في مطاعم العاصمة المقدسة.. «ممنوع دخول النساء»

90% من مطاعمها تمنع دخول العائلات

افتقار العاصمة المقدسة للمطاعم التي تستوعب العائلات يسهم في ظاهرة الافتراش التي لا تعكس الصورة الحضارية للمملكة
TT

على الرغم من أن مكة المكرمة يفد إليها الملايين من البشر، من معتمرين، وحجاج، وزوار، فإنها وبحسب مراقبين، تفتقر إلى الهيكلة التنظيمية التي تراعي تصميم مطاعم عالمية تستهدف دخول العائلات إليها من الحجاج والمعتمرين.

وباتت مشاهد افتراش الحجاج والمعتمرين على جنبات الطرق الرئيسية، بغية سد جوعهم، مشهدا مألوفا على الأرصفة، وعلى مسطحات الحدائق الخضراء، بطريقة لا تعكس صورة المملكة حضاريا، حيث رسمت شرائح معتمرين علامات التعجب تباعا، متسائلين عن افتقار مكة المكرمة لسلسلة المطاعم العالمية التي تكفل دخول العائلات لها، فضلا عن الحاجة لإيجاد سلسلة مطاعم عالمية.

«المطاعم الشعبية» التي تعج بها شوارع العاصمة المقدسة، لا تتسق ألبتة، مع توثب مكة المكرمة للقفز نحو العالم الأول، ناهيك عما تحويه من قائمة طويلة من الأمراض، والعدوى، وعدم التزام عامليها بمواصفات السلامة، والنظافة، فمكة تتسم بكونها مدينة ذات ثقل ديني واقتصادي مهم، يتم من خلالها حراك مالي على كافة الأصعدة من النشاطات التجارية، إلا أنها تفتقر في الوقت ذاته إلى التخطيط الأمثل في النشاط الغذائي المتمثل في المطاعم المنتشرة في كافة أنحاء مكة.

الكثير من تلك المطاعم تفتقد أهم ميزة يجب أن تتوافر في نهجها التجاري، وهو أن يكون هناك قسم للعائلات يتم من خلاله استضافتهم، حيث إن أكثر من 90 في المائة من تلك المطاعم لا يوجد بها أقسام عائلية، على الرغم من المطالبات الكثيرة التي تطالب بتوفرها، لكي يتم حل معضلة افتراش الكثير من المعتمرين والحجاج في مواسم الحج والعمرة للطرقات والأرصفة المجاورة للمطاعم في مشهد غير حضاري.

وتعد الأقسام العائلية على الرغم من الحاجة الملحة في وجودها لكسر ظاهرة الافتراش، فإنها مطلب الكثير من أهالي مكة المكرمة، الذين يجبرون إلى قطع مسافات طويلة للخروج من مكة، للذهاب إلى أحد المطاعم الفاخرة في محافظة جدة لتناول وجبة الغداء أو العشاء، نظرا لعدم أهلية تلك المطاعم، وافتقارها إلى أبسط مزايا الترفية التي تتوفر في نظيرتها مطاعم جدة.

التخطيط العشوائي للمطاعم يتمحور في عدة أوجه، منها الصفة الإنشائية غير المتطورة، فتجد مباني تلك المطاعم ليست على الطراز الحديث، والذي يعد من أهم عوامل جذب المستهلكين، بل تجدها متهالكة أو متقادمة الزمن، ولا يطرأ أي تعديل في هيكلتها الإنشائية.

الوجه الآخر من هذا التخطيط العشوائي، والمتمثل في عدم تطبيق الكثير من تلك المطاعم لأبسط الاشتراطات الصحية، فنسمع بين تارة وأخرى عمليات إغلاق تطال تلك المطاعم، والسبب تسمم بين مرتاديها، نظرا لعدم اهتمامها بهذا الجانب الصحي، بل طغت الجوانب الربحية على أي اهتمام آخر.

من جهته قال الدكتور محمد فوتاوي، مدير عام صحة البيئة في أمانة العاصمة المقدسة في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إن «الاشتراطات الخاصة بالمطاعم من أهمها توفر مساحة 62 مترا على أقل تقدير، وهو يعتبر الحد الأدنى من توفر هذه الاشتراطات».

واستطرد بالقول «لا بد أن نضع في الاعتبار أن جغرافية مكة في فترة مضت، خصوصا في المنطقة التي تعد من أغلى المناطق في العالم وهي منطقة الحرم، كان لا بد من وضع هذا الاشتراط، ولكن في الفترة الحالية، وما تشهده مكة من نهضة عمرانية اختلف الوضع، وأصبح هناك إنشاءات عملاقة من المطاعم، والتي تعد على أعلى مستوى، وعلى سبيل المثال وقف الملك عبد العزيز وما يحويه من مطاعم فاخرة، تتوفر فيها جميع الاشتراطات، وكذلك على أحدث الطرز».

