دراسة تطلق تحذيرا: حالات الطلاق وصلت حد الظاهرة

أول بحث عن «أبغض الحلال» يكشف أن النساء أكثر تحملا للمعاناة من الرجال

دعوات لوضع خطة شاملة لمكافحة الطلاق الذي يقع أحيانا لأسباب تافهة («الشرق الأوسط»)
TT

قال أحد الفلاسفة ذات يوم: «أجمل ما في الزواج أنه ينتهي بالطلاق». ومع ما في هذا القول من دلالات تتجاوز قدسية الحياة الزوجية، فإن الطلاق هو حل أمثل لعلاج إشكالية تواجه العديد من الأسر بسبب الخلافات الأسرية التي لم تفلح كل الجهود التي تبذل لتحقيق السعادة الزوجية والاستقرار فيها، ليكون الطلاق في النهاية هو الخيار الوحيد والحل المر كما أنه «أبغض الحلال عند الله».

وكشفت دراسة ميدانية عن الطلاق في المجتمع السعودي عن خطورة تفشي الظاهرة خاصة بين المطلقين الذين تزوجوا حديثا، والذين لم يتم تدريبهم وتأهيلهم على تحمل مسؤولية الزواج، وقالت الدراسة: إن 50 في المائة من المطلقين تزوجوا في أعمار 24 – 28 سنة، و18 في المائة كانت أعمارهم بين 18 و23 سنة. وطالبت الدراسة التي أعدها الباحث سلمان بن محمد العمري بضرورة الاهتمام بإعطاء دورات لتدريب وتأهيل الشباب والفتيات المقبلين على الزواج لتحمل المسؤولية، وأكدت الدراسة على أهمية تأسيس صندوق للمطلقات لتدريبهن على الحرف والمهن ليكنّ منتجات لا مستهلكات، وأن يتم إنشاء فصول للتدريب المهني للمطلقات، مثل فصول للخياطة والتطريز والآلة الكاتبة، والسكرتارية، والإدارة، والصناعات التقليدية الوطنية، والتدبير المنزلي، وكذا الاهتمام بأسر المطلقات من حيث توفير سبل العيش الكريم لهن ولأبنائهن، إلى جانب إنشاء دور للحضانة وروضات لأطفال الأسر المفككة والمطلقات، وتزويدهم ببرامج خاصة عن الرعاية الاجتماعية والنفسية حتى لا يتحولوا إلى أحداث يخرقون أعراف ومبادئ ونظم المجتمع وينحرفون عن السلوك السوي.

ودعت الدراسة الجهات ذات العلاقة إلى إنشاء صندوق تأمين اجتماعي لأطفال ونساء الأسر المفككة لتأمين سكنهم وغذائهم ودوائهم وملابسهم، والتركيز على تدريب الأولاد مهنيا لضمان حياة كريمة وعمل شريف لهم بعيدا عن التشرد والإدمان والمخدرات والجرائم والانحرافات الأخرى، داعية إلى إعادة التوافق النفسي للمطلقة وذلك بدمجها في المجتمع، وتشجيعها على إكمال دراستها وممارسة هواياتها والانضمام إلى العمل الاجتماعي مع الاستفادة المتبادلة من التوجيهات والخبرات في المجال الأسري في الدول الإسلامية الأخرى.

كما طالبت الدراسة بضرورة قيام وكالة للضمان الاجتماعي بوزارة الشؤون الاجتماعية بتأسيس صندوق طوارئ لتقديم مساعدات عاجلة للمطلقات، خصوصا المطلقات اللاتي انفصلن عن أزواجهن ويعشن مع آبائهن من ذوي الظروف المالية الصعبة، بالإضافة إلى ذلك، يرى الباحث ضرورة تدشين وثيقة للطلاق تحافظ على حقوق المطلقة من متعة وسكن ونفقة وحضانة للأولاد مع أهمية حضور المرأة ساعة الطلاق حتى تعرف حقوقها وواجباتها.

وطالبت الدراسة بإقامة معرض دائم موجه أساسا إلى المطلقين والمطلقات يتضمن عرضا بالصور والأفلام والمطبوعات والفيديو يوضح آثار الطلاق السلبية، كما يتضمن عيادات نفسية تقدم جلسات علاج نفسي للمطلقين، وتخصيص أجنحة في المعرض لتسويق منتجات المطلقات من التراث الشعبي والملبوسات.

