أطفال يستغلون شهر رمضان لخلق فرص عمل والتخفيف عن ذويهم

أبرز دوافعهم الاعتماد على الذات.. ومختصون يرون عملهم «عنفا»

أطفال يستغلون العيد والإجازه للعمل في الأعمال الخفيفة
TT

بدافع إيجاد مصدر رزق، والاعتماد على الذات، وشغل أوقات الفراغ الطويلة لديهم، وفرصة لتعويض الأهل والتخفيف عنهم، وبناء مستقبل مهني ناجح، يتجه بعض أطفال الجاليات العربية المقيمة في السعودية إلى العمل في بعض أيام السنة مثل شهر رمضان، والحج.

أحمد طه، 13 عاما، يعمل كمباشر بإحدى البسطات الرمضانية، وجد في شهر رمضان الكريم فرصة حقيقية للعمل، ومدخل رزق له، لا سيما أنه في عطلته الرسمية، وأن مهام عمله تتناسب مع إمكاناته وقدرته الجسدية، مؤكدا أنها ليست المرة الأولى التي يعمل فيها، وأن هناك الكثير من الأطفال الذين يعملون في رمضان، وغيره من أيام السنة لأسباب مختلفة، مبينا أن بعض الأطفال يشتغلون في هذا الشهر تحديدا ليستعدوا للعيد دون الضغط على أسرهم.

ليقاطعه أخوه الأصغر منه سنا، عمر طه، بقوله: «إلا أن هذه هي المرة الأولى التي أعمل بها، إنني في منتهى السعادة بعملي ومساعدتي لأخي الأكبر»، لافتا إلى أن العمل في هذا الشهر أفضل من اللعب، وأن جميع الأطفال في المنطقة التي يقطنان فيها خططوا هذا العام للعمل، حتى يتسنى لهم جمع مبلغ يستطيعون قضاء العيد به.

لكن الطفل محمد عبد الرحمن، 16 عاما، اكتفى بقوله: «إنه منذ 3 أعوم وأنا أعمل في هذه الأيام فقط، بمحض إرادتي وليس سوى أنني أحب التصدق على روح أبي الذي فقدناه في مثل هذه الأيام منذ سنوات مضت، في ظل اعتقادي أنه يفخر بي كثيرا وأن العمل الصالح يصل للميت في قبره، إلى جانب التخفيف على أخي الأكبر الذي عمل في سن مبكرة وترك مقاعد الدراسة لتأمين دخل للأسرة، فلو أن أبي كان حيا ما كان ليرفض عملي إطلاقا».

الطفل عبد الله البخاري، 10 أعوام، يرى أن عمله في شهر رمضان فرصة لاكتساب خبرات، من شأنها أن تضيف له الكثير على الصعيد المهني حين يكبر، مؤكدا أن عمله في هذا الشهر لا يعتبر مجرد وظيفة تدر له مالا، أو تشغل وقت فراغه، بقدر كونها مهنة عائلته التي اشتغلت بها من عشرات السنين، والمتمثلة في البسطات الرمضانية المتخصصة.

فقال: «أعمل مع أبي في هذه البسطة كل رمضان منذ أن كان عمري 5 سنوات، حين كانت تقتصر مهام عملي على مراقبة والدي وعمي وهما يطهيان الكبدة، لكن الآن بعد أن كبرت أصبحت أباشر الزبائن وأقوم على خدمتهم». ويتابع: «بحسب ما أخبرني والدي وعمي الكبير، فإنهما لم يصبحا صاحبي بسطات موسمية معروفة ولهما زبائنهما ممن يأتونهما من بعيد إلا بعد أن كانا صبيين عند آبائهما مثلي يتعلمان سر هذه المهنة، التي لا ريب تأتي مع الممارسة».

وبالعودة إلى الأخوين أحمد وعمر، اللذين كانا قد لمحا في حديثهما إلى الإكرامية التي قد يعطيها بعض الزبائن لهما، وقد تكون كافية لجلب سحور مميز لأسرتهما كهدية منهم، وحول مبلغ تلك الإكرامية التي قد يحصلان عليها، قالا: «هي تختلف باختلاف الزبائن، فالبعض يعطينا بقشيشا يتجاوز الـ30 ريالا، في حال كان سائحا أو معتمرا، وأحيانا لا شيء»، مرجعين سبب إعطاء البعض منهم مثل هذا المبلغ أو أقل إلى أن شهر رمضان هو شهر كريم والرزق فيه كثير، والجميع يرغب أن يساعد الناس، كما أن البعض يرغب أن يتصدق أو يزكي بالشيء الذي يستطيع دفعه، إلى جانب أن البعض يحب تشجيعنا ويعلمنا أن العمل مهما كان ليس عيبا، المهم أن يكون شريفا».

