معاناة تتجدد مع رمضان.. الوقوف العشوائي أمام المساجد يجبر 15% على الانتقال من منازلهم

العبيكان لـ«الشرق الأوسط»: تتبع الأصوات الحسنة أمر جائز.. لكن مضايقة أصحاب المنازل «محرم»

تتبع المصلين لأصوات الأئمة الحسنة يسهم في اكتظاظ المناطق المحيطة ويخلق حالة من العشوائية للسيارات حول المنازل المجاورة (تصوير: خالد الخميس)
TT

يبدو أن ثقافة المصلين ما زالت تحتاج إلى توعية لخلق إحساس بمعاناة جيران المساجد المستمرة وألمهم وإنهاء ذلك، من خلال إيجاد طرق حديثة للتخلص من العادة التي تحولت إلى ظاهرة تؤرق الكثير لتعرضهم لإغلاق الطرق المؤدية إلى منازلهم.

وتوسعت أزمة جيران المساجد في شهر رمضان المبارك التي تعرف بإقامة صلاة التراويح، مما يسهم في كثرة عدد المصلين خصوصا في المساجد التي تشتهر بإمام حسن الصوت.

وأصبحت المعاناة مستمرة مع أصحاب السيارات القادمين للصلاة في المساجد التي يجاورونها، حيث إنهم يتعرضون لإغلاق الطرق المؤدية لمنازلهم، فأصبحوا في حيرة من أمرهم خاصة وهم في شهر رمضان.

وبرر الكثير من المصلين خلال حديثهم لـ«الشرق الأوسط» تكرر تلك العادة من دون قصد من المصلين، وغالبا تكون بحسن نية من المقبلين على المساجد ونقص ثقافة الإحساس بالناس في كل عمل يقومون به.

البعض يبحث عن اغتنام شهر الخير لينال الأجر والثواب، لكن ينسى أن ضرر الناس أمر غير جائز، بحسب الشيخ عبد المحسن العبيكان، الذي تحدث لـ«الشرق الأوسط» حول هذا الموضوع، فهناك السيارات التي يتم إيقافها بطرق عشوائية أمام المنازل، وأخرى يتم إيقافها أمام المساجد فيكون هناك أذى على المصلين منها.

لسان حال بعض جيران المساجد ومرتاديها الذين يعانون من هذه المشكلة بشكل مستمر، يقول نريد حلا جذريا للتخلص من تلك العادة القبيحة التي يعلم أصحابها أنها تتسبب في ضرر لهؤلاء الجيران.

وخلال جولة قامت بها «الشرق الأوسط» على جامع الناصر في العاصمة الرياض، الذي يؤمه الشيخ محمد اللحيدان، لاحظت خلال الشهر الحالي من رمضان المبارك عشوائية في وقوف السيارات أمام المساجد، وخصوصا المساجد التي تقع على الشوارع الرئيسية بالمحافظة، التي يتضح أن أصحابها يضربون بحرمة الطريق عرض الحائط غير مراعين لأهمية الطريق ومرور السيارات عليه بشكل متواصل.

وأكد الشيخ عبد المحسن العبيكان، المستشار بالديوان الملكي، لـ«الشرق الأوسط»، عدم جواز الذهاب للصلاة وترك المركبة أمام منزل أو في مكان يكون فيه ضرر على أحد ما.

ويرى الشيخ العبيكان أن إيقاف سيارات المصلين بشكل مخالف لنظام المرور لا يجوز، مضيفا: «المفترض أنه لا ضرر ولا ضرار، وإيذاء المسلم أمر محرم»، مشيرا إلى ما يحدث في «صلاة التراويح وصلاة الجمعة أو عند أوقات الصلاة، فالمفترض عدم الوقوف في أماكن فيها إضرار، حتى عند أبواب المنازل يعتبر إيذاء، ومحرما، لأنه يعتبر شرا على الناس».

