المسجد النبوي.. خشوع.. ابتهال.. ومكان لا يهدأ إلا لدقائق

«الشرق الأوسط» ترصد حركة الصائمين في أقدس بقعة على وجه الأرض بعد المسجد الحرام

المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة وقت الغروب ويبدو مُكتظا بالزوار (تصوير: مروان الجهني)
TT

في الساعات ما بين العصر والمغرب تتجه أفواج غفيرة صوب المسجد النبوي الشريف في المدينة المنورة، بقصد الإفطار والدعاء، وأداء صلاة المغرب والعشاء والتراويح، وأيضا زيارة الروضة الشريفة التي تحوي قبر الرسول عليه الصلاة والسلام وأصحابه رضوان الله عليهم.

كاميرا «الشرق الأوسط» رصدت حركة الجموع قبل الأذان بنحو ساعة تقريبا أول من أمس، من أعلى نقطة من الناحية الشمالية في المنطقة المركزية للحرم النبوي، في أطهر بقعة في العالم بعد المسجد الحرام في مكة المكرمة.

كانت الجموع الغفيرة تدخل من أبواب المسجد، حيث يبحث الكل عن مكان مناسب، ليجلس ويقرأ القرآن الكريم، وفي حينها بدأت 250 مظلة وضعت في ساحات الحرم النبوي بالعودة إلى مكمنها الآلي، بعد أن شاركت منذ العاشرة صباحا في حماية الزوار والمصلين من حرارة الشمس الحارقة، التي قد تصل درجة الحرارة بها إلى 50 درجة مئوية، وبينما كانت المراوح المزودة برشاشات البخار تعمل في تلطيف الجو، يبدأ المتطوعون بفرش سفرات الطعام بطريقة منظمة دون إعاقة الممرات، ويتم توزيع التمر والماء والزبادي والخبز على تلك السفرات في نفس الوقت.

قبل رفع الأذان بدقائق، ومع إضاءة المآذن بمسجد النبي عليه الصلاة والسلام وساحاته الخارجية وكامل المسجد من الداخل، ثمة خطوات متسارعة وأصوات تخلط بين الدعاء والذكر ودعوة الصائمين الباحثين عن مكان شاغر للمشاركة على سفرة حتى يكسب صاحبها أجر تفطير صائم. وبينما يرتفع أذان المغرب تتنزل السكينة على الجميع، ويردد البعض مع المؤذن، حينها تهدأ الحركة للحظات معدودة، بينما ينشغل البعض الآخر بتناول بضع تمرات وشرب ماء زمزم، بيد أنه سرعان ما يختفي الهدوء، وتبدأ الحركة في التسارع وتعود كما كانت قبل الأذان، ولكن بالعكس، حيث الجميع يعمل ويسعى إلى إعادة المكان إلى حالته الطبيعية ونظافته المعهودة، فالكل يبدأ في تقديم المساعدة لتنظيف وتهيئة المكان للصلاة، والمسارعة في وضع المخلفات في أماكنها المخصصة، تقف بعدها تلك الجحافل البشرية في صفوف متسقة لأداء صلاة المغرب.

قد قامت الصلاة.. قد قامت الصلاة.. الجميع يستوي في صفوف متراصة دون تفرقة ما بين غني وفقير وكبير وصغير، وكل السحنات، ويقضي الجميع صلاة وركوعا وسجودا في هدوء وصمت، تظللهم سكينة تعمّ كامل المسجد وساحاته وأروقته، لا يقطع تلك السكينة إلا صوت الإمام وهو يقرأ ما تيسر من القرآن، وصوت المؤذن وهو يردد خلفه التكبيرات، وعندما تنتهي الصلاة ينتشر الجميع، كل في طريق يسيرون.