بأمر خادم الحرمين الشريفين.. لجنة رباعية حكومية لتطوير الطائف

أعلنها الأمير سلطان بن سلمان أثناء افتتاح أمير مكة لسوق عكاظ في نسخته الخامسة

جانب من حفل إطلاق النسخة الخامسة لفعاليات سوق عكاظ (تصوير: عبد الله آل محسن)
TT

زف الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة والآثار عضو اللجنة الإشرافية العليا لسوق عكاظ، البشرى لأهالي الطائف خلال افتتاح النسخة الخامسة لمهرجان سوق عكاظ ليلة أول من أمس بصدور الأمر الملكي الكريم من خادم الحرمين الشريفين عبد الله بن عبد العزيز بتشكيل لجنة عليا من 4 جهات حكومية تشمل، (إمارة منطقة مكة، ووزارة الشؤون البلدية والقروية، والهيئة العامة للسياحة والآثار، ووزارة المالية)، لتقديم مشروع تطويري شامل يعيد لمحافظة الطائف مكانتها السياحية والاقتصادية، والرفع عما يتم التوصل له.

وأوضح الأمير سلمان بأن المشاريع التي ستدرسها اللجنة ستشمل، تطوير المحور السياحي، وتطوير مشروع مدينة سوق عكاظ التاريخي، وتطوير وسط مدينة الطائف التاريخي، وتأهيل المواقع الأثرية في محافظة الطائف، وتطوير متحف الطائف، وإعادة تأهيل وتطوير المشاريع الخدمية في خطة عشرية.

وأكد أن الدور الذي تضطلع به المملكة العربية السعودية الآن، وستلعبه في المستقبل، لم يستنبط أو يبتدع من فراغ، بل هو دور أصيل ناتج عن مكانتنا الطبيعية كوريثة لسلسة حضارات عظيمة توجها الإسلام، فالمملكة دولة وحضارة، ليست طارئة على التاريخ.

وزاد «المكانة التي تتبوأها المملكة اليوم وما تقوم به قيادتها الراسخة سياسيا واقتصاديا هي امتداد لإرث حضاري عريق يؤهلها لأن تصبح صانعة للتاريخ بإذن الله تعالى، والجميع يعلم الأبعاد الثلاثة التي تتميز بها المملكة العربية السعودية، (البعد الديني والبعد السياسي والبعد الاقتصادي)، المؤثرة في المستوى العالمي واضحة للعيان، إلا أن هناك بعدا رابعا يغفل عنه المواطنون وهو البعد الحضاري، الذي اخترت أن أتحدث عنه اليوم، هذا البعد الذي يحظى بدعم قائد البلاد خادم الحرمين الشريفين حفظه الله، الذي تبنى قبل أكثر من ربع قرن مهرجان الجنادرية الذي عزز من «اجتماع» التراث الوطني في مكان واحد، وهو الذي دعم ورعى معرض آثار المملكة الذي بهر العالم واطلع عليه حتى الآن أكثر من (800) ألف زائر في محطاته الثلاث (فرنسا، وإسبانيا، وروسيا)، وما زال يطوف بين أرجائه، كما أنه حفظه الله وقف بقوة مع البرنامج الوطني للآثار المستعادة».

وأضاف الأمير سلطان «أود هنا أن أتحدث عن أربع قضايا أساسية تتقاطع مع البعد الحضاري للمملكة، أولا: أن حضارة المملكة غنية ومتأصلة في تاريخها، كما أن إرثها الثقافي الملموس - وهو محور حديثنا اليوم - محفوظ في آثارها وتراثها العمراني والشعبي، وهو الرابط بين ماضي المملكة وحاضرها، والأهم من ذلك مستقبلها، إلا أن العناية بالبعد الحضاري في المملكة العربية السعودية بمكوناته المختلفة، غير معروف بصورة كبيرة خارج دائرة ضيقة من المختصين، ويعد الوقت الحاضر هو الوقت المناسب لتحديد هذا البعد وتقديمه للعالم، حيث تضطلع المملكة العربية السعودية حاليا بدور متزايد الأهمية في الشؤون الدينية والاقتصادية والسياسية، وعلى المستوى الدولي فمن الضروري كذلك أن نقر كأمة بمسؤولياتنا بصفتنا أمناء على دين عظيم وحضارة عميقة أنتجا تراثا ماديا ثريا.