وذهب العبيكان إلى أن المشكلات التي يعاني منها أصحاب المنازل القريبة من المساجد، التي تزدحم بالمصلين لقلة وجود المواقف للسيارات، تقف مسؤوليتها على وزارة الشؤون الإسلامية، مؤكدا أن لديهم جهات ولجانا مهتمة بإعادة تنظيم المواقف التابعة للمساجد.

واتصلت «الشرق الأوسط» بالدكتور توفيق السديري، وكيل وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف لشؤون المساجد والدعوة والإرشاد، للوقوف على رأيه في الموضوع، لكن دون جدوى.

وقال الشيخ عبد المحسن العبيكان إنه من وجهة نظر شرعية فإنه لا مانع من الذهاب إلى المساجد التي فيها أئمة يملكون أصواتا جميلة وتكتظ بالزحام للصلاة فيها، حسب فتوى للشيخ عبد العزيز بن باز مفتي عام المملكة السابق.

ويرى أحد الأكاديميين السعوديين – رفض ذكر اسمه - في حديث لـ«الشرق الأوسط»، أن السكن إلى جوار المسجد أمنية لدى الكثير من الناس، وشخصيا أرى أن السكن إلى جوار المسجد نعمة كبيرة لمن يحصل عليها، حيث إن الشخص القريب من المسجد يضمن حضورا باكرا إلى المسجد ويحافظ على صلاة الجماعة، لكن هذه الفرحة والسعادة لن تكتمل في الوقت الراهن، خصوصا أن هناك مصلين يضايقون أصحاب البيوت المجاورة للمساجد بسياراتهم، ويوقفونها بطريقة خاطئة وغير لائقة، وربما تعدى الأمر إلى إيقافها أمام مداخل المساجد فيضيقون على المصلين دخولهم للمسجد.

من جانبه، يؤكد العقاري أحمد المطيري، مالك مكتب عقار، أن الذي يحدث من بعض مرتادي المساجد بالوقوف أمام منازل جيران المسجد أمر مؤسف، لأنه يحاصر صاحب المنزل ويضيق عليه في حركته، وقد يكون لديه مريض يريد الذهاب إلى المستشفى، فنتمنى أن يتنبه هؤلاء لهذا الأمر، فماذا يضر صاحب السيارة لو أوقفها في مكان بعيد لا يضايق الآخرين؛ خاصة أننا في شهر كريم، الجميع يرجو القبول من الله ويحتاج إلى بذل الجهد والعمل والتعاون.

وأضاف المطيري أن بعض الجوامع يتم جلب حراس أمن ومنظمين للسيارات أمام الجامع، حتى لا يمكن للمصلين الوقوف بالشكل الخاطئ الذي يتسبب في عزوف الكثير عن السكن في جوار الجوامع.

وقدر نسبة المصلين الذين نقلوا من جوار الجوامع إلى أماكن أخرى تبعد عن الجوامع بـ15 في المائة، حيث انتقلوا إلى أماكن أخرى تبعد عن المساجد مسافة بعيدة، حتى يتخلصوا من تلك الظاهرة التي لا تزال عالقة في بعض المصلين.

فيما بين أحد من يسكنون قريبا من المساجد، أن أكثر المنازل والفيللات في حيه يفكر أصحابها في بيعها، وهو من ضمنهم، بسبب مضايقة «المصلين» المؤذين لجيران المساجد، الذين لا يقدرون شعور الآخرين على الرغم من وجود لوحات أمام المنازل تفيد بعدم الوقوف أمام المنزل، لكن لا حياة لمن تنادي.

وكان عدد من أئمة الجوامع قد اختلفوا حول وقوف السيارات بشكل عشوائي أمام المساجد، بين من يراه أمرا مقبولا، وآخر يراه مسببا في إلحاق الضرر بالمسلم، فيما بين بعض أصحاب المنازل القريبة من جامع الناصر (شرق الرياض) أن وقوف السيارات بجوار المنزل أمر عادة، خصوصا أنهم يؤدون صلاة التراوح لمدة ساعات في اليوم لا تشكل ضررا.

