«المساحة الجيولوجية» تكشف عن احتمال تعرض غرب السعودية لزلزال بقوة 6 درجات

على خلفية سجل أحداثها التاريخي الذي يعود إلى ملايين السنين

جانب من أعمال المتخصصين من جيوفيزيائيين وجيولوجيين في معامل التحليل المتخصصة
TT

لم تستبعد هيئة المساحة الجيولوجية احتمالية تعرض منطقة غرب السعودية الواقعة على البحر الأحمر لزلزال تصل قوته إلى 6 درجات على مقياس ريختر في أي وقت، وذلك باعتبارها منطقة زلازل منذ ملايين السنين.

وذكر الدكتور زهير نواب، رئيس هيئة المساحة الجيولوجية، أنه من غير الممكن تحديد الأوقات المحتملة لوقوع الزلازل، إلا أن منطقة غرب السعودية تصنف من ضمن المناطق الزلزالية المعروفة منذ ملايين السنين، لافتا إلى أن منطقة حزام البحر الأحمر قد تكون من النوع الضعيف وليس العنيف زلزاليا.

وقال في حديث لـ«الشرق الأوسط»: «ثمة سجل تاريخي للزلازل في منطقة شريط البحر الأحمر من مصادر قديمة جدا، والذين لم تكن لديهم أجهزة قياس متطورة، إلا أن المتخصصين من جيوفيزيائيين وجيولوجيين قاموا بتحليل الأحداث ليجدوا أن أقوى زلزال تعرضت له المنطقة بلغت قوته 6 درجات على مقياس ريختر».

وأفاد بأن ذلك لا يحدث إلا نادرا ولا يتكرر كثيرا، غير أنه استدرك في القول: «من الممكن حدوثه في أي لحظة ليضرب أي جزء واقع على امتداد الشريط الساحلي الموازي للبحر الأحمر».

في حين استنكر مصدر مسؤول في المديرية العامة للدفاع المدني تداول معلومات حول تأكيد تعرض المنطقة لزلزال تبلغ قوته 6 درجات على مقياس ريختر، وذلك نتيجة ما تثيره مثل تلك المعلومات من خوف وهلع لدى الأهالي.

وقال المصدر المسؤول الذي فضل عدم ذكر اسمه خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «تلقينا بلاغات كثيرة عقب انتشار التأكيدات حول هذا الأمر، وهو ما يعني شعور الأهالي بالخوف من القادم، غير أنه ينبغي طمأنتهم وإفادتهم بأن تلك الهزات خفيفة ولا تصل إلى ذلك الحد»، مؤكدا في الوقت نفسه وجود الكثير من خطط الطوارئ والاحترازات التي يعمل الدفاع المدني على تنفيذها.

وكانت هزة أرضية قد ضربت مناطق جنوب غربي البلاد قبل أيام، والتي بلغت قوتها 4.4 درجات على مقياس ريختر وبعمق 10 كيلومترات من سطح الأرض، حيث شعر بها سكان عدد من المحافظات والمدن غرب وجنوب السعودية في محافظات القنفذة والباحة والمندق، إضافة إلى بلجرشي والمخواة والمجاردة وعدد كبير من المناطق والمراكز والقرى التابعة لها، دون أن تسجل أي خسائر في الأرواح أو الممتلكات.

وفي الوقت الذي أعلنت فيه السعودية عن رؤية هلال عيد الفطر المبارك، عاد مجددا أهالي محافظة القنفذة ومنطقة الباحة ليشعروا باهتزاز الأرض تحت أقدامهم ارتدادا للهزة الأولى وبقوة أقل والتي بلغت نحو 3.4 درجات على مقياس ريختر.

وأوضح آنذاك الرائد جمعان الغامدي، الناطق الإعلامي في الدفاع المدني بالباحة، أن غرفة القيادة والسيطرة تلقت ما يقارب 2300 بلاغ في الهزتين الأولى والثانية، إلا أنه استدرك بالقول: «إن الثانية كانت أقل من الأولى التي بلغت قوتها 4.4، في حين وصلت قوة الثانية إلى 3.4 درجة على مقياس ريختر»، مؤكدا عدم تسجيل أي إصابات في الأرواح أو الممتلكات.

وأشار في ذلك الوقت إلى استنفار كافة أفراد الدفاع المدني في المنطقة لتقديم العون والمساعدة للمواطنين، إضافة إلى النصح والإرشاد في الحالات التي تقع فيها أي هزات أرضية أخرى.

وبين الناطق الإعلامي بالدفاع المدني في الباحة حينها أن الفرق والدوريات الأرضية قامت بتمشيط المنطقة احترازيا، موضحا في الوقت نفسه عدم إخلاء أي منزل من قاطنيه.

