الشيخ صالح المغامسي: الوسائط الإلكترونية «شعوذة».. وبعض علماء الفضائيات لا يصح أن يطلق عليهم علماء ولا طلبة علم

قال إن كثيرا من المعلمين أصحاب أكثر من صنعة.. وطالب بتربية النشء على فقه الاختلاف

الشيخ صالح المغامسي إمام وخطيب مسجد قباء في المدينة المنورة
TT

اعتبر لقب العلماء النجوم، الذي تطلقه بعض وسائل الإعلام على أهل العلم تقليلا من هيبة العالم، وفي تواضع كبير قدم نفسه بقوله «أنا صالح عواد المغامسي، عبد، يحاول أن يسعى ما أمكنه إلى مرضاة ربه، ويسأل الله في سره وعلانيته أن يستعمله في طاعته، ويشرف بأنه يحيا في بلد عاش فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم».

التقيته عند باب الإمام في مسجد قباء بمدينة الرسول الكريم، فهو خطيب وإمام في تلك البقعة الطاهرة، ولم يكن بد من تحديد موعد لليوم التالي لإجراء الحوار الصحافي في مكتبه بالقرب من الحرم المدني، فجماهير المصلين والمحبين كانوا ينتظرون المحاضرة اليومية للشيخ صالح المغامسي قبيل صلاة التهجد في مسجد قباء.. فإلى نص الحوار:

* سبق أن كنت مشرفا تربويا بإدارة تعليم المدينة المنورة، فمن وجهة نظركم، كيف يمكن الارتقاء بمستوى الطلاب من وجهة نظركم، وما هي أهم المعوقات في تدريس العربية؟

- الارتقاء بمستوى الطلاب يبدأ من نقطة المعلم–إذا أردنا أن نكون واضحين–إذا وجد ذلك المعلم المثقف والواعي الذي يستطيع أن يجمع ما بين البعد الديني الثابت العريق وما بين الحضارة المعاصرة، التي لا بد من أخذ شيء منها، إذا وجد مثل هذا المعلم الذي يفقه مثل هاتين الحالتين يكون هناك بإذن الله طالب متفوق.

نحن نعاني ما بين حالين، ممن يرتكز على البعد القديم لكنه لا يريد أن يرتقي بالطلاب إلى الحضارة المعاصرة، أو ممن يحاول أن يرتقي بالطلاب إلى الحضارة المعاصرة دون أن يتكئ على بعد ديني ثابت لا بد من الانطلاقة منه.

كما أننا نعاني في التعليم أن كثيرا من المعلمين أصحاب أكثر من صنعة، بمعنى أنه متى كان المعلم مشغولا بسوق الأسهم، وبطرائق الرياضة، وبمحاور الفن، فإن هذا يسيطر على ذهنه وعقليته خارج المدرسة، فيعوق بينه وبين التحصيل العلمي، الذي لا بد للمعلم أن يتواكب معه، فلما يفقده في خارج المدرسة، أنى له بعد ذلك في أن يسعى لأن يرقى بمستوى الطلاب.

لا يغضب علي إخواني المعلمون، لكن الحق أن 85 في المائة من أسباب الرقي بالطالب ترجع إلى ذلكم المعلم الذي يفقه جلالة رسالة التعليم، كالمقر أن هناك مسائل آخر تتعلق بالمباني، وما يمكن أن تيسره الوزارة للمعلم، وإن كانت هذه الأشياء لها أثرها الذي لا يمكن إنكاره، لكنها لا تمثل نسبة كبيرة في أسباب عدم الارتقاء بالطلاب على ما هم عليه.

