البسطات الرمضانية ثقافة وفلكلور شعبي.. تحاكي تاريخ واقتصاد كل مدينة

توفر آلاف الفرص الوظيفية للجنسين.. ومطالبات بتحويلها لمعالم سياحية

تجد البسطات الرمضانية قبولا لدى كثير من مرتادي المناطق التجارية ومنطقة وسط البلد («الشرق الأوسط»)
TT

في كل عام من شهر رمضان تتحول شوارع الأحياء القديمة إلى ساحة كبرى من العربات المتحركة أو ما يطلق عليه في السعودية «البسطات» والتي ارتبطت وجدانيا بهذا الشهر الكريم، وأضحت ثقافة شعبية، حيث تصاحب عمليات البيع التقليدية في البسطة الأهازيج والأغاني الفولكلورية التي تشتهر بها كل مدينة، مع الحرص على اقتناء الملابس التقليدية القديمة، الأمر الذي ساهم في توفير آلاف الفرص الوظيفية المؤقتة لتحسين دخلهم وخاصة من ذوي الدخول المحدودة من الجنسين، ويمارس أصحاب البسطات عملهم عقب صلاة المغرب مباشرة في بيع المأكولات الشعبية، بعد أن حصلوا على مواقع من قبل البلديات الفرعية للأحياء الشعبية بشكل نظامي عبر نظام القرعة أو الاختيار العشوائي بشكل مباشر.

فيما يطالب مختصون في مجال السياحة بتحويل تلك الأعمال البسيطة إلى دعم وتحويلها إلى مزارات ومدن خاصة بالمأكولات القديمة والحديثة من حلويات وتسالٍ، وأن تكون تلك العربات ذات تصميمات وأشكال تحاكي تاريخ المدن.

وتوفر بلديات المدن مواقع مخصصة لعربات لبيع منتجات تقليدية لكل مدينة أو تنظيم مهرجان أو مزار لبيع تلك المنتجات خلال شهر رمضان.

وفي جدة وفرت منطقة جدة التاريخية 170 موقعا مخصصا لبيع العربات وتم إصدار الرخص لهم وفق الشروط واللوائح المعدة لذلك، وستكون تلك البسطات موجودة خلال شهر رمضان المبارك في منطقة جدة القديمة لبيع أطعمة الكبدة والبليلة والحلويات التقليدية والعصائر الشعبية كالسوبيا، وغيرها من المأكولات الرمضانية التي تشتهر بها المنطقة، إضافة إلى بيع العطور الشرقية والملابس التقليدية. وتم توزيعها في خمسة مواقع لأسواق قديمة كسوق الندى والعلوي وزودت في تلك المناطق بالإنارة والأرصفة اللازمة كمقرات لجلوس الزبائن.

ومن المتوقع أن تشهد تلك المناطق إقبالا بنسبة تزيد على 95 في المائة وسط توقعات أن تحقق المحلات والشركات في تلك المنطقة أرباحا تتجاوز 5 مليارات ريال خلال شهر رمضان.

ومنحت أمانه جدة هذا العام فرصا إضافية للسيدات وخاصة من الأرامل والمطلقات وقدر رئيس بلدية البلد التاريخية المهندس سامي نوار نسبة رخص السيدات بـ45 في المائة. وهي مختصرة فقط على المطلقات والأرامل وذوي الاحتياجات الخاصة والحالات الاجتماعيات الخاصة، بالإضافة للسيدات غير المتزوجات وبلغ عمرهن فوق الثلاثين عاما كنوع من المساهمة والاهتمام بجميع شرائح المجتمع.

وفي الطائف خصصت العربات لبيع الفواكه التي تشتهر بها المدينة خلال الصيف من الفواكه الموسمية، حيث ينتشرون على جوانب المزارع والطرقات وتشتهر الطائف ببيع العنب والرمان والتين والمشمش والخوخ واللوز البجلي والتين الشوكي (البرشومي) والسفرجل والتوت.

وتقدر عدد البسطات بأكثر من 560 بسطة تتمركز غالبيتها في سفوح جبال الشفا ومنطقة الهدا، ويشجع أصحاب المزارع أصحاب البسطات بدعمهم بالفواكه والخضراوات المحلية وهو ما يطلق عليه المنتج البلدي، بالأجل وتحصيل قيمة البضاعة بعد بيعها بعد أن وجدوا في تلك البسطات توزيعا ودخلا إضافيا للفائض من منتجاتهم التي يتم تصديرها في الغالب في العاصمة المقدسة وجدة والعاصمة الرياض.