ونبهت الدراسة المتخصصة إلى خطورة ازدياد ظاهرة الطلاق بصورة مضطردة منذ عام 1406هـ وحتى عام 1425هـ؛ إذ بلغ إجمالي عدد عقود الزواج في عام 1406هـ 52828 عقدا، بينما بلغ عدد صكوك الطلاق في السنة نفسها 12621 صكا أي بنسبة 23 في المائة. وفي عام 1425هـ بلغ عدد عقود الزواج 98343 بينما بلغ عدد صكوك الطلاق فيها 20794 صكا أي بنسبة 14.21 في المائة.

وأبانت الدراسة أن مجموع عقود الزواج بلغ منذ عام 1406هـ إلى عام 1425هـ مليونا وسبعمائة وسبعة وستين ألفا ومائة عقد، بينما بلغ عدد صكوك الطلاق في الفترة نفسها أربعمائة وستة آلاف وسبعمائة وثمانية عشر صكا، أي إن النسبة العامة لصكوك الطلاق إلى عقود الزواج تساوي 23 في المائة مما يعطي الانطباع بأن ظاهرة الطلاق في المجتمع السعودي خطيرة، وتستدعي البحث والتحليل من أجل تشخيصها ووضع الحلول الناجعة لها.

وأوردت الدراسة خصائص المطلقين في المجتمع السعودي، حيث أمكن تحديدها من خلال دراسة 330 حالة طلاق، منها 80 حالة لمطلقين، و250 حالة لمطلقات، مشيرة إلى نسبة الذكور تشكل 34 في المائة من العينة، منهم 80 مطلقا، و60 في المائة من أسر سليمة، وتشكل نسبة الإناث 66 في المائة من العينة، منهن 110 من الأسر السليمة و250 من المطلقات.

وأثبتت الدراسة أن معظم أفراد العينة من أصول حضرية، حيث إن 75 في المائة من المطلقين الذكور أصولهم في مدن ومحافظات، و25.6 في المائة من القرى أو الريف، بينما 86 في المائة من المطلقات من أصول حضرية والباقي من الريف أو البادية أو من الهجر، وأن أعلى نسبة من المطلقين والمطلقات هي من الحاصلين على مؤهل جامعي أو دبلوم، وقد بلغ عدد المطلقين الحاصلين على مؤهل متوسط وحتى المؤهل العالي (فوق الجامعي) 75.93 في المائة والحاصلات على المستوى نفسه من المطلقات 76 في المائة، أما الأميون فنسبتهم ضعيفة لدى المطلقات بنسبة 2 في المائة، بينما لا يوجد أميون من المطلقين.

وكشفت الدارسة التشخيصية أن المطلقين يتركزون في فئة العمر 25 - 49 سنة، وأكبر نسبة للذكور المطلقين في فئة العمر 30- 34 سنة، أما الإناث المطلقات فيتركزن في فئة العمر 25 - 39 سنة، أكثر من الفئات العمرية الأخرى، وهذا يشير إلى أن الطلاق يحدث بين الفئات العمرية الشابة، ولكن يتم بعد فترة من الزواج تتسم بالمعاناة، مشيرة إلى أن نسبة الطلاق لدى أصحاب الدخول العالية من المطلقين (الذكور) من فئة الدخل 10.000 – 14.000 ريال تزيد بنسبة 31.25 في المائة، وقد تبين أن أكثر من نصف المطلقين دخولهم أكثر من ثمانية آلاف ريال، بينما 50.37 في المائة منهم دخولهم أقل من 6.000 ريال. أما المطلقات، فقد تبين أن 38 في المائة منهن من فئة الدخل 4.000 – 9.999 ريال، بينما 12 في المائة دخولهن أقل من 4.000 ريال، ودلالة هذه البيانات هي أن الدخل المرتفع للأزواج يساعد على تعدد الزوجات الذي قد يكون أحد أسباب الطلاق.

