جدة تطلق «رصاصة الرحمة» على تكدسات مطارها بتحويل 90% من المعتمرين لصالة الحجاج

الصالة الشمالية للمطار ستتحول إلى موقع للطيران الاقتصادي.. والجنوبية ستكون قرية عالمية للشحن بانتهاء 2014

نموذج تخيلي لمبنى الصالات في مطار الملك عبد العزيز الدولي بمدينة جدة، ويتوقع أن تزيد تكلفة مشروع المطار كاملا عن 27 مليار ريال. (الشرق الأوسط)
TT

أطلقت مدينة جدة السعودية، ما يمكن تسميته «رصاصة الرحمة» على تكدسات مطار الملك عبد العزيز الدولي، على أثر تحويل 90 في المائة من المعتمرين إلى صالة الحجاج، بينما تم البدء بمشروع يسعى لتحويل الصالة الشمالية للمطار لموقع اقتصادي، وتحويل الصالة الجنوبية إلى قرية عالمية للشحن بنهاية العام 2014.

وكشفت لـ«الشرق الأوسط» مصادر مطلعة في الهيئة العامة للطيران المدني عن توجه الهيئة لتحويل الصالة الشمالية الحالية لمطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة إلى موقع للطيران الاقتصادي، إلى جانب الاستفادة من الصالة الجنوبية في إنشاء قرية عالمية للشحن، وذلك عقب تحويل حركة الطيران إلى المطار الجديد بانتهاء عام 2014، وهي المدة المحددة لإنهاء المرحلة الأولى من مشروع مطار الملك عبد العزيز الدولي الجديد.

ومع دخول موسم الإجازة الصيفية، بدأت مخاوف الكثيرين من تكرر مشاهد التكدسات في صالات مطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة، غير أن المهندس محمد عابد مدير عام المطار، أكد خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن نقل رحلات العمرة من الصالتين الشمالية والجنوبية إلى صالة الحجاج يعد المحور الرئيسي لعدم حدوث مثل تلك الحالات.

وقال في اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط»: «إن تخفيف الضغط على الصالتين وجدولة الرحلات بحيث يكون هناك وقت كاف في ما بينها، إلى جانب توفير مساحات أكبر للركاب، كل ذلك من شأنه أن يساعد في عدم حدوث أي تكدسات في المطار».

وكان مدير عام مطار الملك عبد العزيز الدولي في جدة قد قام بجولة تفقدية الثلاثاء الماضي للصالتين الجنوبية والشمالية من أجل مناقشة العمل القائم على تحسين مستوى التشغيل ضمن مشروع تطوير مطار الملك عبد العزيز الدولي في مرحلته الأولى.

وأبان آنذاك خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»، أن ربط المشروع القديم بالجديد واجه صعوبات وصفها بـ«غير الواضحة» والتي تتمثل في قطع كابلات أو كسر أنبوبة أثناء عمليات الحفر، خصوصا أن مساحة المطار تصل إلى 105 كيلومترات مربعة، في حين تبلغ مساحة العمل 5 ملايين متر مربع.

ولكنه استدرك قائلا: «لم تكن هناك صعوبات كبيرة في عملية الربط بين المشروعين، ولا سيما أن الموقع الجديد للمطار يختلف تماما عن القديم ويعد خارج الموقع الحالي بما في ذلك الطرق المؤدية إليه»، مبينا أن ميزانية تحسين تشغيل الصالتين الجنوبية والشمالية تندرج ضمن عقود الصيانة القائمة ولم تكلف الدولة شيئا، إلا أنه لم يفصح عن حجمها.

ومن أبرز نقاط تحسين مستوى التشغيل في الصالة الشمالية تحويل مغادرة وقدوم ما يقارب 90 في المائة من الركاب المعتمرين والقادمين على الرحلات المنتظمة إلى صالات الحج والعمرة على مراحل تدريجية، وتوفير مساحة لصالح خدمة الركاب وانسيابية حركتهم، والتي تم تقديرها بنحو 125 مترا مربعا، ليصبح إجمالي المساحات المتوافرة في الصالتين الشمالية والجنوبية ما يقارب 420 مترا مربعا.

وذكر المهندس محمد عابد أن تلك المساحات كانت تعود على إدارة المطار بعوائد مادية عن طريق استثمارها، وذلك بهدف توسيع مساحات للركاب وتحسين صورة المطار، مشيرا إلى أن تلك العوائد التي لم يصرح بقيمتها قد يتم تعويضها في ما بعد من خلال رفع الأسعار ضمن مساحات أصغر، فضلا عن أن تحسين الوضع العام سيكون جاذبا للاستثمار في المنطقة.

كما تمت إزالة أكثر من 15 مكتبا عشوائيا من منطقة الميزانين في الصالة الشمالية، التي كانت مستغلة من قبل بعض الشركات كمستودعات لها، أو من الموظفين في تخصيص مكاتب مستقلة لكل واحد منهم، إضافة إلى إنشاء 6 مكاتب خارج حركة الركاب ضمن صالة القدوم الدولي.

