منتدى المسؤولية الاجتماعية ينطلق بتأهيل 3 آلاف بناية للمعوقين

الأمير خالد الفيصل: الاهتمام بها من ظواهر الحضارة في كل ما يفعله الإنسان العادي

أمير منطقة مكة المكرمة ومحافظ جدة خلال حفل تدشين منتدى المسؤولية الاجتماعية للشركات في جدة أمس (تصوير: سلمان مرزوقي)
TT

انطلقت أمس في جدة أعمال «المنتدى السعودي للمسؤولية الاجتماعية للشركات»، الذي تنظمه الغرفة التجارية الصناعية بجدة ومجموعة الاقتصاد والأعمال، بطرح مبادرة مشروع «تيسير» الهادفة إلى تأهيل كافة المباني ذات الاستخدام العام رسمية كانت أو خاصة، لتمكين كل ذوي الإعاقات الحركية والبصرية والسمعية من الاستفادة منها، وتأسيس الشبكة السعودية للمسؤولية الاجتماعية للشركات، التي يمكن أن تجتمع تحت مظلتها الشركات التي تملك استراتيجيات وبرامج خاصة بالمسؤولية الاجتماعية. وأكد الأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكة المكرمة، خلال تدشينه في جدة أمس أعمال المنتدى السعودي للمسؤولية الاجتماعية للشركات، الذي تنظمه الغرفة التجارية الصناعية بجدة ومجموعة الاقتصاد والأعمال بحضور500 مشارك من المهتمين والمختصين والعاملين في مجال المسؤولية الاجتماعية - أن «المسؤولية الاجتماعية هي العنصر الأساسي في أي مشروع تنموي لأي مجتمع، سواء كان في البلاد النامية أو المتقدمة».

وأضاف أمير منطقة مكة المكرمة أن «الاهتمام بالمسؤولية الاجتماعية من ظواهر الحضارة التي تتجلى اليوم في كل ما يفعله الإنسان السعودي»، مشيرا إلى الاتفاقية التي وقعها رجال الأعمال لدعم المنشآت الصغيرة والأسر المنتجة، بقوله «إن هذه النخبة المباركة التي وقفت على هذا الميثاق اليوم بهذا الوقف الذي يعتبر معناه علامة التوقد الحضاري الذي ابتدأ يشع من عقل كل إنسان سعودي في هذه المملكة الفتية». ولفت إلى أن «الإنسان السعودي هو المؤهل لأن يحدث هذه النقلة التي تحدثت عنها، وهو المؤهل لأن يثبت للعالم أجمع أن الإسلام والثقافة الإسلامية هي الصالح لكل زمان».

وقال: «تشهدون بل وتعايشون هذه الفترة الاستثنائية من حياة المجتمع والوطن والدولة في المملكة العربية السعودية، هذه الفترة غير المسبوقة في العطاء وفي الإنجاز والإصرار على إحداث النقلة النوعية إلى العالم الأول». وتابع «تهيأت كل الظروف في مقدمتها القيادة صاحبة الريادة والمبادرات، وهذا الاستقرار الأمني والاقتصادي والثقافي والاجتماعي، وهذه الوفرة المالية والنقدية التي أنعم الله بها على هذه البلاد وأهل هذه البلاد». من جانبه، كشف المستشار أحمد عبد العزيز الحمدان، رئيس اللجنة التنفيذية لمركز جدة للمسؤولية الاجتماعية، عن طرح مبادرة مشروع «تيسير» الهادف إلى تأهيل كافة المباني ذات الاستخدام العام، رسمية كانت أو خاصة، لتمكين كل ذوي الإعاقات الحركية والبصرية والسمعية من الاستفادة من هذه المباني، مشيرا إلى أنه تم تحديد الدفعة الأولى منها، وتتمثل في ثلاثة آلاف منشأة تم اختيار منها دوائر حكومية وخاصة، وتم اختيار 85 عنصرا متعاونا لتطبيق تأهيل المباني المرشحة في الدفعة الأولى، حيث نود أن تكون مدينة جدة الصديقة لذوي الاحتياجات الخاصة. وأشار الحمدان إلى أن «المركز يدرس بجدية إمكانية تأسيس الشبكة السعودية للمسؤولية الاجتماعية للشركات، التي يمكن أن تجتمع تحت مظلتها الشركات التي تملك استراتيجيات وبرامج مسؤولية اجتماعية، وغيرها من الشركات الراغبة في تأسيس برامح ضمن إطار المسؤولية الاجتماعية، بحيث تتحول هذه الشبكة إلى منصة للتفاعل وتبادل الخبرات وتقديم الإرشاد والأفكار والتجارب». وأردف القول «إن المركز تبنى مشروعا آخر يهتم بالأسر المنتجة تحت مسمى (مشروع دعم الأسر المنتجة وتنمية منتجاتها) وأطلق عليه اختصارا (كلنا منتجون)»، وينتمي إلى هذا المشروع 300 أسرة سعودية نسعى لتسويق منتجاتها عبر تأمين منافذ بيع مباشرة أو عبر عقد شراكات مع رجال أعمال».

