السعودية: كشف تمويل شبكات التسول في رمضان لأعمال الإجرام والإرهاب

في حين بلغ إجمالي التبرعات النقدية السعودية نحو 9.2 مليار ريال في العمل التطوعي

تحول التسول في السعودية إلى أحد أهم الروافد المالية لتمويل العمليات الإرهابية والإجرامية («الشرق الأوسط»)
TT

كشفت إفادات خبراء أمنيين في السعودية، ومهتمين بمكافحة ظاهرة التسول، عن وجود علاقة تمويلية بين شبكات وعصابات التسولـ وبالأخص التي تنشط في شهر رمضان المبارك، وبين العمليات الإرهابية والإجرامية.

وفي الوقت الذي صرحت فيه وزارة الشؤون الاجتماعية وللمرة الأولى بوجود «عصابات تسول» في السعودية، ضمن إشارة إلى أن التسول شهد تحولا إلى حد وصوله للجريمة المنظمة، أكد خبير أمني على وجود شبكات للمتسولين ممن يمولون الإجرام والمخدرات والعمليات الإرهابية، واستخدام المبالغ التي يجمعونها في إخلال الأمن بالبلاد.

واعتبر الخبير الأمني اللواء المتقاعد يحيى الزايدي مدير شرطة مكة المكرمة ومدير إدارة المرور سابقا، التسول إشكالية مستمرة منذ زمن طويل، حيث تفاقمت بشكل تراكمي مع مرور السنين، موضحا أن مكافحتها ليست بالأمر السهل في ظل وجود أعداد كبيرة من المتسولين داخل المملكة.

وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «إن معظم الأموال التي يحصل عليها المتسولون من المواطنين أنفسهم عادة ما يجمعونها لأشخاص آخرين ممن يستخدمونها بطرق غير نظامية أو شرعية، الأمر الذي يجعلنا لا نستبعد مطلقا دعم الإجرام عن طريقها».

تصريحات وزارة الشؤون الاجتماعية جاءت تزامنا مع نشاط عصابات التسول خلال شهر رمضان المبارك في الأماكن الحيوية من مدن المملكة وعند إشارات المرور والجوامع وغيرها ممن تشهد اكتظاظا بالمرتادين والمارة، مما دفع بخطباء الجوامع في السعودية إلى التحذير خلال خطب الجمعة من وجود عصابات تسعى للاستيلاء على التبرعات التي يبديها المحسنون للمحتاجين في مثل هذا الشهر من السنة.

يأتي ذلك في وقت أوقفت فيه السلطات المختصة السعودية خلال العام الماضي، أكثر من 20 ألف متسول، يشكل الوافدون منهم ما نسبته 82 في المائة، في حين أكد مسؤول محلي نمو أعداد المتسولين السعوديين بنسبة 5 في المائة مقارنة بالعام الذي قبله.

وكشف مصدر رفيع بوزارة الشؤون الاجتماعية السعودية في حديث سابق لـ«الشرق الأوسط» عن بلوغ عدد المتسولين الذين تم التعامل معهم خلال عام 1431هـ نحو 20433 متسولا في مختلف مدن البلاد، وبزيادة عن العام الذي قبله بمعدل 394 متسولا.

وأضاف المصدر أن ما نسبته 82 في المائة من عدد المتسولين من غير السعوديين البالغ عددهم 16755 متسولا، بينما وصل عدد المتسولين من الجنسية السعودية ما يقارب 3678 متسولا وبزيادة عن عام 1430هـ بما يعادل 5 في المائة.

وبالنسبة إلى طرق التعامل مع المتسولين، ذكر المصدر ذاته أن المتسول السعودي تتم إحالته إلى صندوق تنمية الموارد البشرية في حال كان محتاجا وقادرا على العمل، إلا أنه يحال إلى مكاتب الضمان الاجتماعي والجمعيات الخيرية إذا ما كان مسنا.

