«الرقميون» و«الورقيون» بين تحدي المضمون وإعلام «الفجائع»

الإعلام البديل يواجه الصحافة الورقية في أمسية حاشدة بالظهران

TT

من حيث الشكل، يمكن القول إن أنصار الإعلام الجديد كادوا يحققون انتصارا في مواجهة حاشدة اختنقت بالثنائيات المتناحرة، كما اختنقت بأحكام الإعدام والفناء والزوال التي أطلقت في نشوة الانتصار، وذلك بعد أن خلا لهم المسرح نصف الوقت بغياب منافسيهم الورقيين، حيث تآمرت التقنيات الحديثة لتأخير أحدهم، وجاء الآخر يتوكأ على عكازين.

في أمسية الإعلام الإلكتروني الجديد، التي نظمتها شركة «أرامكو» السعودية، ضمن فعاليات مهرجانها الرمضاني، وأرادت لها أن تتوج لقاء إعلاميا حاشدا، انقلبت إلى معركة بين أنصار الإعلام الجديد والمحافظين على الصحافة الورقية. لكن من حيث الشكل، تمكن الجناح المؤيد للإعلام الجديد أن يسبق خصمه إلى المنصة حاملا كل وسائل الاتصال والتواصل، بينما تعثرت خطى الجناح الآخر.

مبكرا وصل سلطان البازعي رئيس تحرير صحيفة «اليوم» سابقا، والدكتور عمار بكار مدير الإعلام الجديد بمجموعة «mbc»، وبعد نحو 40 دقيقة من الندوة التي استفرد بها الرقميون، وصل محمد التونسي رئيس تحرير صحيفة «عكاظ»، معللا التأخير بخلل في مواعيد الطيران، أما حليفه في المواجهة قينان الغامدي، رئيس تحرير صحيفة «الشرق»، ففاجأ الحضور من زملاء المهنة بوصوله على كرسي متحرك، بعد نحو 45 دقيقة من بدء الندوة، وكان قد أصيب مسبقا بالتواء في الكاحل، وأخبر الحضور أنه اضطر للتأخير نتيجة انشغاله في أول جمعية عمومية عقدتها صحيفته التي تستعد للصدور. وقد أدار الندوة الإعلامي حبيب محمود.

سلطان البازعي قدم لمحة عن تاريخ الإعلام، معتبرا أن الورق يمثل مرحلة يستعد الإنسان لتجاوزها، كما تحدث عن الصحافة الورقية، معتبرا أنها تقوم بفعل تحالف رأس المال معها، ولذلك فهو يرى أن أهم تحديات الصحافة الورقية هي إمكانية نضوب مصدرها الأساسي. بعكس الإعلام الجديد الذي يتخفف من المصادر المكلفة.

البازعي قال إن الطباعة حتما ستضمحل وتموت وستنهار كل التحالفات بين الرأسمالية والصحافة الورقية، فيما يخص الإعلان، بل والارتباط العاطفي مع الورق سيكون مصيره الزوال، ويبقى حلما رومانسيا يعرف طريقه نحو الخيال.

من حيث جوهر العملية الإعلامية، جزم البازعي أن هناك انقلابا في المعادلة الإعلامية حيث أصبح المتلقي مرسلا, معددا أثر الإنترنت في قلب هذه المعادلة, مشيرا كذلك إلى أن الاتصال الجماهيري أصبح يأخذ نمطا جديدا، حيث أصبحت الجماهير تسهم في عملية إعداد المادة الإعلامية.

وأشار البازعي إلى «أننا أمام صناعة رأي عام ستضرب كل النظريات الاتصالية التي راهنت سابقا على السيطرة على الرأي العام من حيث المرسل والرسالة والمستقبل، ليعكس الإعلام الجديد هذه النظرية جبرا ويكون المرسل مستقبلا في آن واحد يملك من الأدوات ما يعينه على ذلك».

وبالنسبة للبازعي، فإن المعركة بين الصحافة الإلكترونية والصحافة الورقية «حسمت تماما أمام ثورة معرفية تتعلق بالمحتوى ووسائل نقلها التي أصبحت هي الأرخص والأسرع، كون القراءة في هذه الوسائل حديثة وأكثر فاعلية وتجاوزت الحواجز اللغوية والثقافية، ولم يعد للرقيب مجال للدخول».

