«قوات الأمن الخاصة».. 50 عاما من فنون القتال للتصدي لوجه الإرهاب الأسود

الأمير محمد بن نايف شهد تمارين عسكرية ألهبت السماء والأرض

الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز يستمع لشرح أحد التطبيقات الحية وعلى يساره اللواء ركن محمد العماني («الشرق الأوسط»)
TT

اعتاد وادي «أبو الهشم» بالحيسية، شمال غربي العاصمة السعودية الرياض، أن يكون شاهدا على ما توصلت إليه قوات الأمن الخاصة السعودية، من استعداد عسكري وأمني، حيال أي مخاطر تواجه أمن البلاد واستقرارها؛ حيث شهد هذا الوادي عروضا وتمارين عسكرية، أول من أمس الأحد، كشفت كيف تتصدى هذه القوات للأيادي العابثة، وتباغتها بأساليب أمنية وعسكرية حديثة من على الأرض، ومن الجو عبر الطائرات العمودية المسلحة.

الاحتفال الذي شهده الأمير محمد بن نايف بن عبد العزيز، مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية، بمناسبة مرور 50 عاما على إنشاء قوات الأمن الخاصة، والتمرين المشترك لوحدات القوات، والحفل الختامي للدورات المنعقدة بمعهد قوات الأمن الخاصة لهذا العام، 1432هـ، كانا بمثابة كرنفال زف خلاصة الـ50 عاما، والـ50 دورة التي أقيمت خلال العام الحالي، لتبرهن للجميع قدرة هذا الجهاز العسكري، الذي لطالما تصدى للهجمات الإرهابية وردعها في الميادين.

مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية كان قد دشن فعاليات العروض العسكرية عصر السبت؛ حيث استقبله اللواء ركن محمد العماني قائد قوات الأمن الخاصة، وعدد من المسؤولين العسكريين، لينتقل إلى أول مواقع العروض العسكرية في وادي الهشم بالحيسية، وهو موقع تطبيقات دورة الطلبة الـ38 بمعهد القوات؛ حيث استقبلوه بتطبيقات حية لعدد من المهارات الأمنية، منها الدفاع عن النفس باستخدام السلاح والمسكات القتالية والقتال الفردي، والقتال بالأيدي واستعراض القوى الفردية لمهارات القوة، واستعراض دورة الكاراتيه وفنون القتال.

وشاهد الحضور فرضية كمين لأشخاص مطلوبين، إلى جانب عرض للرماية بالذخيرة الحية مع استخدام السواتر الطبيعية والصناعية، مع التقدم تحت تغطية النيران، إضافة إلى عرض النزول التكتيكي من المرتفعات الجبلية واستخدام الرماية، قبل أن تختتم عروض هذا الموقع بتطبيق حي لفرضية اقتحام إحدى الحافلات، وتخليص الرهائن الموجودين بها عبر أحدث التكتيكات العسكرية.

موقع العرض التالي احتوى على تطبيقات حية لرجال الصاعقة، الذين يتم تدريبهم على مهارات بدينة وذهنية عالية؛ حيث يقومون بتنفيذ المهام في أقصى الظروف الصعبة من نواحي نقص الإعاشة والنوم، تحت تأثير الجهد البدني العالي، والتدريب على مهارات التدريب الجبلي والدوريات والملاحة الصحراوية والتعايش الجماعي والفردي والسير لمسافات طويلة ومهارات التدريب البحري ومكافحة الإرهاب.

وقام رجال الصاعقة، من خريجي الدورة الخامسة بمعهد القوات، بشرح العمليات وشرح إحدى الفرضيات على الطاولة الرملية، وتدريبات الحواجز والموانع وطريقة عبورها، إضافة إلى مهارات التدريب الجبلي، والتكتيك العنيف مع الرماية أثناء التقدم واستخدام الموانع، وكيفية النزول وإخلاء ناقلة الجنود أثناء السير، إلى جانب أساليب التعايش الجماعي والفردي تحت الظروف الصعبة؛ حيث تكفل التدريبات الخاصة برجال الصاعقة القدرة القصوى على التعايش في مختلف الظروف الصعبة التي تشهدها السعودية؛ حيث قام أحد رجالها باقتلاع رأس أفعى بعد تثبيتها، وانتزع جلدها وقام بالتهامها، بأسرع مما يكون نزع غلاف علبة حلوى.