وزاد: «تختلف طريقة التعامل بين المتسول السعودي والوافد، حيث إنه وفور القبض على الأجنبي فإنه يتم تنظيم محضر بالواقعة وإحالته إلى مراكز الشرطة لمباشرة التحقيق معه ومعرفة مشروعية إقامته ومن ثم يعاد إلى موطنه الأصلي»، مؤكدا أن وزارة الشؤون الاجتماعية ساعية بكل ما لديها من صلاحيات لمكافحة ظاهرة التسول ووضعها ضمن الحد الأدنى لها.

إلى ذلك، كشف سعد الشهراني مدير مكتب مكافحة التسول في محافظة جدة، عن إحالة نحو 9 حالات تسول من الجنسية السعودية إلى الجمعيات الخيرية، و8 أخرى إلى الجمعيات الخيرية، إلى جانب حالتين تمت إحالتهما إلى مكتب العمل للحصول على وظائف، وذلك في الفترة ما قبل شهر رمضان المبارك، لافتا إلى أن السعوديين المتسولين يشكلون عادة نسبة 1 في المائة من إجمالي المتسولين الذين يتم إلقاء القبض عليهم خلال حملات المكافحة.

وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «هناك حملات ميدانية مشتركة بين 8 جهات معنية من ضمنها الشرطة والمرور وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والدوريات الأمنية والجوازات وقوات المهام ومكافحة التسول ووزارة الشؤون الاجتماعية، التي تنطلق وفق خطة ميدانية تستهدف المراكز التجارية والشوارع الرئيسية في شمال وجنوب جدة».

وبين أن خطة العمل تتمثل في القبض على المتسولين وفرزهم عن طريق وحدة الإسناد التابعة للشرطة، حيث يتم تحويل الوافد إلى إدارة الوافدين، في حين يحال السعودي إلى مكتب مكافحة التسول الذي يحوي باحثين وباحثات اجتماعيين لإعداد البحث الميداني والمكتبي والوقوف على هذه الحالات وأسباب تسولها وأخذ التعهدات والكفالات اللازمة بعدم تكرار التسول ومن ثم إحالتها بحسب ما ينتج من البحث إلى الجمعيات الخيرية أو الضمان الاجتماعي أو مكتب العمل، فضلا عن دور الرعاية الاجتماعية إذا ما كان المتسول من كبار السن.

وأكد سعد الشهراني على أن أساليب التسول تعد متجددة ومتكررة، غير أن أغلب الطرق الحديثة هي ارتداء المتسولين لملابس نظيفة وجديدة وحملهم أكياسا لمحلات راقية وفخمة بهدف إيهام المجتمع بأنهم متسوقون داخل المراكز التجارية، لافتا إلى أن أكثر اللاجئين لتلك الوسيلة النساء المتسولات.

ووصف المبالغ التي يتم ضبطها مع المتسولين بـ«البسيطة»، خصوصا أن شبكات التسول تعمل على تصريف ما تحصل عليه من أموال بشكل سريع، مضيفا: «يتم ضبط المبالغ الكبيرة بمحاضر تحال إلى الشرطة للتحقيق فيها وإحالتها للمحكمة من أجل معرفة مصدرها، حيث إنها تصادر لصالح الجمعيات الخيرية إذا ما كان مصدرها التسول».

عدد الحملات الميدانية التي تعمل عليها الجهات الثماني ليس محددا بحسب ما ذكره مدير مكتب مكافحة التسول في محافظة جدة، إلا أنه شدد على ضرورة توقف الناس عن التعاطف مع المتسولين وتقديم التبرعات لهم في ظل وجود جمعيات خيرية وهيئات إغاثة مسجلة رسميا لدى وزارة الشؤون الاجتماعية، التي تعمل بدورها على حصر الأسر المحتاجة ودراسة أوضاعها وتحديد احتياجاتها.

