شيخ المقرئين: لا مانع من قراءة القرآن بـ«المقامات» شرط الالتزام بالتجويد

إبراهيم الأخضر أكد لـ «الشرق الأوسط» أن الدعوة إلى الله ليست بالزي أو باتباع بركات الشيخ الفلاني

المدينة المنورة تزخر بالقراء المهرة من حفظة كتاب الله.. ويعتبر الشيخ إبراهيم الأخضر من أهمهم («الشرق الأوسط»)
TT

بتواضع العلماء، استقبلنا ببسمته التي لا تفارق محياه في منزله بالمدينة المنورة، الذي يلبس الأخضر بدءا من إضاءته حتى تفاصيل المنمنمات المتشابكة على سقف الصالون الأنيق ببساطته، واتساقها مع ألوان الفرش، ما يعطي قراءة ملخصة عن أصحاب الدار، بساطة وجمالا.

الشيخ إبراهيم الأخضر القيم، شيخ قراء القرآن الكريم في المدينة المنورة، فتح صدره لـ«الشرق الأوسط» وتحدث عبر الحوار التالي عن كثير من قضايا الساعة، والمواضيع التي أثارت الكثير من الجدل، وتحدث عن الدعوة والدعاة، ووجود المرأة في مجال الدعوة وقراءة القرآن الكريم، والكثير من المواضيع الأخرى.

فإلى تفاصيل الحوار:

* كمدخل للحوار، ننقل لكم تساؤلا من محبيكم: أين أنتم الآن، وكيف يمكن لهم أن يتابعوا جهودكم ويستمعوا إلى قراءاتكم؟

- اعترف بأنني مقصر مع المحبين كثيرا، حيث إنه ليس لي ظهور إعلامي، إلا من بعض اللقاءات التي تأتي بالصدف، وذلك حرمني من أن أكون متاحا مع الذين يحبونني.

الجزء الوحيد الذي أحرص على التواصل عبره، هو العمل عبر مصحف الملك فهد الذي يذاع برواية حفص منذ سنوات طويلة، وبفضل من الله يجد قبولا لدى الناس والمحبين، إلى جانب أن إدارة الحرمين تجد في مكتبتها بعض التسجيلات السابقة لصلاة التهجد أو التراويح فتذيع منها فقرات، لها عامل في إعادة الذكرى بعد أن عملت التعرية الزمنية عملها، وفيها سلوى للنفس عما فقدته عبر الزمن من طاقة وجهد.

* يتحدث الكثير من المختصين عن خوفهم من دخول مستجدات وبدع على علوم القراءات، كيف تقيمون مثل هذه الأخطار إن وجدت؟

- لا أعتقد أن هناك قضية في هذا الأمر، فنحن لدينا قراءة وهي جزء من حياتنا، فقد خلقنا لنكون عبادا لله تعالى، وهي المهنة الأولى للبشر، فأول ما سئل عيسى ابن مريم، أجاب وهو في المهد «قال إني عبد الله» فلم يقل إن اسمه عيسى أو شيء آخر، فالمهنة الأولى لنا أن نكون عبادا لله.

المهنة الثانية أن نكون دعاة لله تعالى، وهنا لا بد أن نتفهم بأن الداعية ليس له شكل ولا ثياب محددة، فالداعي إلى الله قد يدعو بأخلاقه، وقد يدعو وهو صامت، والإنسان الصادق في عمله يثير الإعجاب، وإثارة الإعجاب إحدى وسائل الدعوة.

فالدعوة لا تعني أن يكون هناك شخص بزي كأنه يسكن فيه وممكن يخرج منه، بل هي روح يتقمصها الإنسان، فالإنسان الصدوق قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم إنه مع الملائكة، والمؤمن سمحا إذا باع، سمحا إذا اشترى، سمحا إذا خاصم، فهو بالتالي مع الملائكة.

وهذا النموذج لا شك أنه يثير إعجابك وتستكين له نفسك وتقول إنه رجل طيب يبعث الطمأنينة في النفس، فليس بالأمر اللازم أن تكون الدعوة عبر حضرة الشيخ فلان الفلاني الذي يحرص أناس على زيارته ليستمدوا منه البركات، فالدعوة إلى الله خلق فاضل كريم.

وهنا أمر مهم، فعندما نقرأ القرآن، هل نجعل صوتنا وحنجرتنا مسرحا للقرآن، أم سنجعل القرآن مسرحا لصوتنا؟

فإذا كنا سنجعل صوتنا وحنجرتنا وصدرنا مسرحا للقرآن الكريم، أي أن ينطلق منه القرآن ويسير إلى غايته التي نزل بها من السماء وهي هداية القلوب.

