الزراعة تستهلك 85% من مياه السعودية ودعوات بالتركيز على القيمة الاقتصادية للمنتج

تحول المزارعين من القمح إلى الأعلاف ضاعف استنزاف المياه 4 مرات

الزراعة تستنزف أكثر من 85% من مياه السعودية.. وسط شح الموارد المائية
TT

تبرز أزمة استهلاك القطاع الزراعي للمخزون المائي في السعودية من كونه أشد القطاعات استنزافا للموارد المائية، حيث تقدر مصادر متخصصة أن القطاع الزراعي يستهلك أكثر من 85في المائة من مجمل أوجه الاستهلاك المائي في السعودية، الأمر الذي دعا الكثير من الجهات الحكومية المختلفة إلى اتخاذ تدابير احترازية تعمل على ترشيد الاستهلاك المائي في القطاع الزراعي عبر سلسلة من الخطوات لأجل الحفاظ على الموارد المائية، في ظل شح هذه الموارد وقلتها في البلاد.

وطالبت جهات رفيعة المستوى في القطاع الزراعي، بضرورة التركيز على القيمة الاقتصادية للمنتج الزراعي، في إشارة إلى ضعف القيمة الاقتصادية للقمح والأعلاف، حيث لا تشكل أكثر من 8 في المائة من القيمة الاقتصادية للقطاع الزراعي في السعودية.

وفي الوقت الذي استنزفت فيه زراعة القمح في البلاد كميات كبيرة من المياه، أصدرت الحكومة السعودية منذ قرابة 4 أعوام، قرارا يقضي بالتوقف التدريجي عن شراء منتجات القمح المحلية، والتحول الكامل لاستيراده من الخارج بحلول عام 2016، من أجل تقليل زراعة القمح في البلاد، وذلك بموجب خطة وطنية لتوفير المياه، عبر خفض المشتريات الحكومية من القمح (التي تمثلها المؤسسة العامة لصوامع الغلال ومطاحن الدقيق) من المزارعين المحليين بنسبة 12.5 في المائة سنويا لمدة 8 أعوام، بهدف ترشيد استهلاك المياه وتنظيم استخدامها في المجالات الزراعية نظرا لمحدودية وشح الموارد المائية في السعودية.

وعلى الرغم من الامتعاض والرفض الذي شكله القرار لدى الكثير من مزارعي القمح في السعودية، فإن الحكومة دافعت عن القرار حفاظا على الموارد المائية في البلاد، ولقد تضمن قرار خفض شراء القمح المنتج محليا بشكل تدريجي، وذلك بهدف إتاحة الفرصة لمزارعي القمح لتهيئة أنفسهم للتحول نحو زراعة محاصيل ذات استهلاك مائي منخفض والاستفادة من الميزات النسبية في الإنتاج الزراعي لكل منطقة من مناطق المملكة وتعظيم الاستفادة من استخدام المياه، مثل إنتاج الخضراوات والفاكهة باستخدام أساليب الري الحديثة، مع تشجيع إنتاج الخضراوات باستخدام البيوت المحمية، وكذلك إنتاج لحوم الدواجن وبيض المائدة، والمزارع السمكية، وهذا من شأنه الإسهام في الوصول إلى تنمية زراعية مستدامة في السعودية.

إلا أن هذا القرار الساعي إلى توفير بيئة مائية أوفر، حول الكثير من مزارعي القمح السابقين، إلى زراعة الأعلاف الخضراء، التي تستنزف 4 أضعاف الحجم المائي الذي تستهلكه زراعة القمح سنويا، ويعزى ذلك إلى طبيعة تكوين مزارع القمح الملائمة لزراعة الأعلاف الخضراء مثل البرسيم.

وتقدر مصادر متخصصة أن الاستهلاك الزراعي للموارد المائية في السعودية يتجاوز حاجز الـ85 في المائة من مجمل أوجه الاستهلاك المائي في كافة القطاعات في البلاد.

ودعا المهندس عبد الله الربيعان، رئيس مجلس إدارة صندوق التنمية الزراعية، إلى ضرورة التركيز على القيمة الاقتصادية للمنتج الزراعي، مؤكدا في الوقت ذاته أن القمح والأعلاف لا تتجاوز قيمتها الاقتصادية حاجز الـ8 في المائة من مجمل القيمة الاقتصادية للقطاع الزراعي في البلاد، التي وصلت إلى قرابة الـ41 مليار ريال.

وفي ظل انعكاس الأزمة المائية على القطاع الزراعي المستهلكة لمعظم الموارد المائية السعودية، أكد الربيعان أن المبدأ السعودي في تعامله مع القطاع الزراعي لا بد أن يكون وفقا لقاعدة «كم عدد الريالات الناتجة من استخدام لتر الماء الواحد».

ويؤكد رئيس مجلس إدارة صندوق التنمية الزراعية، أن السعودية لديها قدرة الدخول في إنتاج محاصيل ذات قيمة اقتصادية أعلى، من واقع ما تحتويه من تنوع جغرافي من شمال البلاد إلى جنوبها، الذي يتيح لها زراعة منتجات مختلفة، مع الحفاظ على قيمة اقتصادية عالية للمنتج الزراعي.

