دراسات سعودية وأميركية: غلبة النعاس أثناء القيادة «خطر قاتل»

ثبتت العلاقة بين اضطرابات النوم المختلفة وارتفاع نسبة حوادث السيارات

TT

على خلفية تقارير إحصائية صادرة عن الإدارة العامة للمرور في السعودية، كشفت عن أن 485 ألف حادثة مرورية وقعت في عام 2008، خلفت أكثر من 6485 ضحية، بمعدل 17 شخصا في اليوم الواحد، مع الإشارة إلى أن هذه المشكلة تتعاظم سنويا في موسم الصيف والإجازة، أفرزت دراسات غربية، زيادة نسبة حوادث السيارات بعد منتصف الليل وما بين الظهيرة إلى بعد العصر، وهي نفس الأوقات التي يغلب فيها النعاس على الإنسان، فيما أظهرت دراسة في ولاية بنسلفانيا الأميركية أن 50 في المائة من حوادث السيارات وقعت بسبب النعاس أثناء القيادة.

ويبين الدكتور أيمن بدر كريم استشاري في الأمراض الصدرية واضطرابات النوم بمدينة الملك عبد العزيز الطبية بجدة، أن تقريرا صدر عن اللجنة الوطنية لاضطرابات النوم في الولايات المتحدة، حذر من النعاس أثناء القيادة، كسبب مباشر في 36 في المائة من الحوادث القاتلة.

وقال «في عام 2007 أصدرت الإدارة الوطنية لسلامة الطرق السريعة بالولايات المتحدة تقريرا مفاده، أن 100 ألف من حوادث السيارات كانت نتيجة مباشرة لتعرض السائقين إلى فرط النعاس أثناء القيادة، وأن ما يقرب من 1550 من الأميركيين يقتلون بسبب ذلك كل عام».

وقال الدكتور كريم إن الخطير في الأمر، يعود إلى كون نسبة كبيرة من السائقين لا يشعرون بأثر النعاس السلبي على قدرتهم الذهنية، حيث يستمر 51 في المائة منهم في القيادة لدى شعورهم بالنعاس الشديد، ولا يتوقف سوى 20 في المائة فقط لأخذ غفوة قصيرة.

وزاد «في تقرير حديث صدر عن مؤسسة النوم الوطنية الأميركية، اعترف 28 في المائة من السائقين باستمرارهم في القيادة على الرغم من إغماض أعينهم لثوان معدودة نتيجة لفرط النعاس».

ويرى الدكتور كريم أنه من الثابت علميا، أن غلبة النعاس تسبب قصورا في الرؤية الواضحة، وسلامة الحكم، وردة الفعل الضرورية لتجنب التصادم في الوقت المناسب، وتؤدي إلى تعكر المزاج وسوء التصرف.

وتبعا لدراسة نشرت في مجلة «النوم» الطبية عام 2003، فإن من أهم عوامل خطر الوقوع في حوادث نتيجة النعاس والإعياء الشديدين تتلخص في الارتباط بأكثر من وظيفة أو الانخراط في أكثر من عمل واحد أثناء اليوم، والعمل الليلي (نظام الورديات الليلية)، والحرمان من النوم الجيد، والنوم بمعدل أقل من 6 ساعات في اليوم الواحد، والقيادة أثناء ساعات الليل الأخيرة ولساعات طويلة بدون توقف، أو الانخراط في القيادة بدون نوم لمدة تتجاوز «15» ساعة متواصلة، والقيادة على الطرق السريعة لعدة ساعات متواصلة، بالإضافة إلى الإصابة باضطرابات النوم كمتلازمة انقطاع التنفس أثناء النوم، والإصابة بمشكلة فرط النعاس أثناء النهار لأي سبب. وقال «إذا أضفنا أثر الأزمة الاقتصادية وتدهور أسواق المال وما تبعها من اضطرابات نفسية، وارتفاع نسبة الأرق والحرمان من النوم الجيد، يتبين لنا حجم المشكلة التي يمكن أن ترفع نسبة حوادث السيارات، حيث بين تقرير أميركي في شهر مارس (آذار) 2009 أن 30 في المائة من المواطنين الأميركيين ينامون بشكل رديء بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية».

ويجزم الدكتور كريم بأن النعاس أثناء القيادة يعد أحد أسباب ارتفاع نسبة حوادث السيارات في السعودية، نتيجة للحرمان الحاد والمزمن من النوم، والسهر المفرط الذي يختزل عدد ساعات النوم الكافية أثناء الليل، إضافة إلى نمط الحياة العصرية والارتباطات الاجتماعية في ساعات الليل المتأخرة، وكذلك التعرض للقنوات الفضائية والإنترنت وأسواق التبضع على مدى 24 ساعة.