أما إذا كنا سنجعل القرآن مسرحا لصوتنا فسيخالف الأمر ويكون صوتنا فوق القرآن، فيتحول الأمر إلى دعاية لمن يقرأه، ليقول الناس إن فلانا صوته جميل، ويعرف يقرأ.

وأمر الحلال والحرام في القراءة بالموسيقى والمقامات ليست هي القضية، فالقضية أن لدي معالم محددة جدا لا ينبغي تخطيها بتاتا لجعل صوتي مسرحا للقرآن الكريم، والمعالم تتركز في قوانين التجويد، وأحكام التجويد، والوقف والابتداء والالتزام التام بهذه القوانين.

الصوت الحسن يزيده حسنا، كما جاء في الحديث «زينوا القرآن بأصواتكم»، فمن يريد أن يقرأ بالمقامات أو غيرها فيمكنه ذلك، لكن المهم أن يتمسك بالقوانين والثوابت.

فاتخاذ الصوت مسرحا للقرآن ليوصل المعاني للناس ليفهموا الحلال والحرام ليدركوا المعاني الكامنة في الكلمات لكي يحسوا ويفهموا الأمور الدقيقة التي هي مهمة جدا لهم، فليس من المعقول أن يمر القارئ على كلمة وهو غير فاهم لها، لأن مهمته إيصالها إلى المستمع.

لكن أن تجعل القرآن مسرحا لصوتك ثم تعبث لتقول إن نيتي طيبة، فهذا لا يجوز، فليس لدينا مشكلة مع من يريد أن يقرأ القرآن بالمقامات أو بالموسيقى ما دام التزم بقوانين التجويد بدقة تامة والوقف والابتداء بدقة تامة ثم بعد ذلك فليستخدم صوته كما يحب، فالصوت الحسن يزيده حسنا كما جاء في الحديث.

* وماذا عن الآراء التي تقول إن صوت المرأة عورة؟

- هذا ليس بصحيح، فصوت المرأة ليس بعورة، والدليل من القرآن أن الله تبارك وتعالي قال مخاطبا المؤمنات «وقلن قولا معروفا»، فإذا كان صوتهن عورة لماذا قال ذلك، فصوت المرأة ليس بعورة، ولكن بما أنها هي أصلا فيها صفات الحياة والأنوثة أكثر، فقد شرع لها الدين أن تبتعد عما يثير الغرائز والنفوس المريضة.

أمير المؤمنين عمر الفاروق رضي الله عنه بدأ يتحدث في المنبر في الحرم عن مهر المرأة على رؤوس الأشهاد ليضع قانونا للمهر، فقامت امرأة وقالت إن الله تعالي قال «فإن آتيتم إحداهن قنطارا فلا تأخذوا منه شيئا» فقال أمير المؤمنين «أصابت امرأة وأخطأ عمر»، فكيف تحدثت تلك المرأة، وكيف سمعها وهو فوق المنبر، وهل تحدثت بصوت خافت أم بصوت عال سمعه عمر وهو على المنبر وسمعه الناس. كل ذلك يبين أن صوت المرأة ليس بعورة.

* يقال إن المرأة لا تجد لها مكانا في علوم القرآن في هذا الوقت، ما قولكم؟

- لا، هذا ليس صحيحا، فالمرأة تجد مكانا في علوم القرآن، والآن لدينا بحمد الله مقرئات على مستوى تكتحل به الأيام والليالي، ولدينا فتيات نفع الله بهن نفعا عظيما في أي مكان حللن، يدرسن القرآن وعلومه ولديهن أنشطة ظاهرة.

وهن لسن أقل من الرجال في هذا الجانب.

* مع التقدم المذهل الذي يعيشه العالم في أمر التقنية، ما رأيكم في استخدام الدعاة للوسائط الحديثة في فكر التجديد في الدعوة، وظهور الدعاة الشباب من أمثال عمرو خالد ومحمد الشقيري وغيرهما؟

- من خصائص هذه السرعة التي نعيشها، تقارب المسافات الجغرافية، الآن كما تلاحظ فإن الكثيرين ممن لهم براعة في استخدام وسائط الاتصال الحديثة والشبكات الاجتماعية، مثل «فيس بوك» و«تويتر» والقنوات الفضائية وغيرها، أصبح لهم تأثير كبير على مستوى العالم، ونجد نخبا من العلماء ممن برعوا في هذا الأمر يستخدمونه بشكل مفيد جدا، وهو ليس في السعودية فقط بل في مختلف أنحاء العالم الإسلامي.