واطلع مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية على وحدة إزالة وإبطال المتفجرات، وشاهد عرضا لتجهيزات الوسائل وتطبيقات عملية عليها، وتطبيقا حيا للهجوم على إحدى المنشآت باستخدام الوسائل وفرق الإزالة لتطهير الموقع من المتفجرات، وكيفية اقتفاء أثر المطلوبين، والبحث تحت الأنقاض، وآلية استخدام العبوات اللاصقة في السيارات والتعامل معها، وفتح ثغرات متقنة في المباني باستخدام المتفجرات، وكيفية استخدام العبوات البلاستيكية في إبطال المتفجرات داخل المركبات.

وشاهد الرجل الذي «أرهب الإرهاب» فرضية لعملية الوحدة الخامسة بقوات الأمن الخاصة؛ حيث تنشأ الفرضية من وصول معلومات عن تسلل عدد من المطلوبين المتدربين بشكل عالٍ، المسلحين بالرشاشات وصواريخ الـ«آر بي جي» عبر الحدود إلى داخل السعودية، واتخاذهم لأحد المباني الموجودة في الجبال كمقر ينطلقون منه لتنفيذ مخططاتهم المخلة بالأمن، وبعد جمع المعلومات تم عمل الخطة المناسبة للقبض عليهم أحياء إن أمكن، أو التعامل معهم حسب ما يقتضيه الموقف، ليتم إرسال القوة المنفذة للعملية بواسطة الطائرة وإنزالهم في مكان آمن وقريب مع نشر فرق الدعم الناري والقناصة على الجبال المحيطة بالمبنى، وما إن دقت ساعة الصفر حتى تمت مهاجمة الموقع حسب ما خطط له عن طريق الفرق الأرضية وفرق الدعم الناري التي سبق نشرها على الجبال المحيطة، ثم قامت مجموعة من المظليين بعرض للإنزال المظلي الحر، قام به نخبة من منسوبي جناح المظلات بعهد قوات الأمن الخاصة.

وفي موقع آخر من الوادي، قام رجال قوات الأمن الخاصة بتطبيق فرضية جبلية؛ حيث وصلت معلومات عن وجود إرهابيين في موقع جبلي في أحد الكهوف يتخذونه موقعا للمراقبة، ويتراوح عددهم بين 2 و5 أشخاص، وتم التخطيط بالهجوم على الموقع عبر 4 محاور: اثنان خلفيان عبر الجبال الخلفية المحيطة بالموقع، ومحوران أماميان بالآليات المدرعة مدعمة بالأفراد.. وتهدف العملية إلى إعطاب موقع المراقبة والقضاء على المطلوبين؛ حيث بدأت العملية بالرماية من العربات المدرعة برشاش عيار 50 ورشاش إم جي 3، واقتربت الآليات من الموقع عبر تشكيلات قتالية، ومن ثم مداهمة الموقع وتطهيره والقبض على الأحياء.

هذه الفرضية تم تنفيذها عبر كتيبة الأمن الثالثة، عبر دورة تطويرية شارك فيها 170 فردا لمدة 6 أشهر، تخللها التدريب على القتال في المناطق المبنية والمفتوحة، وتفتيش الشوارع وتطهير المباني والتدريب على الرماية بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة بدقة وإتقان، وقد تولى تدريب الدورة نخبة من ضباط وأفراد تم اختيارهم من قوة منطقة الرياض وقوة الأمن والحماية بقوات الأمن الخاصة.

كما استعرضت قوات الأمن الخاصة قدراتها في الرماية، عبر فرق القناصة النهارية والليلية، على أهداف بعيدة ودقيقة.

من موقع لآخر في وادي الهشم، كانت قوات الأمن الخاصة تثبت للعيان مدى الجاهزية العالية التي وصلوا إليها في التصدي للمخاطر الأمنية في البلاد، وكان ما شهده موقع التمرين التعبوي المشترك لوحدات قوات الأمن الخاصة تأكيدا لذلك؛ حيث يعتبر التمرين المشترك للوحدات القتالية من الأساليب الجيدة لإعدادها للوصول إلى درجة عالية من الاستعداد والتأهب والاحترافية في الأداء لتنفيذ أي مهام توكل إليها، ورفع قدراتها القتالية.

