رئيس مركز الأمير سلطان لأبحاث البيئة والمياه والصحراء: يجب الحد من استهلاك المياه قدر الإمكان.. والسعودية تختزن كميات هائلة منها

دعا إلى تعزيز مبدأ الزراعة المستدامة عبر تعميم تجربة مشروع الملك فهد لحصد مياه الأمطار والسيول

د. عبد الملك آل الشيخ، رئيس مركز الأمير سلطان بن عبد العزيز لأبحاث البيئة والمياه والصحراء، الأمين العام لجائزة الأمير سلطان بن عبد العزيز العالمية للمياه
TT

أكد الدكتور عبد الملك بن عبد الرحمن آل الشيخ، رئيس مركز الأمير سلطان لأبحاث البيئة والمياه والصحراء، الأمين العام لجائزة الأمير سلطان بن عبد العزيز العالمية للمياه، أن السعودية تتمتع بعدد كبير من المخازن الجوفية العميقة، وأنه بغض النظر عن التقديرات التي تتحدث بشكل متفائل أو متشائم حول كميات المياه الجوفية، فإنه من الضروري الحد من استخدام المياه قدر الإمكان، والمضي في ترشيد الاستهلاك لا سيما في مجال الاستهلاك الزراعي.

ولفت الدكتور عبد الملك آل الشيخ إلى تجربة المركز في مشروع الملك فهد لحصد وخزن مياه الأمطار والسيول، والذي نجح كما وكيفا في تحقيق الاستفادة القصوى من مياه السيول والخروج بمنتجات زراعية ذات جودة أعلى، إلى جانب قدرة المشروع في حال تعميمه على تحقيق ما يسمى بـ«الزراعة المستدامة»، إلى جانب استخدام أوراق النخيل وثمارها كأعلاف للماشية.

* ماذا عن المياه في المملكة، وكم عدد مصادرها؟

- تتمتع المملكة العربية السعودية ولله الحمد بعدد كثير من المخازن الجوفية الكبيرة العميقة والتي تحتوي على كميات هائلة من المياه الصالحة للشرب والزراعة والأغراض الأخرى. وهناك مصدر آخر للمياه وهو المياه السطحية الموجودة في بطون الأودية وبعض الواحات وعلى أعماق قريبة من سطح الأرض. ويمكن أن يقال إنها مياه متجددة تتأثر بمياه الأمطار. وتنقسم المخازن الجوفية العميقة إلى نوعين، أساسي وثانوي، ويبلغ إجماليها 24 مخزنا تقريبا، وتنحصر هذه المخازن في القسم الرسوبي من المملكة الذي يمثل ثلثي المساحة، والثلث الثالث هو منطقة الدرع العربية ومعظم مياهها سطحية ولا توجد بها مخازن جوفية عميقة. وهناك مصدران آخران وهما مياه التحلية ومياه الصرف الصحي. بالإضافة إلى مصدر خامس ألا وهو مشروع الملك فهد لحصد وخزن مياه الأمطار والسيول في المملكة، والذي بعون الله سوف يكون له أثر إيجابي للاستفادة من مياه الأمطار والسيول التي يمن بها المولى على أراضي المملكة سنويا.

* هل توجد دراسات لديكم تبين كمية مخزون المياه في السعودية؟

- الجهة الرسمية المعنية بهذا الشأن هي وزارة المياه والكهرباء، التي لديها آخر القراءات والدراسة التقديرية لكميات المياه في المخازن الجوفية في المملكة وما تم عليها من تغييرات بعد التوسع الأفقي في مجال الزراعة في العقود القليلة الماضية. ونوصي في مركز الأمير سلطان لأبحاث البيئة والمياه والصحراء، بأنه مهما كانت التقديرات لمخزون المياه في المملكة متفائلة أو غير ذلك فإنها يجب الحد من استخدامها ما أمكن والاعتماد على الله سبحانه ثم المضي في الترشيد وبالذات في الاستهلاك الزراعي.

* ماذا تقصد بالتوسع الأفقي في الزراعة؟

- من المعروف أن الأراضي القابلة للزراعة المروية في المملكة لا تتجاوز 2 في المائة من المساحة الإجمالية للمملكة العربية السعودية، وهي تلك الأراضي الموجودة على ضفاف الأودية وفي الواحات والمصاطب في الجنوب الغربي من البلاد، وهي تلك المواقع التي اختارها الأوائل لممارسة الزراعة، فترى هذه المواقع غالبا عميقة وقابلة للغسيل من الأملاح ومياهها متجددة حيث إنها قريبة من الأودية والشعاب المعرضة للسيول سنويا بإذن الله، لذا تتسم هذه المواقع بالاستمرارية في الإنتاج والدليل على ذلك أن بعضها زرع ولا يزال مستمرا في الإنتاج منذ آلاف السنين، أما المناطق التي تم الانتشار الزراعي فيها فهي في الغالب ليس لها عمق وتسود فيها الأملاح ما عدا بعض الأراضي الرملية قليلة الأملاح. وكانت النتيجة هي استنزاف كمية كبيرة من المياه غير المتجددة وتملح التربة.