وطالب بعدم تدخل المواطنين والمقيمين في أعمال مكافحة التسول، حيث يفعلون ذلك من باب عطفهم على هؤلاء الأفراد لكونهم يعتقدون أنهم محتاجون فعلا دون معرفة حقيقتهم.

وكانت وزارة الشؤون الاجتماعية قد أصدرت بيانا أبدت فيه استعدادها الكامل للمساعدة في إيصال أموال الزكاة والصدقات والتبرعات من محبي الخير وباذليه أفرادا ومؤسسات، للأسر المحتاجة التي ترعاها الجمعيات الخيرية في كل مناطق السعودية، وذلك لقطع الطريق أمام من يحاول أن يستولي على التبرعات، أو تسربها لأغراض مشبوهة تسعى للإضرار بأمن البلد.

وأهابت وزارة الشؤون الاجتماعية بالباذلين والمتبرعين عدم تشجيع التسول بإعطاء المتسولين في الشوارع والميادين والمساجد وغيرها صدقاتهم وزكواتهم، أو تقديمها لأسر وأشخاص أحوالهم غير معروفة.

محمد العوض، المتحدث الرسمي باسم وزارة الشؤون الاجتماعية، قال في وقت سابق إن الجمعيات الخيرية المنتشرة في مختلف مناطق السعودية، البالغة 610 جمعيات خيرية، على أتم الاستعداد لتقديم المعلومات اللازمة للراغبين في كفالة الأسر المحتاجة، من أرامل وأيتام وكبار سن ومعوقين ونساء مهجورات، وغيرهم من المحتاجين.

وأكد العوض في ذلك الوقت اعتماد هذه الجمعيات الخيرية على آلية عمل واضحة ودقيقة يخضع بموجبها كل المستفيدين للبحث الاجتماعي الذي يظهر مدى الحاجة للعون والمساعدة.

وبين المتحدث الرسمي باسم وزارة الشؤون الاجتماعية، أن نظام الجمعيات الخيرية المعمول به في مختلف مناطق السعودية يأتي وفق ضوابط محددة، من أهمها أن تقدم مبالغ الزكاة أو الصدقات في مقرات الجمعيات الخيرية والحصول على سند قبض رسمي من الجمعية، أو من خلال الإيداع المباشر في حسابات الجمعيات الخيرية التي يمكن طلب أرقام حساباتها من قبل فروع الوزارة المشار إليها أو من الجمعيات الخيرية، حيث يوجد لكل جمعية خيرية حسابات مخصصة لأموال الزكاة لا يصرف منها إلا وفقا لأحكام الشريعة الإسلامية.

وفي هذا الشأن، كشفت إحصاءات صادرة عن شرطة منطقة الرياض عن أن عدد المتسولين الذين تم إلقاء القبض عليهم خلال حملة مكافحة التسول التي انطلقت مطلع العام الحالي تجاوز 559 متسولا ومتسولة في الرياض.

وأشارت إلى أن نسبة الوافدين من إجمالي المقبوض عليهم تخطت 67 في المائة، بينما يشكل السعوديون منهم نحو 33 في المائة، فضلا عن ما نسبته 59 في المائة من الرجال المتسولين مقابل 25 في المائة من النساء و16 في المائة من الأطفال. في حين أعلن مركز شرطة محافظة السليل منذ نحو أسبوعين عن ضبط أكثر من 30 متسولا ومتسولة ما بين نساء ورجال وأطفال، حيث جرت إحالتهم إلى الجهات المختصة لاستكمال الإجراءات اللازمة.

وأوضح مصدر مسؤول في مركز شرطة محافظة السليل أنه تم تشكيل حملة لتلك المهمة التي بدأت بجمع المعلومات وإجراء التحريات اللازمة أعقبها عمليات دهم لمقرات المتسولين والقبض على المنتشرين منهم في الطرقات والأماكن العامة.