* وماذا عن المناهج التي ظل يدور حولها كثير من الحديث؟

- بالنسبة للمناهج الحالية لم أطلع على كثير منها إلا قليلا، لكني أقول ما ينبغي أن تكون عليه المناهج، وهل هي على ذات الوضع، هذا شيء آخر. المناهج.. قضية أن كل فئة تخصصية يسند إليها تأليف كتاب من الخطأ–وهذا واقع حقا–إنهم ينظرون إلى الطالب كأنه لم يدرس إلا هذا الكتاب، فتجد من يعنى بتأليف كتاب في اللغة العربية، يضع أمورا لا تتوافق مع مستوى الطالب، وإن توافقت معه عقليا حينا، لا تتوافق معه وقتيا، بمعنى أنه محال أن يفقه الطالب ذلك الأمر فقها غير حفظي وهو يجمع معه كتابا آخر في الرياضيات وفي العلوم واللغة الإنجليزية وغيرها، فهذا محال، ولهذا نرى أن الطلاب المتفوقين ليسوا متفوقين في غالبهم إلا في شيء واحد، في قدرتهم على الحفظ، وهذه الدرجات العليا التي ينالونها نالوها لمجرد الحفظ، بدليل أنك لو أتيت في أي حقبة تاريخية ونظرت لعدد الطلاب المتفوقين في تلك الحقبة، ثم نظرت بعد ذلك إلى أثرهم في المجتمع لوجدته دون ذلك، لأن مستوى التفوق كان يقاس على مستوى الحفظ، وينتهي زمن الحفظ بما يدونه الطالب في أوراق الاختبار، بعدها يصبح هناك فصل تام، ويصبح الطالب غير مؤهل في قدراته وفي فهمه والإدراك للأشياء من حوله.

وهذا ما قلته آنفا في الانفصال بين البعد والعمق الديني، وما بين الحضارة المعاصرة، هذا الانفصال هو من أعظم أسباب ما نحن فيه من عدم وصول طلابنا إلى المستوى المأمول، هناك محاولات نسمع عنها من وزارة التربية والتعليم في قضية تعديل المناهج، لكن لا أظن إلى الآن قد وصلوا إلى البغية التي يريدونها، ما دام هذا العدد الكبير في المواد التنافسية في هذه المرحلة، معنى هذا أن هناك عجزا قائما وهو ما نستطيع أن نسميه عجز الخوف من اتخاذ القرار، لا بد أن يعاد تقسيم النصاب، تقسيم النصاب في كل مرحلة، فنحن لسنا ملزمين أن يدرس الطالب في الصفوف الدنيا جميع أنواع المواد الدراسية، فلو أننا عنينا بالكتابة والقراءة والقرآن فقط، فإذا هيأت الطالب أن يعرف القراءة ويفقه ما يقرأ، حتى لو تأخر أو كان بطيئا إلا أن ذلك لا يضر، لكن أن تعطيه العلم كله في عام واحد وكل يحاسبه، وفي زمن يحاول فيه المعلم أن يتخلص من أكبر قدر ممكن من المسؤوليات خارج المدرسة ويلقيها على الطالب ويصبح دوره دور المحاسب فقط، هذا الذي جعل مسيرة التعليم على ما هي عليه.

* كعضو سابق في هيئة التوعية الإسلامية في الحج، هل تعتبر أعمال التوعية تؤتي أكلها، خاصة في قضايا البدع التي يمارسها بعض المسلمين؟

- هذا إذا أردنا أن نجهر بالحق، فإني أرى أن التوعية الإسلامية في الحج تحتاج إلى إعادة نظر في كثير من شؤونها، من أهم ذلك أن يكون الدعاة والعلماء والمشايخ المختارون لهذه المهمة أكثر علما بفقه الاختلاف، وأن يدرك الجميع أن المستفتي على دين مفتيه، وأن ندرك جميعا أنه متى ما نظرنا إلى الحاج على أنه موضع تهمة لا نستطيع أن ننفعه، والأصل في القادم إلينا أنه موضع تزكية حتى يتبين خطؤه.

نعم هناك جهود كبير يبذلها الشيخ عبد العزيز آل الشيخ وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، ولا يستطيع أحد أن ينكر أنه قامة علمية كبرى في العلم والفضل وفقه الاختلاف، لكن كذلك نحتاج كثيرا من التوعية الإسلامية في الحج التابعة لوزارة الشؤون الإسلامية أن تصل إلى مرحلة أكبر في مسألة معرفة فقه الاختلاف.

