أبناء الجنوب يسخّرون أملاكهم للسكن.. والمعلمات يستهدفن جدة لتأمين مستقبلهن

75% من المتقاعدين السعوديين لا يمتلكون منازل ويعتمدون على الإيجارات في السكن

متقاعدون خلال فعالية أقيمت لهم في جدة («الشرق الأوسط»)
TT

كشف لـ«الشرق الأوسط» الدكتور عبد الرحيم الغامدي، مدير عام «الجمعية الوطنية للمتقاعدين»، أن نسبة المتقاعدين الذين لا يمتلكون منازل في السعودية تجاوزت 75 في المائة من العدد الكلي للمتقاعدين، على الرغم - وبحسب قوله - من الحاجة الملحّة إلى السكن بالنسبة إلى المتقاعد.

ويعيد الدكتور الغامدي السبب إلى ضعف رواتبهم، والنقص الواضح في حقوقهم المالية كمتقاعدين، خدموا فترة طويلة في الجهة التي كانوا ينتمون إليها، وقال: «ولهذا فإن من أهداف الجمعية المنصوص عليها، الاهتمام بالأمور الاجتماعية والصحية والاقتصادية لجميع المتقاعدين، وخصوصا المشتركين في الجمعية، وذلك ضمن الخدمات والأعمال والمشاريع التي خططت لها الجمعية لتحقيقها لجميع المتقاعدين في جميع فروعها بمختلف المناطق والمدن السعودية».

وعن تأسيس تلك الجمعية قال الدكتور الغامدي: «تم إشهار المؤسسة التي تصنف ضمن مؤسسات المجتمع المدني في شوال عام 1427هـ، وهي ليست بجمعية خيرية كما يعتقد البعض، بل قائمة على أسس ولوائح تنفيذية واستراتيجيات تنظم من خلالها أعمالها ووسائل تنفيذها، وهذا على الرغم من أن الجمعية مسجلة رسميا في وزارة الشؤون الاجتماعية».

وأشار مدير عام الجمعية إلى حال المتقاعد حاليا، حيث قال: «حال المتقاعد يرثى له، فهم يعانون من الديون والإيجارات تسلب ما معهم من مدخرات، بالإضافة إلى غلاء المعيشة الذي يعاني منه من هو على رأس عمله، فما بالكم بالمتقاعد؟ فالمعاش الشهري للمتقاعد قليل، يضاف إليه أن بعض المتقاعدين أو أغلبيتهم بالأصح لا يمتلكون منازل خاصة، وهذا يوقعهم في دائرة الحاجة والعوز أحيانا، وما يزيد الأمر سوءا هو جشع وطمع بعض التجار، الذين يستغلون حاجة المتقاعد وعوزه وضعف راتبه الشهري برفع أسعار الأراضي والإيجارات».

وزاد الدكتور عبد الرحيم في حديثه أن «نظرة العالم أجمع إلى المتقاعد لا تختلف عن حالها في السعودية، ونحن نسعى إلى تغيير تلك النظرة من خلال التأكيد على أهمية دور المتقاعد في العودة إلى المساهمة في بناء وطنه ومجتمعه، فالمتقاعد يحمل كنزا كبيرا وعظيما من الخبرة والكفاءة الراسخة الرزينة».

وطالب الدكتور عبد الرحيم بأهمية «الاعتراف بدور المتقاعد بالمساهمة في بناء الوطن وتأهيل الكوادر المستقبلية كإيمان منه ومن دولته بقدرته على ذلك، وتوفير الحياة الرغدة له بعد مسيرة عمل طويلة تخللتها المشقة والتعب والتغريب عن الأسرة والأهل، ليساعد في إعمار وتطوير وطنه، فالمتقاعد كنز مدفون يحتاج إلى تسليط الضوء عليه وإخراجه إلى عالم المشاركة الفعالة وإعطائه أهمية اجتماعية اقتصادية تشعره بالقدر الذي يستحقه وأنه فعلا ساهم وبشكل فعال في مسيرة التنمية الوطنية العملية».

فبغض النظر عن أسباب التقاعد التي تختلف من شخص إلى آخر، فإن الأهم هو ما بعد التقاعد، الذي يحدد غالبا ملامح مستقبل المتقاعد من حيث الدخل المادي والوضع الاجتماعي، وهذا أيضا يخضع لاختلافات تتعلق بالمنطقة التي ينتمي إليها.

اليوم هو يوم المتقاعدين، حيث دأب أغلبهم على تأمين نفسه لما بعد التقاعد في حين أن آخرين لم يتمكنوا من ترتيب جدولهم المستقبلي، وعلى ذلك يؤكد صالح اليامي، وهو متقاعد، أنه أمن لنفسه مستوى من المعيشة يكفيه ويكفي أسرته، في ظل تدني أجور المتقاعدين، حيث إن الحياة حاليا لم تعد تسدها الـ4000 ريال أو 3000 ريال التي تطالب بها الجمعيات المعنية، كحق للمتقاعدين، والجهات المهتمة بأمرهم.

