أسواق جدة القديمة اندثر بعضها.. والمتبقي ينافس المراكز التجارية الحديثة

200 سوق قديمة وحديثة تقتسم 6 مليارات ريال طوال العام

أسواق جدة القديمة تستقطب زوار العروس في موسم الصيف (تصوير: خضر الزهراني)
TT

على الرغم من اندثار البعض منها، بسبب التطور العمراني والتقني، فإن أسواق جدة القديمة لم تفقد رونقها، بروائح بخورها الزكية منافسة بجمهورها مراكز التسوق الكبرى في جدة.

وفي الوقت الذي يطلق فيه اليوم الدكتور هاني بن محمد أبو راس، أمين محافظة جدة، وفي برحة نصيف بالمنطقة التاريخية، التيار الكهربائي لأعمدة الإنارة الجديدة بالمنطقة، بعد انتهاء الأمانة من مشروع إنارة ورصف محاور المنطقة التاريخية قبل شهر رمضان المبارك، الذي ستشهد فيه المنطقة نشاطها التسويقي الموسمي في هذا الشهر الفضيل، أكد المهندس سامي نوار، رئيس بلدية جدة التاريخية، الانتهاء من المشاريع التطويرية في أسواق العلوي، والندى، وقابل، وعدد من المرافق الموجودة في المنطقة التاريخية. وأشار إلى أن مشاريع التطوير شملت رصف الطرق بالأحجار البازلتية ووضع إنارة كافية، وتكثيف آلية التنظيف، مع الاهتمام أيضا بترميم عدد من المباني التاريخية الموجودة في المنطقة، إلى جانب حرصنا على استقبال الشهر الكريم بوضع الفوانيس بكل شوارع البلد، وسيتم تشغيلها، وتم وضع عدد كبير من المظلات في تلك الأسواق لحماية المتسوقين والزائرين من حرارة الشمس.

ونظرا لما تتميز به جدة من تنوع في الأسواق، من حيث القيمة العمرانية والتاريخ، نافست نحو 12 سوقا قديمة في جدة، المراكز التجارية، في استقطاب زوار العروس، وهو ما أكده المهندس سامي نوار رئيس بلدية جدة التاريخية، الذي كشف عن اندثار عدد من تلك الأسواق وتحول البعض منها إلي أسواق جديدة مثل سوق الحراج التي انتقلت إلى جنوب جدة، وسوق البرادعية التي كانت مخصصة لبيع الحمير والأحصنة، وسوق السبحية لبيع السبح، فتحولت إلى سوق عامة إضافة إلى سوق الفحم والحطب، التي لم يعد استخدمها بالشكل الكبير، فتحولت السوق إلى سوق خردوات سوق العصر التي هي الآن سوق باب شريف.

وأضاف نوار: «في حين لا تزال أسواق مثل الندى وشارع قابل والجامع والعلوي إضافة إلي أسوق السبيل والصحيفة وسوق الخاسكية باقية، على الرغم من اختلاف المبيعات وتصميم المحلات، تستقبل زوارها على مدار العام وفي المواسم، مثل موسم الإجازات ورمضان والعيد، إما للتنزه أو للشراء؛ إذ تمثل هذه المراكز سياحة خاصة للزوار».

وقدر محمد عبد الرحيم الصفح، مدير قطاع السياحة والفعاليات بغرفة جدة عدد الأسواق القديمة في جدة بنحو 12 سوقا، التي تلعب دورا لارتباطها بنشأة جدة وتطورها في استقطاب الكثير من مرتادي مثل هذه الأسواق التي تكثر فيها التحف والملابس الشعبية والهدايا التي عادة ما يتخذها السياح كوسيلة تذكارية تربطهم بجدة، في حين تزيد المراكز والأسواق التجارية الجديدة على 200 سوق ومركز تجاري تشمل احتياجات الأسرة المختلفة.

وأضاف الصفح: «تتميز منطقة البلد في جدة بالكثير من الأسواق الشعبية ذات الأسعار المعتدلة، ومنها سوق الحراج وسوق الندى والخاسكية وسوق الذهب وسوق البدو وسوق العلوي وسوق قابل، في حين تنتشر المراكز التجارية الكبرى في مختلف الأحياء، حتى ارتفعت دعوات في الآونة الأخيرة مطالبة بضرورة ترشيد إقامتها للزيادة الكبيرة بها عن الاحتياج الفعلي، وفقا لبعض الدراسات.

ورأى الصفح أن أسواق جدة تعتبر من الأسواق العالمية نظرا للتركيز الكبير والانتشار الواسع للمحلات التجارية الحديثة، ويقدمون كل ما يحتاجه الزائر والسائح، حيث لم يغفلوا احتياجات المتسوقين وعشاق سياحة التسوق، الذين يمثلون الشريحة العظمى من السياح من أجهزة كهربائية وإلكترونية ومطاعم فاخرة، معتبرا المراكز التجارية في جدة واجهة حضارية تغري الزائرين والسائحين بعروس البحر الأحمر.

وبحسب تقرير رسمي صادر من الغرفة التجارية بجدة، يوجد أكثر من 200 سوق ومركز تجاري تستقبل سنويا نحو 6 زائرين، ويبلغ حجم الاستثمار في تلك المراكز بحسب خبراء نحو 10 مليارات ريال في سوق يمثل الاستثمار فيها بالسعودية نحو 35 مليار ريال، بينما وصل حجم الاستثمار السياحي في عروس البحر الأحمر وفق آخر الإحصائيات لـ60 مليار ريال. وكشف الأمير عبد الله بن سعود بن محمد آل سعود رئيس اللجنة السياحية بالغرفة التجارية الصناعية بجدة أن المراكز التجارية والأسواق في عروس البحر الأحمر تتسابق مع مهرجان «جدة غير 32»، على تقديم العروض والتخفيضات لزوار المهرجان، حيث ارتفعت المبيعات خلال أيام الصيف بنسبة تتراوح بين 70 و100 في المائة.

