مختصون يطالبون بمراكز إرشادية لتصحيح أنماط عقائدية مغلوطة لدى المعتمرين

المعتمرون بين الوعورة وفنون تسلق الجبال لجبلي حراء وثور

وجود مقار تابعة لـ «السياحة» في المناطق التاريخية في المدن المقدسة أصبح أمرا مطلوبا
TT

أكد متخصصون أهمية تفعيل دور المواقع التاريخية والمقدسة في مكة المكرمة، من أجل تغيير الهيكلة الجغرافية لتلك المواقع، من أجل الحصول على مواطن السلامة للطرق الجبلية، التي التصقت بأحداث تاريخية ومفصلية في التاريخ الإسلامي.

وأكد سعد الشريف، خبير المنطقة المركزية، أهمية تفعيل المواقع التاريخية، بحجة أنها لا بد أن تمر وفق آلية مدروسة، يتم من خلالها وضع التصورات والمقترحات التي تكفل لهذه المواقع الاستفادة منها على كل الأصعدة، التي من أهمها المحافظة على سلامة الزائرين للمواقع التي يصعب الوصول إليها، كغار حراء، وجبل ثور، مستشرفا أهمية ما طالبت به إدارة الدفاع المدني، بضرورة إغلاق هذين المعلمين التاريخيين حتى يتم توفير أدوات السلامة.

وطالب سعد الشريف، بأهمية وضع مراكز إرشادية في المواقع الإسلامية التي تصل إلى أكثر من 40 معلما مقدسا في مكة المكرمة، مؤكدا أهمية أن يذهب المعتمر أو الحاج أو الزائر في استقصاء المعلومات الصحيحة والسليمة، التي من شأنها أن تمحو وتنبذ الكثير من المعتقدات والممارسات الخاطئة، من بدع وخرافات، ابتدعها الكثير من الزائرين عند قدومهم إلى تلك المواقع الأثرية.

وطرح الشريف عددا من المقترحات لتطوير الجبلين، ومنها إنشاء تلفريك، أو سلالم كهربائية، أو تمهيد طرق معبدة، بالإضافة إلى وضع محطات صغيرة تبيع المشروبات والمياه التي يحتاج إليها الصاعد إلى الجبل لتعينه في عملية الصعود.

من جانبه، قال وليد أبو سبعة، رئيس لجنة السياحة والفنادق في الغرفة التجارية الصناعية في مكة المكرمة، إن تفعيل الأماكن الأثرية والتاريخية لا بد أن يرتبط بالنظرية التعريفية عن هذه الأماكن، بحيث يتم تعريف الحاج والمعتمر بالنواحي التاريخية لهذه الأماكن المقدسة، وأنها ليست للتعبد والتقرب إلى الله، وبالتالي فلا بد من ربطها بالتاريخ وليس بالعبادة.

وأضاف أبو سبعة، أنه في الماضي كانت أمور التعبد لدى الحاج والمعتمر منتشرة، وذلك لغياب التثقيف الديني لهم، وفي الوقت الراهن فإن العلم تطور، وأصبح الإنسان ذا ثقافة عالية، فيكون دور شركات الحج والعمرة في تثقيف الحاج والمعتمر لدى قدومه إلى الأراضي المقدسة، بأن جميع تلك الأماكن المقدسة، هي أمور تاريخية، لا بد من معرفة تاريخها والأحداث التي صاحبتها في التاريخ الإسلامي الأول.

واقترح رئيس لجنة السياحة في غرفة مكة، أن تكون هناك مقار تابعة للهيئة العامة للآثار والسياحة، تتمركز في المناطق التاريخية في مكة المكرمة أو المدينة المنورة، بحيث عندما تقوم شركات العمرة والحج في تنظيم مسيرات ورحلات إلى تلك المناطق، يجد الحاج أو المعتمر مركزا إرشاديا يتلقى منه جميع المعلومات التاريخية المتعلقة بهذا المكان، وبالتالي تنجح هذه الفكرة في قتل البدع والخرافات التي تصاحب المعتمرين والحجاج عند قدومهم إلى الأماكن المقدسة، بهدف التعبد والتقرب إلى الله، وهذا أمر مخالف شرعا.