مسألة البدع موجودة، لا يستطيع احد أن ينكرها، لكن من باب إظهار مقامات الحق فهي ليست بالصورة التي يقولها البعض أو يدعيها.

* يقال إن عددا من الأئمة يخالفون السنة في مجال تطويل الخطبة بحيث لا يراعون المرضى وكبار السن، إلى جانب التركيز على الترهيب دون الترغيب، ما قولكم؟

- أما في الحرمين الشريفين، فالأئمة والخطباء–وفقهم الله–ليس فيهم شيء من هذا، فالحق أن الاعتدال والاختصار في خطبة الجمعة في الحرمين الشريفين مثال يحتذي، لكن يوجد في بعض مساجد المملكة أئمة أو خطباء، قضيتهم أنهم يريدون أن يقولوا كل شي، ومن يريد أن يقول كل شيء لن يقول شيئا. وهذا هو الواقع منهم، ولا بد لوزارة الشؤون الإسلامية–وهي تفعل هذا–أن تتدخل بصورة أكبر مع أنني بحكم أنني أمام وخطيب استسقي من هذه الوزارة كثيرا من التعليمات فإن التعليمات والندوات التي تقام بين الحين والآخر، كلها تنص نصا صريحا على عدم إطالة الخطبة، ومع ذلك يوجد من يطيل الخطبة.

أما قضية الجمع بين أسلوب الترغيب والترهيب، فإن الدين قائم عليهما معا، قال الله تبارك وتعالى: «يدعون ربهم خوفا وطمعا»، لكن قد يلجأ الإنسان للترهيب، إن غلب ذيوع الأمر الذي يراد الترهيب منه، وهذا منهج القرآن، قال الله عز وجل: «يا أيها المدثر قم فأنذر»، ولم يذكر البشارة، مع أن النبي عليه الصلاة والسلام بعث بشيرا ونذيرا، لكن الموقف بمخاطبة كفار قريش كان إلى النذارة أولى، ثم الموفق من يجمع إلى هذا شيئا من الترغيب، ثم في بعض أحواله لا بد أن يجعل الترغيب غالبا والترهيب شيئا يمزج به تلك الخطبة.

المهم عدم الإطالة وعدم مخاطبة الناس خطابا مباشرا، وأنا لا أرى إشغال العامة وملء المساجد بالقضايا التي تذهب هيبة المنبر، فلا علاقة لخطبة الجمعة بما يعرف بأسبوع المرور أو أسبوع الشجرة أو ما يشبه هذه من الفعاليات والأنشطة التي تقام، فللمنبر هيبته، والجمعة شعيرة، لا يصح أن تخلط بأحاديث الناس والمجالس العامة، أما من يقول من المفكرين أو المثقفين أو من بعض العلماء إنه ينبغي أن يكون الإسلام شاملا وما إلى ذلك، فإن هناك فرقا بين أن يكون الإسلام شاملا وبين أن تذهب هيبة المنبر.

ويتحدث الخطيب للناس عن قضايا سبق لهم أن سمعوها في برامج تلفازية وإذاعية متكررة، وأضحت هيبة المنبر وكأنها برنامج تلفازي.

* تعج الفضائيات بفتاوى، كثير منها يفتقد السند، فكيف يمكن مواجهة هذا التشويه؟

- العلماء الذين ظهروا في الفضائيات صنفان: علماء بمعنى علماء، وهم الذين سلطت الفضائيات الأضواء عليهم، بمعنى أنهم علماء قبل أن تظهر الفضائيات فكل الذي فعلته الفضائيات أنها قدمتهم للناس، والفضائيات بهذا العمل مأجورة. وآخرون لا يصح أن يطلق عليهم علماء ولا طلبة علم وإنما صنعتهم الفضائيات، وهؤلاء بدأوا يكثرون بحجج واهية، وهؤلاء هم آثمون لأنهم تصدروا وهم يعلمون أنهم ليسوا أهلا لهذا. وفي هذا فالفضائيات «مأزورات» في أنها تقدمهم للناس، فكما حكمنا بأنهم مأجورون في الحالة الأولى نحكم بلا تردد أنهم–أي الفضائيات–يبوءون بالوزر إذا عمدوا إلى شخص يعلمون أنه لا يفقه في دين الله بما يجعله أن يظهر للناس فيُسأل في الدين ولا يوجد حرمة أعظم من حرمة الدين.