ولدينا أساتذة وأقطاب في هذا الأمر وعدد من الأساتذة الكبار الذين يعملون في هذا المجال، وهم يقومون بعمل مدهش حقا منطلقين من مختلف المدن الإسلامية والعالمية، ويقدمون خدمة كبيرة للدين، كما أن الدول الأوروبية تحفل بدعاة بأساليب رائعة عبر مواقع الإنترنت، فقد أفادت كثيرا، ودائما أبدي إعجابي بهؤلاء لأني بعيد عن مثل هذه الأنشطة.

* كيف يمكن ضمان صون علم القراءات من التأثيرات الحديثة التي قد تغير في مضامينه المتوارثة؟

- علم القراءات علم جامد، غير مرن، ويعتمد على حافظة لمرويات معينة، لا تزيد ولا تنقص، فليس في الأمر مجال للفلسفة الزائدة، لكن الدور الحقيقي للقارئ في تاريخ الإسلام أن القراء كانوا في أول الصفوف في الجهاد، ولم يكونوا في أواخر الصفوف يتكسبون بالقراءة أو الإقراء.

القراءة مصونة ولا أحد يستطيع أن يتدخل في أمرها، لكن القارئ نفسه هو الذي نبحث عنه، نبحث عن القارئ صاحب الأسلوب الدعوي والمنهج التربوي.

المطلوب القارئ الذي يأخذ الأحاسيس التي يحملها القرآن، لينقلها إلى أذن المستمع وتنتقل إلى روحه، لتحدث التأثير المطلوب، والأمر ليس بالشكل في الداعية أو القارئ، كما قال إيليا أبو ماضي: عيناك من أثوابه في جنة ويداك من أخلاقه في سبسب وإذا بصرت به بصرت بأشمط وإذ تحدثه تكشف عن صبي نعم هناك ندرة في القراء، والسبب أننا لم نوظف عملية الإقراء التوظيف المقصود عبر التاريخ، الشباب أصبح مستعجلا ويريد أن يحصل على الإجازة العلمية ليتفاخر بها أمام الناس، ولا أحد يبحث عن علو القراءة، فالناس أصبحت تبحث عن السند العالي ولكن لا يبحثون عن القراءة العالية، ولا يريدون أن يعلموا أن سيدنا موسى رمي بالأنانية الإنسانية وطالب بإشراك أخيه هارون فيما خصه به الله.

التواضع أمر مطلوب، ورغم أننا نذهب إلى المسجد خمس مرات يوميا فإننا لا ننتبه إلى أن المسجد يعالج أهم أمراض الإنسان وهو مرض التكبر الذي يعد أكبر الأمراض الاجتماعية، فالكبير والصغير هنا سواسية، والدخول إلى المسجد يتطلب أن تخلع نعليك وأيضا تخلع نفسك، حيث تعالج نفسك خمس مرات يوميا من ثقل النفس؟

* هل يمكن تقدير عدد القراء المتخرجين سنويا من الجامعات والمعاهد السعودية؟

- تلك إحصائيات موجودة في كل جامعة وكلية، وأعدادهم كبيرة بحمد الله، والجامعة تضع خزينة علمية لمن ينتمي إليها لتدربه على مزايا العلوم التي يدرسها في المراحل المتعددة في الجامعة، لكنها لا تصنع الثقافة، لأنها من الأشياء التي يصنعها الإنسان بنفسه عندما يواجه أحداث الحياة.

الثقافة هي صناعة الحياة بمقاييس الحياة التي أنت موجود فيها.

* هل لديكم إحصائية بعدد الطلاب الذين تخرجوا على يديكم؟

- هذه أحد الإشكالات التي أعانيها، فقد بدأ أحد الإخوة قبل سنوات في الحصر ووصل إلى رقم معين رجالا ونساء، ولكن العدد تزايد الآن ولكني دائما أقول إن تلامذتي يعرفون بعضهم بعضا وهذا يكفي.

* ما هو حجم مشاركتكم في نشر علم القراءات وفي مسابقات الحفظ والتلاوة في دول أخرى؟

- كثيرة هي مسابقات القرآن الكريم التي تجري في الدول الإسلامية وغيرها، وحتى الجاليات الإسلامية في الدول الغربية تقيم مسابقاتها السنوية، وقد حللت ضيف شرف على المسابقة الكبيرة التي أقامتها الجالية في بريطانيا، في مدينة باتلي القريبة من برادفورد وهي مسابقة لعموم بريطانيا وآيرلندا.