وأشار أبو سبعة إلى أن ثقافة الحاج والمعتمر في هذه الآونة تقتصر على تأجيره لمركبة أو حافلة تقله هو وبني جلدته إلى مكان مقدس كجبل ثور، أو غار حراء، باتفاق مع السائق، ومن بعدها يتركهم السائق، ويبقون بلا ثقافة، بل على العكس يقومون بأمور مخالفة للدين، بل الأكثر من ذلك أنه انتشرت في هذه الفترة أن السائق الذي يتم الاتفاق معه على نقلهم إلى مكان مقدس أو تاريخي، يقوم بإيصالهم إلى أماكن مختلفة، ويفيدهم بأن هذا المكان هو مقصدهم، ويأخذ منهم مبالغ طائلة، ويظل هؤلاء الحجاج والمعتمرون مخدوعين في أمرهم، وقد استدرك بعضهم ذلك، فأصبحوا يستعينون بمرشد سياحي من بني جلدتهم، وهذا الأمر كان لا بد أن نفعله نحن متمثلين في الهيئة العامة للسياحة والآثار.

وأبان أبو سبعة أن مكة المكرمة والمدينة المنورة، تحويان الكثير من الأماكن التاريخية، التي تعتبر مهمة جدا في تعريف تاريخ المسلمين، وكيف نشأ الإسلام، بل إن مكان مولد النبي صلى الله عليه وسلم المختلف فيه، لا بد أن يتم التعريف به، فالحاج والمعتمر عندما يأتي إلى مكة المكرمة أو المدينة المنورة للحج والعمرة، أو لزيارة قبر الرسول، يريد كذلك أن يتعرف على التاريخ الإسلامي المتمثل في مواقع الحروب الإسلامية، كحرب بدر وأحد، أو المكان الذي تعبد فيه الرسول ربه في غار حراء، وجبل ثور.

من جهته قال فواز الدهاس، الأستاذ المشارك بكلية الشريعة والدراسات الإسلامية، المشرف على متاحف جامعة أم القرى: «إن مقترح توفير سبل السلامة للأماكن الأثرية، خصوصا تلك التي يصعب الوصول إليها، كجبل ثور وغار حراء، هو مطلب ملح من جميع المتابعين لواقع الآثار الإسلامية التي تحويها مكة المكرمة، حيث يصل عدد تلك المواقع الأثرية إلى أكثر من 40 موقعا إسلاميا تاريخيا».

وأضاف الدهاس: «إن فكرة إنشاء تلفريك في غار حراء وجبل ثور، هي فكرة انبثقت منذ عدة سنوات، حيث طالبنا بأن يتم إنشاؤه، وذلك لحفظ أرواح الكثير من البشر من المعتمرين والحجاج، وحتى الزائرين، بالإضافة إلى أنهما معلمان تاريخيان يجب الاعتناء بهما، وذلك من خلال توفير مراكز إرشادية تحت مظلة هيئة الآثار والسياحة، يتم توظيف الخريجين من قسم الآثار الإسلامية في الجامعات فيها، لكي يغذوا الزائرين بالمعلومات الصحيحة عن هذه المواقع التاريخية والآثار الإسلامية، التي من شأنها أن تزيح كل المعتقدات والخرافات والبدع التي يأتون بها من خارج الحدود».