* كمدير لمركز بحوث ودراسات المدينة المنورة، كيف تستفيد المدينة المنورة من اعتمادها عاصمة للثقافة الإسلامية؟

- المدينة المنورة هي عاصمة للثقافة الإسلامية بقدر أزلي قبل أن يتوجها المعنيون بهذا الأمر في المنظمة الإسلامية بهذا الشأن، وينبغي أن يعرف الناس أن الثقافة بمفهومها الواسع المعاصر المصطلح عليه كانت موجودة في المدينة. والحق–وهذا والله من الشهادة بالحق–أن أمير منطقة المدينة المنورة–وفقه الله–كما يعتني بالبناء العمراني الخراساني في المدينة، له عناية شديدة بالبناء الثقافي بمدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأنا بوصفي مشاركا في اللجان التي تعد لهذا العمل الكبير تحت إشراف أمير المنطقة، لا أستطيع أن أستبق الأحداث ولست مخولا بالحديث، لكن سيرى عامة المسلمين، شيئا يسر عندما تبدأ الفعاليات في المدينة عاصمة للثقافة الإسلامية.

* إلى أي مدى استفاد الدعاة من وسائط الاتصال الإلكترونية الاجتماعية الحديثة، مثل «فيس بوك» و«تويتر» وغيرها؟

- ما يعرف بالوسائط الاجتماعية أعتبرها «شعوذة»، وإن كنت لا أراها، وكما تعرف فإن لي موقعا على الإنترنت، لكنى لا أباشره، ولا أجيب عن الأسئلة فيه، ولا أتلقى مثلا تهاني أو رأيا وأرد عليه، إنما فقط هناك فضلاء هم وضعوا صفحة يتلقون فيها مشاعر الناس وآراءهم وما إلى ذلك، لكني لا أكتب جوابا. وإن أذن لي إخوتي الدعاة والعلماء، فأنا أرى أن هذا يذهب الحلم ولا يصح ولا أرى القيام به، بمعنى أنه صعب جدا أن تقول رأيا علميا مكثت سنين وأنت تبحثه ثم يعرض بطريقة تريد رأي العامة فيه.

هؤلاء الفتية، المحبون والمريدون، يحفظ لهم ودهم، وحبهم وإجلالهم وتقديرهم، لكن ليسوا كلهم أهلا لأن يقول رأيه. هذه المواقع خطؤها الكبير أنها تجعل لهم حظا من أن يقولوا رأيهم، وأنا أعتب على بعض الفضلاء أنني أحيانا أكتب مقالات شرعية أو علمية أو سياسية، في صحف تعنى في هذا الشأن، فيأتي أحد الفضلاء فيضع مقالتي في موقعه، ثم يقول هو رأيه، ثم يطلب ممن يفتح صفحته أن يقول رأيه في مقالات الشيخ صالح، فقطعا ستسمع أو سترى شيئا عجبا، فالقضية لأنها بنيت على خطأ–مع إجلالنا لهم–لم يكتب المقال لهم، ولا أقبل أن يقولوا رأيهم فيه، لا استنقاصا لقدرهم عند الله، لكن لعلمي بأن شابا في المرحلة الثانوية أو في المتوسطة أو حتى المرحلة الجامعية، غير مؤهل لأن يفقه خطابا أو مقالا علميا أنت كتبته بعد تجربة سنين وحصاد أيام وقراءة عشرات المصادر عبر حياتك وعمرك ودراستك، فأنى لمثل هذا أن يفقهه وأن يراه ولم يكتب له أصلا، لأنه كتب لمن كان معنيا بالشأن العلمي أو الفقهي أو السياسي حسب وجهة المقال، فلا يصح أن يعرض على من يعرف ومن لا يعرف.