يأتي التمرين المشترك لهذا العام، 1432هـ، للوقوف على مدى استعداد وجاهزية الوحدات المشاركة للقيام بمهامها وواجباتها المنوطة بها؛ حيث إن المشاركين بعد أن أنهوا برامجهم التدريبية التخصصية خلال الخطة التدريبية لهذا العام، انخرطوا في عمل جماعي يجسد روح الفريق الواحد، ليتحقق بذلك مفهوم تدريبي مهم هو «التدريب المشترك»، وذلك من خلال تعايش تلك الوحدات مع بعضها في جو معركة مشابه للواقع، الذي بدوره يؤدي إلى اكتساب المهارات القتالية العالية، وينمي روح التعاون والتنسيق والإسناد المتبادل بين وحدات القوات في تنفيذ العمليات المشتركة، والقدرة على القتال للتواصل بفعالية لأطول مدة ممكنة، وفيه تتجلى أهمية تطبيق مبادئ وأسس مواجهة العمليات الأمنية المختلفة وسرعة اتخاذ القرار السليم في مواجهة المواقف المتغيرة في سير العملية.

كما يتم من خلال هذا التدريب المشترك ممارسة أعمال وإجراءات القيادة وإعداد الخطط والأوامر، مما يؤدي إلى خلق روح الإبداع والانسجام وحسن التصرف لدى القادة وكافة الضباط.

وتدور فكرة التمرين بقيام الوحدات المشاركة به بالتعامل مع مجموعة من المطلوبين أمنيا، الذين هم على درجة عالية من الخطورة، ويوجدون في إحدى القرى الحدودية، ويتراوح عددهم بين 10 و15 شخصا، مسلحين برشاشات كلاشنيكوف وقاذفات آر بي جي وذخيرة من نوع الخارق ومتفجرات وعدد من القنابل والمقذوفات غير معروفة النوع، وعلى درجة عالية من التدريب على استخدام الأسلحة والقتال في المناطق المبنية والجبلية، وتتكون القرية الافتراضية التي يقطنها الإرهابيون من عدد من المباني المنتظمة في صفوف ومحاطة بسلسلة من الجبال الوعرة ذات الكهوف والمغارات ويعتليها بعض القلاع والحصون القديمة، والمنطقة، بشكل عام، تتخللها الأودية والشعاب والشجيرات المتناثرة؛ حيث إن هذه البيئة الجغرافية سالفة الذكر يفضلها الإرهابيون للاختباء والتحصن بها.

ووفقا للخطة المرسومة من قائد التمرين وأركانه، فقد تم تشكيل قوة الواجب «نايف»، المكونة من كوكبة من وحدات القوات لتنفيذ هذه المهمة والقبض على المطلوبين أحياء، إن أمكن.. وقبل ساعة الصفر بوقت كافٍ، تم نشر القناصة وعناصر الاستطلاع على المواقع المطلة، ليتم رصد تحركات الإرهابيين وتمرير المعلومات أولا بأول.

وخلال المدة التي استغرقها التمرين، دارت مواجهات طاحنة بين قوة الواجب والمطلوبين، استخدمت فيها الطائرات العمودية المسلحة للقيام بأدوار الاستطلاع المسلح للحصول على المعلومات الضرورية وتمريرها للقيادة أولا بأول طوال فترة العملية، وكذلك التعامل بالنيران مع مصادر نيران المطلوبين في داخل القرية بعد أن ترتفع الطائرة على علو مناسب، تستطيع معه أن تناور بحرية وتتعامل مع أهدافها بنجاح، وفور إنهاء الطائرات مهمتها، اندفعت قوة الواجب نحو هدفها الرئيسي بعد تخفيض حدة المقاومة في الهدف، وبدأت في الانقضاض السريع عليه وتطويقه وإحكام السيطرة وعزله، والتعامل مع مصادر المقاومة للمطلوبين، وبعد إخماد النيران بدأت فرق الاقتحام المحمولة بالطائرات والعربات المدرعة باقتحام أهدافها واحدا تلو الآخر وتطهيرها، وفي الوقت نفسه يتم التعامل مع الأهداف الأخرى، وهي عبارة عن قلاع حصينة مطلة على الهدف الرئيسي، تشكل خطرا على عمل القوة أثناء تقدمها ليتم دكها بواسطة بندقية 106 ملم.

