السعودية: مشروع «تاكسي جدة» يجدد «تضارب» الأقوال بين وزارة النقل والغرفة التجارية

كان سببا في «خلاف» نشب بين المسؤولين منذ عامين

أكثر من 100 ألف سيارة أجرة تعمل في مختلف مناطق السعودية
TT

تضاربت الأقوال حول مشروع «تاكسي جدة» المتمثل في إنشاء شركة مساهمة لتنظيم عمل سيارات الأجرة العامة وضمها تحت مظلة واحدة، ففي الوقت الذي نفت فيه وزارة النقل تلقي أي مشروع بهذا الشكل، أكدت الغرفة التجارية الصناعية في جدة رفعها له وموافقة الوزارة عليه بعد أن وضعت الأخيرة شروطا وصفتها الغرفة بـ«التعجيزية».

ويتمثل مشروع «تاكسي جدة» في إنشاء شركة مساهمة تجمع كافة شركات الأجرة العامة وسيارات الأجرة الفردية لتعمل تحت مظلتها، وذلك برأسمال يبلغ نحو 500 مليون ريال، إلا أن وزارة النقل وافقت على إنشائها بشروط تتضمن سعودتها بنسبة 100 في المائة، وعدم احتكار العمل في القطاع من قبل الشركة بعد تأسيسها.

مشروع «تاكسي جدة» كان قد فتح «خلافا» بين المسؤولين في اللجنة المسؤولة عن الأجرة العامة في الغرفة التجارية الصناعية في جدة منذ تقديمهم له كمقترح قبل نحو عامين، والذين يؤكدون اشتراطات وزارة النقل التعجيزية، في وقت نفى مسؤول عن النقل في منطقة مكة المكرمة علمه بهذا الاقتراح ووصوله إليهم.

وفي ذلك الوقت، كانت مصادر مطلعة قد تحدثت لـ«الشرق الأوسط» قائلة: «إن اللجنة تسلمت خطاب موافقة من وزارة النقل (حصلت الشرق الأوسط على نسخة منه) مشروطا بشرطين تعجيزيين يتمثلان في سعودة الشركة بنسبة 100 في المائة، ومنع احتكار عمل الشركة في منطقة واحدة فقط، الأمر الذي سيجعل تلك الشركة مشابهة للنقل الجماعي»، واصفة تلك الخطوة التي خطتها الوزارة تجاه المشروع بـ«المماطلة».

وما زالت وزارة النقل حتى الآن تعتبر هذا المشروع مجرد «شائعات» ليس لها أساس من الصحة، بينما تستمر تأكيدات لجنة الأجرة العامة التابعة للغرفة التجارية الصناعية في جدة على رفعها مشروع «تاكسي جدة» ورفضه من قبل الوزارة.

المهندس مفرّح الزهراني، مدير عام الطرق والنقل في منطقة مكة المكرمة، أوضح أنه لم يتلق أي مشروع بخصوص هذا الشأن، لافتا إلى أن تلك المعلومات التي وصفها بـ «الشائعات» كان قد تم التصريح فيها منذ نحو عامين، بحسب قوله.

وكان مستثمرون في مشروع «تاكسي جدة»، والمزمع إنشاؤه تحت مظلة شركة مساهمة، قد أكدوا «فشله» بعد رفض وزارة النقل له، حيث تقدمت به لجنة الأجرة العامة في الغرفة التجارية الصناعية في جدة.

ويقضي المشروع بتأسيس شركة خاصة للأجرة العامة بمساهمات مقفلة تضم كافة الشركات العاملة في القطاع حاليا، إلى جانب الأفراد من ملاك سيارات الأجرة تحت اسم «تاكسي جدة».

في حين جاء رفض وزارة النقل بعد اشتراطها سعودة الوظائف في الشركة المقترح إنشاؤها بنسبة 100 في المائة، فضلا عن تأكيدها ضرورة عدم احتكار العمل في القطاع على الشركة بعد تأسيسها، وهو ما قابله المستثمرون بالرفض على خلفية صعوبة تطبيق تلك الشروط كونها ستتسبب في خسائر للشركة مستقبلا.

مصدر مسؤول في لجنة الأجرة العامة التابعة للغرفة التجارية الصناعية في جدة، أشار إلى أن المشروع تم تقديمه لوزارة النقل منذ نحو عامين، حيث وافقت عليه بدورها شريطة سعودة الشركة بنسبة 100 في المائة، وعدم الاحتكار، إلى جانب تنفيذ لائحة الوزارة لإصدار النقل.