وفي منقطة القصيم وتحديدا في مدينة بريدة عمدت البلدية على تنظيم مهرجان خاصة للتمور، على اعتبار أن المنطقة تشهد سنويا إقبالا على شراء التمور وخاصة محليا وخارج السعودية من دول الخليج العربي، وهو ما جعل إدارة الأسواق تقصر العمل بالبسطات والمواقع المؤقتة وعمل التحميل والمزادات وغيرها من الأنشطة التجارية للسعوديين فقط ومن العاطلين عن العمل ومن مستفيدي الجمعيات الخيرية بهدف تحسين دخلهم الشهري، في حين خصص جزء كبير من الإنتاج المحلي المخصص للمزارع للبيع في الشوارع عبر البسطات سواء داخل المدينة أو خارجها وخاصة في الرياض والخرج وحائل، حيث ساهم المهرجان في توفير أكثر من 3500 فرصة عمل خلال شهر رمضان المبارك في بيع التمور، وقدر متعاملون في السوق أن هذا الإجراء ساهم في نمو المعروض بنسبة تصل إلى 20 في المائة وبقيمة تتجاوز 2.5 مليار.

أما المدينة فلا يمكن لأحد أن يزورها إلا ويجد آلاف البسطات التي تبيع النباتات الورقية من النعناع والشاي الأخضر والدوش ومن بين أكثر الأنواع التي يحرص الزبائن على شرائها نعناع أبيار علي.

وقال فائز الحربي أحد المتعامين في تسويق النعناع والحبق، إنه في فصل الصيف يكثر الإقبال على شراء النعناع، بشكل كبير لضرورة منح النعناع الشعور بالبرودة، أما الحبق «الحساوي» فمستخدموه يفضلون استخدامه في فصل الشتاء بسبب منحه الشعور بالدفء.

وأوضح الحربي أن 90 في المائة من باعة النباتات الورقية هم من أصحاب البسطات من العاطلين عن العمل، وغالبيتهم يصممون عربات متخصصة للبيع في شهر رمضان لكثرة المعتمرين من السكان المحليين والزوار من خارج السعودية.

ويبلغ سعر الربطة الشكة والتي يوجد بها نحو 16 حزمة من النعناع أو الحبق، ما بين 3 أو 4 ريالات في الأيام العادية، بينما يصل سعرها في رمضان إلى 10 ريالات.

ويعتبر شهر رمضان فرصة عمل مناسبة لتحقيق دخل مالي جيد، وخاصة من أصحاب التخصصات النظرية من الجامعات السعودية من الجنسين الذين عجزوا عن إيجاد وظائف لهم لاكتفاء تخصصاتهم في العمل الحكومي، وامتناع القطاع الخاص عن توظيفهم لبعد تخصصاتهم عن مجالات سوق العمل.

وتقدرهم إحصائيات في السعودية بـ38 في المائة منها 28 في المائة مخصصة للفتيات، وذلك وفق الإحصاءات الرسمية التي تقدرهم بأكثر من نصف مليون، ويطالب مختصون في تنمية الموارد البشرية الكبرى بتنظيم البسطات وتنميتها عبر منح قروض صغيره لمساعدة أصحابها في تنمية تجارتهم وتحويلها لمؤسسات نظامية خاصة أن تلك البسطات أصبحت معالم سياحية وخاصة في المدن المقدسة وجدة، وأن تشرف عليها هيئات السياحة والغرف التجارية لتنمية القطاع وتحويل تلك العربات إلى مقرات نظامية ورسمية دائمة وفق تصميمات جيدة أسوة بدول العالم.

وأوضح عبد العزيز الحارثي متخصص في الموارد البشرية أن العربات أو البسطات يمكن أن تكون مركز انطلاق لدخول عامل التجارة للشباب الطموحين، وهي لا تحتاج إلى رأس مال كبير فيكفي أن يبدأ مشروعه برأس مال لا يتجاوز 5 آلاف ريال، ومع قليل من الهمة والعزيمة سيحقق عوائد مادية أفضل بكثير ما يحققه موظفون بمرتبات شهرية.

وأضاف «يجب أن تعمل جهات حكومية على تنمية هذا القطاع، بهدف تحويل تلك الطاقات إلى مشاريع صغيرة الأمر الذي ينعكس على الاقتصاد المحلي، ويمكن ذلك عن طريق التنسيق مع الجهات الحكومية في إقراض أصحاب البسطات ورعايتهم طوال عملهم في مشاريعهم لضمان عدم تعثرهم».