جدة: تعدد الثقافات وتنوع العادات يضعان العروس في قائمة المدن الجاذبة للاستثمارات السياحية في منطقة الشرق الأوسط

عضو بمجلس الشورى يدعو إلى ضرورة تأهيل العاملين في مجال النقل والسياحة بالدورات المتخصصة

تعدد الثقافات خلق روحا خاصة تميز مدينة جدة دون غيرها
TT

اتفق مستثمرون سياحيون أجانب على أن مدينة جدة تحتل الرقم الأول في الفكر الاستثماري السياحي لديهم، لما تحظى به من تعدد للثقافات التي تحتضنها وتنوع للعادات السكانية، مما جعل منها مدينة مهمة في خريطة السياحة العالمية.

واعتبر مستثمرون أجانب تعدد وتنوع الثقافات الاجتماعية في مدينة جدة، عامل جذب لرؤوس الأموال في الاستثمار السياحي، الأمر الذي يؤهلها لاحتلال مركز متقدم سياحي في منطقة الشرق الأوسط، وقدروا حجم قيمة الفرص الاستثمارية المتاحة بالمدينة بـ60 مليار ريال سعودي.

ونفي مستثمرون من جنسيات أميركية وهندية لـ«الشرق الأوسط» أن تكون العادات والتقاليد السعودية عائقا أمام الاستثمارات السياحية لغير السعوديين، بل اعتبروها ميزة وعامل جذب لفرص استثمارية واعدة، خاصة في مجال المنتجعات والفنادق بمختلف أنواعها ودرجاتها، وذلك نظرا لقلة نسبة الفنادق في المدينة مقارنة بعدد السياح القادمين من المدن السعودية الأخرى، والقادمين من الخارج، وخاصة السياحة الدينية من المعتمرين والحجاج.

ويعد تأثر المستثمرين الأجانب وانبهارهم بتنوع الأعراق والثقافات في جدة ليس بالجديد، فكثير من الباحثين الغربيين تأثروا بمدينة جدة وانفتاحها على العالم، وبطريقة تعامل سكانها مع الزوار، وكان آخرهم الباحثة الألمانية الدكتورة أولريكه فرايتاتج أستاذة التاريخ بجامعة برلين أدرس، التي زارت السعودية العام الماضي.

وأجرت الباحثة دارسة ميدانية لتطور مجتمع جدة في القرن التاسع عشر، بشكل شامل، مع التركيز على النواحي الاجتماعية بشكل خاص، من حيث التعدد والتنوع الذي ميز هذه المدينة، والذي يعتبر أبرز الملامح التي لفتت انتباهها، وأعلنتها عبر وسائل إعلامية في حينها.

وبررت فرايتاتج اختيارها لجدة بقولها «بعد أن وجدت انفتاحها على العالم، رأيت أن هذا موضوع مهم للبحث فيه من حيث الرؤية الأوروبية للجزيرة العربية».

وتاريخيا، كان سكان جدة يستضيفون الحجاج والمعتمرين عند قدومهم بحرا من ميناء جدة، ويعتبرون ذلك واجبا عليهم، ولم تنقطع هذه العادة إلا قبل 15 عاما تقريبا، بعدما بدأت شركات الطوافة في تنظيم وتسيير أداء الزائرين للحرمين الشريفين في مكة المكرمة والمدينة المنورة.

فؤاد فرانك حلبي، وهو رجل أعمال أميركي يستثمر في عدد من الدول العربية، قال لـ«الشرق الأوسط» إن الاستثمار في السعودية يشهد إقبالا كبيرا من المستثمرين الأجانب، بعد أن وجدوا في السعودية استقرارا جيدا مقارنة بالدول العربية الأخرى، مبينا أن الأمن والاستقرار من أهم جواذب الاستثمارات، وتدعمها القوانين واللوائح التي تحفظ الرساميل، وتؤمن لها الحركة، وثانيا لموقعها في وسط دول الشرق الأوسط التي من الممكن أن تكون منطقة وصل تجاري بين الدول العربية، ولكن تبقى الحوافز الاستثمارية في مجال السياحة في السعودية لا تصل بالشكل الكافي مقارنة بالحوافز والمعلومات التي تصل للمستثمرين في جانب الصناعة، خاصة في قطاع البتروكيماويات وغيرها من الصناعات، وأرجع الحلبي ذلك إلى ضعف الإعلام السياحي الموجه لخارج السعودية.

