دارة الملك عبد العزيز تتجه إلى «رقمنة» مصادرها وتحفيز البحث العلمي المنهجي

أقدم مؤسسة سعودية تهتم بالتاريخ والتراث تطوي 40 عاما من عمرها

الملك عبد الله بن عبد العزيز يطلع على تقرير عن الدارة قدمه الأمير سلمان («الشرق الأوسط»)
TT

تحتفي دارة الملك عبد العزيز التي تعد أقدم مؤسسة سعودية تهتم بالمصادر التاريخية غدا (الأربعاء) بمرور 40 عاما على إنشائها وسط توجه إلى رقمنة مصادرها التاريخية وتحفيز البحث العلمي المنهجي، بعد تحقيقها سلسلة من النجاحات، والحضور اللافت في خدمة تاريخ وجغرافية وآداب وتراث السعودية والعالمين العربي والإسلامي، وتسجيلها إنجازات في مجال النشر تجاوزت 4 ملايين وثيقة، و3 آلاف مخطوط محلي، و5 آلاف تسجيل شفهي، وفي عدد الاتفاقيات العلمية مع المراكز البحثية المماثلة، وعدد العضوية مع الجمعيات العربية والعالمية ذات الاهتمام، ونسبة القرارات المنفذة، في وقت قياسي وبنوعية تحقق أقصى المعايير العلمية، مما جعلها محل ثقة الأوساط العلمية في داخل السعودية وخارجها.

وفتحت السعودية في عام 1972 نافذة من نوافذ خدمة تاريخها وجغرافيتها وآدابها وآثارها الفكرية والعمرانية، وتاريخ البلاد العربية والإسلامية من خلال إنشاء دارة علمية مستقلة أطلق اسم الملك عبد العزيز عليها، وفاء بحق المؤسس على أمته وشعبه وتقديرا لإنجازه في توحيد وتأسيس السعودية، وبهدف توثيق سيرة الملك عبد العزيز التي تعد في مقدمة اهتمامات الدارة وعلى رأس أولوياتها.

وكلمة «الدارة» عربية صحيحة الاستعمال، من معانيها اللغوية أنها «كل أرض واسعة بين جبال»، وأيضا «ما أحاط بالشيء كالدائرة»، وهي تجمع على «دارات»، ودارات العرب معروفة قديما، فقد تغنوا بها شعرا، وأفاضوا في وصفها بأجمل الأوصاف، لكونها أراضي سهلة تنبت الطيب من الأزهار، والنافع من الأشجار، واليافع من الثمار.

واعتبر الأمير سلمان بن عبد العزيز رئيس مجلس إدارة الدارة، أن تأسيس الدارة جاء لتكون مؤسسة علمية وثقافية تعنى بخدمة تاريخ المملكة العربية السعودية وفاء بحق المؤسس الملك عبد العزيز، وتقديرا لإنجازه التاريخي في توحيد هذه البلاد وبناء دولة حديثة أصبحت واحة للاستقرار والأمن والتنمية، مضيفا: «ومنذ إنشاء الدارة عام 1392هـ - 1972م، سعت وبدعم من القيادة السعودية إلى تبني العديد من البرامج والأنشطة التي تستهدف جمع المصادر التاريخية الوطنية وحفظها ورعايتها، وتقديم الخدمات العلمية المتخصصة للمهتمين والباحثين والباحثات داخل المملكة العربية السعودية وخارجها، وذلك انطلاقا من قناعتنا بأهمية اتصال التاريخ، وتواصل الأجيال، بما يتيح للأجيال الناشئة الاطلاع على تاريخ بلادهم، وكفاح آبائهم، استنهاضا لعزائم هذه الأجيال لتواصل أمانة المسيرة على هدى وبصيرة، فالأمة التي تجهل تاريخها وتراثها ورموزها، وتنفصل عن جذورها لن يكون لها حاضر ولا مستقبل مزدهر».

