السعودية تنقل المرأة من عالم «المطبخ» إلى الثقافة الانتخابية

ذات الخطوة يحتاج إليها الرجل لاقتلاع مفهوم الانتخاب «بإعلانات إشارات المرور»

ازدحمت اللوحات الإعلانية بجميع أحجامها عند كل إشارة مرورية وعلى طول الطرق الرئيسية والفرعية («الشرق الأوسط»)
TT

توشك السعودية بكل شرائحها الثقافية أن تدخل عهدا جديدا، قد يكون منهكا خلال السنوات الأولى من تحقيق تلك الرؤية، التي كفلتها بموجب أمر ملكيّ، أدخل المرأة تحديدا عالم الانتخابات أول من أمس، لخلق وتأسيس رؤية من شأنها أن تكون مسهمة في صناعة القرار المرتبط بالمواطن السعودي بالدرجة الأولى.

لكن الأمر ليس بهذه السهولة، فيبدو أن السعوديات بتن أمام ضرورة وعي وإدراك كامل وتفصيلي بالثقافة الانتخابية، لكون الأمر ليس اعتباطيا أو يهدف إلى الزج بالمرأة في هذا الحقل لمجرد المشاركة فقط.

ومن هذا المنطلق لا بد أن يكون السعوديون على وعي وإدراك كاملين بالثقافة الانتخابية، التي من شأنها أن تؤسس لجيل يتأسس على هذا المفهوم، ويطوي ذلك الإدراك والوعي ثقافة الإعلان عن الانتخابات واقتصاره على أعمدة إنارة الشوارع، وإشارات المرور، وينقل السيدة السعودية من ثقافة «المطبخ» إلى مجال أرحب وأكبر وأوسع، وهي الثقافة الانتخابية بمفهومها الواسع السليم.

في ظل تزايد عدد اللوحات الإعلانية المتعلقة بالمنتخبين في شوارع المدن السعودية، جاء الأمر الملكي الذي قضى بمشاركة المرأة في الانتخابات البلدية العام المقبل، لكن ما زال الانتخاب بالنسبة للسعوديين، وعلى وجه التحديد المرأة السعودية، ثقافة غير مفهومة، في بلد بدأ خطواته الأولى نحو الترشيح والإعلان الانتخابي، والأحقية في التعريف بالقدرات للفوز بأكبر عدد من الأصوات.

يؤيد ذلك الاتجاه ما بدا واضحا وجليا للشارع السعودي، الذي استطلعت «الشرق الأوسط» رأي البعض من السعوديين من الجنسين، واستنطقت البعض منهم حول مفهوم الانتخاب وما إذا كانت ثقافة المجتمع كافية لخوض تلك التجربة التي تعتبر أمرا مبهما بالنسبة للأغلب، فلا يملك سعيد العايض (معلم لغة عربية) أدنى فكرة حول موضوع الانتخابات، ربما لتأخر هذه الثقافة في الدخول إلى المجتمع السعودي، فقال الرجل: «ازدحمت اللوحات الإعلانية بجميع أحجامها عند كل إشارة مرورية، وعلى طول الطرق الرئيسية والفرعية، حاملة اسم وصورة المرشح ورقمه، وتوجهه الذي يحاول من خلاله جذب الجمهور، من المارة، إلا أننا فعلا نفتقر إلى تلك الثقافة (ثقافة الانتخاب)، وهذا سبب رئيسي لعدم اهتمام المجتمع بذلك الركن التطويري والهام في التغيير والإصلاح والتنمية والمسؤولية، فيتحملها هنا المختصون بتلك الانتخابات، فلا بد من العمل على مطويات تثقيفية، حتى وإن كانت تحمل تعريفا بسيطا عن معنى الانتخاب والترشيح».

ياسر المعلوي (موظف مدني) يجد نفسه من غير المبالين بموضوع الانتخاب والترشيح، معللا ذلك بأن خلفيته حول تلك الثقافة شبه معدومة، وأن الغالبية القصوى من المجتمع تجهل آلية الانتخاب والترشيح.

واستطرد الرجل في حديثه وقال: «لا أرى أي أهمية قد تعود بها الانتخابات على البلاد، فالانعكاسات الإيجابية لتلك الانتخابات لم تظهر للعامة نهائيا، ولا نعلم ما الفائدة منها، وذلك بسبب افتقارنا إلى المعلومة الصحيحة حول الانتخاب والمنتخب والانعكاسات المرجوة من الترشيح».

هنا يبدو الأمر الذي يقترب من الضبابية في ما يتعلق بثقافة الانتخاب في المجتمع السعودي إلى حد ما، بحاجة إلى إظهار تجارب دول عالمية، جنت وقطفت ثمار هذا النوع من المشاركة في الرأي، ليتضح جليا الإنجاز والتقدم الذي قد تعود به عملية المشاركة في صنع القرار.

وفي تصرف يشوبه نوع من الغرابة، أنشأ مجموعة من الأشخاص صفحة على «الفيس بوك» تحمل عنوان «أنا سعودي أقاطع الانتخابات البلدية»، وبلغ مجموع المعجبين بهذه الصفحة حتى الآن 930 لا يعبرون عن رأي الغالبية من المجتمع السعودي طبعا، وقد اعتبروا الانتخابات مجرد «فرقعة إعلامية» فقط، في حين عارض البعض تلك المقاطعة جملة وتفصيلا، مرجعين السبب إلى أن تلك الانتخابات تعتبر من وجهة نظرهم مفتاحا لأبواب إصلاح كثيرة ستنفع الوطن والمواطن.

ولم تغفل الصفحة الجانب النسائي، إلا أن الغالبية منهن لم تشأ أن تبدي رأيها في أمر يرين أنفسهن يجهلن تفاصيله التأسيسية، بل ولا يعتبر - بحسب قولهن - من اهتماماتهن، في حين أن أقلية طالبن بحقهن في الانتخاب، حيث قالت مي السلمي (أكاديمية جامعية) إن لها كامل الحق في ممارسة التصويت، وإن القرار الأخير لخادم الحرمين الشريفين «قفز بنا نحو الخطوة الأقوى والأهم، فسابقا لم تعطَ المرأة أي أهمية في خوض تلك التجربة، حتى من خلال التصويت، ولكن اليوم، السعوديات بتن مفعمات بالأمل، وعازمات على تكوين قاعدة صلبة يُنطلق منها نحو الانتخابات، وهو الأمر الذي سيشكل ويحدث تغييرات جبارة، لم يستطع المنتخبون سابقا تحقيقها، وذلك حتى يثبت للمجتمع السعودي والعالم العربي أن المرأة السعودية تستحق تلك الثقة التي أولاها خادم الحرمين الشريفين».

وزادت من جهتها نورة اليامي (سيدة أعمال) أن كثيرا من النساء، إن لم تكن الغالبية العظمى، لا يفقهن شيئا في ثقافة الانتخابات، ولا يعِرنها أي اهتمام، وذلك انعكاس لما لم يحققه أغلب المنتخبين، إلى جانب جهلهن بما على المنتخب من التزامات نحو بلده ونحو المواطن، وما قد يستطيع تحقيقه على أرض الواقع.

في نفس السياق طالب أحد المرشحة أسماؤهم للانتخابات بتغيير المنهجية المتبعة في الانتخابات، وتوضيح عن السيرة الذاتية لكل مرشح، حتى يعي المواطن آلية عمل ذلك المرشح، بناء على ما قدمه من خلال السيرة الذاتية، وليقتنع المنتخِب لذلك المرشح أنه على الطريق الصحيح في الاختيار.