وبالنسبة للدكتور عمار بكار، مدير الإعلام الجديد في مجموعة «mbc»، فإن الحديث برمته يصب في صلب الرسالة التي يبشر بها، ولذلك فهو انشغل عن المساجلة بين الثنائيات في التركيز على صياغة إعلام إلكتروني قوي ومتماسك، لكنه أشار إلى أن الإعلام الجديد يقدم مساحة لإبراز المواهب، ويمثل حافزا للإبداع، واعتبر أن الإعلام الجديد يمثل فرصة كبيرة لترتيب الأوراق والانطلاق من حيث ابتكر الآخرون.

وأشار إلى أن «الإعلام الجديد عالم افتراضي يعكس العالم الحقيقي، وهنا تأتي الإشارة إلى مصداقية الإعلام الجديد في كونه أقرب للناس وأكثر قبولا وتفاعلا ومصداقية، فالفرد أقرب لفرد مثله، ولأن ردود الفعل تصل إلى الفرد مباشرة، مما يدفعه لمزيد من الدقة والتحري والبحث».

تحدث عن المواقع الإلكترونية وضرورة الحفاظ على ولاء المستخدم - القارئ، وتحقيق هذا الولاء يتمثل في تطابق التجربة مع التوقعات والتحديث السريع للمعلومة والمستوى العالي من الفاعلية والاعتراف بفردية مستخدم الإنترنت.

محمد التونسي، رئيس تحرير صحيفة «عكاظ» الصادرة في جدة، الذي وصل متأخرا بنحو 40 دقيقة، قلب (دون أن يستمع لحجج الإلكترونيين) ظهر المجن في وجه الإعلام الرقمي، وقال إنه يجزم بحقيقة مفادها أن «التعامل مع الورق عادة إنسانية متوارثة».

، ضاربا لذلك مثلا بالشعب البريطاني الذي هو أكثر الشعوب قراءة للورق، ومؤكدا أن هذه القضية حقيقتها محسومة وموجودة على الرغم من وجود نافذة كبيرة من العالم الإلكتروني، إلا أن الورق سيظل حتى يقضي الله أمرا كان مفعولا».

التونسي الذي اعترف بتراجع انتشار الكثير من الصحافة الورقية قال إن هذا «الانحسار لا يصل إلى حد الجدب، مما يؤثر في مسيرة العمل الصحافي». كما حاول التونسي تقديم «وصفة» عاجلة لضخ مزيد من الحماس في جسد الصحافة الورقية، وقال: «إذا أردنا أن نعيش كصحافة ورقية وحضورنا يكون مؤثرا علينا مسؤولية كبرى؛ بأن نفسح مجالا للتكتيك في الحضور، ونفتح خيارات أخرى في كيفية صياغة المادة، ونقضي على المطولات، ونقدم للقارئ قصة متكاملة قد لا تزيد عن 300 كلمة تقريبا، تكتمل فيها عناصر العمل المهني من حيث الدقة والمصداقية».

التونسي لا حظ كذلك، أن «الصحافة الإلكترونية لم تنضج تجربتها بعد لما يعتريها من محاذير مهنية واضحة سببت لها ضعفا في المحتوى، لافتقادها اشتراطات المهنة، وأدخلتنا في مرحلة من مراحل صناعة الفواجع لما تنشره من أخبار وإن كانت قلة».

وأضاف أن الصحافة الورقية لديها مقومات التحدي، ومن ذلك التحول إلى الصحافة التحقيقية التي تعتمد على جمع المعلومات والتحقق منها حتى تصل للقارئ ويحترم المطبوعة، بالإضافة للرقابة على الدقة واللغة حتى لا يؤدي الخطأ إلى إيذاء القارئ.

أما قينان الغامدي، رئيس تحرير صحيفة «الشرق» المرتقب صدورها في المنطقة الشرقية، فقال إن الفيصل في الجدلية بشأن الإعلام الورقي والإلكتروني تعود للمضمون، وقال قينان: «لقد انشغلنا بهذه المعركة ونسينا القضية الرئيسية، وهي المضمون»، مشيرا إلى أن «العالم المتقدم ليست لديه أحكام قطعية، ولم أسمع أحدا قال إن الصحافة الورقية ستموت سوانا؛ حيث أحكامنا قطعية بلا معطيات».