ومما لا شك فيه أن عمليات التسول تنشط في هذه الأيام بالسعودية، في الأماكن العامة، وتحديدا عند المساجد في أوقات صلاة التراويح، وذلك كطريقة سهلة للوصول إلى جيوب الراغبين في فعل الخير.

ويعكس تصريح وزارة الشؤون الاجتماعية بوجود «عصابات للتسول» داخل مدن البلاد، استشعارها بخطورة هذه الظاهرة، التي فيما يبدو تحولت إلى «جريمة منظمة» تستوجب تضافر الجهود الرسمية والشعبية لقطع الطريق أمام مثل هؤلاء للحصول على الأموال.

وبالعودة إلى اللواء يحيى الزايدي، فقد أفاد بوجود متسولين يعمدون إلى التمثيل وادعاء معاناتهم بالإصابات، إلى جانب انتحالهم لشخصيات مواطنين بارتدائهم للزي السعودي من أجل استعطاف الناس بشكل أكبر، فضلا عن تغييرهم لأشكالهم بين الحين والآخر، لافتا إلى أن تلك العصابات تساهم في ارتفاع معدلات السرقة خلال شهر رمضان المبارك.

وأضاف: «من أبرز أسباب ظهور شبكات التسول هو توافد أعداد كبيرة للعمرة والحج وتخلفهم في البلاد، ومن ثم تنظيمهم لعصابات وفق خطط منظمة بحيث يستخدمون الحافلات في توزيع أفرادهم على النقاط المستهدفة، وهو ما يؤثر سلبا في حركة السير والناس وزيادة السرقات».

وأوضح أنه على الرغم من وجود مكافحة للتسول، فإن الأعداد الكبيرة التي تشهدها المملكة والتوسع في أعمال الحج والعمرة تجعل الأمر صعبا، مضيفا: «هناك من الوافدين من يستغلون أبناءهم أصحاب الإعاقات والعاهات لنشرهم كمتسولين في الشوارع أيضا».

وأشار إلى أن ظاهرة التسول تعد مظهرا غير صحي خصوصا في بلد الله الحرام، ولا سيما أن هؤلاء يضايقون المتعبدين وقد يسطون عليهم من خلال سرقة أمتعتهم، فضلا عن تشكيلهم عبئا إضافيا من ناحية تنظيف المدن من المخلفات والنفايات.

وفيما يتعلق بالحلول الممكنة التي من شأنها أن تحد من عمليات التسول، أبان اللواء يحيى الزايدي أن تنظيم حركتي الحج والعمرة من قبل الجهات المعنية في الدولة قد تساهم في ذلك، غير أن الإشكالية الحقيقية تتمثل في الآخرين الموجودين منذ السابق.

واستطرد في القول: «من الضروري جدا ضبط المتسولين ووضعهم في أماكن خاصة والتأكد من سلامتهم من جميع النواحي وضمان عدم إتاحة المجال لهم مرة أخرى للعودة إلى هذه الشبكات».

مصدر مسؤول في وزارة الشؤون الاجتماعية اعتبر في حديث سابق لـ«الشرق الأوسط»، التسول ظاهرة لا يخلو منها أي مجتمع من المجتمعات البشرية، غير أنها تختلف من مجتمع إلى آخر من حيث الشكل والأسلوب، مؤكدا أن وزارته تبذل جهودا حثيثة لمكافحة هذه الظاهرة، بحسب وصفه.

وأضاف: «تستضيف مكاتب مكافحة التسول ومكاتب المتابعة الاجتماعية المتسول السعودي بعد القبض عليه من قبل الحملات المشتركة بين وزارة الشؤون الاجتماعية ووزارة الداخلية، وتدرس حالته اجتماعيا واقتصاديا من خلال اختصاصيين واختصاصيات اجتماعيين، وذلك لتقديم الخدمات التي يحتاج إليها».