وقال المصدر المسؤول الذي فضل عدم ذكر اسمه خلال حديثه لـ«الشرق الأوسط»: «من الصعب سعودة الشركة بالكامل نتيجة عدم وجود سعوديين يرغبون فعلا في العمل على سيارات الأجرة، بالإضافة إلى أن الشركة تعتبر مساهمة، مما ينفي أصلا وجود أي احتكار».

وفي ما يتعلق بمستجدات مشروع «تاكسي جدة» التي قد تعمل عليها الغرفة التجارية الصناعية، أفاد المصدر المسؤول بأنه حتى الآن لم يتم رفعه مرة أخرى إلى وزارة النقل، ولكنه استدرك قائلا: «لم تطلب منا الوزارة رفعه مرة أخرى».

بينما وصف عبد الهادي القحطاني، الرئيس السابق للجنة الأجرة العامة في الغرفة التجارية الصناعية في جدة، وأحد المستثمرين المتقدمين لمشروع «تاكسي جدة»، شروط وزارة النقل للبدء في إنشاء الشركة بـ«التعجيزية».

وقال في اتصال هاتفي لـ«الشرق الأوسط»: «من غير الممكن إنشاء مشروع تتم سعودته منذ البداية بالكامل، في ظل وجود 300 شركة أجرة عامة منافسة له، عدا عما يقارب 5 آلاف سيارة أجرة فردية يقودها سعوديون»، لافتا إلى أن ذلك من شأنه أن يكون سببا في فشل المشروع.

وأشار إلى أن المستثمرين المتقدمين بالمشروع لم يطلبوا تخصيصها أو احتكارها، وإنما ضم كافة شركات الأجرة والسيارات الفردية بشكل إلزامي خلال السنوات الـ5 الأولى لإنشاء الشركة حتى تقف على أقدامها، ومن ثم ترك الخيار مفتوحا أمام الشركات للانضمام أو الخروج منها.

وأضاف: «لم نجد أي تعاون من قبل وزارة النقل في هذا الشأن، وهو ما دفع بي إلى الخروج من النشاط وتوقف المشروع قبل أن يبدأ، رغم أننا استقطبنا إحدى الشركات الأسترالية المتخصصة للاستفادة من خبراتها، فضلا عن رصد ميزانية يتم طرح الشركة بها، وتبلغ 500 مليون ريال».

ولفت عبد الهادي القحطاني إلى أن مشروع «تاكسي جدة» يتضمن أيضا إشراك جهات حكومية أخرى فيه من بينها التأمينات الاجتماعية وصندوق تنمية الموارد البشرية وغيرها، وذلك بهدف إنجاحه، مؤكدا في الوقت نفسه أن هذا المشروع من شأنه أن ينظم عمل سيارات الأجرة العـــــــــــامة.

واستطرد في القول: «كان من المفترض أيضا خلال (تاكسي جدة) الاستفادة من ترقيم الشوارع عبر خدمات التوصيل للمنازل المتوفرة لدى معظم المطاعم، وذلك من أجل العمل على طريقة مشابهة لها بتخصيص رقم اشتراك للعميل كي يستفيد من سيارات الأجرة بشكل سريع ومنظم»، واصفا قطاع الأجرة العامة في السعودية بـ«الفاشل»، على حد قوله.

وحول الإشكاليات المترتبة على سعودة مشروع «تاكسي جدة» بالكامل، أبان الرئيس السابق للجنة الأجرة العامة في الغرفة التجارية الصناعية في جدة، وأحد المستثمرين المتقدمين للمشروع، بأن معظم السعوديين العاملين بسيارات الأجرة لا يرغبون في العمل ضمن شركة موحدة والالتزام بساعات معينة.

وزاد: «إن سعودة النقل بصفة عامة يعد أمرا صعبا، لا سيما أن العاملين السعوديين في مجال الأجرة العامة هم ممن لديهم وظائف أخرى ويعملون في هذا المجال لزيادة دخلهم فقط، بالإضافة إلى أنهم يريدون العمل وفق مزاجيتهم وجداولهم الخاصة»، مفيدا بأن وزارة النقل تسمح للسعوديين بامتلاك سيارات أجرة فردية ومنحهم قروضا معينة لذلك.

وبالعودة إلى مدير عام الطرق والنقل في منطقة مكة المكرمة، فقد أكد وجود توجيهات واضحة بشأن سعودة نشاط الأجرة العامة، وذلك من خلال تشديد الجهات المعنية على تطبيق تلك اللائحة والأنظمة الموجودة منذ السابق، عدا عن فتح المجال أمام السعوديين لامتلاك سيارات أجرة فردية، الذي يعد جزءا من السعودة.