وفي هذا الشأن، علق مدير عام مطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة قائلا: «تم وضع الموظفين في مكاتب مشتركة بحيث يحوي كل مكتب موظفين أو ثلاثة، وذلك من أجل تنظيم المكاتب في المنطقة واستغلال المساحات في توسيع ساحات المطار»، لافتا إلى أن عدد الشركات التي تم تشغيلها في المطار بلغ ما يقارب 60 شركة.

مشروع مطار الملك عبد العزيز الدولي الجديد في جدة، الذي من المتوقع أن تتجاوز تكلفته 27 مليار ريال، كان قد وضع حجر الأساس له الأمير سلطان بن عبد العزيز، ولي العهد ونائب رئيس مجلس الوزراء ووزير الدفاع والطيران والمفتش العام، وذلك في منتصف شهر يناير (كانون الثاني) الماضي.

وبحسب القائمين على المشروع، فإن مطار الملك عبد العزيز الدولي الجديد سيصبح محورا عالميا نموذجيا، بحيث يعزز النهضة الاقتصادية للسعودية بشكل عام ومدينة جدة على وجه الخصوص، ودعم قدراتها كبوابة رئيسية للمنطقة، وذلك من خلال توفير كافة المرافق والخدمات بأعلى معايير الجودة العالمية لجميع العملاء من المسافرين والمستأجرين ومشغلي الخطوط الجوية، بمستويات من الاحترافية والكفاءة العالية، وأساليب مجدية ماليا وملتزمة بيئيا.

ومن المؤمل أن يصبح مطار عبد العزيز الدولي الجديد مركزا اقتصاديا متطورا ومعلما حضاريا بارزا للمنطقة، كونه يتكامل مع خطط التنمية للسعودية، إضافة إلى تحقيق طموح الهيئة العامة للطيران المدني في تعزيز مكانة مدينة جدة كمحور عالمي.

مطار الملك عبد العزيز الدولي الحالي بجدة يحتل الأولوية في مقدمة عملية التحول من القطاع العام إلى الخصخصة في المرحلة الجديدة بالسعودية، والذي تم افتتاحه عام 1981 م على أرض تبلغ مساحتها 105 كيلومترات مربعة، ويضم مجموعة من المنشآت الموجودة حاليا تتمثل في 3 مدارج متوازية، وصالتين رئيسيتين للركاب، وصالة الحجاج، والصالة الملكية، وأخرى للطيران الخاص، ومثلها للشحن الجوي، إلى جانب قاعدة الخدمات (اللوجيستية) العسكرية، ومرافق الدعم والبنية التحتية الضرورية.

وبحسب إحصاءات الهيئة العامة للطيران المدني، فقد أكدت وجود تنام «مطرد» في حركة الطيران الجوي بجدة خلال السنوات العشر الأخيرة، حيث بلغ عدد الركاب الذين يمرون عبر مطار الملك عبد العزيز الدولي نحو 18 مليون راكب سنويا.

وأشارت الهيئة العامة للطيران المدني إلى أن البنية التحتية القديمة للمطار تأثرت كثيرا نتيجة تزايد أعداد الركاب، وتضاعف العمليات عبر المطار، مما يؤدي أحيانا إلى حدوث حالات ازدحام شديد، وتدني مستوى الخدمات إلى ما دون رضاء العملاء، الأمر الذي حتم عليها تنفيذ مشروع تحسينات كبرى في كافة المجالات.

ويشمل التطوير الذي تم الانتهاء منه توسعة وتطوير الصالتين الشمالية والجنوبية لزيادة مساحتيهما وتحسين الأجهزة فيهما ورفع مستوى خدمة العملاء، والتأسيس لتنفيذ عقد «البناء والتشغيل والنقل» في مدينة الحجاج، الذي يغطي مختلف أعمال التجديد والتطوير الرئيسية للمرافق، وإنشاء مصنع جديد لتحلية المياه، ومركز جديد للسيطرة والتحكم بمنطقة خدمات الملاحية الجوية، فضلا عن تطوير الساحات والمرافق الخارجية للإقلاع والهبوط، من خلال توسعة وإعادة بناء المدارج والممرات، وتجديد إضاءة أرض المطار، وتحسين وتطوير أنظمة الهبوط.

المخطط العام للمشروع، تم تصميمه على أن يتم تنفيذ التطوير وفق ثلاث مراحل حتى عام 2035م، حيث تصل الطاقة الاستيعابية الكاملة للمطار الجديد إلى القدرة على خدمة ما بين 70 و80 مليون مسافر سنويا، وذلك باستخدام المدارج الثلاثة الموجودة حاليا، وهو ما من شأنه أن يحقق مطارا جديدا ضمن حدود المطار الحالي.

ومن المتوقع أن تصبح صالة مطار الملك عبد العزيز الدولي الجديد قادرة، على خدمة 30 مليون مسافر سنويا مع إمكانية استخدامها لكل من الرحلات الداخلية والدولية، فضلا عن احتواء المطار على مركز للمواصلات، ومحطة قطار حديثة لقطار الحرمين السريع الذي يتم بناؤه الآن بحيث يربط المطار بكل من مكة المكرمة والمدينة المنورة.