معظم الدول العربية فيها مسابقات عالمية، في مصر والسودان والأردن والمغرب الذي بدأها هذا العام، وتونس والجزائر كما كانت في ليبيا وسوريا واليمن الذي لا نعلم موقفه بعد الأحداث الواقعة هناك.أما أكبر وأضخم المسابقات العالمية فهي مسابقة السعودية وهي مسابقة الملك عبد العزيز، وفي الكويت أكثر من مسابقة، ففيها على المستوى الخليجي وأخرى عالمية، وفي البحرين مسابقة عالمية وأيضا دبي.

فالنشاط القرآني وبحمد الله يسير بصورة طيبة وله اتساع كبير جدا.

* كخبير في علوم القرآن، ما هي أنجح الطرق للحفظ وتثبيت القرآن الكريم؟

- هي طريقة واحدة لا يوجد غيرها وهي طريقة التكرار حتى يتم الحفظ.

* هل يمكن لأي شخص عادي أن يصبح قارئا مجودا وينال الشهرة؟

- هنا نقول «لو تعلق أحدكم بالثريا لنالها». وأذكر هنا أحد تلاميذي وهو طبيب بارع في مجاله وعنده زمالة وهو أستاذ لبرنامج الزمالة وهو قد قرأ القراءات العشر والآن يحقق في الدكتوراه في علوم القراءات.

وهذا النموذج رغم أنه طبيب وموظف حكومي فإنه تعلق بالأمر فأصبح عالما في القراءات.

* من هم أشهر القراء في السعودية حاليا؟

- السعودية فيها الكثير من القراء الجيدين، وفي كل بلد علامات ظاهرة، ونحن نفرق بين القراء والمقرئين الذين يعلمون القرآن، ففي المدن السعودية الكثير من هؤلاء القراء سواء إن كانوا سعوديين أو غير سعوديين.

على سبيل المثال وليس الحصر، في مكة المكرمة هناك الشيخ فؤاد مصطفى الحسن والشيخ محمد مكي هداية الله، وهم الكبار الذين نشروا الإقراء على قواعد قوية، وفي جدة الدكتور إبراهيم الزهراني، والدكتور إبراهيم الدوسري في الرياض، والدكتور علي عطيف في جيزان، وفي المدينة نخبة كبيرة من هؤلاء الأعلام الراقين جدا، منهم الشيخ سلمان طشقندي، والدكتور جار الله، والدكتور البرحجي، وغيرهم من المقرئين على مستوى عالمي، وهناك تلاميذ لنا من السودان بارعون جدا في هذا المثال.

* يلاحظ الإنسان غير المتخصص اختلافا في طريقة قراءة القرآن في بعض البلدان، إلى ماذا يعزى هذا الاختلاف؟

- هذه الاختلافات حقيقية وهي ناتجة من البيئة المكانية التي يعيشها الإنسان، ففي المغرب مثلا تجد القراءة متأثرة بالجوار الإسباني فموسيقاهم قريبة من الإسبان وكذلك قراءاتهم وكذا الحال في السودان حيث إنهم لم يكتسبوا الصوت العربي ولم يوظفوه لذا تجد أن أهل السودان عندما يقرأ قارئ بالطريقة المشرقية فإنهم يطالبونه بقراءتهم المحلية القديمة، وهذا أمر غير صحيح، حيث إن القراءة القديمة تلك هي نتاج تلاقح الوافدين من دول الجوار الأفريقي.

ولكننا نرى القراء في ليبيا يقرأون بالقراءة المشرقية، كما نجح بشكل كبير القراء في تشاد وبدأوا يتحررون من قيود القراءة القديمة، وكذلك في شمال نيجيريا وجنوب الكاميرون، وتلك المناطق تعتبر المنطقة الذهبية في الحفظ.

* ماذا يعني لك الشيخان عامر السيد عثمان، والشيخ عبد الفتاح القاضي؟

- الشيخ عامر بن السيد عثمان معرفتي به سابقة قبل الشيخ القاضي، وكنت أقرأ عليه عندما كان يزور المدينة، وكنت أحب أن يصحح لي ويعلمني، وهو معلم تاريخي في طريق حياتي، كنت وقتها أقرأ لدى القارئ إبراهيم الشاعر شيخ مشايخ قراء المدينة المنورة.

فلما قررت الجامعة الإسلامية إبان عهد العلامة الشيخ بن باز رحمه الله افتتاح كلية القرآن الكريم تعاقدوا مع الشيخ عبد الفتاح القاضي، فكان الدكتور عبد العزيز قاري له معرفة بالشيخ القاضي، فتوسط لي عنده فاستقبلني عنده.