كما تبين أن 50 في المائة من المطلقين تزوجوا عندما كانت أعمارهم في سن من 24 – 28 سنة، بينما في الزواج المبكر في فئة العمر 19 - 23 سنة كانت النسبة 18.75 في المائة، أما المطلقات فقد تزوج 48 في المائة منهن من فئة 19 - 23 سنة، ثم من فئة السن 14 - 18 سنة، أي الزواج المبكر بنسبة 30 في المائة، وهذا يعني أن غالبية المطلقين تزوجوا في سن أقل من 29 سنة بنسبة 68.75 وأن غالبية المطلقات قد تزوجن في سن أقل من 25 سنة، كما أن منهن من تزوجن في سن أقل من 19 سنة بنسبة 30 في المائة، وهذا يوضح عدم النضج الكافي للزوج أو الزوجة لاختيار الشريك، ومن خلال الدراسة اتضح أن غالبية المطلقين يعملون بوظائف حكومية بنسبة 56.25 في المائة وموظفون غير حكوميين بنسبة 25 في المائة، أما المطلقات فأكبر نسبة منهن ربات بيوت بنسبة 42 في المائة ثم موظفات حكوميات بنسبة 30 في المائة.

وأكبر نسبة للمطلقين استمروا في الزواج الأخير قبل الطلاق سنة واحدة بنسبة 25 في المائة ثم خمس سنوات بنسبة 18.75 في المائة بينما أكبر نسبة للزوجات أمضين في الحياة الزوجية قبل الطلاق سبع سنوات بنسبة 18 في المائة يلي ذلك من قضين سنة واحدة وثلاث سنوات بنسبة 12 في المائة لكل منها، وهذا يعني أن النساء أكثر صبرا وتحملا للمعاناة من المشكلات الزوجية من المطلقين الرجال.

كما أوضحت الدراسة أن نسبة 31.25 في المائة من المطلقين وزوجاتهم كانوا يقيمون قبل الطلاق مع أقارب الزوج بينما كانت المطلقات وأزواجهن يقمن مع أقارب الزوج بنسبة 22 في المائة، و6 في المائة مع أقارب الزوجة مما يشير إلى أن تدخل الأقارب هو عامل مهم في حدوث الطلاق، كذلك تبين أن غالبية المطلقين الذكور بنسبة 25.56 في المائة، لا توجد صلة قرابة مع زوجاتهم السابقات، وأيضا بالنسبة للمطلقات بنسبة 66 في المائة، وهذا يشير إلى أن صلة القرابة قد يكون لها تأثير في حدوث الطلاق نتيجة لتدخل الأقارب من الطرفين، ولكن هذا التأثير محدود فغالبية مفردات العينة لا توجد لهم صلة قرابة في حالة المطلقين والمطلقات على حد سواء.

إلى جانب ذلك، بينت الدراسة أن غالبية المطلقين قد تزوجوا لمرة واحدة بنسبة 75.93 في المائة مقابل 25.6 في المائة منهم قد تزوجوا مرتين، أما المطلقات، فقد تزوج منهن 66 في المائة مرة واحدة مقابل 24 في المائة تزوجن مرتين، و8 في المائة تزوجن ثلاث مرات، كما تبين أن 25.31 في المائة من المطلقين قد انقضى عليهم خمس سنوات دون زواج، بينما قضى منهم سنتان أو ثلاث سنوات بنسبة 75.18 في المائة لكل منهما دون زواج، ويشير ذلك إلى وجود عوامل متعددة لعدم تكرار الزواج منها صدمة الطلاق، ومنها التكاليف الباهظة للزواج التي تقع على كاهل الزوج، أما المطلقات فقد تبين أنهن يتوزعن على فترات زمنية مختلفة منذ الطلاق من سنة إلى 15 سنة وأكثر نسبة هي أربع سنوات بنسبة 18 في المائة؛ فسنتان بنسبة 16 في المائة، ثم سنة واحدة بنسبة 14 في المائة، ثم ثلاث سنوات بنسبة 12 في المائة، ودلالة ذلك أن تجربة الطلاق المريرة بالنسبة للمطلقات تجعلهن يحجمن عن تكرار الزواج إلى فترة قد تطول، أو تقصر حتى ينتهي أثر الصدمة، وتتهيأ ظروف مواتية لهن لتكرار الزواج.

وكشفت الدراسة أن هناك أسبابا عديدة لها تأثير كبير في حدوث الطلاق لدى المطلقين، منها تنافر الطباع بين الزوجين بنسبة 75.43 في المائة، وتمرد الزوجة على الزوج بالنسبة نفسها، وتدخل الأقارب بنسبة 25.31 في المائة، وانشغال الزوجة وعدم الاهتمام بالأسرة بنسبة 25 في المائة، والغيرة المرضية بما يصل إلى الشك والتأويلات المتعسفة بنسبة 75.18 في المائة، والاختلاف في الميول والاتجاهات الفكرية والمستوى العلمي 75.18 في المائة، وعمل المرأة وشعورها بالاستقلال وعدم التبعية بنسبة 75.18 في المائة، والحدة في التعامل والمنافسة بنسبة 75.18 في المائة، سوء الاختيار بنسبة 50.12 في المائة، وعدم الرضا عن الزواج أصلا بنسبة 50.12 في المائة، والخلاف لأسباب مادية بين الزوجين بنسبة 50.12 في المائة، وأسباب أخلاقية (الخيانة الزوجية) بنسبة 50.12 في المائة.