وأكد الأمير سلمان على أن النجاح الذي حققته الدارة في السنوات الماضية، وكذا تواصل رسالتها ما كان له أن يتم دون توفيق الله عز وجل أولا، ثم رعاية واهتمام القيادة السعودية، وكذلك تفاعل وتعاون الأمراء والمواطنين والمؤسسات العلمية المحلية والدولية وأساتذة الجامعات والباحثين والباحثات مع أهدافها، هذا التفاعل الذي نتطلع بمشيئة الله إلى استمراره وتعزيزه في المرحلة المقبلة.

من جانبه، كرر الدكتور فهد بن عبد الله السماري الأمين العام لدارة الملك عبد العزيز، دعوته إلى جميع الباحثين والباحثات وإلى كل المشاريع العلمية الفردية المحدودة ذات العلاقة للتعاون مع الدارة والتضافر مع جهودها في المرحلة الجديدة المقبلة للوصول إلى عمل مؤسساتي منظم يمنع الازدواجية ويزاوج بين الجهود المتماثلة المشتتة بين مؤسساتها البحثية في مناطق السعودية، وجاء تصريح الأمين العام لدارة الملك عبد العزيز بمناسبة مرور 40 عاما على إنشاء الدارة حيث يوافق الأربعاء 5 من شهر شعبان، 6 من يوليو (تموز) الحالي، مضيفا بهذه المناسبة: «إذ أهنئ الجميع بهذه المناسبة التاريخية في عمر دارة الملك عبد العزيز، فإنه من الواجب علينا في الدارة أن نرفع الشكر والعرفان المقرون بالولاء والتقدير إلى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، على ما يلقاه التاريخ الوطني بصفة عامة من عناية كبيرة لاستجلاء مزيد من القيم السامية في تأسيس المملكة العربية السعودية القائم على مبادئ الشريعة الإسلامية السمحة والممزوج بالأخذ بمظاهر الدولة الحديثة ومواصفاتها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، وعلى ما تلقاه دارة الملك عبد العزيز من مقامه الكريم من دعم متواصل لتأخذ بأهدافها، سواء ضمن المشهد الثقافي أو ضمن سياقها الخاص بالمحافظة على مصادر تاريخ المملكة العربية السعودية وتراثها ومآثرها العلمية منذ إنشائها قبل ما يقارب ثلاثة قرون، كما نرفع الشكر والتقدير إلى الأمير سلطان بن عبد العزيز ولي العهد نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والطيران والمفتش العام السعودي الذي قدم ويقدم الدعم المادي والمعنوي لمساندة الدارة في مهمتها الوطنية والتاريخية والعلمية، والشكر والتقدير إلى الأمير نايف بن عبد العزيز النائب الثاني وزير الداخلية السعودي على دعمه المستمر لمسيرة الدارة للوصول باستراتيجيتها إلى التحقق على أرض الواقع».