وتابع فوتاوي حديثه «وهذا المثال، سيكون النواة الأولى في توفير مطاعم حديثة الطراز، خصوصا مع الإزالات التي حدثت في الساحات الشمالية مؤخرا وقيام فنادق وأبراج، مما جعلنا نطالب أصحاب تلك الدور بوجوب توفير مطاعم مثلما يحدث في وقف الملك عبد العزيز، بالإضافة إلى أن الإزالة أسهمت وبشكل كبير في اختفاء الكثير من المطاعم القديمة، والتي كانت تحيط بالمسجد الحرام، مما جعلنا نتنفس الصعداء بعد أن كنا نتعقبها طوال الموسم».

وحول الاشتراطات الصحية التي تطبق على المطاعم للحيلولة دون وجود مخالفات عليها قال الدكتور فوتاوي: «وزارة الشؤون البلدية والقروية انتهجت نظاما جديدا وهو إلزام أصحاب المطاعم بضرورة وضع حاجز زجاجي، لكي يتمكن الزبون من النظر إلى ما يحدث داخل المطعم، وبالتالي تعتبر هذه الخطوة محفزة في انتهاج أصحاب تلك المطاعم إلى توفير أعلى درجات السلامة، والمحافظة على المظهر الجيد، لكي يتمكن من جذب الزبائن إلى مطعمه، وهذا بحد ذاته اشتراط جديد تهدف الوزارة من خلاله القضاء على تلك المخالفات الصحية التي قد تكون خطرا محدقا بالزبائن، والتي اقلها عمليات التسمم».

وأضاف مدير صحة البيئة في أمانة العاصمة المقدسة «هذا التوجه يطبق على المطاعم التي ستنشأ حديثا، وكذلك على المطاعم القائمة، والتي تسمح ظروفها بتوفير هذا الحاجز الزجاجي، أما المطاعم القائمة، والتي لا تستطيع أن توفر هذا المطلب فتأمل الجهات المسؤولة على هذا الشأن أن تنتهي في القريب العاجل، مع ما تشهده مكة من تغييرات في النهضة العمرانية في هذه الأيام».

وعن عدم توفر أقسام عائلية في الكثير من مطاعم مكة قال سهل مليباري، الناطق الإعلامي لوكالة الخدمات بأمانة العاصمة المقدسة في حديثة لغرفة مكة، إن «أصحاب المطاعم يهمهم الجانب الربحي، وهذا ما يوفره لهم اقتصاد مكة، حيث إن الحاج أو المعتمر أو الزائر، في كل الأحوال هو سيأتي إليهم، بالإضافة إلى أن البعض من أصحاب المطاعم لا يحبذ هذا التوجه في إنشاء أقسام عائلات لأن طبيعة الزبائن من المعتمرين والحجاج، ليسوا كغيرهم من الزبائن الذين يفدون إلى غيرهم من المطاعم، حيث إن الحاج أو المعتمر لو وجد مكانا يجلس فيه فستطول مدة إقامته، وبالتالي سيعد ذلك خسارة عليهم، والفائدة لدى أصحاب هؤلاء المطاعم هو تقديم خدماتهم السريعة دون وجود أماكن للعائلات».

وحول افتقار مكة للمطاعم العالمية على الرغم من أن مكة بيئة اقتصادية جذابة من خلال توافد ملايين البشر إليها، قال مليباري، إن «عدم وجود عنصر الاستقرار، نظرا للكثير من المشاريع التنموية التي تشهدها مكة، وخوف المستثمرين من عمليات الإزالة، أسهم في عدم وجود تلك المطاعم العالمية، ولكن متى ما وجد هذا الاستقرار سيفد إلى مكة الكثير من المطاعم العالمية، ولنا فيما يحدث في مشروع وقف الملك عبد العزيز من وجود الكثير من المطاعم العالمية أقرب مثال، وذلك بسبب الاستقرار وعدم الإزالة لعشرات السنين».

من جهته، أكد صالح الغامدي، أحد المقاولين في مكة، في حديثة لـ«الشرق الأوسط» أنه لو استغلت الأدوار الأولى من الأبراج والدور السكنية الكبيرة، والتي تنتشر في جميع أنحاء مكة المكرمة، أو تلك التي تسمى بدور «الميزان»، في إنشاء مطاعم ذات طراز حديث، وجودة عالية من خلال تقديم الخدمات، لأصبح هناك بيئة غذائية تسمح لكل أطياف مكة من القدوم إليها، خصوصا أهل مكة الذين يقطعون مسافات كبيرة للذهاب إلى مطاعم جدة.