وبالنسبة للمطلقات، بينت الدراسة أنه كان هناك تنافر الطباع بين الزوجين بنسبة 56 في المائة، وإهانة الزوج بنسب 38 في المائة، وما نسبته 34 في المائة تسلط الزوج وهيمنته داخل الأسرة، وتدخل الأقارب 32 في المائة، وعدم مراعاة الزوج لمشاعر الزوجة وعواطفها بنسبة 30 في المائة، ولجوء الزوج للضرب وسيلة لحل الخلافات 28 في المائة، وسوء الاختيار 28 في المائة، وعدم تلاؤم الأخلاق أو الطباع 22 في المائة، و20 في المائة لعدم توفر الثقة بين الزوجين، والسفر المتكرر لأحد الزوجين والتغيب عن المنزل بصفة مستمرة بنسبة 20 في المائة، والحدة في التعامل والمناقشة 20 في المائة.

وأفادت الدراسة أن هناك مشكلات يعاني منها المطلقون، منها أن غالبية المطلقين والمطلقات بنسبة 25.31 في المائة للمطلقين، و50 في المائة للمطلقات يعانون من مشكلات نفسية أو شخصية أو مالية، أو صحية، أو أسرية، مشيرة إلى أن هناك آثارا ناتجة عن الطلاق، من أهمها نظرة المجتمع السلبية لهم؛ فقد بلغت النسبة لدى المطلقات 66 في المائة، بينما بلغت لدى المطلقين 75.18 في المائة. كما يرى المطلقون أن أهم آثار الطلاق بالنسبة لهم هو تدمير الأسرة وتفككها وقد بلغت نسبتها 75.43 في المائة للمطلقين، و48 في المائة لدى المطلقات، وهناك تأثير على الأبناء، منه شعور الأولاد بافتقادهم إلى الحنان بنسبة 50.37 في المائة، و44 في المائة للمطلقات، وإحساس الأولاد بعدم الأمان 25 في المائة للمطلقين، و30 في المائة للمطلقات.

وحذرت الدراسة من خطورة آثار الطلاق على الأبناء، حيث بلغ من لديهم أبناء من المطلقين نتيجة الطلاق 25.56 في المائة من المطلقين، و78 في المائة من المطلقات، وأن أكبر نسبة من المطلقين لديهم ثلاثة أولاد هي 75.18 في المائة ثم من لديهم ولد واحد أو ولدان أو أربعة أولاد بنسبة 50.12 في المائة لكل فئة، كما تبين أن أكثر عدد من أطفال المطلقين الذكور يقيمون مع المطلق أو زوجته المطلقة نفسها ومع زوجة المطلق أو زوجها بعد الطلاق وذلك بنسبة 33.33 في المائة، ثم من يعيشون مع الطرف الآخر في الطلاق وأن المطلقة ومع زوجها بعد الطلاق بنسبة 22.22 في المائة، ثم من يعيشون مع المطلق تبين أنها بنسبة 22.22 في المائة، أما من يعيشون مع أقارب المطلق نفلسه فيمثلون 11.11 في المائة، ومن يعيشون مع أقارب المطلقة نفسها فيمثلون أيضا 11.11 في المائة.

وبالنسبة للمطلقات، يتوزع أطفالهن بعد الطلاق للإقامة مع المطلقة نفسها بنسبة 46.38 في المائة ثم من يقيمون مع طليقها وزوجته بعد الطلاق بنسبة 08.23 في المائة، ثم من يعيشون مع المطلقة نفسها وزوجها بعد الطلاق ويمثلون 95.17 في المائة، ثم من يعيشون مع أقارب المطلقة ويمثلون 12.12 في المائة، ومن يعيشون مع طليقها يمثلون نسبة 13.5 في المائة.

