الشيخ صالح المغامسي.. شعراوي السعودية

«عمامة أزهرية» و«عباءة سلفية» تجمع وتفرق بين شعراوي السعودية ومصر

الشيخ المغامسي يحظى بمحبة وقبول لدى الجميع ويبدو في الصورة محبوه وطلبة العلم يحيطون به عقب انتهائه من أحد الدروس الدينية
TT

لا يسع مشاهدي البرنامج الرمضاني «مع القرآن» للإمام والخطيب صالح المغامسي، والذي يبث مساء كل يوم عبر القناة السعودية الأولى، متحلقا كرسيه الخشبي المنقوش في جامع «قباء» بالمدينة المنورة، ثالث أهم مسجد في السعودية، جمهرة من المصلين لسماع «تأملاته القرآنية»، سوى أن يتبادر إلى أذهانهم ومنذ الوهلة الأولى ذكريات دقائق السحر مع «خواطر» الشيخ متولي الشعراوي.

مفارقات ومقاربات مزجت ما بين ابن القرية المصرية (الدقادوس)، والذي عد من أشهر مفسري معاني القرآن الكريم في العصر الحديث ، وابن قبيلة «حرب» من أبناء المدينة المنورة والذي شق طريقه مبكرا على خطى من اشتهروا بتفسير معاني القرآن الكريم.

«المغامسي» أو من وصف أكثر من مرة باسم «شعراوي السعودية» احتل رسميا كرسي دروس التفسير، وهو ابن 26 عاما عام 1413هـ، بعد أن أمضى 20 عاما على درسه الأسبوعي في جامعه الذي يقوم بإمامته بالمدينة المنورة.

ورغم ما جمعته الدعوة والأدب والشعر ما بين ابن «العمامة الأزهرية» ، الذي تميز بكاريزماته الخاصة سواء أكانت بحركة جسده المتواصلة أو بمفرداته العامية، وابن «العباءة السلفية» إمام وخطيب جامع قباء، الذي لم يستبدل فصحى عربيته.

ظل واضحا اختلاف نكهة التفسير ما بين أستاذ جامعة الملك عبد العزيز سابقا، وتلميذه خريج الجامعة ذاتها وإن فصل بين ميلادهما نصف قرن. فلم يكن ممكنا لابن المدرسة الحنبلية السنية، أن يقترب كثيرا من ابن المدرسة الأشعرية السنية، والذي لم يشأ صاحبها «شعراوي مصر» أن ينفصل تماما عن نفسه الصوفي في تفسيره لخواطره والتي بدأت تبث منذ 80 الميلادية، مستندا على فصاحته وبلاغته بالتفسير العقلاني لآيات القرآن الكريم.

إلا أنه ورغم أول مواجهة اصطنعها رواد المدرستين وجمهور الشيخين، عبر إحدى الفضائيات السعودية الإسلامية إثر إجابة «المغامسي» على أحد المتصلين والذي تعمد من خلالها الوقيعة بين «شعراوي مصر» و«شعراوي السعودية» حول مسألة إباحة الأول، لبناء المساجد على القبور، فإن المغامسي أو من عرف بـ«شعراوي السعودية» ظل يعترف بأسبقية شعراوي مصر في تفسيره لمعاني آيات القرآن الكريم، والثناء عليه بوصفه إياه كما ذكر في حديث إعلامي سابق بأنه «عالم جليل رحمه الله». وقال إمام وخطيب جامع قباء بالمدينة المنورة في لقاء معه مع جريدة «المدينة» ملحق «الرسالة» عن الشعراوي: «وهناك طرح إعلامي - وهذا مغفل عنه تماما أو شبه تام - هو طرح التفسير فالخوض في آيات القرآن وتفسيره قليل جدا ولو لاحظت بعين الواقع لوجدت الناس يعرفون كثيرا من الفقهاء بخلاف ما لو طرح التفسير فقلما يأتي أحد، ولذا ذاع صيت الشيخ الشعراوي رحمه الله لأنه كان الأوحد في هذا الباب مع وجود الكثيرين في عصره».إمام وخطيب جامع قباء لم يخف حلمه في صباه أن يتولى ذات مهمة الشعراوي في كل مرة يشاهده فيها عبر شاشة التلفاز وعلى مدى 30 عاما، معترفا أنه دخل ذات مرة بيته وهو عائد من صلاة التهجد في المرحلة الثانوية، ووجد في التلفاز الشيخ الشعراوي يفسر القرآن فتمنى الأمر لنفسه، قائلا: «ما أجمل من ساعة سحر يفسر فيها كلام الله». فلما وجد نفسه في التلفاز يفسر القرآن، كما قال عن نفسه: «بكيت كثيرا، وسجدت شكرا لله فقد تحققت أمنيتي بعد أكثر من ثلاثين سنة».

