حادثة مقتل طفل الطائف تعيد قضايا العنف عنوانا رئيسيا في مجالس المجتمع السعودي

مختصون يشيرون بأصابع الاتهام إلى الإعلام الجديد

الكثير من المختصين يرون أن ضعف الوازع الديني وتسيب الأهل والتفكك الأسري من أهم أسباب الجريمة
TT

رفعت حادثة مقتل طفل الطائف، التي وقعت خلال الأيام الماضية، من درجة تناول المجتمع السعودي لجرائم قتل الأطفال واغتصاب القاصرات والعنف بصفة عامة، حيث تحولت إلى موضوع أساسي في حديث المجالس، في وقت قلل فيه خبير أمني من المخاوف التي تعتقد أن الأمر وصل إلى حد الظاهرة.

وتباينت الآراء في الأسباب، فمنهم من أرجع السبب لضعف الوازع الديني، وانشغال رجال الدين بأمور لا تهم المجتمع، ومنهم من انتقد تسيب الأهالي والبعد عن الترابط الأسري، وشكك البعض في احترافية المحققين وتمكنهم من حل هذه القضايا التي لم يعتد عليها المجتمع السعودي. فما أسباب تفشي العنف في الأسرة والشارع بهذه الصورة بمجتمعنا؟

يشير الدكتور عمر الخولي، أستاذ القانون بجامعة الملك عبد العزيز، بأصابع الاتهام إلى الفضائيات في زيادة عدد جرائم العنف ضد الأطفال، التي أصبحت مدرسة للكثير من الجرائم، إضافة إلى ثورة الاتصالات في الوقت الراهن، التي ساعدت على سرعة التواصل الجناة مع المجني عليهم، إضافة إلى تيسير طريقة التنفيذ، فالكثير من البرامج التي تقدَّم مضمونها يساعد على انتشار الجريمة.

وبيّن أن الأوضاع الاقتصادية تلعب دورا مهمّا في حياة هذه الفئة من خلال الرغبة في التزود بالمال والحياة في مستوى محدد، والرغبة في إشباع الغرائز بوسائل خارجة عن المألوف من خلال المسلسلات والبرامج التي أصبحت تشارك بشكل كبير في التربية، فهذه العوامل التي تشارك في تربية الأبناء لن تكون مثل تربية المدرسة والأسرة.

وأضاف الدكتور الخولي أن ضعف الترتيبات الأمنية في المقابل عامل مهم، مبينا أن الجرائم في السابق كانت نمطية ورجال الأمن مستعدون للتعامل مع أنواع محددة من الجرائم، تدربوا عليها وعرفوها، أما عندما طرأت على المجتمع أنواع جديدة من الجرائم أو ازدادت أعداد جرائم كانت قليلة، عجزوا عن مواكبتها والتعامل معها، لذلك حدث خلط كبير بين رجال الضبط ورجال الأمن في التعامل مع مرتكبي الجرائم أو المشتبه بهم.

ودعا الدكتور عبد العزيز إلى ضرورة تدريب الوالدين عل تربية الأبناء، معللا قوله باختلاف وسائل التربية في الوقت الحالي، فمن الضروري تدريب الأب والأم على كيفية التعامل مع الأبناء وتربيتهم وتحصينهم وعدم تركهم نهبا للأفكار الدخيلة والقيم الهشة، إضافة إلى تطوير التعليم الأمني حتى يتمكن من مواكبة الجرائم المستحدثة في المجتمع.

وأشار إلى ارتفاع نسبة جرائم العنف داخل المجتمع، مرجحا نسبة الزيادة إلى 100 في المائة، مبينا أن هناك رقما خفيا في كثير من القضايا المقيدة ضد مجهول، فعند ارتكاب شخص لجريمة مماثلة يتم العمل على إقراره بتحمل باقي الجرائم المشابهة، فالبعض يقوم بتحملها والبعض ينكرها، ويبقى الفاعل الحقيقي مجهولا.