واستطرد «ثانيا: أن الإسلام أوجد نظاما للقيم يميزنا عن غيرنا، حيث اعترف بالحضارات العظيمة في شبه الجزيرة العربية، وعزز القيم العربية النبيلة القائمة. لذلك فإننا ننظر بحرص وعناية إلى تراثنا الحضاري على أنه مصدر هذه القيم ومنبعها، وجزء لا يتجزأ من تاريخ وحدتنا الوطنية المباركة، وهذا الجزء من تراثنا الحضاري لا يزال مغيبا عن ذهن المواطن وثقافته، وحياته اليومية. مؤكدين أن التراث الثقافي والبعد الحضاري للمملكة لا بد أن يتحول ويخرج من بطون الكتب، إلى أن يكون واقعا وحضارة يعيشها المواطن في الواقع، عبر الأمكنة التي تشكل ذاكرة هذه البلاد التي يتلاقى فيها مع أبناء وطنه، وهو يتجول في هذه البلاد الجميلة، ويستمتع بالمقومات الحضارية لبلاده، مع أسرته، وأصدقائه وزملائه.

وقال إن هذه المواقع يجب أن تكون مقصدا للشباب، حتى يستذكروا هذه الوحدة الوطنية المباركة التي قامت في هذه الأرجاء المترامية التي جمعها الله سبحانه وتعالى بكلمة التوحيد ثم بأهلها المخلصين المحبين لبلادهم، وأن تتحول هذه المواقع إلى أماكن يجد فيها المواطن غايته في الاطمئنان في بلده، سائحا أو زائرا، والالتقاء بالمواطنين الآخرين والتعرف على بلاده. فمن تجربتي وقربي من قطاع السياحة الوطنية، اكتشفت أن المواطن لا يعرف هذه البلاد الغنية بمواردها كما يجب، وثالثا: أننا متفائلون جدا ونحن نرى كيف بدأ كثير من المواقع في بلادنا الغالية يتحول من مواقع أثرية وقرى تراثية وأوساط مدن خالية من الحياة، إلى مواقع تضج بالحياة ويعيش فيها الناس ويؤمها المواطنون وأسرهم.

وأردف: نحن نريدها أن تتحول إلى مورد اقتصادي كما هو الحال في أنحاء العالم اليوم، نريد أن يجد فيها المواطن الفرص للاستثمار والمنتجات التي يقدمها المواطنون من إنتاجهم، وأن تكون موردا غزيرا لفرص العمل للمواطنين رجالا ونساء، كبارا وصغارا، وأن يجد المواطن فيها المتعة وهو يستثمر ويقدم خدمة لأخيه المواطن، كما يجد فيها المتعة وهو يحتفي بتراث بلاده. هذه المواقع مناجم من الفرص الكامنة وآبار نفط غير نابضة يجب أن نهيئها للمواطنين كي يغتنموها ويستثمروها».

وبين الأمير سلطان - في كلمته - أن «أهمية إحياء المواقع التاريخية جزء من تمثل هذا البعد الحضاري الذي يجب أن نعيشه ونتمثله في وقتنا الحاضر والمستقبل، ومسألة أن يكون تاريخنا معاشا بيننا، هي مسألة مهمة نحاول في الهيئة العامة للسياحة الآثار ومؤسسات الدولة الأخرى والمواطنين أن نعمل من أجل تحقيقها، ولعلي في هذا الصدد ونحن في الطائف الجميلة أشير لأحد الأمثلة للتعاون البناء لاستعادة البعد الحضاري لبلادنا من خلال العمل المشترك بين الهيئة العامة للسياحة والآثار وأمانة الطائف، وبرعاية كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل في استعادة تراث الطائف من خلال مشروع تطوير وسط الطائف الذي يجري العمل الآن فيه».