وأظهرت نتائج دراسة أولية طبقت على عينة من أفراد المجتمع السعودي، أن نسبة كبيرة من المتورطين في حوادث سيارات، يعانون من الحرمان المزمن من النوم الجيد أثناء النوم، ويشعرون بنعاس بالغ أثناء النهار.

وقالت الطبيبة رؤى عدنان مرداد المتخصصة بقسم الأمراض الباطنية والمتدربة في مركز اضطرابات النوم بجامعة الملك عبد العزيز بجدة، إن الدراسة التي اعتمدت على استبيان وإجراء مقابلات مع «68» من المصابين نتيجة حوادث سيارات أظهرت أن «معدل أعمارهم 28 سنة، وأدت إلى تنويمهم في المستشفى لتلقي العلاج، وأكدت أن نصفهم تقريبا، يخلدون إلى النوم بعد منتصف الليل، في حين لا ينال معظمهم من عدد ساعات النوم إلا القليل، حيث ينامون أقل من 6 ساعات ليليا».

وأظهر مقياس «إيبوورث» لشدة النعاس أثناء النهار معاناة 15 في المائة من المصابين من فرط النعاس خلال أوقات وحالات غير ملائمة، الأمر الذي يعد من عوامل خطر التعرض للحوادث الخطيرة، كما هو مثبت علميا.

وفي ذات الصدد، أشار الدكتور سراج ولي استشاري ومدير مركز اضطرابات النوم بجامعة الملك عبد العزيز، إلى أنه على الرغم من معاناة عدد من المصابين من فرط النعاس أثناء النهار، فإن معظمهم، أي 70 في المائة منهم، لم يعتبروا النعاس الزائد عاملا من عوامل خطر وقوعهم في الحوادث، في إشارة إلى ضعف إدراكهم إلى درجة نعاسهم أثناء النهار، بوصفه أحد الأسباب الخفية في رفع نسبة الحوادث نظرا لاستمرار الشخص في القيادة وإنكاره الشعور المطرد بزيادة النعاس.

ويأتي الشخير واحدا من الصفات التي ميزت 28 في المائة من المصابين في حوادث السيارات، في إشارة إلى ارتفاع احتمال إصابتهم بانقطاع التنفس أثناء النوم، بوصفه واحدا من أهم الأسباب المثبتة علميا لفرط النعاس أثناء النهار والإصابة في حوادث السيارات.

وبالعودة إلى الدكتور كريم، قال «من غير المستغرب نتائج هذه الدراسة، فقد تواترت الدراسات في المجتمعات الغربية على إثبات العلاقة الوطيدة بين اضطرابات النوم المختلفة كـ(الحرمان المزمن من النوم، واختلال نمط الساعة الحيوية، وانقطاع التنفس أثناء النوم)، وبين ارتفاع نسبة حوادث السيارات، فعلى سبيل المثال، اعترف ما يقرب من 50 في المائة من السائقين الذين أجري عليهم الاستبيان الوطني في الولايات المتحدة الأميركية عام 2004، اعترفوا بالقيادة وهم في حالة نعاس، وأن 10 في المائة منهم وقعوا في غفوة نوم قصيرة أثناء القيادة، تسببت في تورط 1 في المائة منهم في حوادث طرق».

وفي دراسة نرويجية عام 1999، سجلت أعلى نسبة حوادث 18 في المائة من مجموع 9200 حادث خلال ساعات الليل (بعد منتصف الليل) على الرغم من انخفاض عدد السيارات وزحمة المرور خلال هذه الأوقات المتأخرة، في إشارة إلى تأثر قوة التركيز بشكل سلبي بحالات النعاس المفرط بعد منتصف الليل.

وللتغلب على هذه المشكلة الاجتماعية الخطيرة، فإنه من الضروري اعتبارها من الأولويات وتسخير القنوات الرسمية والإعلامية والتربوية للتوعية بها، ونشر الوعي بثقافة النوم السليم وأهميته وعادات النوم الصحي، وتغيير بعض العادات السلوكية التي تتسبب في اضطرابات نوم لا يمكن وضع حد لمضاعفاتها، والاهتمام بتشخيص وعلاج اضطرابات النوم التي تزيد احتمال الإصابة بالنعاس أثناء النهار.

ومن أجدى الوسائل للحد من خطر النعاس أثناء القيادة، أخذ غفوة قصيرة لاستعادة النشاط أو تناول ما يقرب من كوبين من القهوة، إلا أن أثر الكافيين وغيره من مشروبات الطاقة على مقاومة النعاس قد يكون محدودا جدا إذا كان النعاس بالغ الشدة.

وأخيرا، نبه الدكتور كريم إلى أهمية الاهتمام بإجراء دراسات أشمل للكشف عن مزيد من العوامل المشجعة على حوادث السيارات في المجتمعات العربية كالسهر المفرط، حيث تسببت حوادث السيارات بالسعودية في إصابة 36 ألف شخص في عام 2007، قتل منهم 6300 فرد.