عندما جاء الشيخ عامر إلى العمرة حدثته بأمر الشيخ القاضي، فقال إنني يجب أن أقرأ على الشيخ القاضي، ثم كان أن أخذته إلى الحرم حيث التقى الشيخان، في لقاء تمنيت أن يحضره كل طالب علم، يحب القرآن الكريم، ليرى كيف يجل أهل القرآن بعضهم، ويقدسون العلم، كانت لحظات اللقاء لا تنسى، جلسا وتسامرا، وكنت أقف متسائلا مبهورا «عادة الأقمار تكون في السماء، فكيف هبطت إلى الأرض»، رحمهما الله رحمة واسعة.

* كيف تتابع أحوال طلابك الذين هم خارج المدينة المنورة أو أولئك الذين هم خارج السعودية؟

- طريقة التعليم والتدريس هي فن آخر غير اكتناز المعلومات، لأن المعلومات عبارة عن قوانين لا تقبل التبديل والتغيير لكن الإنسان هو الذي يتصرف فيها، التوظيف المعنوي والعملي للدين يتضح من خلال قصة الأعرابي الذي جاء وأفرغ ماءه داخل المسجد، وكيف أن الصحابة أغلظوا القول معه فيما تعامل معه الرسول الكريم بلطف قاد الرجل ليدعو ربه قائلا «اللهم أدخلني الجنة أنا ومحمد فقط».

* يتخوف البعض من تحول مراكز تحفيظ القرآن الكريم إلى بؤر تفرخ الأفكار الإرهابية، ما رأيكم؟

- هذا أمر مستحيل، وتفكير افتراضي بعيد عن التجربة، والله سبحانه وتعالى قال عن القرآن الكريم إنه يهدي، ولم يقل إنه يضل، والهداية لا تكون إلا بالحق، ولا يوجد دليل عند أي من كان على أن الجمعيات خرجت أو صار منها بؤر تفرخ الإرهابيين.

ونتساءل هل الذي فجر الناس وقتلهم في النرويج مؤخرا تخرج من حلقات تحفيظ القرآن؟ أو ذلك الذي فجر في شيكاغو هو من خريجي القرآن الكريم؟

هذا قول مردود عليه، وحتى من الناحية الإنسانية لا يصدق هذا الكلام أيضا.

خادم الحرمين الشريفين منح مؤخرا لحلقات التحفيظ مبلغ 200 مليون ريال، ولم يمنحها سرا بل في العلن، لأن ذلك عن قناعة منه كشخص على قمة العمل، والرجل صاحب نفس طيبة، ويحب أن يتقرب إلى الله تعالى، فوجد في هؤلاء ما تقر به العين، وهو رجل الدولة الأول الذي يعلم ما تقوم به هذه الجمعيات، لأنه مطلع على كل شيء في كل إمارة، ألا يقنع الذين يشككون في جمعيات القرآن الكريم فعل رجل بلغ من المكانة في نفوس الناس ما بلغ وعلى الملأ يمنحهم 200 مليون ريال، وهو مسؤول أمام الله سبحانه وتعالى وقد سمعته يقول إنه لا ينام إلا بعد أن يطمئن على أحوال الناس في كل المناطق. ألا يدري مثل هذا الرجل أن إن هذا القطاع طيبا أو خبيثا؟! القرآن له مكانة عظيمة عند الناس، وأذكر هنا في هذا المقام عندما وضعت نظام المسابقة العالمية لتحفيظ القرآن الكريم في السودان، أخبرت الرئيس السوداني عمر البشير - أثناء تقديم النظام له - أن اختلافا بسيطا وقع وقد تم تداركه، فأخبرني أنه بتجربته السياسية وجد أن الناس يختلفون في كل شيء، ولا ينتهي المرء إلى شيء أبدا، ولكن بمجرد أن يقف أحدهم ويبدأ في قراءة القرآن يصمت الجميع على اختلاف توجهاته الفكرية والعقدية. وقال إنه وجد أن الشيء الذي يتفق عليه كل الناس هو القرآن الكريم، ولذلك أعلن موافقته على النظام.

فالقرآن يهدي للتي هي أقوم ومستحيل أن يدعو إلى التدمير.

كما أن محفظ القرآن إنسان بسيط، لا يتعدى دوره تحفيظ الكلمات فقط، كما أن ما يتقاضاه من راتب بسيط جدا.

إن ما تم من إيقاف لعمل بعض الإخوة من غير السعوديين إنما هو أمر إداري لفتح المجال لتوظيف السعوديين.