وتوجد الكثير من القوانين والأنظمة التي تجرم عمل الأطفال وتعده عنفا موجها ضدهم، وتصنفه اتجارا بهم، إلى جانب مطالب الكثير من العاملين في الحقول الحقوقية العالمية والمحلية بضرورة التكاتف، والقضاء على ظاهرة عمل الأطفال في جميع أنحاء العالم.

وتتراوح أعمار الأطفال العاملين الذين يجدون في شهر رمضان فرصة لخلق استقلالية مادية خاصة بهم بين 10 أعوام و18 عاما في الغالب، وتختلف ظروف العاملين بها بحسب ظروف البيئة التي قدموا منها، إلا أن معظمها تكون ظروفا اقتصادية واجتماعية بحتة.

وحول الراتب الذي يتقاضاه أولئك الأطفال بين مجموعة من الأطفال الذين يعملون في مهن موسمية مختلفة، فإنه يختلف باختلاف المهام الملقاة على عاتق الطفل، والمكان الذي يعمل به، مؤكدين أن الرواتب لا تقل عن 500 ريال، ولا تزيد على 1500 ريال شهريا، وتتم عبر طريقتين: إما بالأجر الشهري، وإما اليومي.

وتتباين تلك المهن التي يشتغل بها الأطفال تبعا للمرحلة العمرية التي يمرون بها، فتجد البعض يشتغل بمهنة مباشر بإحدى البسطات الرمضانية، وبعض المهن الأخرى التي تتطلب معاونة فيها كمساعدين في بعض المحال التجارية، والسوبر ماركت، والمخابز، وموزعي الزكاة، وبائعي الحلوى والمياه في الأسواق الشعبية، وذلك بحسب الأطفال العاملين الذين أخبروا عن طبيعة عملهم وعمل بعض معارفهم وجيرانهم.

من جانبها، ترى نورة العيسى، الاختصاصية النفسية، في حديثها لـ«الشرق الأوسط»، أن أشكال العنف ضد الأطفال كثيرة ومختلفة، مؤكدة أن عمل الطفل في سن صغيرة يعد عنفا في حد ذاته، مهما كانت الأسباب والدوافع التي تجبره على العمل، خاصة أن متطلبات الحياة العملية بطبيعتها ستحرمه من نشوء طفولة مكتملة.

وطبقا لبعض الدراسات الاجتماعية التي عنيت بدراسة عمل الأطفال، فإن نزول الأطفال إلى ميدان العمل غالبا ما يكون بسبب ضغوط اجتماعية كثيرة، منها رغبة الأطفال في مساعدة آبائهم، أو الأسرة بعد وفاة العائل لهم، إلى جانب انخفاض مستوى التعليم لدى الآباء الذين يسمحون بالعمل لأبنائهم، وأن غالبية أولئك الأطفال يعيشون داخل أسر تتسم بارتفاع عدد أفرادها.

وبحسب التوصيات التي نشرتها بعض المجلات البحثية المختصة بهذا الصدد، فينبغي إجراء مزيد من الدراسات حول هذا الموضوع تحديدا داخل المجتمع، على نحو يجعل البعض قادرا على خلق صورة شاملة عن حقيقة هذه الظاهرة وأبعادها وأسبابها من أجل مواجهتها، وإنشاء قاعدة بيانات خاصة حول عمل تلك الفئة، إلى جانب بذل جهود متضافرة لوضع خطة استراتيجية للاستفادة من الخبرات التي تراكمت في مكافحة عمل الأطفال.

كانت جوهرة العنقري، رئيسة لجنة الأسرة في جمعية حقوق الإنسان، قد اعتبرت، في تصريحات سابقة، أن عمل الأطفال يعد استغلالا، ونوعا من الاتجار بالبشر، وأن وجود أي نقص في أسرة الطفل أو تيتمه ليس بمسؤوليته، ويجب ألا يكون الطفل ضحية للأسرة التي لا عائل لها، وأن جهات رسمية هي التي يجب أن تتحمل مسؤوليتهم، حتى يبلغوا العمر الذي يسمح لهم فيه بالعمل، مشيرة إلى أن هناك الكثير من الأسر لا تعلم أن لها حقا في الضمان، وأن كل ما عليها أن تتقدم للدولة بطلب المساعدة.