في حين أكد سابقا المهندس هاني زهران، رئيس المركز الوطني للزلازل والبراكين في هيئة المساحة الجيولوجية على أن محطات الرصد الزلزالي بالهيئة سجلت في السابعة من مساء الاثنين الماضي هزة أرضية بقوة 3.4 درجات على مقياس ريختر، وذلك في شمال شرقي محافظة القنفذة، على عمق 10 كيلومترات وامتداد 33 كيلومترا شمال شرقي المحافظة، مشيرا إلى أن الهزة الثانية تعد ارتدادية للسابقة، غير أنها كانت أقل حدة.

وأرجع سبب تلك الهزات إلى وجود صدع يمتد بطول 200 كيلومتر تقريبا، والذي يأخذ اتجاه شمال غربي وجنوب شرقي، موضحا أن تلك الصدوع تتأثر بعملية انفتاح البحر الأحمر، لتنشأ عن هذه العملية قوى شد تعمل على إعادة تنشيط الصدوع مجددا.

وأضاف: «إن التعامل مع الزلازل وإدارتها بات علما يتناول التخطيط العلمي والإعداد الجيد لمواجهتها من خلال جهد علمي منظم قبل وقوع الكارثة، وذلك عن طريق الاستعدادات لمواجهة الزلازل والبراكين وتطبيق دليل البناء السعودي المقاوم لها في المباني الواقعة ضمن نطاق المناطق المعرضة لمثل هذه الأحداث»، مشددا على ضرورة حشد الإمكانات والمعدات والطاقات البشرية وسرعة دفعها إلى مكان وقوع الزلازل في زمن قياسي ووقت مناسب.

جملة من التطمينات بثتها المديرية العامة للدفاع المدني حول ما تشهده المنطقة الواقعة على الشريط الموازي لساحل البحر الأحمر من زلازل، حيث أشارت إلى استنفار كافة طاقاتها لمواجهة الهزات الأرضية بالتنسيق مع هيئة المساحة الجيولوجية، عدا عن تنفيذ حملة واسعة بهدف توعية المواطنين والأهالي.

ويشارك في ذلك نحو 7 ضباط من الدفاع المدني في كل من الرياض ومنطقة مكة المكرمة والباحة، والذين يعملون أيضا على وضع استراتيجية معينة لمواجهة الهزات في القنفذة، وسط تأكيدات على عدم مشاهدتهم لأي آثار للهزة الأرضية، الأمر الذي يثبت حقيقة الوضع المطمئن هناك.

ومؤخرا، انضمت حديثا إلى أسطول الدفاع المدني سيارة التدخل في حوادث انهيارات المباني والزلازل، والتي تحمل على عاتقها مهمة البحث والكشف عن المصابين وإنقاذ المحتجزين تحت الأنقاض في حالة الزلازل وانهيارات المباني، وذلك من خلال التجهيزات الموجودة على متن الحاوية.

ويبلغ عدد الأجهزة والمعدات في تلك السيارة نحو 124 جهازا ومعدة، في حين يبلغ طولها ما يقارب 20 قدما، بينما تصل قدرة حاويتها إلى رفع 15 طنّا، فضلا عن إمكانية نقل السيارة برا وبحرا وجوا.

وما زالت عدد من الجهات المختصة تطالب بضرورة الالتزام بتطبيق اشتراطات الكود الخاص بالزلازل في بناء المباني على مستوى السعودية بشكل عام، ولا سيما أن أحداثا جديدة باتت تشهدها المنطقة لم تكن واضحة في الفترة الماضية.

تلك المطالبات التي أعلنت عنها في وقت سابق هيئة المساحة الجيولوجية، جاءت بعد تسجيل شبكاتها الوطنية لثلاث هزات أرضية محسوسة شمال محافظة القنفذة، والتي لم يكن من المتوقع حدوثها في هذه المنطقة، إلا أن وجودها في الأحداث التاريخية منذ ملايين السنين جعل منها واقعا لا بد على الأهالي التعايش معه.

وفي هذا الشأن، عادت أمانة محافظة جدة على لسان المهندس عابد الجدعاني، مدير عام أنظمة واشتراطات البناء في الأمانة، ليؤكد عبر حديثه لـ«الشرق الأوسط» على وجود اشتراطات الكود الخاص بالزلازل منذ نحو 20 عاما، في ظل إلزام المكاتب الهندسية بتقديم خرائط معتمدة ومطابقة لهذه الاشتراطات، على حد قوله.

ولكنه استدرك قائلا: «لا نعلم مدى التزام تلك المكاتب بتطبيقها على أرض الواقع، غير أنه في حال مخالفتها لهذه الاشتراطات فإنه يتم تطبيق نظام الغرامات والمخالفات الصادر من مجلس الوزراء».