وعن أهل الطائف قال الأمير سلطان بن سلمان «وأذكر بالخير هنا أهل الطائف أنفسهم، من الملاك لوسط الطائف الذين يتعاونون بشكل كبير، فلولا هذا التعاون والتفهم لأهمية استعادة ذاكرة مدينتهم وتألقها لما كان لهذا المشروع أن ينهض، أما رابعا: أنه ونحن نعيش في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ الأمة، من المهم أن نؤكد على أننا نعيش اليوم في عالم متغير وعالم تيسر فيه التواصل بشكل كبير عبر الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي وانفتحت فيه أبواب السياحة في كل أنحاء العالم لكل الأسر، وقلما يوجد مواطن اليوم لم يذهب في رحلة سياحية. لقد أصبحت الثقافات الأخرى تتنافس مع بعضها حتى تصل إلى ذهن الإنسان، واختلطت الثقافة بالسياسة. فالدول اليوم أصبحت تعزز استثمارها في البعد الحضاري والثقافي كجزء من بناء الوحدة الوطنية والصورة التي تعزز مكانتها السياسية بين الأمم، والمملكة اليوم تزخر بتراث عميق وتعتز بمكوناتها الثقافية والحضارية أكثر من أي وقت مضى، إن المملكة اليوم تقف ورأسها عالية بين الأمم في المحافل الاقتصادية، وفي القضايا السياسية الشائكة، وهذا هو قدر الجزيرة العربية، وقدرنا نحن أبناء المملكة العربية السعودية، أن نعيش في هذا الموقع الجغرافي المهم والحساس الذي تمر عليه جميع التقاطعات منذ القدم وما زالت وستظل في المستقبل تمثل هذه الركيزة الحضارية المهمة. هذه الدولة الفتية، ولله الحمد، بقيادتها الواعية قد تعاملت مع هذه التحديات بعزيمة وإصرار وبكل اقتدار مع ما مرت به من تحديات وما تمر به اليوم من تحولات هائلة، لذلك فإن تعزيز مكانتنا الحضارية بين الأمم واستثمارنا اليوم في العناية بتراثنا الحضاري الكبير هي قضية أساسية: فنعم نحن مهد الرسالة وموطن الحرمين الشريفين أولا، ونعم نحن بلد الاقتصاد الكبير والإنجازات التنموية الكبرى وبلد النفط، الذي استثمرناه في خير بلادنا وخير الإنسانية، نعم نحن الملجأ الأخير لكل مستجير يريد الأمن والخير، نعم نحن دولة السياسة والإصلاح والحضور الدولي المحترم بين الأمم، نعم نحن الدولة التي إن لم تنفع لم تضر إنسانا آخر، نحن أيضا بلد الحضارات وبلد التاريخ وبلد العلم وبلد الثقافة، ولذلك تقوم الدولة اليوم بقيادة هذا التحول في تعزيز البعد الحضاري الذي يتواكب ويتزامن مع اهتمام المواطن، فالمواطن أيضا عليه مسؤولية، أن يعتز بهذا البعد الحضاري لبلاده، وأن يكون هو الحارس الأول والحامي الأول لآثاره وتراثه العمراني والثقافي، فهذا التراث في نهاية الأمر ملك للمواطن، ونجاح هذا المشروع الوطني الكبير سوف يكون في نهاية الأمر نجاحا للمواطن ولأبنائه وأحفاده من بعده، فالمواطن هو المستفيد الأول والأخير من ذلك».

وأضاف الأمير سلطان «إن أكبر مكسب لهذا البعد الحضاري هو البعد الإنساني، فشخصية الإنسان في بلادنا تشكلت عبر التاريخ من تراكمات حضارية متعددة وأتى الإسلام ليهذبها ويصقلها، إن الهدف الأساسي من أي تنمية هو الإنسان، والإنسان هو صانع الحضارة، ولذلك فعكاظ يمثل إحدى نتائج هذا الاهتمام بالبعد الحضاري، إننا نحيي عكاظا، ونحيي أمير الثقافة الأمير خالد الفيصل، الذي يتابع تطوير هذا الملتقى السنوي متابعة مستمرة، حتى يصل إلى المستوى الذي يستحق، وبمشيئة الله سوف ترون سموكم في المستقبل القريب مدينة عكاظ وقد تحققت على أرض الواقع، لتكون لبنة إضافية من لبنات البعد الحضاري».