وأوضح أن المقيمين بصورة غير شرعية ليس لديهم ما يخافونه، فهو يقدم على الجريمة وتختفي الأمور، مؤكدا أن تزايد الوافدين والمقيمين بصورة غير شرعية يزيد من ارتكاب الجريمة، فلا يوجد ما يدل عليه، لا بصمة تشير إليه ولا أي إثبات لهويته تدل عليه، وبالتالي يفر بفعلته إما داخل البلد وإما بالسفر إلى بلده.

ويرى الدكتور عمر الخولي أن وقاية النفس، وإحسان تربية الأبناء، وزرع الإحجام عن الجريمة بصورة عامة داخل الشباب، من أهم الوسائل للحد من الجرائم، إضافة إلى ضرورة تطوير مستوى الأجهزة الأمنية، مشددا على ضرورة احترام القوانين من قبل جهات الضبط وجهات التحقيق، لأن الناس في رأيه إن كانت تعلم القوانين وما ينص عليه وترى كيف يتم اختراقه من قبل القائمين عليه، فهذا الشيء سوف يقلل من هيبة القانون ويحدث الاستخفاف والاستهتار به.

وطالب القضاء بأن يكون أكثر فاعلية، فهو يرى أن القضاء متراخٍ مع هذه الجرائم ولا توجد معايير موحدة للتعامل مع الجرائم المتشابهة، مرجعا اختلاف المعايير من قاضٍ لآخر، ومن واقعة لأخرى، مشددا على ضرورة توحيد المعايير القضائية.

وعن الأحاديث النبوية الشريفة التي تدلل على قرب الساعة من خلال ظهور الكثير من الأحداث كحدوث الهرج والمرج والقتل كما في حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحَدِّثُنَا أَنَّ بَيْنَ يَدَي السَّاعَةِ الْهَرْجَ. قِيلَ: وَمَا الْهَرْجُ؟ قَال: الْكَذِبُ وَالْقَتْلُ. قَالُوا: أكثر مِمَّا نَقْتُلُ الآنَ؟ قَالَ: إِنَّهُ لَيْسَ بِقَتْلِكُمْ الْكُفَّارَ، وَلَكِنَّهُ قَتْلُ بَعْضِكُمْ بَعْضًا، حَتَّى يَقْتُلَ الرَّجُلُ جَارَهُ، وَيَقْتُلَ أَخَاهُ، وَيَقْتُلَ عَمَّهُ، وَيَقْتُلَ ابْنَ عَمِّهِ. قَالُوا: سُبْحَانَ اللَّهِ! وَمَعَنَا عُقُولُنَا؟ قالَ: لا، إِلاَّ أَنَّهُ يَنْزِعُ عُقُولَ أَهْلِ ذَاكَ الزَّمَانِ، حَتَّى يَحْسَبَ أَحَدُكُمْ أنه عَلَى شَيْءٍ وَلَيْسَ عَلَى شَيْءٍ».

المفكر والباحث الإسلامي الدكتور فراج الشريف قال: «إن اعتمادنا على الأحاديث النبوية التي تدلل من خلال الأحداث على قرب الساعة نوع من التواكل، الذي قد يبعدنا عن البحث في حقيقة المشكلات، فيجب علينا البحث عن الأسباب التي أدت إلى ظهور هذه الجرائم، عدم التواكل وإرجاع الأحداث إلى الأحاديث النبوية التي يرجع بعض منها إلى الضعف».

وبيّن أن أسباب ظهور مثل هذه الجرائم يعود إلى ضعف الثقافة الدينية عند الأشخاص، والبعد في الحديث الديني عن الكلام الذي يحتاج إليه المجتمع، قائلا إن الزخم الكبير من الحديث في أمور الدين ليس من الأمور المطلوب الحديث عنها، مشددا على ضرورة زرع أحكام الدين التي تبعد الأفراد عن كل فعل لا يرضى الله عنه.