وتستمر المواجهة في الطرف الآخر في الجهة الشمالية منها؛ حيث تنشأ مقاومة جديدة للإرهابيين من المباني القديمة المهجورة تتم السيطرة عليها واقتحامها بواسطة قوات الاحتياط، وفي هذه الأثناء تقوم طائرات بإنزال عناصر الاقتحام الجبلي على الجبال المحيطة بالهدف، لتقوم بتطهيرها بالتزامن مع القوة الأرضية المسنودة بالعربات المدرعة، للتأكد من عدم وجود بقايا لأي عناصر إرهابية أخرى في منطقة العمليات، وفي نهاية العملية قامت وحدة إبطال وإزالة المتفجرات بالمسح الفني للموقع بشكل كامل للتأكد من عدم وجود أي بقايا للذخائر والمتفجرات والتعامل مع الأجسام المفخخة، كما تم تسليم المقبوض عليهم بواسطة الشرطة العسكرية للجهات المختصة، وتم إخلاء المصابين بواسطة الخدمات الطبية للمركز الطبي الميداني بمنطقة العملية.

وبهذا التمرين جسَّد رجال قوات الأمن الخاصة وأثبتوا للحضور قدرتهم على خوض هذه المواجهات التي تحاكي الواقع والحقيقة، عندما أبلوا بلاء حسنا ظهرت فيه مهارات عالية، اكتسبوها من خلال التدريب والتأهيل، الذي يعتبر التحدي الحقيقي لرجال الأمن في مواجهة التحديات على أرض الواقع، مما يدل على نجاح القوات في إعداد رجالها نظريا وعمليا.

وبعد التمرين، انتقل الأمير محمد بن نايف إلى موقع تطبيق فرضية ليلية تتمحور حول معلومات عن وجود شخص مطلوب ذي أهمية عالية، في موقع بالقرب من القرية وتوجد لديه حراسة على مدار الساعة، ويتم التعامل مع الموقف باستخدام طيران الأمن لنقل الأفراد والإسناد الناري لأقرب نقطة يمكن الوصول إليها، ليتم اقتحام الموقع والقبض على المطلوب.

ومن الموقع نفسه شاهد مساعد وزير الداخلية للشؤون الأمنية التمرين التعبوي الليلي لدورة المدرعات التأسيسية الثانية؛ حيث تنعقد هذه الدورة سنويا في كتيبة الأمن المدرعة، ومدتها 22 أسبوعا، تلقى خلالها 35 متدربا مختلف الفنون العسكرية التي تمكنه من استخدام العربة المدرعة بثقة ومعرفة، بالإضافة إلى الكثير من التدريبات التي يحتاجها رجل قوات الأمن الخاصة.

وأظهر هذا التمرين الليلي قدرة العربات على التحرك باستخدام التشكيلات التعبوية الخاصة بالعربات المدرعة تحت جنح الظلام باستخدام الأنوار التكتيكية حتى الوصول إلى الهدف، لتحقيق عنصر المفاجأة، ومحاصرة الهدف وإغلاق منافذ الهروب؛ حيث تم إخماد مقاومة المطلوبين بالرماية من أسلحة العربات المختلفة وإصابة الأهداف بكل دقة، مع إغلاق الطريق أمام سيارة المطلوبين بإعطابها وإجبارها على التوقف، والقبض على المطلوبين ومن ثم تقدم فريق الاقتحام للهدف بواسطة عربة ناقلة الجنود المدرعة إلى أقرب نقطة ممكنة من الهدف، وإنزال الجنود بطريقة تكتيكية لاقتحام الهدف وتطهيره وبعد الانتهاء من التطهير تقدم فريق الإزالة لإبطال المتفجرات الموجودة بحوزة المطلوبين وتسليمهم للشرطة العسكرية.

وأكد اللواء ركن محمد العماني، قائد قوات الأمن الخاصة، في ختام هذا الكرنفال العسكري، أن حكمة رجال الدولة أدت إلى إفشال مخططات الشر والظلام التي سعت إلى تفكيك تلاحم القيادة والشعب، وجدد قائد قوات الأمن الخاصة ولاء منسوبي القوات وبيعتهم لخادم الحرمين الشريفين بمناسبة الذكرى السادسة للبيعة، مؤكدا أنهم نذروا أنفسهم لأن يكونوا سدا منيعا لحماية هذا الوطن من عبث العابثين، وأن يبذلوا أرواحهم في سبيل أمن الوطن والمواطنين والمقيمين على حد سواء.

جدير بالذكر أن عدد الدورات التي عُقدت في قوات الأمن الخاصة لهذا العام، 1432هـ، بلغت 50 دورة، استفاد منها 3578 ضابطا وفردا، في حين بلغ عدد المستفيدين من منسوبي القطاعات الأمنية الأخرى 335 ضابطا وفردا.