وفي رد على سؤال حول استمرار وجود الوافدين في العمل بهذا النشاط، وذلك من خلال سيارات أجرة عامة فردية يتم إصدارها باسم السعوديين وتركها في ما بعد للأجانب، بين أن أنظمة وزارة النقل تنص على عدم إعطاء سيارة أجرة فردية إلا للمتفرغين للنشاط والذين يمتلكون رخصة قيادة عامة.

وأضاف: «في حال اكتشاف مخالفة من هذا النوع فإنه يتم تطبيق العقوبات الموجودة لدى الوزارة والمتمثلة في منعه من تجديد أو إصدار بطاقة سائق، وإلزامه بدفع غرامة مالية مقدارها 3 آلاف ريال، إلا أنه للأسف حتى الآن ما زالت المخالفات موجودة».

وأعلن المهندس مفرح الزهراني عن أن وزارة النقل تشترط على جميع أصحاب شركات الأجرة العامة الجديدة تسليم السيارات لسعوديين من خلال توقيعهم على تعهدات بذلك، مضيفا: «في حال اكتشاف مخالفة لدى أي شركة منها فإنه لا يتم إجراء أي نشاط مستقبلي لها».

وهنا، علق عبد الهادي القحطاني قائلا: «إن سعودة قطاع الأجرة العامة من شأنه أن يشجع الأجانب على العمل بسياراتهم الخاصة، في ظل عزوف السعوديين عن العمل في هذا النشاط، حيث إننا كمستثمرين تقدمنا بإعلان ضمن 3 نشرات في الغرفة التجارية الصناعية في جدة عن حاجتنا إلى نحو 500 سائق أجرة سعوديين، إلا أنه لم يتقدم سوى 6 أفراد فقط».

ويرى الرئيس السابق للجنة الأجرة العامة في الغرفة التجارية الصناعية في جدة أن اشتراط وزارة النقل لامتلاك السعودي رخصة قيادة عامة غير مجد، مطالبا بتقديم تسهيلات أكبر من ذلك إذا ما رغبت فعلا في سعودة القطاع.

وكانت لجنة الأجرة العامة في الغرفة التجارية الصناعية في جدة قد أعدت تقريرا عن مسار سائق الأجرة العامة (الليموزين) بناء على توجيهات رئيس مجلس إدارة الغرفة، بالتعاون مع كل الأطرف المعنية والمتمثلة في وزارة النقل والمواصلات في جدة، ومكتب العمل، وإدارة التدريب المشترك، وصندوق تنمية الموارد البشرية، والغرفة التجارية.

وأرجعت اللجنة المشرفة على هذا المسار في تقريرها عدم إقبال الشباب السعوديين على تلك المهنة، إلى قلة الراتب المعروض عليهم الذي لا يتجاوز 2000 ريال، في ظل وجود فرصة بديلة للشباب تشمل جميــــع البدلات وتمكنهم من تملك سيارة أجرة عامة والعمل بهـــــــا لحســـــــابهم بدعم ميسر من صندوق التسليف السعودي.

محمد الشريف، أحد العاملين السعوديين في نشاط الأجرة العامة بشكل فردي، يؤيد سعودة قطاع الأجرة العامة، في ظل تعرض سائقي الأجرة العامة السعوديين لمضايقات من قبل الوافدين.

وقال لـ«الشرق الأوسط»: «عادة ما يمتنع الركاب الأجانب عن الركوب مع سائقي الأجرة السعوديين كونهم يبحثون عن أبناء جلدتهم»، مشيرا إلى أنه على الرغم من كثرة أعداد سيارات الأجرة العامة، فإنها لم تغطِ حتى الآن 50 في المائة من احتياج مدينة جدة لها.

ويرى الشريف أن شروط وزارة النقل للسماح بامتلاك السعودي سيارة أجرة فردية ليست في صالح المواطن، والمتضمنة ضرورة حصوله على رخصة قيادة عامة والتفرغ للعمل في النشاط.

ويضيف: «إن هذه الشروط دفعت بي إلى التحايل على النظام، كوني موظفا رسميا في إحدى الجهات وأعمل بسيارة الأجرة لتحسين دخلي، حيث إنني تقدمت إلى إحدى شركات الأجرة ودفعت لهم مبلغ 8 آلاف ريال كي أعمل بسيارة الأجرة لصالحي الشخصي».