وأرجع ضعف الوازع الديني وارتفاع الدين عن كل من تسول له نفسه لقتل طفل أو اغتصابه، أو قتل الغير، مبينا أنه لا بد من التركيز على جعل المجتمع سويا عن طريق الثقافة الدينية الصافية التي تكون حصنا للناس والتي تمنعهم من ارتكاب هذه الجرائم، والبحث في الأسباب النفسية والضغوطات التي تواجه المجتمع، دون البحث عنها في علامات الساعة والاستدلال من الأحاديث النبوية التي تبرر حدوث هذه العمليات الإجرامية، فالبحث في الأسباب النفسية والضغوط التي يلاقيها الأشخاص، وانتشار المخدرات بأنواعها، والانفتاح، يحد من انتشار مثل هذه الجرائم بشكل أفضل من التواكل وترك الأمور والندب عليها.

وأكد أنه لا بد من تحقيق الأمن والأمان بضربة أمنية، وإيجاد ثقافة تقوم بها مؤسسات تربوية ودينية معتدلة تستطيع أن تجتذب الناس إليها وتعرفهم حقوق الله عليهم وحقوق البشر، أما ما دون ذلك فهو نوع من العبث، مبينا أن «تغير الزمن جاء بالكثير الذي غفلنا عن تقديره كما يجب».

وتأسف الدكتور عبد الله الشريف في حديثه لـ«الشرق الأوسط» على حال الكثير من الذين يتولون التوجيه الديني، وبعدهم عن مشكلات الناس الآنية وطرحهم لمشكلات ليس لطرحها أي أهمية أو فائدة على المجتمع، كاشفا عن غياب الخطاب الديني في المساجد وفي خطب الجمعة وبين الدعاة عن جرائم العنف والقتل والاغتصاب، معللا ذلك بانشغالهم بالحديث عن الليبرالية والخلاف بين المذاهب والخلاف بين السنة والشيعة، وترك الأمور المهمة التي تقوم حياة المجتمع عليه.

أشار الإخصائي النفسي الدكتور محمد عطرجي إلى الكثير من الأسباب المؤدية إلى تغيير المجتمع، مبينا أن من أهم هذه الأسباب الانفتاح على العالم الخارجي بشكل كبير، فقد يوجد لدى بعض الأشخاص خلل نفسي، ومع التأثيرات الخارجية من خلال الأفلام والمسلسلات والحوادث التي يسمعها من المجتمعات الأخرى، قد يتأثر ذلك الفرد بتكوين صورة ذهنية معينة قد تعلق في ذهنه من خلال المشاهدات المتكررة لمادة مقروءة أو مسموعة تبني لديه تخيلات ذاتية.

وأكد أن أصحاب جرائم العنف لديهم اضطرابات نفسية وليست أمراضا عقلية، مبينا أن كل أفراد المجتمع لديهم نوع من الدفاع عن النفس، الذي هو في الأساس دفاع عن الذات، وأرجع أن هذا النوع من الدفاع عن النفس غالبا ما يكون عند بعض الناس أكثر من الآخرين، وقد يصل إلى حد الإجرام، وتعود هذه الزيادة لعدة عوامل منها البعد عن الوازع الديني، ومعنى النزعة الدينية هو أن يعرف سبب وجوده في الحياة فيحترم ذاته ويحترم الآخرين سواء كان مسلما أو غير مسلم، فالأصل أن يكون الإنسان لديه مبادئ وقيم تحميه.

وأضاف أن الفرد قد يوجد في بيئة تساعد على الإجرام، وقد تكون الأسباب جينية ويكون الإجرام موروثا مثل الشجاعة والكرم، مبينا أنها ليست بالضرورة يمكن لهذه الجينات أن تتحكم فيه، فالإدراك يجعله يتخلص منها، ولكن يوجد أشخاص يقومون بتغذيتها.

وبين أن العقل الباطن لدى الإنسان والمسمى باللاوعي يقوم بتخزين جميع السلوكيات المنضبطة وغير المنضبطة، فحسب تغذية اللاوعي تكون تغذية السلوكيات الخارجية، وعند تصرف الشخص دون وعي كما يقال (إنه قتل دون وعي) لا يعني أنه غير مدرك أو غير محاسب أو أنه مريض نفسيا، فهي تراكمات داخلية بالتصرف من اللاوعي يقود السلوك نحو هذا الشيء.

