مهرجان التمور يعيد مهنة «الدلالة» للواجهة من جديد

تتجدد منذ عقود وتدرج أبناء المنطقة في عالم التجارة

أحد الدلالين خلال مزايدته على شحنة تمور بعد وصولها فجرا إلى سوق بريدة الدولية («الشرق الأوسط»)
TT

عادت حناجر أكثر 200 شاب سعودي لتصدح مجددا بصوت عال منادية «بمصطلحات» عدة يجمعون عليها، ويتكرر هذا المشهد سنويا مع بدء شهر أغسطس (آب) حيث موسم نضوج التمور، والذي يستمر حتى منتصف شهر سبتمبر (أيلول)، ويتزامن مع انطلاقة مهرجان التمور ببريدة وسط السعودية، لعرض وتسويق التمور. ويعرفون أولئك المسوقون بـ«الدلالين» على المستوى المحلي، ويعملون تحت إمرة كبار الدلالين، ويقع على عاتقهم تسويق 250 طنا من التمور، وهي الكميات التي يتم استقبالها في ساحات مدينة التمور، من خلال المزايدات بإشعال لهيب الحماس لدى مئات من المتسوقين والتجار، حال فتح المزاد على كمية من التمور المعروضة في المهرجان، وكان لافتا هذا العام أيضا دخول شركات متخصصة لتنظيم عمله، واجتذاب هؤلاء الشباب.

وتعرف منذ عقود مهنة «الدلالين» في أجزاء عدة من السعودية، حيث يقودون الأسواق على اختلافها، ويعدون خبراء بهذه الأسواق وبدهاليزها، بعد أن تدرجوا في هذه الأسواق.

وعرف عن منطقة القصيم (وسط السعودية) منذ القدم تدرج أبنائها في العمل التجاري، بحيث يبدأ البعض منهم عمالا قي سوق التمور والخضراوات والفواكه، ويتدرجون في السوق حتى يستقل الشاب في عمل خاص به، أو أن يغادر القصيم للتجارة، ولعل عبد العزيز التويجري الشخصية الرياضية المعروفة ورئيس نادي الرائد السابق، والذي سبق أن عمل في السوق منذ الصغر بحسب حديثه لـ«الشرق الأوسط»، وتدرج فيها حتى أصبح أحد أكبر مستثمري التمور محليا، ويؤكد التويجري أن الآباء يؤسسون لثقافة العمل بداخل أبنائهم من خلال هذه الأسواق.

ويصف هنا عبد العزيز التويجري، تاجر التمور والشخصية الرياضية البارزة، دلالي السوق بتجار المستقبل، ويعتقد أن ما يؤسس لثقافة العمل كدلال أو بمهنة صغيرة المستوى يؤسس لأن يكون الشخص من كبار تجار المستقبل، مستدلا بكون جل تجار مدينة بريدة خرجوا من سوق التمور أو سوق الخضراوات والأنعام. وقال التويجري إن هناك كبارا من الدلالين يبلغ عددهم 10 ينضوي تحتهم عشرات الدلالين من شباب القصيم وشباب قادمين من خارج المنطقة للعمل في السوق.

ويتكرر مشهد المزايدات على التمور في فترتي عمل سوق مدينة التمور خلال مهرجان التمور في مدينة بريدة، ويتقاطع الدلالون مع بعضهم بعضا في المصطلحات التي يرددونها ومنها «لك شف» و«نفتح الباب» و«ما بعد الحراج إلا البيع»، كل تلك المصطلحات ترتبط بالبيع بشكل مباشر.

ويتلخص عمل الدلال في إلهاب حماس المتزايدين وإيصال السعر لأعلى رقم بعد أن تظهر بين المشترين الرغبة في الشراء نوعا ما، بالإضافة إلى خلق نوع من التنافس المحموم بين التجار، وفي الغالب ما يكون بيده زمام الأمور من حيث إقفال المزايدة، بعد بلوغ السعر المطلوب من قبل البائع والدلال.

ويذكر هنا عبد الإله البريدي، وهو شاب في العقد الثاني من عمره وطالب جامعي بجامعة القصيم، ويعمل دلالا في سوق التمور، أن العمل في السوق ممتع ويجذب جل شباب بريده. ويضيف «نجرب العمل فيها، ونخطو أولى خطواتنا نحو العمل، فمثلا أنا أعمل بطريقة أن أعتلي متن السيارة المحملة بالتمر داخل منطقة الحراج وسط السوق وأفتح باب الحمولة، وأقود المنافسين التجار، وأقوم برفع صوتي، وأصف البضاعة، وأقوم بتحديد كميتها ونوعها، وأكرر ذلك أكثر من مرة حتى يصل لسعر يجمع عليه البائع والمشتري».

وروى البريدي قصة تأسيسية في هذه المهنة، وقال «تتلمذت على يد دلالي السوق الكبار، قبل أن أعتلي منصة الدلالة في السوق، ونعمل في السوق وقت الإجازات والفراغ، وحتى إن حصلنا على فرصة عمل، نأتي للمتعة والفرجة والتعرف على دهاليز السوق.