مكذب ومصدق لأوهام تلك الثمرة الأفريقية وتأثيرها، ووسط محاولات لتصنيفها كنوع من المنشطات أو غيره، يؤكد مجموعة من الأفارقة الذين التقت بهم «الشرق الأوسط» أن ثمرة القورو «المثيرة» ما هي إلا موروث غذائي توارثته الأجيال منذ أن كان الأفريقي لا يجد ما يسد به رمقه لتمنحه القوة لمقاومة التعب والجوع، لا سيما أن تلك الثمرة تستوطن دول غرب وجنوب قارة أفريقيا.

وشكل ثمرة القورو المتعارف عليها ثمرة بحجم قبضة اليد الصغيرة، لونها الأصفر يميل إلى الحمرة، لها طعم مر، وعلى الرغم من حجمها الصغير فإنها تحتوي على الكثير من المواد المنشطة والمنبهة غير القوية، مثل مادة الكافيين الموجودة بالشاي والقهوة، ومادة الثيوبرومين التي بطبيعتها مادة منشطة أيضا إلا أنها مدرة للبول، إلى جانب مادة أخرى تعرف باسم الثابين وهي مادة قابضة بطبيعتها.

وبحسب المعالج الشعبي محمد توراي الذي أكد لـ«الشرق الأوسط» أن استخدامات القورو في الطب الشعبي الأفريقي تختلف باختلاف المشكلة التي يعاني منها الشخص، فالبعض منهم يستخدمه لعلاج السكر والضغط، والصداع بأنواعه، والآلام العصبية، وبعض الحالات النفسية.

وتابع حديثه بحماسة بأن استخدامات القورو لا تتوقف عند ذلك فحسب، لا سيما أنه يعتبر منشطا يعمل على زيادة النشاط الجسمي والجنسي، لافتا إلى أن تأثير بعض المواد المكونة للقورو تؤثر على نشاط الكلى على نحو يجعلها تقوم بدورها بشكل أفضل، لا سيما أنه مدر للبول.

وعلى الرغم من كل ما يشاع وتستخدم فيه تلك الثمرة لعلاج ما يستعصي على الطب الحديث فإن طريقة عمل القورو وتأثيره لا تزال غير واضحة ومبهمة لدى العلماء أنفسهم، إلا أن أقرب تفسير علمي وصل إليه المهتمون بهذه الثمرة هو أن تفاعل المواد المكونة لهذه الثمرة مع بعضها من شأنه أن يساعد الجسم بالقيام بمهامه البيولوجية، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى حالة من الانبساط والراحة النفسية لكل من يتعاطاها.

وبحسب الحاجة زينب إحدى بائعات القورو التي أكدت أن طرق إدخال أو تهريب القورو إلى السعودية بتلك الكميات التجارية تختلف باختلاف الأشخاص، فالبعض يعتمد على الأشخاص الوافدين أو المسافرين، وذلك بطرق لا تخلو من الحيلة والبعد عن عيون الرقابة مثل وضعها وسط ثمار وصناديق مغلفة وكأنها هدايا لذويهم، وبعد ذلك يتم التواصل مع الأشخاص المعنيين وتسليمهم البضاعة. وبهذا الصدد، أوضح مدير عام جمرك الرقعي عبد العزيز النعيمة أنه عند اشتباه المراقب الجمركي في سيارة قادمة إلى الجمرك وكانت محملة بأكياس من الفحم وبعد التفتيش الدقيق للتأكد من المحتويات تبين وجود القورو بدلا من الفحم حيث عثر على تلك الكمية التي بلغ وزنها الإجمالي 9940 كيلوغراما مخبأة في أجزاء متفرقة من الشاحنة ومغلفة بأكياس مشابهة لأكياس الفحم للتمويه، وأن رجال الجمارك بمنفذ الرقعي كانوا قد أحبطوا تهريب 355 كيسا من الخيش مملوءة بثمرات القورو مخبأة في أماكن مختلفة في شاحنة محملة بإرسالية فحم قادمة إلى المنفذ. وهناك خلط كبير بين القات والقورو كونهما منشطين شعبين بشكل عام وللذاكرة بشكل خاص، إلا أن تحريم القات جعل متعاطيه يتحولون إلى القورو في محاولة منهم للحصول على شيء طبيعي يمنحهم ذات النشوة التي يمنحها القات.

فعدم إدراج القورو من ضمن المواد المنبهة أو المخدرة خلق سوقا حرة لهذه الثمرة في السعودية، على الرغم من أن العناصر الأساسية لهذه الثمرة هي نفسها المواد الموجودة في القات والشاي والقهوة، ناهيك عن اعتراف متعاطيه بأن ما يحصلون عليه من تعاطيهم لهذه الثمرة هو نفسه الذي يحصلون عليه حينما يتعاطون القات.

وما لا يستطيع أن ينكره أي شخص يتعاطى القورو هو ذلك المزاج العالي، والقدرة على تحمل التعب والسهر لأوقات طويلة، كونه ينشط الجهاز العصبي، وذلك بحسب علي سالم، وهو أحد أبناء الجالية اليمنية المقيمة في جنوب مدينة جدة، الذي بين في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن استخدامه للقورو ما هو إلا بديل للقات الذي يصعب الحصول عليه في ظل محاربة الجهات المختصة له.

ويستطرد علي سالم، وعلى الرغم من فارق السعر بين القورو والقات فإنه أصبح يستعيض بالأولى عن الثانية منذ قدومه إلى السعودية لسهولة الحصول عليه دون أي شبهة أو مشكلة، على حد وصفه، لا سيما أن أماكن بيع القورو معروفة وباستطاعة أي شخص أن يشتري الكمية التي يريدها دون أي يخشى أي شيء.

وأغلب الظن أن هذه الثمرة يتم استيرادها كطعام منشط للخيول، وعندما اكتشف بعض الأفراد فاعليتها وإمكانية تأثيرها عليهم دون أن تضرهم، لجأوا لها عوضا عن بعض المنشطات التي يصعب أن يجدوها بسهولة إلى جانب أنها تجعلهم تحت طائلة القانون، وهذا بحسب أبو حسن الذي أكد لـ«الشرق الأوسط» أن القورو هو طعام منشط يعطي القوة والطاقة للخيول قبل السباقات. وبصدد كون القورو يملك نفس الخصائص التي يمتلكها القات ويمنحها لمتعاطيه، قال: «إن تأثير القورو هو نفس تأثير القات»، مبينا أن «تأثير القورو على الإنسان يمتد إلى 5 ساعات كحد أقصى»، مؤكدا أن القورو ليس مخدرا بل منشط، والدليل أنهم لا يأكلونه باستمرار.

وعن استخدامه لتلك الثمرة، قال «عندما لا نجد القات نستخدم القورو، مرجعا ذلك إلى صعوبة إيجاد القات في بعض المناطق بعكس القورو المتوفر»، مشيرا إلى بعض أبزر الخصائص التي يشترك القات والقورو بها مثل سد الشهية، والطاقة، والشعور بعدم التعب، إلا أنه تساءل حول قانونية وجوده في البلد لا سيما أنه من السهل الحصول عليه.

ولا تختلف طريقة أكل القورو للاستفادة من مكوناته عن طريقة أكل اللبان، فكلاهما يتم الاستمتاع به بالمضغ لفترة طويلة، وبعدها يتم التخلص منه، حيث يتحول لون أفواه آكليها إلى اللون البرتقالي أو الأصفر المائل للبرتقالي.