وأكد أن من يقدم على قتل طفل أو يرتكب جريمة بحق طفل من أب أو أم فالتأكيد السبب الرئيسي والأشياء الموجودة في اللاوعي تجعله يتصرف بهذا الفعل، والشخص يقنع نفسه بالعصبية الموجودة التي لا يريد التخلص منها، ولا يريد أن يساعد نفسه ولا يساعد الآخرين.

وبيّن أن بعض هؤلاء الأشخاص قد تكون لديه أحقاد داخلية وانتقام، مثل انتقام الزوجة من زوجها نتيجة المعاملة السيئة التي تجدها منه أو من الأشخاص المحيطين بها، مؤكدا أنه في النهاية هي عبارة عن قناعات الشخص بأنه لا يستطيع التحكم في ذاته، أو قد تكون من جهل الشخص بقيمة ما لديه ولا قيمة الحياة، مثل الأشخاص اليائسين كالشخص الفقير، فمبرره دائما بأنه ليس لديه ما يخسره، وكل اختلاف لدى الآخرين غير متوفر لديه، وليس لديه أي مقوم من مقومات الحياة، فقد يقتل شخصا آخر من أجل طعام أو مال قليل.

ونصح الدكتور علوي عطرجي أن الشخص عليه متابعة نفسه، فإذا وجد أن نظرته للحياة نظرة سلبية متشائمة لا يستطيع التعبير ولا التوقع إلا بسلبية، قد تكون هنا البداية في اضطراب السلوك، التي قد تبقى مستمرة على نفس هذا النهج أو قد تزيد إلى حد يشار إليه بالخطير.

من جهته يبين الدكتور محمد الهرفي، أستاذ الأدب والنقد في جامعة الإمام، أن قضايا اغتصاب القاصرات وقتل الأبناء والمحارم قضايا موجودة منذ القدم، مشيرا إلى زيادتها المزعجة على حد قوله في الوقت الحالي في جميع مناطق السعودية.

وتساءل عن سبب وجود جرائم من هذا النوع داخل المجتمع السعودي رغم تكاتف القيم والأعراف والدين لدى مجتمعنا، مرجعا أمن المجتمع وعدم انحرافه وارتكاب الجرائم داخله إلى الأشياء الثلاثة السابقة الذكر، مبينا أنه حتى الشخص الذي ليس لديه ديانة يصعب عليه ارتكاب الجرائم لمجرد وجود الأعراف والقيم.

وأرجع ازدياد هذه الجرائم إلى عدة أسباب، من أهمها غياب دور الأسرة، التي أصبحت في شبه ضياع، فالأسر في السابق كانوا يعتنون بأطفالهم عناية جيدة، أما الآن فالاعتماد على الخادمات في التربية، وهن اللواتي يأتين بقيم وعادات مختلفة عن قيمنا وأخلاقنا وديننا، مما قد يحدث خللا في سلوك أبنائنا، مؤكدا غياب دور المدارس والمساجد والمحاضن العلمية التي من المفترض أن يكون لها دور مهم في تنشئة الأبناء.

وبيّن الدكتور محمد أن من أكبر الأخطاء الذي أصبح أحد العوامل المؤثرة في انحراف سلوكيات الأشخاص، اختلاء الأبناء بوسائل الاتصال المختلفة مثل «اللاب توب» و«البلاك بيري» و«الآي باد» والثورة العارمة التي تنتج لنا كل يوم وسائل اتصال جديدة، والتي لا يحسن أبناؤنا استعمالها، موضحا أن الكثيرين من الأبناء يقومون باستخدامها داخل غرفهم حتى نهاية الليل دون علم أو رقابة من الآباء، ويستطيعون من خلالها الدخول على مئات المواقع الإباحية أو الاطلاع على الجرائم المختلفة، التي يتابعونها بشغف.