وحول القضاء على التسول، أوضح المصدر، الذي فضل عدم ذكر اسمه، أن ذلك لا يمكن حدوثه إلا بتضافر جهود الجميع بداية من المواطن الذي له دور بارز في مكافحة هذه الظاهرة التي باتت تشكل خطرا حقيقيا على المجتمع السعودي.

وطالب المصدر بأن يسلك المواطن والمقيم الطرق الصحيحة عبر القنوات الرسمية عند إيصال الصدقة والزكاة وعدم التعاون مع هؤلاء المتسولين وتوجيههم إلى الجمعيات الخيرية بالإضافة إلى الإبلاغ عن أماكن وجودهم وذلك بالاتصال بالدوريات الأمنية.

وشدد على دور المؤسسات الحكومية ذات العلاقة، كوزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد من خلال إيضاح ما تفرزه ظاهرة التسول من سلبيات على الفرد والمجتمع في خطب الجمع والمحاضرات والندوات، وكذلك وزارة الثقافة والإعلام من خلال نشر الوعي عن طريق وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والمسموعة.

الجدير بالذكر، أن السعودية تصدرت المركز الأول خلال العام الحالي كأكثر الدول الخليجية تبرعا بالأموال في مجال الأعمال الخيرية، وذلك بعد أن حصدت ما نسبته 56.5 في المائة مقارنة بدول مجلس التعاون الأخرى، وفقا لتقرير معلوماتي حديث، حيث أفاد بأن نحو 90.6 في المائة من التبرعات النقدية في دول مجلس التعاون الخليجي مصدرها جهات حكومية.

وأكد التقرير الصادر عن المركز الدولي للأبحاث والدراسات (مداد) الذي يحمل عنوان «العمل الخيري الخليجي.. تقرير معلوماتي»، على أن التبرعات النقدية في دول مجلس التعاون الخليجي لعام 2009 شهدت زيادة بنسبة 539.4 في المائة عما كانت عليه العام الذي قبله.

وكشف مصدر مسؤول في المركز الدولي للأبحاث والدراسات (مداد) عن بلوغ إجمالي التبرعات النقدية السعودية نحو 9.2 مليار ريال في مجال العمل التطوعي، لافتا إلى أن إجمالي التبرعات الخليجية تجاوزت 16.3 مليار ريال.

وقال الدكتور خالد السريحي مدير عام المركز الدولي للأبحاث والدراسات (مداد) في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «خلال العام الماضي وصل إجمالي التبرعات النقدية الحكومية في دول مجلس التعاون الخليجي إلى 749.1 مليار ريال، شكلت منها تبرعات المؤسسات والشركات والجمعيات المانحة ما قيمته 736.5 مليون ريال».

إلى ذلك، كشف زارع حكمي مدير مركز إيواء الأطفال المتسولين في محافظة جدة عن تجاوز عدد الأطفال المتسولين الموجودين في المركز 50 طفلا ممن هم أقل من 15 عاما، موضحا أنه يتم استقبال 27 طفلا يوميا خلال الفترة الحالية، إلا أنه في الأيام العادية يتراوح عددهم في اليوم الواحد ما بين 8 و10 أطفال.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «يعمل المركز على استقبال جميع الجنسيات، ولا سيما خلال موسم التسول الذي يبدأ منذ شهر شعبان وحتى أيام الحج، حيث تعتبر الجنسية اليمنية أكثر الجنسيات التي ينتمي إليها هؤلاء الأطفال»، مفيدا بأنهم يمكثون في المركز إلى حين ترحيلهم أو تسلمهم من قبل مندوبي سفاراتهم، إلا أن الكثير منهم يخرجون ويعودون مرة أخرى للسعودية.

من جهته، دعا خبير اجتماعي إلى ضرورة النظر على المدى البعيد في شأن المتسولين، لكونهم يمتلكون سلوكا اجتماعيا إجراميا، حيث عادة ما يكون تطوريا ولا يستمر على وتيرة واحدة.

