سوق عكاظ تستحضر زهير بن أبي سلمى.. وتحتفي به مسرحيا

تستكشف عوالم «شاعر السلام» وتسقطها على الحاضر وتعرض يوميا

جانب من المسرحية
TT

يحل أسد الشعراء الجاهليين، زهير بن أبي سلمى، ضيفا على النسخة الخامسة لسوق عكاظ هذا العام، التي ستنطلق يوم 20 سبتمبر (أيلول) في محافظة الطائف، حيث تتناول شخصية الشاعر متجاوزة مرحلتها التاريخية إلى لحظات تاريخية أخرى تمتلك تعقيدات مشابهة.

وبحسب القائمين على العمل، يستلهم نص المسرحية إنسانية الشاعر وحكمته وحبه للسلام، بأسلوب درامي غير مباشر يعتمد على علامات مسرحية تشير للحوادث الراهنة ولا تسميها, وبعيدا عن السرد التاريخي للشخصية، حيث تبدأ المسرحية من الزمن الذي توقفت فيه حرب «داحس والغبراء»، انطلاقا من جثث قتلى المعركة من «عبس وذبيان».

وفضلا عن ذلك، يرجع اختيار شخصية الشاعر زهير بن أبي سلمى موضوعا لمسرحية هذا العام إلى موقعه في تسلسل شعراء المعلقات في أمهات الكتب العربية ودواوين المعلقات، حيث يحل ترتيبه ثالثا بعد الشاعرين امرئ القيس وطرفة ابن العبد، مما يؤكد أن القائمين على سوق عكاظ حريصون على تغطية شعراء المعلقات ورموز الشعر العربي.

المسرحية التي تواصل «بروفاتها» النهائية هذه الأيام بين الرياض والطائف، اتكأت على موروث زهير بن أبي سلمى من روايات وقصص وبحوث, واستثمرته لإبراز ما يمثله الشاعر من حكمة وبصيرة إزاء ما أحاط به من أحداث معقدة اندلعت بسببها نزاعات وحروب، مستكشفة العوالم الدرامية لهذه الشخصية، مما يعني أنها لن تكون سردا تاريخيا لحياة الشاعر زهير بن أبي سلمى، بل ستتخطى إلى استحضار الحياة السياسية والاجتماعية في ذلك الحين وإسقاطها على عصرنا الحالي، مع الاحتفاظ بوثيقة الشاعر في كتب التاريخ.

ويقول منتج المسرحية عمرو جابر القحطاني: «نقدم زهير بن أبي سلمى كشاعر أسهم في خلق السلام في عصره، وهو الأمر الذي نحتاجه في زماننا هذا، وركزنا في استحضارنا للماضي على عنصر السلام وقوة الصف الواحد كمطلب رئيس»، واستطرد: «أبدع الكاتب الدكتور شادي عاشور في هذا العمل من خلال قراءته للحدث وإسقاطه على الوقت الراهن، كما رسم المخرج رجاء العتيبي شكلا بصريا خلاقا سيجسد أحداث العمل على خشبة المسرح بطريقة إبداعية تتكامل فيها العناصر الفنية، لتظهر بصورة تتوازى مع مسرح عكاظ، الذي يعد اليوم أهم مسرح يقدم في السعودية، من خلال مساحة الطرح والمعالجة لمواضيعه، التي اكتسبها من وعي القائمين على سوق عكاظ وحرصهم على خلق الجديد ودعمه بكل السبل».

وبدوره، يوضح مؤلف المسرحية الدكتور شادي عاشور: «كتبت الشاعر زهير من خلال اصطياد لحظات محددة في تاريخه الشخصي, فما التقطت من حياته ما كان جديرا بأن يكون مسرحية قابلة للعرض، فلم أكتب زهير ذاته، وإنما كتبت روح زهير»، وتابع: «كتب النص كمقاربات تتقاطع مع أحداث عصرنا الحالي, ولم تنقل زهير في أذهاننا، حيث ابتدعنا شخصية ثانية للشاعر، من خلال منهجية تختلف عن منهجية الباحث العلمي»، أملا أن تكون المسرحية في مستوى تطلعات سوق عكاظ. وقال: «على سبيل المثال، ستتضمن المسرحية استعراضا كبيرا لمعركة داحس والغبراء ودور الساسانيين والمناذرة في إشعالها»، مؤكد أن «المسرح يقدم فكرا وتحليلا ومعالجة، وليست وظيفته فقط نقل التاريخ».

من جانبه، يبين مخرج المسرحية رجاء العتيبي أن تقديم شخصية زهير يجيء من خلال «فلسفة واعية قرأت تاريخه جيدا, وستظهره كنص بصري موازي يدعم فكرة النص ويعزز أفكاره»، مشيرا إلى أن مهمته الأساسية كمخرج للعمل هو «إظهار عمل ملحمي كبير كمسرحية زهير، يتركز في تصميم عرض بصري قائم على شروط السينوقرافيا؛ من خلال تأثيث الفضاء المسرحي بفرجة بصرية مستمرة لا تنقطع، ومليئة بالدهشة والتكوينات والعلامات، ونتطلع لأن يكون العمل قيمة مضافة للمسرح السعودي».

ويضم طاقم عمل المسرحية كلا من؛ الدكتور شادي عاشور مؤلفا، رجاء العتيبي مخرجا، وعبد الله عسيري، يعقوب الفرحان، شجاع نشاط، عبد الله فهاد، فيصل الحلو، محمد الشدوخي، خالد الصقر ممثلين، وسعود العبد اللطيف تنفيذ السينوقرافيا، ومحمد عسيري تصميم ديكور، وعمرو جابر القحطاني إشرافا عاما، وستقدم في خمسة عروض مسائية تبدأ عند الساعة 9:30 دقيقة مساء، ويستمر كل عرض منها لنحو 30 دقيقة، وسيكون العرض متاحا لجميع أفراد الأسرة، انطلاقا من رسالة المهرجان الموجهة إلى جميع أفراد المجتمع.

ويوصف الشاعر زهير بن أبى سلمى ربيعة بن رباح المزني؛ عاش بين عامي 502 و609م، بأنه حكيم الشعراء في الجاهلية، وبعض أئمة الأدب يفضلونه على شعراء العرب كافة. ويقال إنه كان يكتب قصائده في شهر ويهذبها في سنة، ولذلك عرفت قصائده بـ«الحوليات».

ويقول ابن الأعرابي عنه: «كان لزهير من الشعر ما لم يكن لغيره: كان أبوه شاعرا، وخاله شاعرا، وأخته سلمى شاعرة، وابناه كعب وبجير شاعرين، وأخته الخنساء شاعرة».

وتذكر المصادر التاريخية أن زهير بن أبي سلمى بن ربيعة بن رباح المزني ولد في بلاد مزينة بنواحي المدينة المنورة، إلا أنه كان يقيم في الحاجر (من ديار نجد)، واستمر أبناؤه فيها بعد الإسلام، ويتفق مؤرخو الشعر العربي القديم على أن زهير بن أبي سلمى صاحب «أمدح بيت، وأصدق بيت، وأبين بيت»، إذ يعتبر قوله: تراه إذا ما جئته متهللا كأنك تعطيه الذي أنت سائله أمدح أبيات الشعر العربي، في حين اعتبر قوله:

ومهما تكن عند امرئ من خليقة وإن خالها تخفى على الناس تعلمِ أصدقها، وقوله:

فإن الحق مقطعه ثلاث يمين أو نفار أو جلاء أبينها.