أيضا الألعاب الموجودة في البلاي ستيشن وألعاب الكومبيوتر التي تعلم الأبناء العنف من خلال القتل والسرقة الموجودة في اللعبة والمراحل التي تمر بها اللعبة، مؤكدا أن هذه العوامل تلعب دورا كبيرا في السلوك الإنساني وتكوين الشخصية، مشيرا إلى سلبية الكثير من الأهالي وعدم معرفة المخاطر التي تسببها هذه الثورة التقنية دون تقنينها وتحجيمها ومراقبتها من قبل الأهل.

وأرجع الأسباب إلى «الإعلام بكل قنواته والتهاون الشديد في التعليم والمساجد وخطب الجمعة ووزارة الشؤون الإسلامية والمراكز الصيفية، لذلك أصبح دور الأسرة هو الدور الرئيسي في غياب هذه الأدوار وتهاونها، فنحن نعترف بازدياد الجرائم داخل مجتمعنا، وعلينا أن نربي في أبنائنا القيم والعادات الجيدة والسلوك الحسن والدين»، مؤكدا أن هذه الروافد جميعها تحد من ارتكاب الجرائم، مضيفا أن الجريمة لن تنتهي ولكن على أقل تقدير قد تقل.

وبيّن في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن أغلبية الجرائم تحدث بين الأسر المفككة، فالأبناء لا يجدون حنان الأم ولا عطف الأب ولا الرعاية اللازمة، وغالبا لا يجدون من يصرف عليهم ماديا، إضافة إلى قسوة المجتمع من حولهم، مؤكدا دور جمعيات الرعاية الأسرية، ووزارة العمل والشؤون الاجتماعية، إضافة إلى دور وزارة التربية والتعليم، فالجمعيات التي لها علاقة بالأسر وإصلاح الأسر ينبغي أن تهتم بالأسر اهتماما خاصا، مطالبا بإيجاد جمعيات حكومية خاصة برعاية الأطفال الذين انفصل آباؤهم.

وأوضح الدكتور عبد الله محمد الفوزان، أستاذ علم الاجتماع بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، أن الجريمة ظاهرة اجتماعية ارتبط ظهورها بالوجود الإنساني على هذه الأرض، مرجعا تفاوت الجريمة من حيث أنواعها ومعدلاتها من مجتمع إلى آخر وحسب درجة تطوره.

ويرى أنه في المجتمعات البسيطة يلعب العقل الجمعي والانتماء القوي إلى الجماعة دورا قويا في الحد من الجريمة، فالفرد في ظل المجتمع البسيط يلتزم بمعايير وقيم المجتمع، كالتعبير عن الولاء لهذا المجتمع، والمحافظة على استقراره، والخوف من سلطة المجتمع التي تعاقب المنحرف أشد العقوبات، والتي قد تصل إلى طرد الجماعة، وعندما تتعقد المجتمعات وتكبر في حجمها وتظهر الطبقية فيها وتصبح غير منسجمة من حيث التركيبة السكانية، بالإضافة إلى التركز الحضري الهائل وظهور جيوب الفقر وانتشار وسائل الإعلام والاتصال، فكل هذه العوامل تمكن من تنامي معدلات الجريمة.

وأشار إلى المجتمعات الأوروبية وما عانته من تبعات الثورة الصناعية وهجرة العمال الهائلة إلى المدن بحثا عن فرص عمل، التي تسببت في ظهور التفاوت الطبقي والفقر والأحياء العشوائية التي أصبحت وكرا للمخدرات والدعارة والجرائم بأنواعها.

ويرى أن السلطة التقليدية للمجتمع تتهاوى في ظل المجتمعات المعقدة، وينحسر العقل الجمعي ويزداد تقسيم العمل، ويحل التنوع وعدم الانسجام السكاني محل التشابه والانسجام بين السكان، إضافة إلى ضعف سلطة القيم الدينية وسيطرة القيم المادية والاستهلاكية على أفراد المجتمع، مما يهيئ الأرضية الخصبة لانتشار الجرائم المختلفة وزيادة معدلاتها.