وبين رئيس اللجنة التنفيذية لمركز جدة للمسؤولية الاجتماعية أنه «عندما بدأنا في مركز جدة للمسؤولية الاجتماعية التفكير في تنظيم منتدى حول المسؤولية الاجتماعية للشركات، انطلقنا من حقيقة راسخة وهي أن المسؤولية الاجتماعية كمفهوم ليست وليدة اليوم كما يعتقد البعض، إنما انبثقت منذ اللحظة الأولى لبزوغ فجر الإسلام». واستبعد الحمدان في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلزام الشركات في القطاع الخاص بتقديم برامج المسؤولية الاجتماعية والاكتفاء بتوجيه النصح والتوعية لأصحابها، بينما طالب من جهته المهندس سليم الحربي، عضو مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية، بضرورة إلزام الشركات بذلك الأمر.

وقال من الضرورة إلزام أصحاب الشركات بتنفيذ برامج المسؤولية الاجتماعية كجانب من أعمالها، شريطة وضع آليات مناسبة لهم تتماشى مع القيم الإسلامية وتلقى قبولا لدى رجال الأعمال.

وبالعودة للحمدان قال «اسمحوا لي بأن أتوقف لحظة للحديث عن مركز جدة للمسؤولية الاجتماعية للشركات الذي أنشئ في عام 2006، لكي يكون نموذجا عمليا في تطبيق مفهوم المسؤولية الاجتماعية وفقا للمقاييس العالمية، وشريكا استراتيجيا مع الجهات المعنية لتبني مبادرات وطنية تقود المملكة إلى تحقيق القفزة النوعية المطلوبة في تحقيق التنمية المستديمة، وتبني العديد من البرامج والأنشطة في إطار المسؤولية الاجتماعية للشركات».

وكان الحمدان استهل كلمته بالترحيب بالأمير خالد الفيصل، أمير منطقة مكة المكرمة، وقال، «شرف كبير أن يتوج الأمير خالد الفيصل رعايته المنتدى بحضوره الشخصي، مما يؤكد ويعزز اهتمامه بالعمل الاجتماعي، وهو المعروف عنه اهتمامه بالناس العاديين وبالتنمية البشرية والثقافية، ومد يد العون للشباب السعوديين، وهو الذي أنشأ لهذا الغرض مركز خالد الفيصل لإعداد القيادات السعودية».

وإلى ذلك، لفت صالح كامل، رئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية في جدة، في كلمته إلى أن «الزكاة مفروضة في الإسلام وهي ركن من أركانه»، مشيرا إلى أن «الإسلام تحدث عن المسؤولية الاجتماعية وأوجدها قبل الغرب بقرون». وقال «من أهم التعريفات الحاصلة بالمسؤولية الاجتماعية، هو القيام بشيء غير مفروض بموجب الأنظمة أو القوانين لإصلاح المجتمع. وهذا التقسيم ذاته جاء في الإسلام عندما أوجد الزكاة والصدقات بمختلف أنواعها».

وأضاف «الوقف في الحضارة الإسلامية نشأ وترعرع وأقيمت به المستشفيات والجامعات ومراكز الأبحاث ودور العالم. والآن في هذا الوقت، يقوم الغرب بهذا الدور. في دولنا الإسلامية في القرنين الأخيرين، لم يعد هناك أوقاف جديدة لأسباب عديدة، منها أن الحكومات تدخلت بشكل كبير في هذا الموضوع لتجعل الناس تحجم عن هذا الوقف». وقال كامل «استطعنا وباقتناع ودعم من وزير الأوقاف والشؤون الإسلامية في السعودية الشيخ صالح آل صالح، أن يسمح للغرف التجارية بأن تنشئ الصناديق الوقفية للأغراض المختلفة تسجل في الغرف التجارية، وتدار من قبل الواقفين والغرف التجارية. وبذلك نحاول أن نعيد مجد الأوقاف إلى ما كانت عليه».