المهندس الدكتور يحي كوشك، رئيس لجنة المكاتب الهندسية في الغرفة التجارية الصناعية بجدة، أفاد بأن المشكلة الحقيقية ليست في المكاتب الهندسية، وإنما تكمن في تنفيذ اشتراطات الكود الخاص بالزلازل أثناء بناء المباني على أرض الواقع.

وقال في اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط»: «إن المكاتب الهندسية تحسب اشتراطات مقاومة الزلازل في بناء المباني لدى خرائطها الأولية، غير أنه لا يوجد أي إشراف على تنفيذها في الطبيعة».

وأبان بأن عملية الإشراف عادة ما تكون إلزامية على المباني المكونة من 4 طوابق وأكثر، إلا أن التي تقل عن ذلك فإن الإشراف عليها يكون اختياريا دون إلزام، الأمر الذي يجعل من تنفيذ شيء مختلف عن الاشتراطات مشكلة حقيقية.

واستطرد في القول: «طالبنا من السابق الجهات المعنية لأكثر من مرة بضرورة جعل عملية الإشراف على المباني أمرا إلزاميا، غير أن مطالباتنا لم تؤخذ في الحسبان على خلفية تبرير تلك الجهات بعدم إمكانية إلزام الناس بدفع مبالغ كبيرة، بحسب قوله.

وفي الوقت نفسه، أكد رئيس لجنة المكاتب الهندسية في الغرفة التجارية الصناعية بجدة أن الأبراج التي تشهدها مدينة جدة حاليا تندرج ضمن المباني الملزم مقاوليها بالإشراف على تنفيذ الكود الخاص بالزلازل، إلا أن المباني الصغيرة الأخرى عادة ما يتم تقديم تصميماتها إلى البلدية وختمها والموافقة عليها دون أن تطبق بحذافيرها أثناء تنفيذها.

وهنا علق رئيس هيئة المساحة الجيولوجية قائلا: «يجب أن يكون تطبيق الكود الخاص بالزلازل في البناء إلزاميا وليس اختياريا، خصوصا أن تكلفتها تزيد عن التكاليف الأساسية بنسبة تتراوح بين 5 و10 في المائة، إلا أن في تنفيذها حماية للأرواح والممتلكات».

ولفت إلى أنه وبعد بدء انتشار ثقافة وجود الناس في الجزء الغربي من السعودية على حزام يتأثر بزلازل البحر الأحمر، أمر يحتم إعطاء الأولوية في تطبيق معايير البناء وفق الكود الخاص بالزلازل وربطه بإصدار التراخيص أو حجبها.

واعتبر الدكتور زهير نواب عدم الالتزام بتطبيق معايير الزلازل في البناء مشكلة عامة باعتبار أن النظام موجود منذ السابق، غير أن المهم في الأمر التأكد من تطبيقه، وذلك عن طريق المتابعة والمراقبة من قبل الجهات ذات العلاقة والاختصاص.

وزاد: «قد تكون الجهات التنفيذية بحاجة إلى المزيد من الدعم سواء في الكوادر البشرية أو غيرها أو حتى زيادة عدد الوظائف لديها، حيث إنه من المحتمل أن ضعف رقابتها عائد إلى عدم وجود أعداد كافية من الموظفين في هذا المجال».

يأتي ذلك في وقت زار فيه فريق علمي مكون من هيئة المساحة الجيولوجية والمركز الوطني للزلازل والبراكين وعدد من الخبراء والمهندسين والجيولوجيين مؤخرا مناطق الهزات في محافظة القنفذة بهدف الوقوف على منطقة البؤرة الأرضية.

وقام الفريق بالقياسات والشواهد العلمية من خلال المراقبة لمناطق النشاط الزلزالي وتقييم الوضع في تلك المناطق التي ضربتها الهزات الأرضية ورصد الأضرار ومتابعة عملية الاستكشاف التي قامت بها المساحة الجيولوجية الأسبوع الماضي، إلى جانب التأكد من عدم وجود أي تشققات مصاحبة لهذه الهزات.

ومن خلال تلك الجولة، بث فضا البقمي، محافظ القنفذة، مطالباته لفريق هيئة المساحة الجيولوجية بإنشاء مركز للرصد الزلزالي في المحافظة، إلى جانب القيام بعمليات ربط بين عمليات الدفاع المدني ومحطات الرصد التابعة للهيئة وبث رسائل توعوية للأهالي حول كيفية التصرف الصحيح عند وقوع الهزات وتثقيف شرائح المجتمع.

كما كشفت الإدارة العامة للحماية المدنية أثناء الجولة عن القيام بدراسة شاملة للمناطق الساحلية المعرضة للهزات الأرضية والممتدة على ساحل البحر الأحمر بما فيها محافظة القنفذة ومناطق الحرات الأربع والمتضمنة حرة رهط وخيبر في المدينة المنورة والشاقة بالعيص وعويرض تبوك.