وقد دلت السنة على صحة ما نذهب إليه، فقد كان النبي عليه الصلاة والسلام يخفي إلى أي وجهة هو ذاهب عن كبار الصحابة، فكيف يريدوننا اليوم أن نعرض عقولنا على صغار الناس.

لكن المشكلة هي عندما يلبس الناس ثوبا ليس لهم، عندما نجح الرئيس الأميركي أوباما في جمع الناس عن طريق هذه الوسائط، كان يتكلم عن مجتمع كل فرد هناك له حق أن ينتخب، ففرق أن يكون له حق في إبداء رأيه بإحدى كلمتين «معك» أو «لست معك» عن أن يكتب رأيه ليحلل الخطاب أو يفقه مراده أو يرد عليه.

ولهذا لما نجح بعض الزعماء في مثل هذه الأحوال، ظن البعض أنه يمكن أن تحسن في الشأن العلمي، وقد جاءني كثير من الطلاب والمحبين–من داخل المملكة وخارجها–يطلبون مني أن أتجاوب معهم، وأن آخذ وأعطي معهم، فرفضت، وقلت والله إني أحبكم لكن لا أريد أن أظلمكم، وقلت لا أريد أن أتعجل ذهاب عقولكم، أنتم لستم أهلا بسنكم هذه أن تقولوا رأيكم في مثل هذه المسائل.

* كيف تقيمون حركة الداخلين الجدد في الإسلام، واستنادا إلى الدعم والاهتمام بالدعوة والدعاة، هل ترى أن أعدادهم كافية؟

- الحق أن المكاتب التعاونية وتوعية الجاليات في المملكة–رغم أنها تعاونية–ليس للوزارة عليها إلا الإشراف العام–فإنها تبذل جهودا كبيرة وثمارها يانعة شاهدة وهي أحق المؤسسات التي يجب دعمها ويجب أن يكافأ ويبجل القائمون على تلك المكاتب، من الإداريين والدعاة، وأن يعطوا منحا مالية، وأن يكفوا كثيرا من همهم الدنيوي، لأنهم يقومون بالوظيفة والواجب العظيم الذي كان يقوم به الأنبياء، فكل إنسان إنما يُجل من طبيعة موقعه، فإذا عرفنا ما موقعه أجللناه وبجلناه على قدر موقعه، وهؤلاء المباركون في المكاتب التعاونية، يبذلون جهودا عظيمة في دعوة الناس للدخول إلى الإسلام، وقد هدى الله على يديهم خلقا كثيرا، فهؤلاء القائمون بهذا الشأن يجب إكرامهم معنويا وماديا وإن كانوا لم يطلبوا ذلك ولم يدعوا إليه.

* يتخوف البعض من تحول مراكز تحفيظ القرآن الكريم لبؤر لتخريج ذوي الأفكار الشاذة والمتشددة، ما رأيكم؟

- الحق أن جماعات تحفيظ القرآن في المملكة قديمة جدا، وإذا نظرنا إليها بإنصاف وباعتدال دون أي عاطفة لا لها ولا عليها، لوجدنا أنها والله بريئة، براءة الشمس من اللمس في هذه المسألة، لا علاقة لها أبدا بهذا. وكون أن يأتي أحد يخترق مؤسسة ما، فهذا وارد في جميع مؤسسات وأجهزة وحياة الناس، حتى في البيت الواحد، إذا وجد شخص ما تلبس بفكر فهو–أيا كان موقعه–قادر أن يبث فكره، أي إن المسألة لا علاقة لها بكونها تحفيظ قرآن.

* كيف يمكن صون الشباب من الأفكار الشاذة أو المتشددة؟

- هذا واجب علينا جميعا، وأظن أن تربية الشباب على فقه الاختلاف، والتركيز على بيان سعة الدين وسماحته، هي التي يخلق الشخصية السوية، أما تربية الناس على الرأي الواحد، وأن يخاطب العالم الناس بما يخاطب به نفسه من إلزامها بالورع الذي قد لا يصل إلى حد الوجوب، هذا ينجم عنه مجتمع يضر بعضه بعضا.