وحول ما يمكن أن تكون العادات والتقاليد في السعودية ومحافظة سكانها اجتماعيا عائقا في وجود مستثمرين في مجال السياحة، قال فرانك حلبي «لا يمكن أن تكون العادات والتقاليد عائقا، بل يمكن أن تكون هذه ميزة لجذب السياحة العائلية، إضافة لوجود عوامل أخرى جاذبة من أهمها مدينة جدة التي تتميز بتعدد الثقافات، وهذه ميزة فريدة لمدينة جدة».

وقدر رجل الأعمال الأميركي حجم الفرص الاستثمارية في المشاريع السياحية، وخاصة في الفنادق والمنتجعات السياحية في جميع هجر والمحافظات التابعة لمدينة جدة، بنحو 60 مليار ريال.

وشارك فرانك حلبي الرأي المستثمر الهندي إعجاز محمود خان، حول ما تتميز به من مميزات تؤهلها لأن تكون أفضل المدن في الشرق الأوسط تجاريا وسياحيا، مشترطا إعداد الخطط ووجود حوافز استثمارية مشجعة في مجال السياحة لجذب رؤوس الأموال من سعوديين أو من دول أخرى.

وقال خان إن سكان جدة مهيأون لاستقبال والتعامل مع الزوار القادمين من الخارج وهي ميزة اعتبرها جيدة في المدينة، واستدرك «لكن يجب الاهتمام بتدريب العاملين من سائقين الأجرة وموظفي الاستقبال في المطارات في جميع الجهات الحكومية على التعامل الراقي مع الزائرين باعتبارهم هم الواجهة للبلد، وأن يجيد العاملون اللغة الإنجليزية لإرشاد السياح وتعريفهم على البلد.

إلى ذلك، شدد المهندس محمد القويحص، عضو مجلس الشورى، في اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط» على ضرورة أن يتم اجتياز العاملين في مجال النقل سواء للشركات السياحية أو سيارات الأجرة «اللموزين» دورات متخصصة، مثمنا دور وزارة الداخلية على مبادرتها في تدريب العاملين في المطارات، في دورات سلوكية، وهو ما تحول إلى عامل إيجابي في تعاملهم مع الزوار.

وكشف القويحص عن دراسة في مجلس الشورى لتطوير نظام النقل، ومن بين أهدافها توفير دورات في التعامل السلوكي للعاملين في النقل العام وخاصة في المطارات والمواني.

وحول ما إذا كان السعوديون جاهزين لاستقبال سياح من دول خارجية، قال القويحص «ليس لدى السعوديين مشكلة في ذلك، وخاصة أن البلد يوجد فيه 8 ملايين وافد، ولكن يجب الاهتمام بالتدريب للعاملين بقطاع سيارات الأجرة من الأجانب ليكونوا قادريين التعامل مع السياح».

من جانبه، أعرب الأمير عبد الله بن سعود، رئيس اللجنة السياحية في غرفة جدة، لـ«الشرق الأوسط» عن تفاؤله بمستقبل مدينة جدة سياحيا، نظرا لما تتميز به من مقومات سياحية أهمها أنها بوابة الحرمين الشريفين، وتعدد الثقافات لدى سكانها.

وأضاف «سكان جدة هم مزيج من التقاليد والعادات، وهو ما يميز مدينة جدة ليس على مستوى السعودية وإنما على مستوى الدول المجاورة».

وأشار «منذ مئات السنين وسكان جدة يتعاملون مع الحجاج القادمين من أقطار المعمورة، والبعض للتجارة، ولأغراض اجتماعية، نتجت عن كل ذلك حركة تصاهر وزواج».