وعن أصداء الأمر السامي الكريم بتطوير الطائف أكد عدد من المسؤولين ورجال الأعمال والمثقفين أن ذلك سيسهم في ترسيخ دعائم التنمية لمنطقة الطائف ويضعها على الواجهة من جديد ويثريها سياحيا واقتصاديا وتنمويا.

ورفع فهد بن عبد العزيز بن معمر محافظ الطائف باسمه واسم أهالي الطائف شكره لولاة الأمر على هذه المكرمة والتي تعد ضمن المكارم المتتالية والمتلاحقة والتي تسارع بالتطوير في كل المدن والمحافظات.

فيما أوضح المهندس محمد بن عبد الرحمن المخرج، أمين محافظة الطائف، أن موافقة الملك عبد الله بن عبد العزيز على تشكيل لجنة عليا من 4 جهات لتقديم مشروع تطويري شامل يعيد لمحافظة الطائف مكانتها السياحية والاقتصادية والرفع عما يتم التوصل له، لهو إحدى بشائر الخير لمدينة الورد.

وأكد أن المشاريع التي ستدرسها اللجنة تشمل جملة من أهم المشروعات التنموية وهي تطوير المحور السياحي، وتطوير مشروع مدينة سوق عكاظ التاريخي، وتطوير وسط مدينة الطائف التاريخي، وتأهيل المواقع الأثرية في محافظة الطائف، وتطوير متحف الطائف، وإعادة تأهيل وتطوير المشاريع الخدمية في خطة عشرية. وقال إن الطائف ستحظى بنقلة تنموية متميزة خلال الفترة المقبلة بمشيئة الله.

وأفاد محمد الثبيتي نائب الأمين العام للتنشيط السياحي ورئيس اللجنة الإعلامية بأن هذه المكرمة الكريمة التي أعلنها الأمير سلطان بن سلمان انهالت على أهالي الطائف كالغيث يروي الأرض وينعش البشر، مستشهدا بقول الأمير خالد الفيصل حينما قال إن الطائف ستعود في صدارة المدن السياحية والاقتصادية، وشدد الثبيتي على أن المشاريع التي سيتم تطويرها في الطائف هي العلامات الأبرز في المحافظة والعناية بها سيكون له مردود كبير على المنطقة.

في هذا الشأن بين لـ «الشرق الأوسط» الشيخ أحمد العبيكان، رجل أعمال، أن ولاة الأمر لديهم بعد نظر في جوانب التنمية بكافة المناطق والمحافظات، والطائف مثل غيرها أخذت الاهتمام والرعاية منهم، مشيرا إلى أن المرسوم الملكي الأخير الذي يقضي بتطوير الطائف في عدة مجالات سيجعل منها في المستقبل أعظم المدن السياحية في الشرق الأوسط، وسيعيد هذا المشروع للطائف المكانة الثقافية والسياحية المعروفة منذ أزمنة بعيدة.

وتحدث عبد الله بن نجر العتيبي، رجل أعمال، أن مبادرات المقام السامي والحكومة الرشيدة لا تتوقف بل تزيد لصالح المواطن والوطن، وما صدر مؤخرا دليل على اللفتة الكريمة لكل الأرجاء بأن تسابق الطائف التنمية والتطور وتضع القدم الصحيحة على خطى الهدف المنشود لمنطقة مكة المكرمة وهو العالم الأول.

فيما اعتبر عيسى القصير، المؤرخ والأديب، أن النهضة الاقتصادية والسياحية والتراثية تأتي بمبادرة من الدولة والكل مطالب بالمساهمة والمشاركة من رجال أعمال ومثقفين وشباب.

وقال: سيكون الطائف الجميل الذي تغنى به الشعراء وقال فيه البلغاء أجمل العبارات والجمل وكان منذ 1500عام وحتى العهد الزاهر محطا لأنظار العرب من حاضرة وبادية.

وأضاف المؤرخ عيسى القصير أن استحداث متحف وطني للطائف سيكون مصدر إعزاز ومفخرة لأهالي الطائف، كما ناشد القصير أصحاب المتاحف الخاصة بالطائف والذين يمتلكون إرثا تاريخيا كبيرا بأن يسهموا مع اللجان المشكلة بأمر من خادم الحرمين لإنشاء متحف يستحق بأن يكون المتحف الأول في السعودية.