وأبرزت الدراسة أن أكبر نسبة من عينة المطلقين 44.44 في المائة يرون أن الحالة النفسية لأبنائهم أصبحت أسوأ بعد الطلاق عما كانت عليه قبل الطلاق، بينما يرى ثلث أفراد العينة 33.33 في المائة من المطلقين أن حالة أبنائهم النفسية قد أصبحت أفضل بعد الطلاق، بينما يرى أكبر من خمس عينة المطلقين 22.22 في المائة أن حالة أبنائهم النفسية لم تتغير بعد الطلاق عما كانت عليه قبل الطلاق. أما بالنسبة للمطلقات، فيلاحظ أن ثلثي المطلقات تقريبا 10.64 في المائة ذكرن أن حالة أبنائهن النفسية أصبحت أسوأ بعد الطلاق، بينما ترى 82.12 في المائة من المطلقات أن حالة أبنائهن أصبحت أفضل بعد الطلاق، بينما ترى 82.12 في المائة من المطلقات أن حالة أبنائهن لم تتغير بعد الطلاق عما كانت عليه.

وشددت الدراسة على أن أحوال غالبية أولاد المطلقين المعيشية بعد الطلاق سيئة بنسبة 56.55 في المائة، بينما يرى 22.22 في المائة من المطلقين أن حالة أولادهم بعد الطلاق لم تتغير، وهناك آخرون يرون أن حالات أولادهم أصبحت عقب الطلاق أفضل بنسبة 11.11 في المائة، في حين يرى ما نسبته 41.56 في المائة من المطلقات أن أحوال أبنائهن أصبحت سيئة، و77.30 في المائة من المطلقات يرين أن أحوال أولادهن لم تتغير، وما نسبته 82.12 في المائة من المطلقات يرين أن حالة أولادهن بعد الطلاق صارت أفضل.

وأوصت الدراسة بعدد من المقترحات لمعالجة هذه الظاهرة الخطيرة في المجتمع السعودي؛ منها المطالبة بإنشاء مكاتب تتعلق بالاستشارات الزوجية على أن تكون ملحقة بالمحكمة الشرعية وتحت إشرافها، بحيث يتسنى لهذه المكاتب أن تضم إلى جانب علماء الدين، وأهل الخبرة متخصصين في ميدان علم النفس وعلم الاجتماع والتربية والخدمة الاجتماعية حتى يتحقق التكامل من مختلف الجوانب والمجالات في ما يتعلق بطبيعة عمل هذه المكاتب، كما طالبت بضرورة تشكيل فريق عمل من قبل هيئة حقوق الإنسان والجهات ذات العلاقة، ويتكون هذا الفريق من مفكرين ومحامين وإعلاميين لوضع خطة شاملة لمكافحة مرض الطلاق الذي ينتشر في المجتمع لأسباب تافهة أحيانا.

كما طالبت الدراسة بالعمل على إصدار التشريعات والأنظمة الرادعة والضابطة لعملية الطلاق وتقييده إلى أبعد الحدود في ضوء تعاليم الشريعة الإسلامية التي ترى في الطلاق أبغض الحلال إلى الله، ويشرف على هذه التشريعات لجنة من علماء الشريعة والتربية والاجتماع وعلم النفس، وكل التخصصات المرتبطة بصياغة الإنسان وبناء المجتمع، ووضع غرامات مالية لضبط سلوك بعض العابثين من الرجال تتناسب مع الدخل الفردي لكل منهم، وتضمن العدل والإنصاف لمن يلحق به الظلم، وتنشيط مراكز التنمية الاجتماعية بالدولة.

ويشدد الشيخ منصور بن عبد الله آل العتيق مأذون الأنكحة وإمام وخطيب جامع «والدة الأمير طلال بن سعود» بالرياض، على أن «العلاقة الزوجية تعتبر دعامة الأسرة المستقرة التي تعتمد على المشاعر والعواطف والأحاسيس لانطلاق أسرة ناجحة بين الزوجين، ولكن للأسف الشديد نرى خلاف ذلك؛ حيث أصبح الطلاق في هذه الآونة الأخيرة كثيرا، وهذا أمر مؤلم لتفكك الحياة الأسرية والزوجية التي قال الله تعالى عنها: (هن لباس لكم وأنتم لباس لهن). ولا ريب أن الطلاق مبغوض عند الله عز وجل.. لعلك إن كرهت منها جانبا أن ترضى منها جانب آخر». وذكر آل العتيق أن للطلاق أسبابا كثيرة؛ ورأى أن أهمها يتمثل في:

- عدم اهتمام المرأة ببيتها وأطفالها وزوجها؛ فالمرأة ملكة بيتها. ويجب عدم اعتمادها على المربية في شؤون الأسرة وكأن هذه الخادمة هي ربة البيت بدلا منها. عن عبد الله بن عمر قال: «سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: كُلُّكُمْ رَاعٍ وَكُلُّكُمْ مسؤول عَنْ رَعِيَّتِهِ.. إلى أن قال: وَالْمَرْأَةُ رَاعِيَةٌ فِي بَيْتِ زَوْجِهَا وَمسؤولةٌ عَنْ رَعِيَّتِهَا».

