«الكدادة» في السعودية.. مهنة قائمة على توقف الخدمات في وسائل النقل العام

البعض من المسافرين معهم يشبهون الأمر بـ«عملية انتحارية»

سعودي ينافح من أجل الحصول على زبون مسافر في منطقة البطحاء بقلب العاصمة السعودية (تصوير: خالد المصري)
TT

أنعشت الربكة الكبيرة وعملية إغلاق الحجوزات التي يشهدها النقل الجوي، أرباح «الكدادة» كما يطلق عليهم السعوديون، وهم الأشخاص الذين يقومون بنقل المسافرين بين المدن في السعودية بسياراتهم الخاصة، خصوصا هذه الأيام التي تشهد عودة الموظفين إلى أعمالهم، بعد أن قضوا الإجازات السنوية الصيفية وإجازة شهر رمضان وعيد الفطر المبارك، ممن لم يتمكنوا من الحصول على حجوزات على رحلات الناقل الجوي الوطني في المملكة، وغيرها من الشركات العاملة في الحقل الجوي.

هذا الأمر أدى إلى اعتماد الكثير من السعوديين على «الكدادة»، الذين استغلوا الموقف بشكل سلبي، عبر رفعهم أجور النقل لأكثر من 70 في المائة، عما كانت عليه قبل أسبوعين من الآن بحسب شهادة متعاملين، إلا أن أزمة النقل الجوي، وعدم اعتماد السعوديين على النقل الجماعي «الحافلات»، أجبرا الكثير منهم على الاستعانة بهم، وهو الأمر الذي سهل وأسهم في رفع الأسعار.

الشاب سعود الضرمان، الذي يعمل في القطاع التعليمي، يحكي أنه اضطر إلى الركوب مع الكدادة، لنقله من مدينة الرياض إلى جدة حيث مقر عمله، إلا أنه فوجئ بالارتفاع الكبير في الأسعار، حيث أكد أنه اعتاد على الركوب معهم منذ 3 سنوات بمبالغ لا يتجاوز أعلاها 300 ريال، إلا أن هذه المرة كانت مختلفة، حيث طلب العاملون في هذا الحقل مبالغ أقلها 450 ريالا لنقله إلى جدة، بنسبة ارتفاع لامست 50 في المائة.

ويضيف الضرمان «أن الازدحام الشديد للراغبين في السفر والذي يشهده مقر الكدادة في منطقة البطحاء بقلب العاصمة السعودية الرياض دفعهم إلى رفع الأسعار، وذلك كضمان أن المسافر سيضطر إلى الركوب معهم، لأن السيارات محدودة، والأسعار متقاربة إلى حد كبير، لا سيما أن الحصول على مقعد شاغر في سيارة متوجهة إلى جدة أصبح صعبا جدا، في ظل ارتفاع عدد المسافرين الذين باتوا يعتمدون على الكدادة بشكل كبير في سفرهم.

طارق المضحي، شاب سعودي يعمل في القطاع الخاص، أضحى مطالبا بضرورة اعتراف الجهات المعنية بالكدادة، كطريقة رسمية من طرق السفر المعتمدة، مثلها مثل النقل الجوي والجماعي، الأمر الذي سينعكس بشكل إيجابي على الأسعار، وذلك بتحويلها إلى سوق منظمة، خاضعة للقوانين الرسمية، وليست سواق سوداء يفرض فيها السائق سعره الخاص دون حسيب ولا رقيب.

وحول أسباب لجوء المسافرين إلى الكدادة، أكد المضحي على أن المسافرين باتوا يعتبرون الكدادة من أسرع الطرق الموصلة إلى وجهة المسافر، بعد النقل الجوي، الذي يشهد ازدحاما كبيرا يفوق طاقته في تلبيه طلبات جميع المسافرين، وهو الأمر الذي جعل الكدادة يفرضون سيطرتهم على سوق النقل بأسعارهم المزاجية.