وتشمل المرحلة الأولى من المشروع برنامجا متكاملا لدعم وتحسين البنية التحتية، والمتضمنة برجا جديدا للتحكم بحركة وأنظمة وأجهزة الطيران، وشبكة جديدة من الطرقات داخل أرض المطار وخارجه، إلى جانب شبكة حديثة للخدمات والمرافق العامة، ومباني الدعم المساندة الأخرى. كما تضم المرحلة الأولى من أعمال التطوير أيضا إتاحة الفرص الجديدة لاستثمارات القطاع الخاص من خلال إنشاء قرية الشحن ومدينة المطار، غير أن المطار الحالي سيستمر في هذه المرحلة بتقديم خدماته في كل الأوقات أثناء عمليات التطوير والبناء.

مصدر مسؤول في الهيئة العامة للطيران المدني، أفاد خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط» بأنه سيتم تنفيذ برنامج جاهزية تشغيل مطار الملك عبد العزيز الدولي الجديد وفق خطة مبرمجة، بحيث يتم نقل جميع الخطوط الجوية من الصالتين الحاليتين إلى المنشآت الجديدة بطريقة وصفها بـ«السهلة والسلسة».

وأضاف المصدر المسؤول الذي فضل عدم ذكر اسمه: «ستعزز هذه المرحلة فرص مشاركة القطاع الخاص في المشروع، وذلك من خلال الاستفادة من الطابع الحيوي للمشروع، وما يتيحه من التنوع والجودة للنشاطات التجارية المختلفة عبر أعمال تطوير المطار الجديد»، لافتا إلى أن ذلك من شأنه أن يساهم في إحداث فرص عمل جديدة.

وتتمثل عناصر مشروع مطار الملك عبد العزيز الدولي الجديد الرئيسية في مجمع صالات المسافرين على أرض تبلغ مساحتها نحو 670 ألف متر مربع، إضافة إلى تجهيزها بنحو 46 بوابة لصعود الطائرات تتصل بما يقارب 96 جسرا للوصول إلى الطائرات بما فيها ذات الطابقين من طراز «إيرباص - A380».

كما تحوي عناصر المشروع صالات انتظار وفندقا تابعا للمطار ومنطقة للأسواق التجارية الحديثة، ونظام نقل الركاب الآلي الذي يصل بين مركزي استقبال الركاب والرحلات الدولية، وذلك لتسهيل تنقل المسافرين آليا، فضلا عن مركز حديث للمواصلات، يضم أحدث وسائل النقل المتنوعة بما فيها محطة قطار متكاملة، وذلك لانتقال الركاب وسفرهم بمنتهى اليسر. وعلى امتداد يزيد على 60 كيلومترا من سيور النقل المتحركة، جاء نظام متطور لتحميل ومناولة أمتعة المسافرين، فضلا عن نظام تقني للتحكم في حركة المرور الجوي، مع برج المراقبة الملاحي بتصميمه الفني، الذي يتجاوز ارتفاعه 130 مترا.

شبكات واسعة من الطرق والأنفاق ومدارج الطائرات تندرج أيضا ضمن عناصر مشروع مطار الملك عبد العزيز الدولي الجديد الرئيسية، فضلا عن مرافق ومنشآت متنوعة للدعم والمساندة، ومحطة خاصة لخزانات الوقود وشبكة إمداد له، فضلا عن مشتل مركزي خاص للعناية بالنباتات وخدمة حدائق المطار الداخلية وما حوله. وتسعى الهيئة العامة للطيران المدني إلى جذب القطاع الخاص لاغتنام الفرص المتاحة في مجال الخدمات والصناعات المساندة، التي من أهمها مرافق الشحن المتعددة والنمو المرحلي لمدينة مطار الملك عبد العزيز الدولي بجدة.

وفي هذا الشأن، أكدت مجموعة من الجهات الرسمية المشاركة في المشروع التي من ضمنها الهيئة العربية السعودية العامة للاستثمار وأمانة محافظة جدة والغرفة التجارية الصناعية بجدة، فضلا عن المستثمرين من القطاع الخاص - أهمية هذه الفرصة الفريدة من نوعها لإنشاء ضاحية حديثة في شمال جدة والمتضمنة مدينة المطار حول مطار الملك عبد العزيز الدولي الجديد.

وأرجعت سبب تلك التأكيدات إلى ما يتمتع به المطار الجديد من بنية تحتية وصفتها بـ«عالية الجودة»، إضافة إلى البيئة الجذابة، مبينة أن الدراسات تشير إلى إمكانية استقطاب شرائح متنوعة من السكان، فضلا عن نشوء فرص جديدة من الأعمال والأنشطة التجارية المتنوعة التي ستخدم وتجتذب رواد ضاحية المطار، مما تحقق رافدا لحركة النمو الاقتصادي في المنطقة، وتعزز من مكانة المطار.