- غياب الزوج عن بيته كثيرا دون مبالاة.. يخرج مبكرا ولا يرجع إلى بيته إلا متأخرا في منتصف الليل أو أكثر، مما يتسبب في الشقاق والنزاع بين الزوجين لحاجة أهله إليه.. «عن الأَسْوَدِ بن يَزيدَ، قَالَ: سُئِلَتْ عائشةُ رضي الله عنها مَا كَانَ النَّبي - صلى الله عليه وسلم - يَصْنَعُ فِي بَيْتِهِ؟ قالت: كَانَ يَكُون في مِهْنَةِ أهْلِهِ - يعني: خِدمَة أهلِه - فإذا حَضَرَتِ الصَّلاَةُ، خَرَجَ إِلَى الصَّلاَةِ». رواه البخاري.

- قلة التفاهم بين الأزواج بحيث يتكلم الاثنان معا ولا يسمع أحدهما ما يقوله الآخر، خاصة المرأة يجب أن يتغلب سماعها من زوجها أكثر لقوله صلى الله عليه وسلم خير متاع الدنيا المرأة الصالحة إن نظر إليها سرته وإن أمرها أطاعته وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله.

- الحسن والمنظر له دور فعال بين الزوجين؛ فالمرأة عندما تتحسن لزوجها بالطيب والمنظر الحسن يكون هذا أقوى للترابط بين الزوجين، وكذلك كما يريد الزوج من زوجته، فالزوجة تريد من زوجها ذلك الحسن والمنظر في اللباس والزينة والطيب.

من جانبه، علق الشيخ أحمد بن عبد الكريم الخضير الداعية بمركز الدعوة والإرشاد بالرياض، على ظاهرة الطلاق بقوله: «لقد شرع الله عز وجل الطلاق حلا لبعض الحالات التي لا يمكن معها العيش بين الزوج والزوجة بوفاق ومودة وحب وألفة، حيث إن الأمر في بعض الأحايين يصبح متأزما فلا تنفع معه الحلول الوقتية ولا الشروط الموثقة.. هنا جعل الله سبحانه وتعالى الطلاق سبيلا ومخرجا يتنفس من خلاله الزوجان حيث يغني الله كلا من سعته، وهذا من رحمة الله عز وجل بهذه الأمة..

وقد جعل الله سبحانه خطا للرجعة لمن وقع منه الطلاق استعجالا أو ظنا منه أنه المخرج الوحيد، وبدت بوادر صلح وكانت هناك محبة ومودة: (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان). وقد جعله الله سبحانه مرتين فقط، لأنه كانت في الجاهلية تطلق المرأة ثم ترد إلى زوجها في العدة ولو بلغت مائة طلقة، فتضرر بهذا كثير من النساء، فلما جاء الإسلام حددها بطلقتين اثنتين يجوز فيهما المراجعة، ثم تحرم المرأة على الزوج حتى تنكح زوجا غيره.

إلا أن بعض الرجال يأبى إلا الإضرار بالزوجة فيطلقها حتى إذا قاربت العدة على الانتهاء أعادها ثم فعلها بالثانية حتى يطيل المدة عليها وهذا من المكايدة والإذلال والأذية والتلاعب بالعواطف التي لا يلجأ إليها إلا من ضعف عن مقارعة الرجال فأظهر قوته وحيله على النساء، ولهذا نهى الله عز وجل عن ذلك: (وإذا طلقتم النساء فبلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو سرحوهن بمعروف ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه). وهذا النهي لمن أضر بالمرأة في عدتها فكيف بمن يعلقها فلا يطلقها ولا تعيش معه عيش الكرماء؛ فيعلقها سنوات عدة ويقضي على سعادتها وشبابها، فليتق الله من يفعل ذلك من دعوة مظلوم توافق بابا مفتوحا».