واعتبرت وزارة الزراعة السعودية، تحول المزارعين إلى الأعلاف الخضراء بدلا من القمح، تحديا أكثر خطورة على المخزون المائي، لا سيما أن زراعة الأعلاف، هي زراعة دائمة وتستهلك كميات كبيرة من المياه، في حين أن زراعة القمح موسمية لا تتجاوز 4 أشهر في العام الواحد، الأمر الذي دعا الوزارة إلى إيقاف إصدار تراخيص زراعة الأعلاف وإيقاف تصديرها للخارج أيضا.

واتبعت وزارة الزراعة سياسة التشجيع على تنويع الإنتاج التي تهدف إلى الحد من زراعة المحاصيل ذات الاستهلاك العالي من المياه وتوجيه المزارعين إلى إنتاج المحاصيل التي ما زالت المملكة في حاجة إليها وذات عائد اقتصادي جيد واستهلاك متدن من المياه، وما زالت الأسواق المحلية في حاجة إليها، مثل مشاريع إنتاج لحوم الدواجن، والمزارع السمكية وإنتاج الفواكه والخضراوات، مع تشجيع استخدام التقنيات الحديثة كالبيوت المحمية وأنظمة الري الحديثة، حيث يتم تقديم الدعم للتحول من أنظمة الري التقليدي إلى أنظمة الري الحديثة التي تقلل من استهلاك المياه.

وأوضحت الوزارة أن هناك لجنة وزارية مشكلة من قبل عدة وزارات، وهي: وزارة الداخلية، ووزارة المالية، ووزارة الزراعة، ووزارة المياه والكهرباء، ووزارة الاقتصاد والتخطيط، لدراسة موضوع زراعة القمح من مختلف جوانبه.

وتعمل وزارة الزراعة، من خلال مديريات الزراعة وفروعها المنتشرة في جميع مناطق البلاد، على إقامة حملات توعوية للمزارعين لتوضيح مبررات وأهداف قرار خفض شراء القمح، وأثره في ترشيد استهلاك مياه الري في الزراعة والحد من الإهدار في استخدامها، وبالتالي زيادة كفاءة استخدام مياه الري في الزراعة وضمان استدامة هذا المورد المهم على المدى الطويل لاستخدامه في الأغراض المختلفة ومن ضمنها الأغراض الزراعية.

وتشهد السعودية تزايدا في الطلب على المياه للأغراض المختلفة في حين أنها تعاني من شح في الموارد المائية ومحدوديتها وتواجه تحديا كبيرا يتعلق بتأمين احتياجاتها من المياه للأغراض المختلفة، الأمر الذي يتطلب اتخاذ جميع الإجراءات التي من شأنها المحافظة على استدامة هذا المورد المحدود وحسن إدارته وذلك لضمان تأمين احتياجات السعودية من المياه للأغراض المختلفة، ومن ضمنها الأغراض الزراعية.

وكانت السعودية، قد أطلقت «مبادرة الملك عبد الله للاستثمار الزراعي في الخارج»، للإسهام في تحقيق الأمن الغذائي على المستوى الوطني والمستوى العالمي، في الوقت الذي تستهدف فيه هذه المبادرة عددا من الدول التي تمتلك مقومات زراعية، من حيث توافر المياه، وخصوبة الأراضي، وتوافر المساحات، في ظل شح الموارد المائية في السعودية.

وتبرز هذه المبادرة، كواحدة من الحلول التي تخفف العبء المائي على القطاع الزراعي في البلاد، إلى جانب ما توفره المبادرة من بناء شراكات تكاملية مع عدد من الدول في مختلف أنحاء العالم، ذات مقومات وإمكانات زراعية عالية لتنمية وإدارة الاستثمارات الزراعية في عدد من المحاصيل الزراعية الاستراتيجية بكميات كافية وأسعار مستقرة، بالإضافة إلى ضمان استدامتها.

ويستثمر عدد من رجال الأعمال السعوديين في مشاريع زراعية عملاقة، تقدر بمليارات الدولارات، في دول تركيا وأوكرانيا ومصر والسودان وكازاخستان والفلبين وفيتنام وإثيوبيا، في وقت تسعى فيه السعودية إلى دعم الزراعة في تلك البلدان.

وعلى الرغم من قرار إيقاف شراء القمح المحلي، فإن القطاع الزراعي في السعودية استمر في تحقيق أهدافه التنموية، حيث تشير البيانات الإحصائية إلى أن القطاع الزراعي قد حقق معدل نمو سنوي متوسط قدره 1.4 في المائة خلال خطة التنمية الثامنة (2005 - 2009) وتحقق الاكتفاء الذاتي في الكثير من السلع الغذائية المهمة مثل التمور والحليب الطازج وبيض المائدة والكثير من الخضراوات الطازجة، كما زاد إسهام القطاع الزراعي في تكوين الناتج المحلي الإجمالي من نحو 40.2 مليار ريال في عام 2007 إلى نحو 41.5 مليار ريال في عام 2009، وبنسبة زيادة قدرها 3.4 في المائة.

ويبدو أن المشهد الزراعي لا يزال مقلقا في السعودية من ناحية الأمن المائي، حيث لا يزال القطاع الزراعي في استنزاف مستمر للموارد المائية، على الرغم من اتخاذ عدد من الوسائل والتدابير الساعية للحفاظ على حجم المخزون المائي في البلاد، في وقت يؤكد فيه خبراء الهيدرولوجيا استحالة تعويض المفقود من كميات المياه، في ظل الظروف المناخية التي تعيشها السعودية.