* إذن، وبسؤال آخر، كيف يمكن صون الشباب من الأفكار المتشددة؟

- ليس لدينا المقدرة على السيطرة، فطفل صغير لم يدخل المدرسة يمكنه أن يجلس أمام الإنترنت الذي فيه ما فيه، بما أننا قصرنا في الجزئية الخاصة بنا، وربنا سبحانه وتعالى يقول: «ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض» فهذه مسألة مدافعة، فهناك شيء تحت يدك، وشيء آخر خارج عن نطاقك.

ومثال على ذلك يمكنني أن أقول للولد الصغير أن يقفل التلفزيون وقت الصلاة ليؤديها، ولكن لا أستطيع أن آمره بإغلاق التلفزيون وألا يتفرج على قنوات بعينها.

كما أن هذا الصغير وفي منتصف الليل والأنوار مطفأة يقدر أن يفتح الإنترنت، فالسيطرة صعبة هنا. ولكني لو كنت غرست فيه معالم الدين لتكون له حماية في المستقبل. والحجاج يقول في ذلك «علموا أولادكم ثقافتهم هم، فإنهم خلقوا لزمان غير زمانكم». فلا بد أن أتجنب الكذب أمام الصغير حتى لا يتعلمه وغير ذلك.

ولكن ليس معنى هذا أن نترك الحبل على الغارب، بل نتبع قول الله تعالى «قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا) فأنا مطلوب مني أن أدافع «ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض» فليس المطلوب مني أن أجلس متفرجا، أتبع المسؤولية التي حملها لنا الله «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته».

* يطالب كثير من المختصين بضرورة تغيير الخطاب الإسلامي، خاصة عقب أحداث سبتمبر (أيلول) في أميركا، وأن يبدأ ذلك من منابر المساجد، ما رأيكم؟

- ما المقصود بتغيير الخطاب الإسلامي، هل الخطاب الإسلامي الموجود قاصر حتى يأمروا بتغييره، الآن عندي الشريعة لما جاءت بنظامها جاءت بنص الشرع في كتاب الله وسنة رسوله الكريم، فحينما أتحدث أنا بنص الشرع في أي مكان، إنما أحمل في طيات حديثي روح الشريعة ومقاصدها، ولذلك أضرب لك المثال في عدة اتجاهات في عدة مواقف بنفس المثال لأنه قادر على أن يبين في كل زاوية مظهرا جماليا لا تشكك فيه. فأنا ليس لدي في خطاب الشريعة شيء قاصر.

النظام المتمثل في قوله تعالى «إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى» وهي 3 تواجه خطر الـ3 الثانية «وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي»، فحتى تحافظ على كنزك المتمثل في الثلاث الأوائل انتبه ألا يأتيك ما يدمرها وهي الثلاث الأخرى. فالخطاب نفسه ليس فيه مشكلة، لكن المشكلة حينما يأتي الشخص ولا يحسن طريقة العرض مما نجعل الآخرين يقولون لازم نغير الخطاب الإسلامي، والخطاب الإسلامي ثابت لا يتغير لا في كلام الله ولا في كلام رسول الله.

فهل كان الخطاب قاصرا لنغيره!، هل أصبح باليا لنغيره!، ما هي الإشكالية فيه لكي نغيره!. يعني لأن شخصا لا يفهم المبادئ ولا يستطيع تقديم الإسلام للناس بروح الإسلام يصبح ذلك دعوة لتغيير الخطاب؟

نحن لا بد حينما نقدم الخطاب الإسلامي نقدم النص وروح النص مع بعض لا يتخلفان، والصحابة عرفوا ذلك، ففي عهد المجاعة لم يرض أمير المؤمنين عمر أن يطبق قطع يد السارق لأنه جوعان، والمجتمع هو المسؤول عن جوع هذا الشخص لأنهم لم يخرجوا الزكاة إخراجا صحيحا، فوصل الأمر إلى أن يكون في المجتمع شخص جائع من حقه أن يأكل، فال لهم عمر إن هذا لا يعتبر سارقا ولا تقطع يده.

إذن يجب أن نقدم خطابا إسلاميا خاليا من الريبة والمشاكل لكن لا بد أن نقدم معه روح الخطاب الإسلامي، لأن قطع يد السارق جاءت حفاظا على مقتنيات الناس لكن الناس مكلفون بإخراج الزكاة لسد الصدع الموجود وإطفاء نار المسقبة والفقر والهم.