وتساءل المشرف على متاحف جامعة أم القرى، عن عدم استغلال الأماكن التاريخية والإسلامية التي تزخر بها المدينتان المقدستان، والتي تحتوي مكة وحدها على أكثر من 40 مكانا مقدسا وتاريخيا منها، على غرار ما تفعله الدول الأخرى، سواء الأوروبية أو تلك العربية الإسلامية، في جعل أماكنها التاريخية معالم سياحية تنشط بها موسمها السياحي، والمطلوب هنا ليس استغلالا ماديا، فالمملكة لا ترجو من أماكنها التاريخية المقدسة دخلا ماديا، ولكن من باب تفعيل تلك الأماكن المقدسة، وجعلها تعريفا بتاريخنا الإسلامي لكل القادمين إلى الأراضي المقدسة.

واقترح الدهاس، أن تزود الأماكن التاريخية والمقدسة بمراكز توجيهية إرشادية تحت مظلة هيئة السياحة والآثار، يتم من خلالها توظيف الشباب برواتب وحوافز مالية، وحبذا لو كانوا من خريجي الجامعات قسم التاريخ أو الآثار الإسلامية، ويؤخذ من مؤسسات الطوافة أو شركات الحج والعمرة مبالغ رمزية، يعود ريعها في دفعها رواتب وحوافز لهؤلاء الشباب، وبالتالي تكون المسألة ذات منفعة عامة، من حيث تنوير الحجاج والمعتمرين والزوار بالمعلومات الصحيحة عن هذه المواقع الأثرية المقدسة، ونبذ البدع والخرافات المصحوبة معهم، ودفع عجلة التوظيف للشباب، وتكون بذلك ذات مصالح مشتركة.

وفي الصدد ذاته، يقول أنور السيد، معتمر من جمهورية مصر: «قدمت إلى مكة المكرمة بغرض أداء العمرة، والتقيت هنا مجموعة من أبناء جلدتي، وقررنا أن نذهب إلى غار حراء، حيث كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعبد فيه لله، وعند قدومنا إلى هنا هالنا منظر الجبل، وطول ارتفاعه الشاهق، وسألنا بعض الشباب عن كيفية الصعود إلى الغار، فأفادونا بأن هناك طريقين: طريقا من خلف الجبل ممهدا، ولكنه طويل جدا، وطريقا يشق الجبل من المنتصف ولكنه وعر، ومحفوف بالمخاطر، خصوصا على كبار السن».

وتابع أنور حديثه: «مثلما رأيت، فنحن مجتمعون هنا لوضع الطريقة المثلى في صعودنا، وكذلك نحاول أن نثني هذا الشيخ الطاعن في السن، الذي أصر على مرافقتنا على الرغم من علمه بأن الأمر ليس بالسهولة، فقررنا أن يصطحبه اثنان منا يلازمانه ولا يفارقانه أبدا، وها نحن سنبدأ الرحلة وعلى بركة الله». وأبدى أنور استغرابه من عدم وجود آلية متطورة تسمح للزوار بالصعود إلى الجبل، بدلا من هذه الطريقة المحفوفة بالمخاطر، متسائلا عن عدم وجود تلفريك مثلا، أو طرق معبدة بشكل جيد، أو سلالم كهربائية، خصوصا أن حكومة خادم الحرمين الشريفين لا تألو جهدا في تقديم كل ما من شأنه أن يريح المعتمرين والحجاج، متمنيا أن يرى تطورا أكثر في السنوات المقبلة.

زائر باكستاني، لوحظ وهو يدلي بمعلومات إرشادية لعدد من أبناء جلدته، وسألته عن الكيفية في حصوله على معلومات تاريخية عن غار حراء، وبدا أنه يكتنز الكثير من المعلومات التاريخية لعدد من المواقع التاريخية في مكة المكرمة، يقول صادق خان: «أنا أعيش في هذا البلد الطاهر منذ أكثر من عشرين عاما، قرأت فيها الكثير من الكتب المترجمة إلى لغتي الأم، بالإضافة إلى استعانتي بعدد من أصدقائي السعوديين الذين أدلوا لي بمعلومات قيمة ساعدتني في إرشاد الكثير من أبناء جلدتي، وعملت لهم رحلات إلى المواقع الأثرية والإسلامية في العاصمة المقدسة».