ورفع الدكتور فهد السماري العرفان والتقدير إلى أمير الإنجاز وأمير التاريخ والمؤرخين الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض رئيس مجلس إدارة دارة الملك عبد العزيز، على الدعم الحثيث والمتابعة الدائمة والتوجيه المتواصل لكل مشاريع الدارة وتطلعاتها المستقبلية وأنشطتها الحالية وأفكارها الجديدة، وقال في هذا الصدد: «وأصالة عن نفسي ونيابة عن زملائي أعضاء مجلس إدارة الدارة ولجانها العلمية ومنسوبيها الحاليين والسابقين من مسؤولين وموظفين وباسم الباحثين والباحثات في تاريخ السعودية وتاريخ الجزيرة العربية، أرفع للأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض رئيس مجلس إدارة دارة الملك عبد العزيز، التهاني والتبريكات بهذه المناسبة التاريخية التي تمر بها الدارة، وقد وصلت تحت رئاسته إلى ذروة عطائها وقمة نشاطها بتوجيهاته ومتابعته المتواصلة لكل ما من شأنه إتاحة المساحة لها لخدمة التاريخ الوطني الذي هو جزء مهم من تاريخ الجزيرة العربية والتاريخ الإسلامي والعربي، ووصلت تحت رعايته واهتمامه إلى أرقام كبيرة في إنجازاتها، سواء في مجال النشر الذي تجاوز 300 إصدار، أو في مجال المحافظة على المصادر التاريخية التي تجاوزت 4 ملايين وثيقة، و3 آلاف مخطوط محلي، و5 آلاف تسجيل شفهي، أو في عدد الاتفاقيات العلمية مع المراكز البحثية المماثلة، أو في عدد العضوية مع الجمعيات العربية والعالمية ذات الاهتمام، أو في نسبة القرارات المنفذة، وفي وقت قياسي وبنوعية تحقق أقصى المعايير العلمية، مما جعلها محل ثقة الأوساط العلمية في داخل السعودية وخارجها وجعل منها ملتقى للأفكار والأعمال التي تخدم التاريخ ومآثره المعرفية في ظل توجيهات الأمير المستمرة والحكيمة».

وعد الدكتور فهد السماري قرار الملك الراحل فهد بن عبد العزيز، بالموافقة على ما رفعه إليه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز (حين كان وليا للعهد) على تولي الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض، رئاسة مجلس إدارة دارة الملك عبد العزيز - قرارا تاريخيا ومفصليا في مسيرة الدارة أدى إلى فتح أبواب الدارة للجميع وحقق النوعية والشمولية في كل نشاطاتها المنبرية والميدانية والبحثية، فهو مؤرخ الدولة السعودية وعاشق التاريخ بوعيه العميق ورؤيته الثاقبة.

ووجه الأمين العام لدارة الملك عبد العزيز دعوته إلى جميع الباحثين والباحثات ممن لديهم مشاريع علمية أو تطلعات بحثية أو اقتراحات غيورة على التاريخ الوطني للتواصل مع مشاريع الدارة وأنشطتها والإسهام في حراكها العلمي الذي يشهد أزهى فتراته لخلق عمل مؤسساتي مقنن يتميز بالتخطيط الدقيق ويمنع ازدواجية العمل وفردية الرؤية ويعزز الشمولية والتنوع ويقتصد في الوقت والجهد، وطالب بأن يساهم الجميع في مؤازرة دارة الملك عبد العزيز في ذلك بعد أن أصبحت منارة يؤمها الباحثون من كل العالم بعدما سخرت التجارب العالمية والتقنية الحديثة في خدمة المصادر التاريخية، إن كان حفظا أو ترميما أو تهيئة أو دراسة وتحقيقا، وبعدما تبنت أفكارا جديدة ما كانت لتنفذ وتنشر بصورة واسعة لولا دعم رئيس مجلس إدارة دارة الملك عبد العزيز.