وأضاف الغامدي، أن «مثل هذا الاقتراح، سيحل الكثير من المظاهر السلبية التي توجد حاليا في العاصمة المقدسة، خصوصا في فترات الذروة، كمواسم الحج والعمرة، ومشاهد الافتراش في الطرقات والأرصفة، خصوصا في المناطق الحيوية كحي العزيزية، القريب من المنطقة المركزية للحرم، والقريب كذلك من مشعر منى، بالإضافة إلى مساهمة وجود تلك المطاعم داخل الأبراج، في السماح للمعتمرين والحجاج القادمين إلى مكة للتعرف على ثقافة مكة، وأخذ صورة حسنة عن أطهر بقاع الأرض».

ومن جانبه، قال فهد المناعي، خبير اقتصادي في حديثة لـ«الشرق الأوسط»: «البيئة الاقتصادية التي تتميز بها مكة المكرمة، لا تتوافر عند غيرها من مناطق العالم، نظرا لامتلاكها لأهم عنصر وهو وجود الكثافة البشرية التي تتطلب وجود مطاعم ذات طراز حديث، واشتراطات صحية فائقة الجودة، فبالتالي عدم استغلال هذا العنصر يسهم في إحداث خلل في التركيبة الاقتصادية التي يجب أن تكون متوائمة مع العناصر التجارية في مكة المكرمة، والتي تسمح لأي مستثمر أن ينشئ مشروعه وبنسبة نجاح كبيرة جدا». وأضاف المناعي «النهضة العمرانية والمتغيرات الإنشائية في العاصمة المقدسة، يجب أن تستغل من قبل الجهات المسؤولة، خصوصا وزارة الشؤون البلدية والقروية، في وضع الاشتراطات الإنشائية للأبراج السكنية والتجارية، تسمح بإنشاء مطاعم ذات طراز حديث، وبالتالي فلو تم هذا الأمر سيكون هناك جذب للمطاعم العالمية التي تنتظر الفرصة للدخول في المعترك الاقتصادي في مكة ومنافسة نظيرتها من المطاعم المحلية، وهذا بالطبع يعود بالنفع على المستهلك سواء الحاج أو المعتمر، أو أهل مكة القاطنين فيها».

وقال ينبغي أن يشهد الاستثمار في المطاعم في المناطق المركزية في العاصمة المقدسة ارتفاعا بشكل ملحوظ، معللا السبب بالحاجة لأن تصبح أحد أهم مراكز التنزه السياحي الديني الذي يعزز النمو الاقتصادي، ونطمح أن يصل حجم الاستثمار فيها إلى أكثر من 1.5 بليون دولار.

وتعد المطاعم من المشاريع التي تعزز صناعة السياحة في البلدان، فترى أن لكل منها طابعا معينا يتميز به إما بالطابع الحديث والسريع وإما بالطابع القديم الفاخر أو حتى البسيط منها.

وتنتظر فايزة العوضي، معتمرة كويتية في العقد الثالث من عمرها، بفارغ الصبر افتتاح مركز تجاري عالمي، يكون قريبا من المنطقة المركزية للحرم المكي الشريف، أو منطقة العزيزية، ويكون على أعرق المستويات، كما في دول كماليزيا، وسنغافورة، يعج بالتسوق بمحال الماركات العالمية والمرور بأعرق دور الأزياء في العالم التي ستأخذ في المول محلا لها.

وترغب العوضي (25 عاما) الموظفة في القطاع الخاص أيضا أن تتناول الطعام في المطاعم الفاخرة، لتجمع الطابع الديني والمناظر الخلاقة، التي أسماؤها من أشهر الأسماء العالمية المعروفة وتتمتع بالتجول في هذا المركز التجاري الجديد الغني والمتنوع.

وزادت بالقول: «وجود مكة كعاصمة إسلامية، لا يعني أن تكون مدينة فقط ذات طابع ديني، فالإسلام يعزز الاقتصاد، والمسلمون يأملون ويتطلعون نحو الوصول إلى أعلى درجات».

وتقول العوضي التي تتقاضى راتبا بنحو 1500 دينار كويتي شهريا (ما يقارب 15 ألف ريال سعودي) إنها تتخيل مكة اقتصاديا بشكل أكثر تنظيما، وفاعلية، وتتوقع أن يكون مكانا مناسبا للترفيه كون مكة لا توجد فيها أماكن للترفيه العائلي سوى الأسواق التجارية العالمية، مشيرة إلى أنه سيكون مشابها للمولات الموجودة في الدول العالمية وبأسعار تتوقع أنها ستكون مناسبة.