«كفيف» تحدى الإعاقة: لا تتعاملوا معنا بالشفقة فنحن نمتلك الإبداع

عبد الرزاق التركي يروي تجربته في قهر الإعاقة

عبد الرزاق التركي متحدثا في ندوة «من هو المعاق؟» («الشرق الأوسط»)
TT

رغم أنه كان حليف العتمة، منذ وفد إلى الدنيا قبل خمسين عاما، فإن عبد الرزاق التركي، تمكن من قهر إعاقته ومواصلة مشوار حياته متعلما وعاملا وإداريا بل وفي لحظة جنوح انطلق بسيارته في شوارع مدينة أميركية.

التركي، كان ضيفا على مخيم «أرامكو» الرمضاني في آخر فعالياته، وأمام حشد من الجمهور الذي تشوق لاستماع تجربته، راح يروي نتفا من مغامراته في تحدي الإعاقة. وكانت الأمسية بعنوان «من هو المعاق؟»، وقال للحضور إن «الإعاقة ليست في الجسد بل هي في العقل والفكر والسلوك»، حيث أبحر في انتقاد الحال الذي يعيشه المعاقون في العالم العربي من انعدام الخدمات وعدم توفير فرص الاندماج في التعليم والتأهيل، وخاطب الحاضرين بالقول «لا تتعاملوا معنا بالشفقة وأننا مساكين فنحن مثلكم بشر لدينا إحساس وشعور وحب للحياة وللوطن وللعمل ونمتلك أدوات الإبداع والتميز».

تحدث عبد الرزاق التركي في البداية عن ولادته وحياته في الطفولة، فقال: «جئت للحياة في مدينتي الظهران عام 1960 فاقدا للبصر، كفيفا بعد عام من الولادة، ولكن فقداني للبصر لم يمثل لي إعاقة أو سببا للانكسار ولم يمنعني أن أمارس طفولتي بشكل طبيعي مع باقي الأطفال وبشكل فوق الطبيعي مثلي مثلهم ومارست جميع الألعاب وتبادل الأحاديث بشكل طبيعي».

ويضيف التركي: «بسبب عدم وجود مدارس للمكفوفين في الظهران قرر والدي أن يأتي ببعض المعلمين لتعليمي أساسيات اللغة والكتابة، فكان في داخلي إرادة وقرار أن أكون متميزا، وبالفعل كنت متميزا في دروسي».

وأضاف: «بعد ذلك قررت مع والدي الالتحاق بمعهد النور للمكفوفين في منطقة القطيف وحصلت على الثانوية العامة، وفي بداية رحلتي التعليمية التحقت بأحد المعاهد المتخصصة في لندن، وهناك تعلمت وتدربت على كل الفنون التعليمية من فن الحركة والطباعة، وأهم شيء هو الاعتماد على النفس والذات وعدم انتظار الشفقة من الآخرين أو الاستسلام لأي مرض أو عاهة».

ويتابع التركي: «في الثمانينات التحقت بإحدى الجامعات الأميركية، قررت أن أتخصص في مجال العلاقات الدولية وعلم الاجتماع وحصلت على البكالوريوس، ثم حصلت على الماجستير في مجال العلاقات الدولية، وعملت كمحلل سياسي في السفارة السعودية، وقد تعلمت من خلال دراستي وأسفاري أكثر من لغة بالإضافة إلى اللغة الإنجليزية، حيث تعلمت اللغة الفارسية، والأورو، واليابانية».

ويصر عبد الرزاق التركي على أنه «ليس كفيفا أو من ذوي الاحتياجات الخاصة فالجميع يحتاج إلى المساعدة وأن المكفوفين على مدار التاريخ كان من بينهم الوزير والفنان والرسام والموسيقي والمبدع والشاعر، وهم فقط في حاجة إلى منحهم فرصة وفتح الباب أمامهم ليقدموا ويخدموا أوطانهم»، متمنيا أن تفتح كل المؤسسات الخاصة والحكومية للمعاق حتى يكون فردا ناشطا في وطنه، فـ«الإعاقة في الحقيقة ليست في الجسد بل هي في العقل والفكر والسلوك».

وحين يتحدث التركي عن واقع المعاقين فإنه يتحدث بحسرة، ويقول: «للأسف الشديد، المعاق في العالم العربي يعيش في مأساة وفي وضع مهين، وينظرون إليه نظرة دونية، فنحن كمعاقين، إلى الآن نعاني من عدم وجود مكان خاص للسيارة ومصعد أو درج خاص للسير عليه ومدارس متخصصة وخاصة في التعليم الجامعي. صدقوني لا تتعاملوا معنا بالشفقة وأننا مساكين فنحن مثلكم بشر لدينا إحساس وشعور وحب للحياة وللوطن وللعمل ونمتلك أدوات الإبداع والتميز».

كما تحدث التركي عن حياته الخاصة وقصة زواجه، حيث ذكر أن رحلة البحث عن زوجة استمرت لأكثر من أربع سنوات بمساعدة إحدى شقيقاته، حتى وجد ضالته في فتاة من إحدى الدول العربية كانت تهتم بتدريس المعاقين، وبعد لقاء بينهما تم فيه التعرف على أفكار كل منهما حصل الزواج وكانت ثمرته إنجاب «نور وعلي».

التركي، لاحظ أن هناك تطورا بالنسبة إلى الاهتمام بالمعاق ومتطلباته لكنه اعتبره غير كاف، خاصة على الصعيد الاجتماعي، فـ«لا بد أن يعيش المعاق حياته الطبيعية وبمساعدة الجميع دون سماع كلمة مسكين، ولا بد أن يدخل المعاق مجال العمل دون أن يكون عنوانه بطالة مقنعة أو من أجل مجرد تحقيق نسب في السعودة كما تفعل بعض المؤسسات الخاصة التي تقوم باستغلال حالة وحاجة المعاق».

التركي دعا كذلك الجمعيات لأن تبذل جهدا أكبر مثل إقامة ناد خاص للمعاقين وتعليم فن الكتابة والخطابة، فالمعاق يريد أن يعيش حياة كريمة دون الحاجة إلى أن يمد يده ماديا أو معنويا للآخرين.