وأرجع الدكتور عادل عبد العزيز استشاري السلوك الإنساني والاجتماعي في «مستشفى حراء العام» بمكة المكرمة سبب عدم جدوى دور الجهات المختصة في مكافحة التسول إلى غياب تعاون الناس في هذا الجانب، ولا سيما أنهم يتعاطفون مع المتسولين، مما يجعل جهود الجهات المعنية غير ملحوظة.

وقال في اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط»: «من غير الممكن منع الناس من التصدق أو البحث عن الأجر والثواب، إلا أنه من المفترض على أفراد المجتمع اللجوء إلى الجهات المعنية والرسمية التي تقوم على جمع التبرعات بطريقة سليمة، وذلك للحد من المساهمة في تنشيط شبكات التسول».

وأشار إلى أن المتسولين هم من أصحاب السلوك الاجتماعي الإجرامي الذي لا يأخذ وتيرة واحدة وإنما يتطور بشكل تدريجي، الأمر الذي يجعل المتسول لا يكمل حياته في هذه المهنة فقط، وإنما قد يتدرج حتى يصل إلى درجة الإنسان المجرم.

وطالب استشاري السلوك الإنساني والاجتماعي في «مستشفى حراء العام» بمكة المكرمة بضرورة عدم اقتصار نظرة المجتمع على المتسولين في وضعهم الحالي، بل من الضروري أيضا فهم أن الاستمرار في دعمهم بغير قصد يولد منهم مجرمين يشكلون خطورة كبيرة على الدولة وأمنها.

وذكر أن العلاج الوحيد من الناحية الاجتماعية للمتسولين هو اتباع ما قام به النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - حيث إنه لم يعالج حالة المتسول في وقتها، وإنما راعى تطور سلوكه، من خلال إعطائه مبلغا من المال ليشتري به فأسا ويحتطب، وهو ما ساعد في تغييره بعد أن بات يعمل في بيع الحطب.

ولكنه استدرك قائلا: «إن معظم المتسولين هم من الجنسيات غير السعودية، وهو ما يعوق المجتمع في تطبيق تلك الطريقة معهم، غير أنه ينبغي اتباع العلاج النبوي معهم بقدر الإمكان».

وأفاد الدكتور عادل عبد العزيز بأن المجتمع السعودي يعمل على نشر ثقافة التسول دون قصد، وذلك عن طريق مساعدة المتسولين وإعطائهم بشكل من شأنه أن يحجم دور الجهات المعنية بذلك، مبينا أن تلك الثقافة ونشرها انتقلت بشكل غير مباشر إلى الأبناء أيضا ممن يرون أهاليهم يقومون بهذا الشيء، في ظل اعتقادهم بأن تلك الأفعال من الأعمال المحمودة التي تعود عليهم بالأجر والثواب.

يشار إلى أن ظاهرة التسول في مدينة جدة كانت أحد المحاور التي تم طرحها خلال جلسة الحوار التي جمعت الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة مع الشباب في آخر أيام منتدى جدة الاقتصادي الأخير، حيث بين أمير منطقة مكة المكرمة أن أكثر المتسولين هم من العمالة الوافدة المتخلفة عن موسمي الحج والعمرة، غير أنه أشار في الوقت نفسه إلى أن عدد المتخلفين بدأ في التناقص، إلى جانب أن مشروع العشوائيات من شأنه أن يعمل على معالجة تلك القضية.

وأضاف: «لن تحل تلك الإشكالية جذريا إلا بانتهاء مشاريع تطوير العشوائيات باعتبارها بؤرة للمتخلفين، حيث سيتم تحويلها إلى أحياء راقية تليق بالمجتمع السعودي، غير أن مسؤولية معالجة هذه المشكلة تقع أيضا على عاتق الجهات الحكومية والمجتمع نفسه الذي ينبغي ألا يتستر عليهم».