وعلى الرغم من اختلاف مناهج وطرائق التفسير والتي عرفت منذ مئات السنين، بين تفسير القرآن بالقرآن، أو تفسير القرآن بالأثر، أو تفسير القرآن باللغة، وما إلى ذلك، فإن الشيخين تعارضا حينا وانسجما حينا آخر من خلال ما يعرف بالتصوف السني والتصوف الحنبلي، فعبرات المغامسي ودموعه، وحشرجاته وخشوعه، التي اعتاد جمهوره مشاهدتها وسماعها إثر «حديث النصيحة الوعظي، والنفس الزهدي، الذي لطالما أكسب القلب عبق إيمانه.

كان الشيخ المغامسي قد بدأت رحلته مع كتب التفسير، والحديث وشيء من كتب الفقهاء في أول أيام تخرجه الجامعي، بعد أن بدأ بالتردد على عدد من العلماء في الحرم منهم الشيخ أبو بكر الجزائري، والشيخ عطية محمد سالم، والشيخ عبد القادر شيبة الحمد، والشيخ حمد الأنصاري، بالإضافة إلى حضوره بعض مجالس الألباني أثناء وجوده بالمدينة.

ويقر المغامسي أنه ومنذ أن جلس رسميا على كرسي التفسير وهو في 26 من عمره لم تكن الساحة مليئة بأحد يمكن أن يقال عنه مفسر بمعنى الكلمة، وبحسب ما ذكر «لأن الشيخ الأمين كان قد توفي، والشيخ أبو بكر نعم المفسر هو، لكنه كان يراعي في تفسيره العامة، ويخاطب عامة المسجد، وهو من أدبه وتواضعه إذا حدث عن نفسه قال: الواعظ بالمسجد النبوي، فلم يكن هناك من يدرس التفسير بمعناه المعروف، حتى يمكن أن نقول: إنني أخذت التفسير عنه، لكني سعيت أن آخذ مناهج الطرائق، بمعنى أنني أخذت من الشيخ سالم عطية شموليته».

ورغم تفسير المغامسي لآيات كثيرة، وجدت، وكتبت، ودونت فإنه وبحسب ما قاله لم يأذن حتى اللحظة بنشرها وإن تداولها الناس وتناقلوها أو درسها بعضهم في مواطن، فإن ينسب إليه تفسير فيقال: تفسير فلان بن فلان، فهذا غير موجود كما يؤكد الشيخ المغامسي.

ولعل أبرز المقاربات التي جمعت بين الشيخين أو ما بين شعراوي «السعودية ومصر» هو ظهور كلا الشيخين في التلفزيون الرسمي، فكان بداية ظهور الشيخ متولي الشعراوي عام 1980 على القناة المصرية، ولم يزل حتى وفاته رحمه الله.

وليسير على ذات الخطى الشيخ المغامسي ليبدأ اعتمادا على القناة السعودية الأولى الرسمية كمفسر من خلال برنامجه «مع القرآن» وبصفته مفتيا رسميا معتمدا، حتى بات التلفزيون الرسمي يقدم المغامسي كواعظ رسمي بخطاب مختلف.