وقدر الأمير عبد الله بن سعود حجم القادمين لزيارة جدة من المعتمرين والحجاج سنويا بـ5 ملايين سائح، مشيرا إلى أن هذا العدد قابل للزيادة سنويا، مع اكتمال البنى التحتية لمشاريع كبرى بالحرمين الشريفين والمطارات، وهذا ما ينعكس بشكل كبير على تطور مدينة جدة اقتصاديا بشكل عام وسياحيا بشكل خاص.

وحول المطالبات بضرورة إيجاد دورات لسائقي الأجرة، اعتبر الأمير عبد الله بن سعود ذلك الأمر مهما.

وحول الاهتمام بضعف الإعلام الموجه لإبراز الفرص الاستثمارية وجذب الأموال من الخارج، قال رئيس لجنة السياحة في غرفة جدة «جذب رؤوس الأموال الأجنبية مهم جدا لاقتصاد البلد، ولكن جذب الأموال الخارجية ليس هو الهدف الوحيد، وإنما وجود خبرات وعقول وهو الأهم، فالأموال موجودة لدى رجال الأعمال السعوديين».

وتعود نشأة مدينة جدة إلى ما يقارب 3000 سنة على أيدي مجموعة من الصيادين كانت تستقر فيها بعد الانتهاء من رحلات الصيد، ثم جاءت قبيلة قضاعة إلى جدة قبل أكثر من 2500 سنة فأقامت فيها وعرفت بها. التحول التاريخي لمدينة جدة كان في عهد الخليفة الراشدي عثمان بن عفان عام 647 م عندما أمر بتحويلها لميناء لاستقبال حجاج البحر المتجهين لأداء الحج في مكة المكرمة. لا تزال جدة إلى اليوم المعبر الرئيسي لحجاج البحر والجو والكثير من حجاج البر.

نمت جدة بشكل سريع خلال العقدين الأخيرين من القرن العشرين، مما جعلها مركزا للمال والأعمال في المملكة العربية السعودية ومرفأ رئيسيا لتصدير البضائع غير النفطية ولاستيراد الاحتياجات المحلية.

وتعكف 5 جهات حكومية حاليا على وضع خطة استراتيجية جديدة للسياحة في محافظة جدة، تهدف إلى أن تصبح عروس البحر الأحمر وجهة سياحية بمستوى عالمي، من خلال تحسين المعالم الثقافية والتراثية والترفيهية، التي تجذب السياح، وإنشاء المزيد منها، وتحويلها من بوابة ونقطة عبور، إلى وجهة تقصد بذاتها، من خلال تحسين معالمها.

كما تهدف الخطة إلى الحفاظ على المواقع الثقافية والدينية والتراثية الرئيسية وإحيائها، وتحسين تراثها الديني، بما في ذلك المساجد المهمة وغيرها من المواقع الدينية، وإنشاء مسارات سياحية أو تراثية عبر المدينة القديمة، بالإضافة إلى تحسين وإعادة تطوير الكورنيش، واستضافة مناسبات ومهرجانات إسلامية ثقافية لتشجيع السياحة على مدار العام.

وبحسب خطة معدة ضمن دراسة شارك فيها خبراء، بدأت تلك الجهات بمشاركة عدد من القطاعات الخاصة وإشراف مباشر من هيئة السياحة والآثار والأمانة بالتنفيذ، ويتوقع أن يستمر قطاع السياحة في جدة في التوسع. وتقدر الهيئة العليا للسياحة أن عدد الرحلات السياحية إلى المملكة سيصل إلى 141.1 مليون رحلة بحلول عام 2021، سيكون 128 مليونا منها رحلات محلية، و12.1 مليون لرحلات قادمة من الخارج، غالبيتها من دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية وغيرها من الدول العربية والإسلامية. ونتيجة لذلك، يتوقع أن يزداد الإنفاق الكلي ليصل إلى 101.3 بليون ريال بحلول عام 2021، مقارنة بمبلغ 52.2 مليار ريال في عام 2005.

ويتمثل التحدي بالنسبة لجدة في أن تحصل على حصة أكبر من هذا الإنفاق باجتذاب المزيد من الزوار وجعل أولئك الذين يمرون عبر المدينة يقضون فيها أوقاتا أطول.