وثمن من جهته رؤوف أبو زكي، الرئيس التنفيذي لمجموعة الاقتصاد والأعمال، ثقة غرفة جدة، بمجموعة الاقتصاد والأعمال وإشراكها في تنظيم هذا المنتدى، وجهود الأمير مشعل بن ماجد بن عبد العزيز، محافظ جدة، المتواصلة في مجال التنمية الاجتماعية، ولمركز جدة للمسؤولية الاجتماعية وعلى رأسه المستشار أحمد الحمدان، على دعمه وتشجيعه.

وأضاف «إن انعقاد المنتدى السعودي للمسؤولية الاجتماعية للشركات، يعتبر خطوة طبيعية ومتوقعة في المملكة العربية السعودية، التي أظهرت الدولة فيها على الدوام حساسية عالية للشأن الاجتماعي، وإدراكا قويا لأهمية الموازنة بين النمو الاقتصادي ومبدأ الحرية الاقتصادية، وبين واجب التضامن الاجتماعي والتكافل الإسلامي». وقال «ها هي السياسة الرشيدة التي يقودها خادم الحرمين الشريفين تقدم المثال على استباق الحاجات، وإعلاء الشأن الاجتماعي، ودعم الفئات الضعيفة مباشرة من خلال تحسين مستوى معيشة العاملين، وتعويض البطالة المؤقتة، ومشاريع الإسكان والصحة، ومشاريع تطوير التعليم والتدريب، ورفع كفاءة السعوديين وزيادة انخراطهم في الدورة الإنتاجية».

وأضاف «من الظواهر اللافتة أن الفلسفة المتأصلة للتضامن الاجتماعي في المملكة، ليست مقتصرة على الرؤية الحكومية، بل هي قائمة أيضا في التكوين الاجتماعي والتربية الإسلامية لقيادات القطاع الأهلي والمجموعات العائلية، التي يعتبر فعل الخير قائما في تقاليدها منذ القدم. لكن الفارق اليوم هو أن هذه الفطرة المندفعة نحو مد يد العون للآخرين والضعفاء بدأت تتخذ نهجا مؤسسيا، وتخضع لتعريفات جديدة للأهداف والأولويات والآليات. بذلك، ينتقل فعل الخير من المبادرات العفوية التي تستجيب للظروف إلى التخطيط الاجتماعي والتنموي». وكانت أعمال المنتدى انطلقت بجلسة أولى تحت عنوان «آفاق تطور مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات». تناولت التطورات المتوقعة لمفهوم وبرامج المسؤولية الاجتماعية في المنطقة عموما والمملكة على وجه التحديد، خصوصا في ضوء التحولات السائدة نحو اقتصادات السوق والدور الملقى على عاتق الشركات للإسهام في التنمية المستديمة. أدار الجلسة رئيس مجموعة شركات «نسما القابضة» صالح التركي، وشارك فيها كل من رئيس مركز المسؤولية الاجتماعية في غرفة جدة المهندس أحمد الحمدان، مدير إدارة تطوير الأعمال والشؤون الإدارية في شركة «مواد الإعمار القابضة» CPC فيصل العقيل، ورئيس مكتب الدكتور خالد النويصر - محامون ومستشارون قانونيون د. خالد النويصر، وركز الحوار في هذه الجلسة على المرتكزات الأولية لمفهوم المسؤولية الاجتماعية في العالم الإسلامي كالزكاة والوقف الإسلامي، وسلطوا الضوء على سبل تعميم هذه الثقافة على نطاق واسع، وصولا إلى البحث في نموذج تطبيقي ينسجم مع ثقافة المنطقة وخصوصيتها، ويلبي احتياجاتها. ويستكمل المنتدى أعماله اليوم الأربعاء من خلال 4 جلسات تركز على تحويل برامج المسؤولية الاجتماعية لدى الشركات من المبادرات إلى الاستراتيجيات، وتتناول الأثر الاقتصادي لتطبيق تلك الاستراتيجيات، كما تستعرض مسيرة بعض من الشركات السعودية الناشطة في مجال العمل الاجتماعي. ويختتم المنتدى أعماله بجلسة تتناول فرص الشراكة ما بين القطاعين العام والخاص في مجال المسؤولية الاجتماعية والاستدامة.