من جانبه، يقول إمام أحد المساجد (لم يذكر اسمه كي لا تتم مساءلته): «إن التعاون بين الناس أمر مهم، خصوصا فيما يتعلق بالأذى الذي يتعرض له الناس المجاورون للمسجد، وهذا أمر يجب أن يجعله مرتادو المسجد نصب أعينهم، ويحرصوا على بذل الجهد فيما يقربهم من رب العباد وعدم مضايقة الآخرين من جيران المساجد والوقوف أمام بيوتهم».

ويقول مؤذن مسجد في العاصمة الرياض كذلك، إنه يمكن لإمام المسجد أن يوجه المصلين إلى عدم إيقاف سياراتهم أمام مداخل المساجد ومنازل السكان الذين يجاورون المساجد، وتمنى أن تكون هناك استجابة تعود بالنفع على الجميع.

فيما بين المواطن أحمد العتيبي أن بعض الناس يتركون الصلاة في المساجد القريبة منهم ومن منازلهم ويذهبون بسياراتهم إلى مساجد أخرى، حتى يصلوا مع الإمام الذي يعرف بحسن الصوت، ويقوم هؤلاء الناس، من دون إحساس بالناس، ويقفلون بسياراتهم منازل الآخرين القريبين من هذا المسجد، ويقومون بعملية إغلاق الطريق مؤقتا دون الإحساس بالآخرين.

ويوضح أحد السكان القريبين من أحد المساجد المشهورة بإمام حسن الصوت في أحد الأحياء بشمال الرياض: «إذا أتى شهر رمضان، شرفه الله، أتضايق من الحي وأكره منزلي، بسبب تصرف يسببه أناس أتوا من أحياء أخرى، وقاموا بإغلاق الطريق المؤدي لمنازلنا في هذا الحي، يقفل الطريق عليك ويتم إيقاف السيارات أمام كراج المنازل بشكل استفزازي، والمصيبة أن يتم إيقاف سيارته وبجوارها سيارة أخرى تقف معها، ولا تتم مراعاة حرمات المنازل التي أمام هذا المسجد أو بالقرب منه».

من جانبه، بين إمام أحد الجوامع في العاصمة الرياض، أن المسألة «لا تتطلب فتوى شرعية، وإنما مراعاة وتسهيل لأداء الفرائض، وتحديدا في شهر رمضان، فبعض المصلين تحدث أمامي عن هذه المسألة ومدى الأضرار التي ألحقت بهم نتيجة الاصطفاف في أماكن مخالفة، وتحديدا في المساجد التي توجد في مناطق شديدة الزحام والتسوق، وهذا الأمر يتفاقم في أعلى مستوياته في العشر الأواخر من رمضان».

وفي المقابل يرى بعض الأئمة أن ما يحدث من المصلين في مخالفة أنظمة المرور، وتفاقمها عند دخول وقت الصلاة، «يتطلب تقبل المصلين للنظام، فالاصطفاف بعيدا حتى لو على بعد أمتار بعيدة، هو أجر، فالأجر على قدر المشقة، والموضوع يجب أن يكون ضمن النظام وليس الصبغة الدينية، ولا أعتقد أن المخالفات تتقصد المصلين تحديدا، لأن الهدف هو النظام»، مؤكدين أن إيقاف السيارة بعيدا قليلا عن المسجد يمكن اعتباره رياضة وكسبا للأجر في الوقت نفسه.

واقترح عبد العزيز القصير، أحد المصلين، على المصلين أن يستبدلوا المسجد في حالة وجود ازدحام، وعدم التردد على مسجد واحد حتى لا يلحق بالمصلين الضرر. وأضاف أن على إمام المسجد المسؤولية في توعية المصلين بين وقت وآخر، وتكثيف التوعية في شهر رمضان المبارك.

وطالب بتكثيف الجهود على هذه الظاهرة التي تفاقمت في الآونة الأخيرة من قبل الجهات المعنية، والخروج بحلول جذرية تفي بالغرض وتنقذ الكثير من أصحاب المنازل من الضرر الذي يلحق بهم طوال شهر رمضان المبارك، وكذلك صلاة الجمعة طوال السنة.