أما فهد المليفي، وهو طالب جامعي، فيعتمد عليهم في تنقلاته بين مقر دراسته في الرياض ومدينة عائلته بمنطقة القصيم، وأكد أن معظم العاملين في هذه المهنة لا يراعون أبجديات السلامة في نقلهم وعملهم، وذلك بتكديسهم للمسافرين بصورة تعكس مدى جشعهم المالي وعدم تقديرهم لحياة المسافر، بالإضافة إلى خلو معظم مركباتهم من أدوات السلامة وأقلها طفاية الحريق، كما أن معظمهم لا يهتم مطلقا بسلامة الإطارات أو بمدة صلاحية استخدامها، لذلك تجد أن معظمهم لا يستبدلون إطاراتهم إلا بعد انفجارها على الطريق، وذلك لاستهلاك الإطار أكبر مدة ممكنة بغض النظر عن سلامة المسافرين، ناهيك عن السرعة العالية التي يسيرون بها وتهالك سيارات بعضهم التي أنهكتها خطوط السفر الطويلة، مما يجعل من السفر معهم عملية انتحارية.

من جهته، أبدى عبد الله الدوسري، وهو أحد الكدادة، تذمره من وصفهم بالجشعين والمستغلين، معتبرا أن الارتفاع الحاصل حاليا بسيط جدا، بعكس ما يشاع عنه، واصفا سوق نقلهم بأنها مثل أي سوق أخرى، تتأثر سلبا أو إيجابا بالعرض والطلب، عادا ارتفاع أسعار قطع غيار واستهلاك السيارة في الطريق من الأمور التي يجب أن يدفع فاتورتها المسافر المنقول.

وعن اتهامهم بالاستهتار بحياة المسافرين، اعترف الدوسري بأن البعض من زملاء مهنته (غير المعترف بها رسميا) لا يقدر جيدا حياة المسافر، وذلك بسيره بسرعات جنونية وعدم الالتفات إلى المتطلبات الاستهلاكية في السيارة، مثل تغيير الإطارات، وتغيير مكابح السيارات بشكل دوري، إلا أن هذا الأمر يراه غير منطبق على جميع العاملين في هذه المهنة.

ويرى سعد السبيعي، الذي يعمل هو الآخر بالمهنة ذاتها، أن سبب ارتفاع أسعار نقلهم سببه ما يحصلون عليه من مخالفات مرورية، والتي يرى الرجل أنها «هدت كاهلهم وقضت على أرباحهم»، ضاربا المثل بأن بعض سفرياته لم يستخرج منها سوى الخسائر، بسبب تسديد قيمة الفوائد إلى المرور عبر تلك المخالفات، التي لا تفرق بين طالب للرزق ومستهتر، طبقا لتعبيره. وأضاف أن «مهنة الكدادة مهنة شاقة وتحتاج إلى تركيز عال وبال طويل، معطيا أنفسهم الحق في فرض السعر الذي يرونه، تعويضا عن جميع هذه المتاعب، إضافة إلى ابتعادهم عن أهلهم وأبنائهم لأيام طويلة، وذلك بداعي توصيل الزبائن، وأن من يعمل في هذه المهنة يعلم جيدا مدى المتاعب التي يتعرضون لها، لذلك فمن أبسط حقوقهم وضع السعر المناسب الذي يضمن لهم عوائد مالية مجزية».

ويبقى التذكير وشرح المهنة هذه لزاما، فالبعض ممن لجأوا لها هم من خريجي الجامعات وحاملي الشهادات العليا، ممن لم يحالفهم الحظ إما بعمل في القطاع الحكومي أو الخاص. ويعمل البعض منهم خلال مركبته الخاصة، والبعض الآخر ممن لا يملك مركبة يذهب إلى تأجير واحدة، وفي بعض الحالات يحتاج سداد تأجيرها الشهري ثلاثة أرباع ما يجنيه من عمل طوال الشهر.

واعتاد بعض من يمتهنون تلك المهنة على السفر لمدينة من مدينة أخرى، ربما مرتين يوميا، كأن يضطر للسفر مثلا للمنطقة الشرقية التي تبعد عن العاصمة السعودية الرياض 400 كيلومتر، لتعويض إما سعر تأجير مركبته، أو للسعي وراء جمع أكبر قدر من المال، لسداد التزامات مالية خاصة به.