المدينة المنورة: معتكفون «عشوائيون» يعوقون حركة الزوار في المسجد النبوي

مسؤول فيه أكد لـ «الشرق الأوسط» أن السبب هو ازدياد أعداد المعتكفين وعدم التزامهم بالتعليمات

«النائمون» وقد ملأوا جنبات المسجد النبوي الشريف (تصوير: كمال ادريس)
TT

على الرغم من الاستعداد المبكر لوكالة الرئاسة العامة لشؤون المسجد النبوي، للخروج بموسم أكثر سلاسة وسلامة لزوار المسجد النبوي، فإن الشكاوى تصاعدت جراء اختلاط عدد من الزوار والمقيمين بالمعتكفين وتسبب المعتكفين في حالة من الإرباك لزوار المسجد النبوي نتيجة النوم العشوائي وغير المنظم، وهو الأمر الذي اعترف به مسؤول في المسجد النبوي معيدا ذلك إلى زيادة أعداد المعتكفين وعدم التزامهم بالتوجيهات والإرشادات الخاصة بالمفارش وأحجامها.

ولم يخف المتحدثون تذمرهم من هذا الواقع الذي حرم كثيرا من الزوار من وجود مكان داخل المسجد النبوي الشريف لأداء الصلوات المكتوبة والنوافل، حيث أضحى الشكل العام للناس وهم ممددون نياما مثيرا للتذمر.

وكان عبد الواحد الحطاب مدير العلاقات العامة في وكالة الرئاسة، أقر برصد بعض المخالفات، مشيرا إلى أن هناك لجانا متخصصة لمراقبة المعتكفين داخل الحرم النبوي لرصد الملاحظات والتنبيه عليها، إضافة إلى رسائل إلكترونية تصل إلى جوالات المعتكفين، تحتوي إرشادات بلغات مختلفة.

مشرف تابع للوكالة - فضل حجب اسمه - قال إن عددا كبيرا من الزوار اتخذ المسجد مسكنا مجانيا، حيث يجد فيه الطعام والشراب المجاني، مما حدا بهم للابتعاد عن قطاع الإسكان المهيأ في المدينة المنورة.

وقدر عدد الموجودين داخل الحرم منذ العشرين من رمضان بأكثر من 700 ألف زائر، المعتكفون بشكل رسمي منهم تجاوزوا 30 ألفا، كانوا قد قيدوا أسماءهم عبر الموقع الإلكتروني لطلب الاعتكاف، وقال إن هؤلاء موقعون على الاشتراطات التي وضعتها الوكالة، التي تعمل في مجملها على عدم التسبب في المضايقات والأذى لمرتادي المسجد في هذا الوقت من العام الذي يشهد الكثافة الأكبر من حيث عدد المصلين داخل الحرم وفي الساحات المحيطة به.

وكشف المشرف عن نظام جديد يعمل قطاع التطوير في الوكالة على وضع لمساته الأخيرة ليطبق العامل المقبل، ويتمثل في استخراج بطاقة ممغنطة لكل معتكف تسمح له بالدخول وممارسة شعائره، وتضبط دخول المتسربين - كما يحدث الآن - مبينا أن البطاقة تستمر مع حاملها بشكل دائم.

وتحدث عن مشروع آخر يتمثل في تهيئة أماكن خاصة لمعدات المعتكف، إلى جانب تكفل أحد المحسنين باستحداث فراش للمعتكف يمكن طيه بحيث لا ياخذ حيزا كبيرا من المكان، مبينا أن جهاز الوكالة يعمل للخروج كل عام بأفكار جديدة تسهل من قضايا الزحام والافتراش.

إلا أن الشيخ راشد رويشد المغذاوي مدير خدمات الأبواب بالمسجد النبوي، وهي الإدارة المسؤولة عن المعتكفين، أوضح في رد على ما سبق لـ«الشرق الأوسط» أن الزيادة هذا العام فاقت السنوات الماضية وذلك بسبب التسجيل الإلكتروني وأنه لم يتجاوز عدد المعتكفين خلال السنوات الماضية 10 آلاف، بينما تجاوز المعتكفون هذا العام 15 ألفا فيما بلغ عدد المسجلين في الموقع 50 ألفا، مشيرا إلى منح المعتكفين بطاقات للدخول هذا العام.

وعن اختلاط المعتكفين بالمصلين والمظهر غير اللائق للمعتكفين وهم نائمون في أرجاء المسجد النبوي كافة، أكد المغذاوي أنه «تم تحديد الجهة الشمالية للمعتكفين ووضع لوحات إرشادية لهم، إلا أن الزيادة الكبيرة في أعدادهم هذا العام تسببت في ذلك».

واستطرد: «كما أن لمقدمي السفر دورا في الزيادة ووجودهم بشكل دائم إضافة إلى عدم التزام المعتكفين بإحضار المخدات والفرش ذات الأحجام الصغيرة وقيامهم بفرشها على مدار اليوم وفي أوقات الصلوات وإزعاج المصلين بذلك مع العلم أنه تم تقديم النصائح والإرشادات لهم». مشيرا إلى وجود لجان مراقبة تعمل على أربع ورديات لمتابعة تلك السلوكيات بالتعاون مع الشرطة، مرجعا تلك السلوكيات إلى عدم وجود الوعي.