* ما هي جهودكم في مساعي لجان إصلاح ذات البين؟

- عملت في الجمعية الخيرية للخدمات الاجتماعية في المدينة في عهد الراحل الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز، وقد عملنا عملا طيبا، والأرقام والسجلات لا تجامل ولا تكذب.

* القراءة في التراويح والقراءة للتسجيل، ثم التلاوة العادية، هل تتطلب أن تلبس لكل ثوبا؟

- هي جميعها عبادة، والقراءة في التراويح عبادة ولها مقتضياتها، كذلك القراءة في التسجيل عبادة ولها مقتضياتها ولها فهمها وتقنياتها، كما لها استعداداتها.

فالمسألة ليست ميكروفونا تتكلم فيه فحسب، بل فيها تدقيق شديد في كل حرف وكل كلمة.

* هناك من يتحدث عن قرب أفول القراءة الحجازية لغياب القراء المتخصصين فيها، ما رأيكم؟

- هذا ليس صحيحا، لأن أكثر القراء خاصة في مكة المكرمة يقرأون بها، بل السواد الأعظم من الشباب في مكة يقرأون بها.

* كيف تنظرون إلى الإنشاد، خاصة مع المبالغة التي تتخذها بعض الفضائيات التي تكثر من استخدام الموسيقى؟

- هذا ليس مجال تخصصي، ولكن الأناشيد الموجودة الآن في الفضائيات وفيما أسمعه أحيانا، ربما تجلب مرض الكآبة.

* يرى متابعون أن كثيرا من خطباء المنابر لا يلتزمون السنة، ما مدى صحة هذا القول؟

- هؤلاء الخطباء ليس لديهم علم ولا ثقافة، وهذه هي بضاعتهم. وهنا أذكر قصة ذلك الخطيب الذي أمسك به أحد المصلين وقال له «ظللت أصلي خلفك سنوات، وفي كل خطبك لا تتحدث سوى عن النار، ألا تدري أن الله خلق أيضا شيئا اسمه الجنة، أم لم يمر عليك ذكرها، هل كل علمك وحصيلتك عن النار!».

كما أن بعض خطباء المنابر الذين يقرأون من أوراق معهم، فإنهم يكادون يخرجونك من داخل المسجد.

والحل لكل هذه المشاكل فإنما العلم بالتعلم، فعمر بن الخطاب رأى الأذان في المنام، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن يعلمه لبلال لجمال صوته، وهذا لا ينقص من عمر بن الخطاب رضي الله عنه وهو تاج المؤمنين.

وزارة الشؤون الإسلامية تبذل جهدا مستحيلا في تثقيف هذه الفئات، فالوزير قد لا ينام الليل من هم الخطباء، وفي القرى كثير من المشاكل، وهنا تحضرني قصة أحد المشايخ الذي ذهب في وقت مضى إلى منطقة نائية فوجد إمام المسجد يدعو للسلطان عبد الحميد.

* هل حدثتنا عن ماهية القراءة المفسرة، وكم سنة تأخذ لتجويدها؟

القراءة هي عبارة عن نقل الأحاسيس من شخص إلى شخص آخر، فإذا كان القارئ أحاسيسه حقيقية وقوية فإنها تنتقل بالتالي إلى الآخرين، ولا قرب المثال، لننظر إلى شخصين تم إعطاؤهما زجاجتي عصير، أحدهما فتحها وشربها، فيما الآخر لم يستطع فتحها، وظل يحاول، فمع المحاولات والضغط بقوة على الزجاجة تحول وجهه تجهم كأنه يختزل كل القوة الموجودة في بدنه في أصابعه ويديه لتقوى على فتحها.

الآخر وهو ينظر إلى هذا المنظر يبدأ في تقطيب جبينه بطريقة لا إرادية، وهو ما نسميه النزعة الحركية، أي الانتقال بالإيحاء من شخص إلى آخر.

فحينما قرأ القارئ «فورب السماء والأرض إنه لحق» فتساءل الأعرابي في المسجد: ما الذي جعل الحليم يقسم؟، فشعر الأعرابي أن الأرض تميد وأن ما جعل الحليم يقسم إنما هو حدث كبير جدا، فقال ما الذي جعل الحليم يقسم، وفي هذا دلالة على أن القارئ استطاع إيصال الحس لهذا الأعرابي، فنطق هذا الأعرابي.

هذا الذي نريده من القراءة المفسرة، أن ننقل الإحساس من فم إلى أذن وقلب. الرسول عليه الصلاة والسلام هو أعظم قارئ في الدنيا، التقى بعبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فقال له اقرأ، فقال له أقرأ وقد أنزل عليك القرآن!، قال فإني أحب أن أسمعه من غيري.

