متعافون من إدمان المخدرات يتحولون إلى أرقام مهمة في «معادلة الحياة»

أحدهم تحول من عامل نظافة إلى «واعظ».. وآخر من عاطل إلى مسؤول في شركة وطنية كبرى

تبذل السعودية جهودا كبيرة لصالح علاج متعاطي المخدرات من الإدمان («الشرق الأوسط»)
TT

يعتبره البعض مرضا، ويراه آخرون سلوكا انحرافيا، والثابت أنه في كلتا الحالتين وصمة عار لا يغفرها المجتمع بسهولة، وكبوة من الصعب أن يتجاوزها ضحيتها، 3 قصص بنهايات مختلفة يسردها مدمنو مخدرات سابقون متعافون في يومهم العالمي، حيث استطاعوا أن يتجاوزوا الكبوة والوصمة بكثير من العمل الشاق والجهد وتحمل المسؤولية لمحو آثار المعاناة والألم الذي تسببوا فيه لمن حولهم.

«أنا لست إنسانا مجرما أو سيئا، فأنا شخص أعاني من مرض (الإدمان)، وهو ما لم أكن أعلمه حتى من قبل أن أتعاطى المخدرات»، هكذا بدأ أبو سعد حديثه لـ«الشرق الأوسط»، وقال: «كنت أدمن على أي أمر أقوم بتجربته منذ صغري، بدأ ذلك بإدماني على نوع معين من الحلويات التي كنت آكلها، انتهاء ببعض الممارسات الخاطئة التي يقوم بها الشباب، وبعدما كبرت وأدمنت وتعافيت عرفت أن ما كنت أقوم به لم يكن إلا بسبب مرضي بالإدمان».

فاليوم أبو سعد لا يلوم أي أحد في إدمانه، فهو فقط مسؤول عن نفسه وعن تصرفاته، ويؤكد أنه ليس مسؤولا عن أي أخطاء في الماضي، لأنه تعلم منه دروسا، فهمه الشاغل هو ماذا وكيف سيعوض الناس الذين أخطأ في حقهم وعن كل خطوة خطاها، ليكفر بذلك عن جميع ما اقترفه في حق من كانوا حوله فترة إدمانه.

ويقول: «بحثي عن القبول والحب ممن حولي، ورغبتي في أن أكون مختلفا، كانا السببين الرئيسيين في التعرف على المخدرات والوقوع في براثنها، فقبل أن أتعاطى المخدرات كنت أكذب وأقول إنني أتعاطاها حتى أجد القبول لدى أصدقائي وبعض أقاربي الذين كانوا في نفس عمري، إلا أنهم كانوا يرفضون أن أجلس معهم أو حتى أصادقهم»، فأول مرة جربت المخدرات كان من باب حب الاستطلاع واستكشاف ذلك الشعور، إلا أن الأمور تطورت لتصبح علاقتي بالمخدرات علاقة اعتمادية من الدرجة الأولى».

ومن مدمن متعاف كان يعيش في المجتمع عالة عليهم إلى موظف مرموق، ورب أسرة يحظى باحترام من حوله، إلى طالب دراسات عليا في مجال الدعوة والنظم الإسلامية في جامعة الإمام سعود، حتى يستطيع من خلال تخصصه أن يخدم المجتمع ويساعد إخوانه المدمنين بنقل الرسالة إليهم بطريقة تجد القبول، كما أن هذا التخصص كان حلمه قبل الإدمان، وهو أن يصبح داعية إسلاميا في بداية حياته، إلا أن إدمانه حال بينه وبين إكمال دراسته.

ويقول أبو سعد: «اليوم رجعت علاقتي الاجتماعية ممتازة، والأهم أنه أصبح لا يفوتني أي فرض»، مؤكدا أن الإدمان نهايته 3 أمور لا رابع لها: إما السجن، أو المصحات، أو الموت، والسؤال الذي يطرحه: «كيف سأقابل ربي وماذا قدمت».

وهذه قصة أخرى لمدمن كان ضحية التعنت الأسري التقليدي، وانعدام الحوار، فقد نشأ خالد في أسرة محافظة جدا وكان الأكبر بين الأبناء والثاني على مستوى الإخوة جميعا، وكان والده شديدا وقوي الشخصية عليهم جميعا وكان دائما يريد أن يسير حياتهم كما يريد وكيفما يراها هو بحكم أنه الأب ومن وجهة نظره أنه الأعلم بما هو أفضل لهم.

ويتابع: «على الرغم من ذلك، وفي مرحلة الصغر كنت متميزا في دراستي، ولكن وبعد وصولي إلى المرحلة المتوسطة وبلوغي سن المراهقة بدأ مستواي الدراسي يقل كثيرا، وذلك بسب تطلعي وانشغالي بموضوع التحرر من قيد والدي الذي لا يزال يمارس أنواع الضغوط علي، ومع تلك القيود بدأت أحاول الانعزال عن أصدقائي، ولكن الهاجس الأكبر هو كيفية التحرر من تلك القيود».

وقال: «جاء الفرج والحمد لله وحصلت على وظيفة جيدة ومن أهم ما كان يميز تلك الوظيفة كونها في منطقة نائية أستطيع الغياب فيها عن المنزل لمدة أسبوعين وأحصل على أسبوع راحة، وهنا بدأت مرحلة جديدة حين أحسست بالحرية وبدأت بالتدخين».

ولم يتوقف عند ذلك الحد، بل واصل تجربة «الحرية» و«الانتقام»، على حد وصفه، بأشكال كثيرة منها السفر إلى الخارج، ومن ثم تعاطي جميع أنواع المخدرات، وبخاصة الهيروين، حيث جرفته المخدرات إلى أبعد الحدود، فبعد سنوات طويلة من التعاطي وجد نفسه متورطا ويبحث عن حلول للخروج من براثن المخدرات، لكن دون جدوى، فدخل كثيرا من المستشفيات واستعان بكثير من الناس وكان ينتهي به المطاف باستغلال جميع أنواع المساعدة المقدمة له، وقال: «لم أنجح في جميع محاولاتي حتى سمعت شخصا يقول لي في عام 1993 عندما كنت في مصح لعلاج الإدمان: أنا لا أستطيع، ولكن نحن نستطيع»، ويقول: «أنا لست بسيئ ولكنني مريض»، و«لست بمسؤول عن مرضي، ولكني مسؤول عن التعافي»، واستطاع أن يكسر قيود الإدمان، وأصبح له زوجة صالحة وطفلة جميلة، وصار يشار إليه بالبنان في عمله، ليتحول من مدمن سابق إلى شخص سليم صحيح يساعد كل مدمن لا يزال يعاني.