وعلى الرغم من العمل المتواصل لتوعية الزوار والمعتكفين بعدم اختراق الاشتراطات الخاصة التي تضايق الآخرين، فإن الوضع داخل الحرم أصبح خلال العشر الأواخر أكبر من طاقة تلك الفرق، وهنا، اعتبر المصدر أن عمل فرق الإرشاد داخل الحرم وحدها لا يكفي، بل يجب أن يمتد إلى التوعية من الدول التي يفد منها الزوار.

الازدحام الكبير داخل الحرم أفرز إلى جانب مضايقات المصلين، انتشار مرض الإنفلونزا، وذلك على الرغم من الجهود التي يقوم بها العاملون في مجال النظافة.

وكانت الشؤون الصحية بالمدينة المنورة أعلنت مضاعفة عدد العاملين في طوارئ المستشفيات والمراكز الصحية الموسمية المحيطة بالمسجد النبوي لمواجهة الطوارئ في أواخر الشهر المبارك.

وهنا يعود راشد رويشد المغذاوي مدير خدمات الأبواب بالمسجد النبوي ليعلق حول موضوع انتشار الأمراض بين المعتكفين ليقول لـ«الشرق الأوسط»: «لدينا متابعة للمرضى من المعتكفين بالتعاون مع المتطوعين، ويتم تحويل المرضى منهم للمستوصفات». مشيرا إلى أن «الأبحاث كشفت أن أنقى درجات الهواء في أماكن التجمع في المسجد النبوي، وهي رحمة من رب العباد».

في الجانب النسائي، قلصت السلطات المختصة من أوقات زيارة النساء، بحيث أصبحت الزيارة تبدأ في السابعة صباحا وتستمر ثلاث ساعات. وكانت وكالة الرئاسة العامة لشؤون المسجد النبوي أصدرت الشروط والتعليمات المنظمة للاعتكاف في المسجد النبوي خلال العشر الأواخر من رمضان، وبادرت بنشر تلك التعليمات في عدة مواقع بساحات الحرم بالمدينة المنورة، وحددت فترة الاعتكاف من فجر يوم 20 رمضان، حتى بعد صلاة العشاء من ليلة العيد.

واتخذت الرئاسة العامة خطوات مستحدثة في تسجيل الراغبين في الاعتكاف، حيث اعتمدت الطريقة الإلكترونية للتسجيل عبر موقع وكالة الرئاسة على الإنترنت www.wmn.gov.sa وبادرت أيضا بتوفير عدد كبير من أجهزة الكومبيوتر المحمول في الحرم وتوفير عدد من المتطوعين والمنسوبين بغرض مساعدة المعتكفين على تسجيل بياناتهم ضمن المعتكفين.

وقدر مصدر مسؤول لـ«الشرق الأوسط» عدد الذين تقدموا بطلبات للاعتكاف بأكثر من 300 ألف شخص، مبينا أن عدد المصلين تجاوز مليوني شخص في آخر جمعة من رمضان.

التعليمات التي جاءت في ثلاث لغات هي العربية الإنجليزية والأوردية اشتملت على تسعة شروط؛ بينها تنفيذ التعليمات الصادرة من إدارة خدمات الأبواب، والحفاظ على نظافة المسجد النبوي، وعدم إزعاج المصلين، وعدم إدخال سوى شرشف ومخدة معه.

كما حددت التعليمات الجهة الشمالية من المسجد مكانا للاعتكاف، مع الالتزام بوضع المتعلقات الشخصية في الأماكن المخصصة لها، وعدم وضع الملابس على دواليب المصاحف أو جدران المسجد أو المشربيات.

كما اشترطت عدم النوم وقت صلاة التهجد في الأماكن المخصصة للصلاة، إلى جانب عدم الجلوس بين الصفوف وقت صلاة التهجد.

وعلى الرغم من التعليمات المشددة حيال بعض الممارسات الخاطئة التي يقوم بها بعض زوار المسجد النبوي، فإن ظاهرة النوم داخل المسجد وفي الساحات الخارجية ظلت متفشية خلال شهر رمضان، وتزداد خاصة بين صلاتي الظهر والعصر.

وذكر موظف في الوكالة - فضل حجب اسمه - أن «اختيار الزوار للمكوث بين صلاتي الظهر والعصر داخل المسجد وفي الساحات يقود إلى اختيارهم الاسترخاء وهو أمر تمنعه اللوائح، ولكن الأمر يشهد تراخيا في التعامل مع الزوار وعدم التشدد من قبل الجهة المنوط بها تصحيح ذلك الوضع»، واستدرك: «لكن ذلك ينسحب تضييقا على الآخرين الذين لا يجدون مكانا ليصلوا فيه داخل المسجد في غير أوقات الصلاة المكتوبة» وقال إن الوضع في المسجد الحرام في مكة المكرمة يختلف كثيرا حيث يندر مشاهدة ظاهرة النوم داخل الحرم كما هي الحال هنا.

وفي الوقت الذي أحجمت فيه المصادر المسؤولة عن الحديث حول موضوع الافتراش، أبدى عدد من الزوار تذمرا من هذه الظاهرة وطالبوا في حديثهم لـ«الشرق الأوسط» بضرورة وقف ذلك التصرف الذي بدأ يأخذ الشكل الجماعي مما يمنع دخول المصلين للنوافل إلى داخل الحرم النبوي.