لا بد من وجود أشخاص من الذين يقومون بالتربية، معلما أو مديرا أو أبا أو أما، أي أحد تبوأ منزلة مُربٍ، لا بد أن يكون هو أصلا قد شرب سماحة الدين وفهم فقه الاختلاف وعرف أن الأمة عاشت عصورا كثيرة جدا بدءا من زمن الصحابة وهي تعرف أن الفقه أكثره خلاف.

وقد قال أبو جعفر لمالك رحمهما الله «وطئ للناس كتابا تجنب فيه شدائد ابن عمر ورخص ابن عباس». فمنذ أن كانت الدنيا يعرف شدائد ابن عمر في فقهيات، ليس في تعامله مع الناس، هو رحمه الله ورضي الله عنه وعن أبيه كان يشدد على نفسه بعض المسائل الفقهية، لكنه كان سمحا كريما مع الناس ولا يلزم الناس بهذا. وابن عباس رضي الله عنهما كان يتوخى الأيسر للناس ومع ذلك ربما هو شدد على نفسه ولذلك سكن الطائف خوفا على نفسه من الإثم في مكة المكرمة.

فلا بد أن يعرف من يتصدر للناس في المحراب أو في التلفاز أو في الإذاعة أنه لا يجوز له أن يجبر الناس على رأي واحد، ولا بد أن نعرف فقه الاختلاف، ولا بد أن نعرف سماحة الدين ولا بد أن نعرف أن الدين يسر وأن فيه من السعة ما الله به عليم، وهذه من قواطع الشريعة، لكن كما قال أحد العلماء من شنقيط: وعلماء الضيق صنفوا على عكس الذي به النبي أرسل.

فالنبي أرسل باليسر والسهولة، فظهر فقهاء عبر التاريخ أخذوا يشددون على الناس ظنا منهم أنهم يريدون أن ينجوا بهم، أنت لن تنجو بالناس إلا بالدين نفسه، لا بشيء من نفسك.

ولا بد من التربية الإيمانية وهذه بيت القصيد، خطأ أن نبدأ بتربية أبنائنا وطلابنا تربية فقهية، التربية أول ما تبدأ تربية إيمانية قرآنية تعلق العباد بربهم جل وعلا، فيعرفون عظمة الله.

من عرف عظمة الله أحجم عن المعصية وأقدم على الطاعة، لكن البلاء الآن أن الناس تعنى بالفقه والأحكام، ثم لم نجد أحدا يقوم بهذه الأحكام إلا قليلا، لماذا!، لأنه يفقد الباعث على أن يأتي هذا الأمر أو أن يدعه، يعني غياب روح الإيمان في قلبه.

ولهذا أدركنا بعض مشايخنا في المسجد النبوي الشريف يقول إن الماشية تعرف الحلال من الحرام، فقيل له كيف ذلك، فقال إنك لو قدمت شيئا لماشيتك لتأكله، ثم جاءت ماشية الجيران فأطعمت معها، ثم جئت أنت بعدها وأحدثت صوتا، ستذهب ماشية الجيران وتبقى ماشيتك. فالناس اليوم لا يجهلون الحلال والحرام، لكنهم لم يربوا إيمانيا ولا قرآنيا على تعظيم الله، فمن يذهب إلى بارات الغرب وحانات الشرق لا يجهل أن هذا حرام، ولا يجهل أن هذا من كبائر الذنوب، لكنه لا يجد في قلبه تعظيما لله، فهذا يأتي الفاحشة ويترك عظمة الله.