وأشار إلى حرص العاملين في هذه الأسواق على الاستعداد لهذا الموسم منذ وقت مبكر، حيث إن جدة تحولت إلى مركز تجاري عالمي في ظل استقبالها أكثر من ستة ملايين زائر سنويا، سواء عبر المهرجان أو موسمي الحج والعمرة، فهذه الأسواق تعد بمثابة شهادة لتنويع المنتج السياحي في جدة.

وبالعودة لنوار فقد أوضح لـ«الشرق الأوسط» لمحة تاريخية عن بعض أسواقها القديمة، ومنها سوق البدو، فقال: «هي التي تقع في الجانب الشرقي من مدينة جدة، وتبدأ من نهاية سوق الجامع وتنتهي بأول باب مكة، وفيها مختلف احتياجات أهل البادية من السلع، وتجار هذه السوق لهم خبرات واسعة وصلات تجارية مع عملائهم في القرى والبوادي المجاورة، وأكثر زبائنهم من البدو وبعض الحضر».

وأعطى نوار نبذة عن سوق الجامع؛ فهي امتداد لسوق البدو من جهة الغرب، وتقع في حارة المظلوم، وفيها الجامع، أي مسجد الشافعي، وقد اتخذت هذه السوق اسمها بوجود هذا المسجد.

كما تحدث نوار عن سوق الخاسكية، التي تقع جنوب غربي شارع قابل وجنوب شرقي السوق الكبيرة، وقال هي من الأسواق القديمة والمسقوفة، التي تحولت في الوقت الحالي من سوق لسبح إلى سوق للملابس والخردوات.

يضيف نوار حول سوق الحراج: «وقد تحولت إلى سوق الذهب، وتقع في نهاية سوق الصاغة من الناحية الشمالية، وكانت من أشهر الأسواق المخصصة للتعامل بين طلاب الربح السريع والخسارة المتوقعة، وقد تحولت الآن إلى جنوب جدة في حي الجامعة وسوق الصواريخ أقصى جنوب المدينة، وهذه السوق لا يباع فيها غير الأشياء القديمة، ويحصل البيع بطريقة المزاد العلني وتقف المزايدات بعد القناعة من كل الأطراف، ويحسم من الثمن أتعاب السمسار (الدلال) ويعطى الباقي من القيمة للبائع.

وبالعودة إلي منطقة البلد القديمة بين رئيس بلدية البلد تحول سوق العصر، التي تقع في باب شريف، من سوق عامة إلى سوق متخصصة في لعب الأطفال، وقد سميت بالعصر لأن البضاعة كانت تعرض فيه وقت العصر كل يوم، ما عدا يوم الجمعة، وهي تشبه سوق الحراج.

وكان أول شارع يزود بالكهرباء في جدة، حيث قام آل قابل باستيراد مولد كهربائي ليعطي كل دكان مروحة ومصباحا كهربائيا، فتسابق التجار للاستئجار في ذلك الشارع الذي كان تطورا لا عهد لهم به من قبل، وقد اختص ذلك الشارع في الماضي بتجاره الأقمشة.

ومن أسواق جدة القديمة والمهمة سوق الصاغة، التي كانت تعد مركزا لبيع وشراء المعادن المهمة، وتمثل سوقا تجارية ذات نشاط واسع ملحوظ في بيع وشراء الذهب والأحجار الكريمة والفضة، لا سيما في مواسم رمضان والحج والعمرة، وتقع هذه السوق في الجنوب الشرقي من سوق الحراج والتعامل في بيع الذهب وكان البيع والشراء في السوق يخضع للمساومة، وبالذات من الطبقة المتخصصة.

وعلى الجانب الآخر، أخفى التقدم العمراني أسواقا مثل أسواق الفحم حيث كان الفحم الوقود الأساسي للمنازل في ذلك الوقت، وله تجار في جدة يجمعونه بطريقتهم من بعض أهالي المناطق شرق وشمال جدة، ويحفظونه لبيعه في فصل الشتاء. كما اختفت أيضا سوق البرادع، التي كانت مثل موقف للحمير والأحصنة، وتباع فيها كل مستلزمات ركوبها، وكانت تصنع فيه برادع الحمير والبغال وسروج الخيل في زمان استعمالها كوسائل للنقل، وقد تحول الآن إلى مركز لسوق التمر. ومن أسواق جدة القديمة أيضا سوق الصحيفة، سوق الخاسكية، وفيها دكاكين ومطاعم ومقاه ومكان لوقوف السيارات الأجرة، وهي سوق جديدة نشأت بعد الحرب العالمية الثانية، وتشتهر في الوقت الحالي ببيع الإلكترونيات، ومن الأسواق أيضا سوق برة. وهذه السوق خارج السور في اتجاه الشمال، وكان يرتادها سكان الساحل في بلدة ذهبان وثول والقضيمة ورابغ، لوقوعها في اتجاههم، وسوق السبيل. والزائر لمنطقة البلد بجدة لا ينسى أن يمر بسوق كانت تعرف بسوق (الحوت) لانتشار المقالي في معظم الدكاكين، إلى جانب كثرة المقاهي.