مراكز بحثية رسمية تنشر بحوثها بعد مضي 5 أعوام عليها

المدير السابق لمركز أبحاث الجريمة بوزارة الداخلية: البحوث الاجتماعية إذا تأخرت فهي «بلا قيمة»

TT

أثارت قضية الاحتفاء بنشر بحوث ودراسات اجتماعية قيمة، عقب مضي 5 أعوام على صياغتها وإعدادها من قبل جهات رسمية والإعلان عنها في وكالات الأنباء والمشاركة بها في معارض عدة - إشكالية جديدة تمر بها البحوث العلمية في السعودية تتلخص في آلية النشر العلمي.

فبعد العناء الذي يتكبده الباحثون خلال رحلة إنجاز الدراسات والبحوث، التي قد تستغرق أكثر من عام لدراسة ظواهر اجتماعية، إلا أن المنتج - وللأسف - لا يخرج سوى بعد انتهاء صلاحيته للاستخدام البشري، وفساد كل بياناته ومعلوماته التي غالبا ما تستند إلى آخر وأحدث الأرقام والإحصاءات في البحوث الاجتماعية الإنسانية على وجه التحديد.

ولعل الإشكال الأكبر الذي يتصدر «الإنفاق المهدر» على البحوث المنتهية الصلاحية، تلخص في ما يوصي به الباحثون في ختام دراستهم بـ«إرسال نسخ من البحث ومختصرات نتائجه وتوصياته إلى الجهات المعنية»، للاستفادة من البحث الذي قد ينتظر 5 أعوام على طباعته وتوزيعه. حول ذلك، قال بدر السعود في إدارة البحوث بمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، إن تأخر طباعة البحوث لا يرجع إلى الجهة المعنية، وإنما إلى نشاط الباحث ذاته في الانتهاء من التعديلات وإنجاز ملاحظات المحكمين والمشرفين على البحوث، مؤكدا أنه فور انتهاء الباحث منه يتم طباعته مباشرة من قبل المدينة.

أتى رد السعود متفقا تماما مع إجابة المسؤول الإعلامي عن المدينة بسام عسيري اللذين تحدثا لـ«الشرق الأوسط»، حيث إن المسألة كانت قد أثيرت خلال عرض مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية لأكثر من بحث تم الانتهاء من طباعتهم، مضى على عدد منهم 5 أعوام، حيث تتشتت أنظار القراء ما بين تاريخ الطبعة الأولى لعام 2011، والجداول الإحصائية الداخلية بتواريخ 2004 أو 2006. كبحث «ظاهرة التسول وأثرها الاجتماعي والاقتصادي والأمني» الخاص بمدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، الإدارة العامة لمنح البحوث، إضافة إلى بحث «ظاهرة هروب الكفيل».

وفي محاولة للوصول إلى أبرز ما توصل إليه البحث من قبل الباحثين أنفسهم، تحدثت «الشرق الأوسط» مع الدكتور مأمون الطيب وكان أحد المشاركين في بحث ظاهرة التسول، ومشاركا وحيدا في بحث ظاهرة «هروب العمالة الوافدة من كفلائهم»، قائلا «للأسف، لا أستطيع إفادتكم بتفاصيل بشأن البحث، كونه قد انتهى قبل 5 أعوام».

الدكتور الطيب أكد في حديثه التزامهم العقد المبرم سابقا مع المدينة وتسليم البحث مكتملا في الموعد المحدد، مشيرا إلى أن البحث استغرق عامين للانتهاء منه، وسلم في عام 1431، ومنذ ذلك التاريخ وهو بحوزة المدينة. وحول الفائدة المرجوة من البحوث بعد مضي أعوام عليها، ومدى النجاح في معالجة ظواهر سلبية اجتماعية في المجتمع السعودي والتي ترتكز أولا وأخيرا على نتائج البحوث العلمية الاجتماعية، قال بدر السعود إن المدينة تبادر فور انتهاء البحث وتحكيمه، بطباعة وتوزيع تقارير ملخصة بالنتائج والتوصيات للجهات المعنية.

وعلى الرغم من عدم إسعاف ذاكرة الباحث الدكتور مأمون الطيب للوقوف على بعض من نتائج بحثه، بعد أن مضى عليه 5 أعوام، فإنه قال «يمكن الاستفادة من البحوث حتى وإن مضى عليها أعوام عدة في الاعتماد عليها في رسم الاستراتيجيات». من جانبه، صنف الدكتور سلطان العنقري، كاتب وباحث ومدير عام مركز أبحاث الجريمة بوزارة الداخلية سابقا، الأبحاث إلى عدة أنواع، قائلا إن هناك من الأبحاث ما يبقى صالحا حتى 10 أعوام من إنتاجه، وأبحاث أخرى تصبح بلا جدوى في فترة زمنية قصيرة، مرجعا ذلك إلى طبيعة البحث.

وأضاف العنقري أن البحوث الاجتماعية والأمنية عادة ما تكون متغيرة ولا يجب التأخر بطرحها، مستدركا عدم نشر بعض البحوث الأمنية لأسباب أيضا أمنية.

وبين العنقري، وهو أحد محكمي البحوث في مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، أن البحوث الاجتماعية إذا تأخرت طباعتها ونشرها، تصبح «بلا قيمة»، وتصبح عديمة الصلاحية ولا يعتمد عليها في اتخاذ قرارات ورسم استراتيجيات، وإنما فقط قد يستعان بها في إجراء بحوث أخرى.