المقصود في الطفولة أن يربى الناس على تعظيم الله، وعلى محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليس صوابا أن نقول للناس إن شهادة أن محمدا رسول الله أن تعني فعل ما أمر به وترك ما نهى عنه وزجر وتصديقه فيما أخبر، هذه لا تكفي، لا بد أن يقال في الأول محبته صلى الله عليه وسلم. لأننا نأتي الطبيب الكافر ونصدقه وننتهي عما نهانا عنه من الطعام، ونأتي ما أمرنا به من الطعام ونحن لا نحبه ولا نجله ولا نريد إلا مصلحتنا، لكن بتعاملنا مع الرسول صلى الله عليه وسلم لا بد أن تبث في الناس أولا محبته، حتى يجد النشء أنه منساق قلبيا وروحيا للاقتداء به عليه الصلاة والسلام.

* عقب أحداث سبتمبر ارتفعت مطالب بتغيير الخطاب الدعوى الإسلامي، فهل يتطلب الخطاب تغييرا؟

- هي مصيبة في بعضها أو في كثير منها، ليس عيبا أن يراجع الإنسان شيئا قد وقع خطأ في الأمة، وليس المقصود محاسبة أفراد، إنما المقصود تعديل طريق، ولما قال صلى الله عليه وسلم عن المجددين الذين يظهرون في أمته، هو لم يقل هناك تجديد، حتى يكون هناك غبار قد حصل، فيأتي المجدد فيزيل ذلك الغبار. عندما نقول نجدد الخطاب الديني، لا نعني–عياذا بالله–أن نأتي بدين جديد، لكننا نذهب ما غطي وغشي به الدين، سواء بسوء نية أو بحسن نية.

* هل تعتبر نفسك من الدعاة النجوم؟

- أنا أقول ما يُذهب هيبة العالم يجب أن يفر منه، حتى في الألقاب والألفاظ فالدين عظيم، ويجب ألا يحمله إلا العظماء، والإنسان متى ما ضحك في العلم ضحكة أو صاحب ذوي هفوة فقد مجّ من العلم مجا، والإبقاء على هيبة الكتاب والسنة مطلب شرعي، ولا يصح أن يقبل العلماء وصف الإعلاميين. الإعلامي صاحب صنعة يهمه أن يكون محققا لغايته لمراده لطريقته، وحتى لو عصى الله فيك لا يلبث أن يستغفر، لكن يبقى العالم قد أذهب هيبة العلم التي يأخذها منه الناس إذا اتبع كل طريق أيا كانت تسميته. نحن إنما نسمى علماء، لأنه يغلب على الظن أننا نقوم مقام الرسول صلى الله عليه وسلم في أمته، فمثل هذا لا يطرح بألفاظ وألقاب قد مجها الناس.

* ماذا تقولون في دعوة خادم الحرمين الشريفين للشعب السعودي لدعم الصومال؟

- الملك عبد الله بن عبد العزيز–شهادة لله–ملك موفق، وأعظم خصائصه–أيده الله–شموليته، وهذه إحدى خصال العظماء، فالملك في يوم الجمعة يوسع الحرم وفي يوم الاثنين يدعو إلى إغاثة الصومال، هذان ضربان بينهما ثلاثة أيام، ويقع منه الكثير غير هذا، هنا وهناك بطرائق عدة كلها فيها رفعة للإسلام نسأل الله أن يتقبل منه.

* ما هي آخر أنباء مركز بحوث ودراسات المدينة المنورة؟

- هذا المركز هو مركز وقفي، أسسه الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز–رحمه الله–عندما كان أميرا للمدينة، وله عناية عظيمة بالبحوث والدراسات التي تعنى بالمدينة المنورة، وقد تم مؤخرا قرار مجلس إدارته بأن يكون لدارة الملك عبد العزيز إشراف مباشر عليه، إداريا وعلميا.

ونحن الآن في مرحلة انتقالية ستبدأ فعليا بعد أشهر، سينتقل المركز فيها من مبناه الحالي في وقف الداودي إلى مبناه الجديد في شارع الأمير محمد بن عبد العزيز، في مبنى من سبعة أدوار، وسيكون حتى حينها العديد من القرارات قد جرت، وأرجو الله أن يكون في هذه النقلة خير للمدينة ولجميع الباحثين والدارسين المعنيين لبلد رسول الله صلى الله عليه وسلم.