وأكد سامي الجدعاني، العقيد في الحماية المدنية، صدور توجيهات تشدد على تطبيق كود البناء السعودي المقاوم للزلازل، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن الإدارة العامة للحماية المدنية تعمل على التنسيق مع وزارة الشؤون البلدية والقروية لمنع البناء في مناطق الزلازل التي ستحددها هيئة المساحة الجيولوجية في كافة المناطق والمحافظات.

وبالعودة إلى رئيس هيئة المساحة الجيولوجية، فقد طالب الأهالي بضرورة تقبل حقيقة تاريخ منطقة البحر الأحمر من حيث النشاط الزلزالي، خصوصا أنهم يعيشون في منطقة معروفة زلزاليا قبل خلق البشر، غير أن نتيجة تباعد المناطق في السعودية وقلة الكثافة السكانية بها في كل موقع فإن سكانها لا يشعرون بالهزات التي تضربها رغم رصد الأجهزة الحديثة التي ترصدها.

الجدير بالذكر أن الدكتور زهير نواب، كان قد أبان في وقت سابق لـ«الشرق الأوسط» بأن شمال تبوك وظباء والوجه، مرورا بالمنطقة الغربية وحتى الجنوب تعد مناطق معرضة لمثل هذه الهزات التي وصفها بـ«الضعيفة»، وهو ما يشعر به سكانها من وقت لآخر، داعيا إلى ضرورة الأخذ في عين الاعتبار المعايير التقنية لمقاومة الزلازل عند البناء.

وفي سياق متصل، أعلنت الجهات المختصة عن تخصيص خط ساخن لمواجهة تداعيات الزلازل في محافظة القنفذة، إلى جانب تجهيز مراكز للإيواء في نحو 5 مدارس بالمحافظة، وذلك تحسبا للطوارئ هناك.

ومما لا شك فيه أن ثقافة الاستعداد للكوارث الطبيعية تعد حتى الآن مفقودة في المجتمع السعودي، نتيجة عدم تعودهم على مثل تلك الأحداث، إلا أنهم بدأوا في اكتساب القليل من الخبرات على خلفية تكرار كارثة السيول والأمطار أو حتى الزلازل من فترة لأخرى.

وفي هذا الشأن، كان قد أكد المهندس هاني زهران على غياب تلك الثقافة فعلا، خصوصا عند اعتماد التخطيطات الهندسية والعمرانية، ويقول: «من الاستعدادات المبكرة، قبل حدوث هذه الكوارث البيئية، تطبيق دليل البناء السعودي المقاوم للزلازل في المباني الواقعة ضمن نطاق المناطق المعرضة للزلازل والبراكين، وبالأخص في المناطق الواقعة على خليج العقبة وجازان وأغلب المدن الواقعة على ساحل البحر الأحمر ومكة المكرمة والمدينة المنورة».

وبين أن منطقة المدينة المنورة تحديدا تحوي مصدرا بركانيا في الجزء الجنوبي منها، والذي تنتج عنه زلازل بركانية، قد تؤثر على المدن والقرى المجاورة، رغم أن درجة الزلازل في هذه المناطق تعتبر نسبية، غير أن أقصاها يكون في المدن الواقعة على خليج العقبة في الشمال الغربي من السعودية، والجنوب الغربي منها والتي تتضمن منطقة جازان.

وحول مدى التقيد بدليل البناء السعودي المقاوم للزلازل، يقول المهندس زهران: «إن وزارة الشؤون البلدية والقروية هي الجهة المختصة، حيث قامت بتوزيعه على الأمانات والبلديات، ومن وجهة نظري أرى بأنه قبل أن يأخذ أي مواطن رخصة بناء لا بد أن تكون خريطة آخذة بعين الاعتبار دليل البناء المقاوم للزلازل، على أن تكون هناك عملية رقابية للتأكد من التقيد بما جاء في دليل البناء».

وأشار إلى أن الاستعداد لمواجهة الزلازل عموما والوعي بأبعادها ونتائجها المحتملة وكيفية مواجهتها والسرعة والحسم في اتخاذ القرار المناسب واستخدام الإمكانات المتاحة، يساعد في التقليل من الخسائر والتخفيف من آثارها، الأمر الذي يحتم إجراء دراسات للتقليل من مخاطر الزلازل، بحيث تشتمل على ثلاثة محاور رئيسية، تتمثل في تحديد مصادر الخطر الزلزالي ودراستها تفصيليا من خلال بيانات شبكات الرصد الزلزالي، وتصميم المنشآت المقاومة للزلازل، وتوعية المواطنين بظاهرة الزلازل وكيفية السلوك الأمثل أثناء وقوعها.