وبالنسبة لإمكانية عمله ضمن شركة أجرة عامة موحدة، أفاد محمد الشريف بأنه لا يستطيع فعل ذلك، خصوصا أنه يعمل بسيارة الأجرة في أوقات فراغه فقط، إضافة إلى احتمالية استقطاع مبلغ للشركة من دخله، وهو ما يجعله يفضل العمل بمفرده.

ولكنه استدرك قائلا: «من الممكن أن تستفيد الشركة في حال إنشائها من الشباب العاطلين عن العمل، حيث إن معظمهم يبحث عن فرص وظيفية يبنون من خلالها مستقبلهم».

وعلى الرغم مما يواجهه محمود المزمومي من مشاكل وصعوبات في عمله كسائق أجرة، غير أنه يستطيع أن يكسب من خلال سيارته تلك أكثر من 5 آلاف ريال سعودي شهريا، الأمر الذي يجعله يفضل العمل كسائق أجرة بشكل فردي، لافتا إلى أن العمالة الوافدة ممن يعملون في المهنة نفسها يتعمدون تخفيض سعر المشاوير للزبائن في محاولة منهم للسيطرة على السوق «بحسب قوله».

بينما أكد عبد العزيز العمري، أحد العاملين في نشاط الأجرة العامة الفردية، وجود صعوبات قانونية ونظامية لتحويل سيارته الخاصة إلى أجرة عامة، من ضمنها الرخصة العمومية والبصمات للتحقق من عدم تورطه بسوابق أو جرائم مخلة بالشرف، عدا عن تحديد موعد مع وزارة النقل والمواصلات لاستكمال الإجراءات الأخرى ودفع رسوم اللوحات والعداد.

يأتي ذلك في وقت أكد فيه مصدر مسؤول في مرور جدة في منطقة مكة المكرمة أن المشاكل الناتجة من سيارات الأجرة تحل بطريقة واحدة مع سائقيها سواء كانوا أجانب أو سعوديين من دون تفرقة ولا تمييز وفق الأنظمة المتعلقة بالمخالفات المرورية وإجراءاتها المعتمدة.

وقال المقدم زيد الحمزي، مدير إدارة العلاقات العامة في مرور منطقة مكة المكرمة، في حديث سابق لـ«الشرق الأوسط»: «تتمثل مسؤولية المرور تجاه استخراج سيارة أجرة للسعوديين في استصدار رخصة عمومية، بينما تستكمل الإجراءات الأخرى في وزارة النقل والمواصلات»، مشددا على أن ضبط السائقين الذين يعملون بسياراتهم الخاصة على نقل الركاب ينتج عنه احتجاز السيارة وتغريم سائقها بغرامة مالية تبلغ 300 ريال سعودي.

الجدير بالذكر، أن عدد تراخيص شركات الأجرة العامة في السعودية يبلغ نحو 689 ترخيصا، في حين يصل عدد رخص التشغيل الفردية لسيارات الأجرة العامة إلى 23.539 ألف رخصة، وذلك بحسب إحصائيات أخيرة أصدرتها وزارة النقل، بينما تجاوز عدد سيارات الأجرة الفردية في مدينة جدة 12 ألف سيارة.

في حين كانت لجنة الأجرة العامة في الغرفة التجارية الصناعية في جدة قد كشفت في شهر مارس (آذار) الماضي عن وجود نحو 35 ألف سيارة أجرة تعمل في جدة، و40 ألف أخرى في الرياض، مشيرة إلى أن عدد سيارات الأجرة على مستوى السعودية تخطى حاجز الـ100 ألف سيارة، إلا أن ما يقارب 30 في المائة من شركات الأجرة ملتزمة بالسعودة رغم المعوقات التي تواجهها.

وفي سياق متصل، أعلن بنك التسليف والادخار مؤخرا وفق إحصائياته الرسمية عن وصول مبالغ التمويل للعام الماضي إلى 91 مليون ريال، التي قدمها البنك للمواطنين بغرض شراء سيارات في كل من نقل الأجرة العامة أو النقل المخصص كالمدرسي والسياحي.

يشار إلى أن المهندس عادل فقيه وزير العمل كان قد أكد في اجتماع سابق مع مجلس الشورى أهمية التعاون والتواصل لبحث ومناقشة كل ما من شأنه تذليل المعوقات وإيجاد الحلول والأنظمة التي تسهم في تحسين أداء وزارة العمل على أن يساعدها مجلس الشورى للقيام بالمهام المنوطة بها، حيث استعرض الطرفان محاور مختلفة تضمنت سعودة سيارات الأجرة وفق مقترح تقدم به مجموعة من أعضاء مجلس الشورى.