وأوضح أن هذه القاعدة تنطبق على كل المجتمعات التي يرى علماء الاجتماع أنها تتطور من مجتمعات بسيطة إلى مجتمعات متقدمة وتكون ضريبة هذا التطور المزيد من الجرائم، وهذا ينطبق على حال مجتمعنا الذي يشهد تحولات متسارعة في حجمه ومزيدا من التحضر وعدم الانسجام السكاني والتفاوت الطبقي وسيادة قيم الاستهلاك وضعف سلطة القيم الدينية وسيطرة الحياة المادية وزيادة الضغوط الحياتية وتقلص العلاقات القرابية وضعف التكاتف الاجتماعي ووجود ملايين العمالة من بين مكوناته، مما يفسر تنامي معدلات الجريمة.

الدكتور محمد الشايجي، أستاذ علم الاجتماع الجنائي، يرى أن جرائم اغتصاب القاصرات وقتل الأطفال وقتل المحارم لا تصنف ضمن الجرائم المستحدثة، معللا ذلك بأنها جرائم قديمة في مجتمعنا وإنما سبب ظهورها هو زيادتها، مبينا أن الجرائم المستحدثة هي جرائم غسل الأموال وجرائم الإرهاب والجريمة المنظمة.

وأرجع أسباب زيادة هذا النوع من الجرائم إلى التغير المادي السريع وانعكاس ذلك على المجتمع، والتقليد والمحاكاة الناتجة عن الثقافة الحديثة وما يشاهده بعض الناس من الإعلام والأفلام والاغتصاب.

وأضاف أن الضغوط التي تمارس علينا في حياتنا اليومية، والتي لم تكن موجودة في السابق، دفعت بعض الناس إلى اختلال التوازن لديهم والاعتداء على الآخرين إما لأخذ الحقوق وإما الانتقام، فقد تقتل المرأة ولد زوجها ليس كرها في الطفل وإنما انتقاما من الأب، لأن الأب حرمها من شيء أو قام بإيذائها، إضافة إلى الاضطرابات النفسية التي قد تصيب الكثيرين من مرتكبي الجرائم.

وبيّن أن هذه الجرائم تخلق حالة من الرعب في المجتمع، فعندما تُقتل نفس في منطقة ما داخل حيّ معين تجد جميع أهالي هذه المنطقة انتابتهم حالة من الرعب والخوف، وهذا مصداقا لقول الله تعالى: «مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا»، مضيفا أن سجن الجناة فيه تكلفة، ومن بينها التكلفة التي تقع على الضحايا، وحدوث هذه الجرائم يؤدي إلى اضطراب المجتمع وعدم عمل المؤسسات الاجتماعية بشكل صحيح كمؤسسات الأسرة والمؤسسات التربوية، مؤكدا أن ارتكاب الأشخاص لجرائم، يرون أنها هي الحل الوحيد، يعد أكبر دليل على وجود تفكك اجتماعي.

واعتبر اللواء عبد الرحمن الغامدي الخبير الأمني ومدير عام السجون سابقا أن الأمر لم يصل إلى حد الظاهرة، موضحا أن وجود وسائل الإعلام واهتمامها المبالغ فيه أشعر الناس بأن خطرا داهما يهدد أطفالهم. واستدرك اللواء الغامدي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» قائلا: «مع ذلك لكل حالة من الحالات أسبابها الخاصة، والحالات الحالية لا تبشر بخير مستقبلا، وأدعو علماء النفس والاجتماع بالتصدي لتلك الحالات بالدراسة والبحث لدرايتهم ومعرفتهم بأمور كهذه».

وأضاف الخبير الأمني: «عند المقارنة بما كانت عليه الأوضاع في العقود الماضية، لا يبدو معدل تلك الجرائم مرتفعا، لكن اطلاع الناس عليها وعلى تفاصيلها هو الفارق الوحيد».