قال فقرأت حتى وصلت إلى الآية «فكيف إذا جئنا من كل أمة بشهيد وجئنا بك على هؤلاء شهيدا» قال حسبك، فنظرت فإذا بعينيه تدمعان.

إذن عبد الله بن مسعود استطاع أن يؤثر على أعظم شخصية ويجعلها تبكي.

هذه هي القراءة المفسرة، أن ننقل إحساسا صوتيا إلى المأمن السمعي لدى الإنسان ثم إلى الجهاز الفاعل وهو القلب.

* هل سار أحد أبنائك على طريقك واتخذ طريق القراءة؟

- لا، لم يتخرج أحد أبنائي مقرئا، من ناحيتي فقد حاولت ليسلكوا هذا الطريق، لكنهم لم يستجيبوا ولم يقتحموا هذا المجال، وكل ميسر لما خلق له.

لدي صديق هندي في بريطانيا، كل لأسرته حفاظ، وأبناؤه معظمهم أطباء ناجحون في مجالاتهم، ومع ذلك يصلون بالناس التراويح في رمضان في اسكوتلندا وآيرلندا والكثير من الأماكن.

كنا أقمنا دورتين للقرآن الكريم للطلاب المسلمين في جامعة جورج واشنطن في العاصمة الأميركية، ومن الأشياء الغريبة وجدنا أن الإقبال على تعلم القرآن من الفتيات والنساء أكبر منه لدى الشباب، ووجدنا طبيبة هندية كل أهلها شيوعيون وزوجها لا ديني، وعندها نحو ثمانية أطفال، ورغم ذلك تكافح من أجل أن تحفظ القرآن الكريم، وكانت تأتي يوميا 70 ميلا من ولاية فرجينيا إلى واشنطن على مرتين في اليوم، وزوجها سخره الله لها ليهتم بالأطفال، ويجلبهم معه يوميا إلى المركز. وقد أتمت حفظ القرآن الكريم بحمد الله، فالشاهد هنا أن ذلك تسخير إلهي لخدمة هذه الحافظة.

* سيرة ذاتية

* ولد في المدينة المنورة عام 1364هـ، نشأ بها وتلقى تعليمه في مدارسها، حيث درس في مدرسة دار الحديث، ثم مدرسة النجاح، فالمعهد العلمي، ثم المدرسة الصناعية الثانوية.

* حفظ القرآن الكريم على الأستاذ عمر الحيدري، وقرأه على شيخ القراء في المسجد النبوي الشريف الشيخ حسن بن إبراهيم الشاعر برواية حفص، ثم قرأ عليه القراءات السبع.

وقرأ وتتلمذ على عدد من المشايخ، منهم: الشيخ عامر بن السيد عثمان، والشيخ أحمد بن عبد العزيز الزيات، وتتلمذ كذلك على الشيخ عبد الفتاح القاضي وقرأ عليه القراءات العشر، وتتلمذ في العقيدة والفقه واللغة على الشيخ عبد الله بن محمد الغنيمان.

* مارس الكثير من الوظائف والمهام، حيث ابتدأ حياته العملية مدرسا في التعليم الصناعي، فمدرسا بمدرسة أبي بن كعب لتحفيظ القرآن الكريم في المدينة المنورة.

بعد ذلك عين برتبة أستاذ مساعد في كلية القرآن الكريم وكلية الدعوة بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة، ودرس في المعهد العلمي للدعوة الإسلامية التابع لجامعة الإمام.

وقد شارك بالإمامة في الحرم النبوي الشريف، والحرم المكي الشريف.

والشيخ هو: شيخ القراء بالمدينة النبوية.

وقد تتلمذ عليه في القراءات الكثير من الطلبة داخل المملكة وخارجها.

له نشاط كبير في مجال تحفيظ القرآن الكريم والخدمات الاجتماعية، وهو عضو في عدد من اللجان والجمعيات، ومنها:

- جماعة تحفيظ القرآن.

- الجمعية الخيرية للخدمات الاجتماعية.

- لجنة التحكيم المحلية والدولية لمسابقة القرآن الكريم التي تقيمها وزارة الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد.

كما أن له نشاطا إعلاميا وأدبيا، إذ شارك في عدد من الحلقات الإذاعية والتلفزيونية، وألقى الكثير من المحاضرات في منتديات علمية مختلفة، وكذلك له تسجيلات قرآنية وأشرطة كاسيت في معظم مكتبات العالم الإسلامي.