وقال: «يدفع كل متقاعد يسكن خارج منطقته، وخصوصا منطقة عسير ونجران، إلى تأمين سكن ومستقبل لأسرته ليعود إلى مسقط رأسه ملغيا جميع احتمالات الحاجة إلى الغير».

وذكر المتقاعد غرمان العمري أنه يملك منزلا صغيرا خاصا به وبأسرته في قريته الصغيرة، أمنه منذ أن بدأ عمله، وهذا ما اعتاد عليه أبناء جنوب السعودية، حيث إن الأغلب منهم يملك منزلا خاصا، يكون قد ورثه أو أنه تشارك مع إخوته في بنائه وتأمينه، أو أنه اجتهد في إنهائه أثناء فترة عمله لبنائه على أرض يملكها والده، نظرا لغلاء العقار في الوقت الراهن، وكل ذلك ضمن إطار ممتلكاتهم الخاصة داخل القرى الصغيرة.

وقال: «نحن أبناء الأرياف والقرى نجد أن معاناة المتقاعد في الريف لا تقارن بمعانات المتقاعدين في المدن، والسبب أن المتقاعد الذي اعتاد على العيش في مدينة محددة وعلى أسلوب حياتي ونمط معيشي معين يجد بعض الصعوبة في الانتقال إلى الريف أو إلى المدن الصغيرة التي ينتمي إليها، وخصوصا منطقة عسير، فتجد أن البعض يؤمن سكنه بالأقساط والقروض داخل تلك المدينة التي اعتاد العيش بها».

ومن جانبه اعتبر سعيد الألمعي، وهو مهندس متقاعد، أن حال المتقاعد في منطقة عسير مقارنة بباقي المدن يعد الأفضل، مرجعا سبب ذلك إلى أسلوب الحياة التي اعتاد عليها أبناء المنطقة، كما أن أغلب الأراضي تعد أملاكا لأبناء المنطقة، عكس ما هي الحال في باقي المدن الرئيسية في السعودية.

وأضاف: «الزراعة والرعي يسدان جزءا كبير من احتياجات المتقاعد، فهو يستطيع تأمين معيشته من خلال زراعة أرض يملكها، والتي تقع ضمن ممتلكات أسرته، أو أن يكلف أحد العمالة برعي عدد كبير من المواشي للمتاجرة بها، وبهذا فهو يؤمن لنفسه ولأسرته الحياة الرغدة، دون اللجوء إلى المطالبات، التي لو أنها تحققت لأضافت الكثير لكل متقاعدي السعودية، خصوصا وأن الأحوال المادية للدولة ممتازة».

وفي سياق آخر أكد عدد من المعلمات المتقاعدات لـ«لشرق الأوسط» أنهن يستهدفن محافظة جدة كموطن مستقبلي يؤمن لهن مستوى محددا من العيش، وهو متمثل في بناء عمارة من الشقق المفروشة بتعاون عدد لا يقل عن 4 أو 5 معلمات يستفدن منها كسكن وإيجار.

وأشارت نورة العيسى إلى أنها أمنت هي وعدد من صديقاتها المقربات المعلمات مستقبلهن ببناء عمارة تحتوي على 6 شقق مفروشة، من خلال أما الاقتراض وإما الادخار لتأمين مستقبلهن المعيشي بعد التقاعد مع أسرهن.

وحول مشاركة زوجها في بناء منزل للأسرة قالت العيسى: «نسكن حاليا في منزل زوجي الذي يمتلكه، وقد أمناه من ورثه زوجي داخل قريتنا الصغيرة، وسخرنا تفكيرنا في استثمار المزارع المجاورة والخاصة بأسرة زوجي لزيادة دخل الأسرة، والاعتماد على الإنتاج الذاتي والخاص دون الحاجة إلى البحث عن عمل آخر، أو العيش ضمن حدود مفروضة يعاني منها غالبية المتقاعدين».

وأبانت وفيقة العامر أن حال من تقاعد في السن الافتراضية للتقاعد يختلف نوعا ما عمن تقاعد مبكرا، معللة ذلك بالاستحقاقات المادية التي ينالها المتقاعد مبكرا، والتي تعد استحقاقات ضعيفة لا تكفي سد احتياجاته في خضم الظروف المعيشية الحالية له ولأسرته، إلى جانب الطاقات التي يمتلكها المتقاعد مبكرا والتي يكتشفها بعد تقاعده ليتسلل الملل إلى نفسه ويعود للبحث عن أي عمل يقضي به أوقات فراغه الطويلة ويؤمن بها مستقبله.