وقال الأمين العام لدارة الملك عبد العزيز في استعراض مختصر لتاريخ الدارة بمناسبة مرور أربعة عقود على تأسيسها: «الدارة حملت اسم الملك عبد العزيز مؤسس الدولة السعودية الحديثة، عرفانا بإنجازه التاريخي - رحمه الله - في إنشاء دولة حديثة ترتكز نهجا ومنهجا على تعاليم الشريعة الإسلامية، وحين تأسست في مثل هذا اليوم قبل 40 عاما لقيت اهتمام الباحثين والباحثات والمواطنين المهتمين بالتاريخ، ثم بدأت تتطور التطور الإداري الذي عاشته الجهات والوزارات الحكومية في حينه حتى تولى الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض دفة قيادتها برئاسته لمجلس الإدارة، وكان ذلك متزامنا مع الاحتفال بمرور مائة عام على تأسيس المملكة العربية السعودية، فكانت انطلاقتها نحو آفاق أبعد واقترابها من الجميع بتوسيع دائرة خدماتها للمصادر التاريخية، سواء بالترميم أو الجمع أو الحفظ، مما أتاح لها بناء شراكة علمية ووطنية مع ملاك المصادر التاريخية المختلفة فقفزت بفضل هذا التوجه الجديد إلى مقدمة المؤسسات الثقافية في المملكة العربية السعودية المعنية بالتاريخ الوطني وتاريخ الجزيرة العربية، فهي تعد الأقدم تاريخيا في الإنشاء من غيرها، هذه الشراكة دعمت بكثير من الأنشطة التي تهم الهاجس الأكاديمي والاهتمام العام بالتاريخ من قبل المواطنين، وتعزيز هذا الدعم بوسائل حديثة، سواء في مواد وأدوات التعقيم والترميم أو في الحفظ وإعادة التهيئة، وما مركز التاريخ الرقمي السعودي في الدارة بدعم من وزارة التعليم العالي إلا رؤية مستقبلية لعمل الدارة يتواكب مع الاتجاه الحديث في إدارة الوثائق والمخطوطات وعرضها للجميع بصورة تفاعلية تحقق الممازجة بين الصورة بنوعيها المتحركة والثابتة والكلمة المدونة، مما يعني استبدال الزيارة الإلكترونية السريعة وغير المكلفة بالزيارة المكانية للباحث والباحثة للدارة».

ودعا الدكتور السماري الباحثين والمهتمين والمتخصصين والمعنيين بمزيد من البحث بآليات جديدة تعتمد على المنهج العلمي الرصين القائم على الأدوات الحديثة واغتنام الفرصة التي تتيحها الدارة من خلال أنشطتها المختلفة، مثل جائزة ومنحة الأمير سلمان بن عبد العزيز لدراسات تاريخ الجزيرة العربية، والندوات الملكية، وموسوعة الحج والحرمين الشريفين، وأطلس السيرة النبوية، والموسوعة التاريخية للمملكة العربية السعودية، والمشروع الوطني لتوثيق تاريخ الحياة الاجتماعية والثقافية في المملكة العربية السعودية، ومركز تاريخ مكة المكرمة، ومركز بحوث ودراسات المدينة المنورة، والموسوعة العلمية الشاملة لأسماء الأماكن في المملكة العربية السعودية، ومشروع التوثيق الشفهي والصور والأفلام التاريخية، ومشروع الوثائق التاريخية والمخطوطات المحلية، وغيرها من المشاريع التي تتبنى منهجية علمية دقيقة تكون المعلومة الموثوقة ضالتها وهدفها وأيضا نتيجة نهائية لأنشطتها.

يشار إلى أن أهداف دارة الملك عبد العزيز، هي خدمة تاريخ وجغرافية وآداب وتراث المملكة العربية السعودية والبلاد العربية والإسلامية بصفة عامة، من خلال تحقيق الكتب التي تخدم تاريخ المملكة وجغرافيتها، وآدابها وآثارها الفكرية والعمرانية، وطبعها وترجمتها، وكذلك تاريخ وآثار الجزيرة العربية والبلاد العربية والإسلامية بشكل عام، وإعداد بحوث ودراسات ومحاضرات وندوات عن سيرة الملك عبد العزيز خاصة، وعن المملكة وحكامها وأعلامها قديما وحديثا بصفة عامة، والمحافظة على مصادر تاريخ المملكة وجمعها، وإنشاء قاعة تذكارية تضم كل ما يصور حياة الملك عبد العزيز الوثائقية وغيرها، وآثار الدولة السعودية منذ نشأتها، ومنح جائزة سنوية باسم «جائزة الملك عبد العزيز»، وإصدار مجلة ثقافية تخدم أغراض الدارة، وإنشاء مكتبة تضم كل ما يخدم أغراض الدارة، وخدمة الباحثين والباحثات في مجال اختصاصات الدارة.