* هل يمكن تعويض ما تم استنزافه من المياه من المخازن الجوفية خلال الفترات القادمة؟

- عندما نعرف أن المخازن الجوفية الرئيسية والثانوية للمياه في المملكة تم خزن المياه بها منذ الأزل وفي أزمنة شديدة الأمطار.. ويذكر المختصون في مجال الهيدرولوجيا أن آخر وقت كانت تهطل فيه الأمطار وبغزارة، والذي يشكل آخر وقت كانت الأمطار تسهم فيه في زيادة المخزون، كان منذ خمسة عشر ألف سنة مضت. حيث استمرت الأمطار قبل ذلك في عصر البلوفيل ودامت لمدة مليون وثمانمائة ألف عام من الأمطار الغزيرة. لذا والله أعلم فإن تعويض ما فقد من مياه أمر غير محتمل.

* هل معنى هذا عدم احتمال الاستفادة من مياه الأمطار التي تهطل على مناطق السعودية المختلفة؟

- من الممكن الإجابة على سؤالك هذا بـ«لا» وبـ«نعم». بـ«نعم»، عندما نفكر في استفادة المخازن الجوفية العميقة وبكمية معتبرة، لأن تسرب كميات قليلة من المياه في مخازن تقدر أحجامها بمئات الأمتار وكذلك عرضها وسماكتها، فإن هذه الزيادة لا تحسب. وبـ«لا»، عندما نتحدث عن مخازن المياه السطحية المتجددة التي تستفيد بشكل شبه سنوي من كميات الأمطار التي يمن بها المولى عز وجل، وبالذات في بطون الأودية والشعاب. ويجدر بي التحدث هنا عن مشروع الملك فهد لحصد وخزن مياه الأمطار والسيول في المملكة، والذي استحدث لهذا الغرض، وكذلك عن مشروع الأمير سلطان بن عبد العزيز لإعادة تأهيل القرى والهجر في المملكة، واللذين يقصد بهما الاستفادة من مياه الأمطار والسيول.

* كيف تتم الاستفادة من الأمطار خلال مشروع الملك فهد لحصد وخزن مياه الأمطار والسيول في السعودية.. هل من الممكن شرح طبيعة هذا المشروع؟

- حصد وخزن مياه الأمطار يمكن أن يتم من خلال عدد كبير من الأساليب. على سبيل المثال في أحواض بلاستيكية أو برك خرسانية أو من الـ«فايبر غلاس»، لكن هذه الأساليب مكلفة وتطبق في المناطق كثيرة الأمطار. أما ما يتلاءم مع الظروف المناخية للمملكة الصحراوية فينحصر في أسلوبين فقط.. الأول؛ في برك صناعية كبيرة الحجم (300م×100م) وبعمق يصل إلى تسعة أمتار، وتستخدم هذه البرك أو الجدران الصناعية، في سقيا الماشية والقرى والهجر وغيرها.

أما الأسلوب الثاني؛ الذي تم تطبيقه كذلك في المملكة، فهو خزن المياه في أحواض السدود، حيث طبق حتى الآن في 11 سدا حول الرياض، وبتقنية علمية نتجت عنها فوائد ملموسة في الكم والكيف، وتحسن في بعض الثمار من الحمضيات والتمور بسبب تخفيض الملوحة. وبعد نجاح التجارب في هذه السدود وجه الأمير سلمان بن عبد العزيز، أمير منطقة الرياض، مقام وزارة المياه والكهرباء لتقييم المشروع تمهيدا لتعميمه في شعاب وأودية المملكة لتحقيق الفائدة القصوى من كميات مياه الأمطار التي تهطل سنويا على أراضي البلاد.

* ذكرت أن المياه السطحية في المناطق التي طبق فيها المشروع تحسنت من حيث الكم والكيف، وأثرت إيجابيا على بعض المحاصيل بسبب انخفاض الملوحة بالمياه، فهل هناك فوائد جانبية متوقعة؟

- عندما تعمم التقنية في شعاب وأودية المناطق المختلفة من المملكة، فإنها سوف تحقق بإذن الله ما يسمى بالزراعة المستدامة، لأن كميات المياه في المخازن السطحية سوف تزداد بعون الله، والتربة على ضفاف الأودية ملائمة للزراعة المروية بما تتمتع به من خصائص مثل العمق وقلة الأملاح وقابلية التربة للغسيل من الأملاح. عندما يرتفع منسوب المياه في الأودية والشعاب نكون قد حققنا مخزونا يستفاد منه عند الحاجة لا سمح الله، وكذلك من الممكن الإكثار من شجر النخيل للاستفادة من ورقه وثمره في صناعة الأعلاف للماشية التي تعاني من نقص فيها، وأصبحت في الوقت نفسه عبئا على البيئة الصحراوية وسبب التصحر.