وزير المياه يدعو إلى استخدام وسائل تكنولوجية لتقليل استهلاك الفرد من المياه

اعتبر أن تأثير ندرة المياه أمر مدمر

أحد مشروعات جلب المياه من الربع الخالي («الشرق الأوسط»)
TT

حذر المهندس عبد الله الحصين، وزير المياه والكهرباء السعودي من التحدي الكبير والمهمة الجبارة التي يواجهها العالم بأسره لضمان توفير إمدادات مياه إضافية، تلبية لاحتياجات المياه لأعداد السكان المتزايدة في العالم، ومن أجل تعويض مصادر المياه الملوثة والمستنزفة.

واعتبر أن العالم يشهد انفجارا سكانيا، واستهد الحصين، الذي كان يتحدث في إحدى المناسبات الدولية حول أزمة المياه العالمية، بما جاء في مجلة «ناشيونال جيوغرافيك»، التي صدرت مؤخرا، وأوردت أن الوقت الذي قضاه عدد سكان العالم بلغ أكثر من «2000» سنة للوصول إلى «بليون» نسمة في عام 1800م، في حين لم يأخذ العالم سوى «11» سنة، ليضيف إلى عدد سكانه «بليونا» آخر خلال الفترة ما بين «1999 - 2010م».

وقال: «من الحقائق المعروفة أن الزراعة تستهلك نحو 80 في المائة من مواردنا المائية، وأن 40 في المائة من الغذاء في العالم إنتاجه عن طريق الري، وإذا استمررنا في استهلاكنا للمياه بهذا المعدل، فإننا من أجل إطعام ثلاثة بلايين نسمة آخرين على كوكب الأرض بحلول عام 2025م، سنكون بحاجة إلى (تريليون) متر مكعب إضافي، وهذا يعادل 20 نهرا مثل نهر النيل، أو 100 نهر مثل نهر كلورادو، وهو تحد هائل بكل المقاييس».

وبين أن منظمة الصحة العالمية تقدر أن 1.1 بليون نسمة، لا تتوافر لديهم مياه شرب معالجة، وأن 2.6 بليون نسمة (قرابة 40 في المائة من عدد سكان العالم) يعيشون مع أسر لا تتوافر لديها وسائل صرف صحي مناسبة.

وزاد الحصين: «وطبقا لما يقول ستيف هوفمان في كتابه الذي يحمل عنوان (كوكب الماء)، فإن نصف الأسرّة في المستشفيات يشغلها أشخاص يعانون من أمراض تنقلها المياه الملوثة أو ذات صلة بها، ويقول هوفمان أيضا إن العبء الصحي يتضمن أيضا إنفاق أكثر من (عشرة ملايين) شخص لسنوات طويلة وجهود مضنية يقوم بها النساء والأطفال لجلب المياه من مصادر بعيدة».

وأشار إلى أن وضع المياه في العالم يفند الفكرة القائلة إننا ندرك جيدا حجم وعمق نقص مياه الشرب، لذا أقول إن تأثير ندرة المياه هو بالفعل تأثير مدمر. ولمح الوزير إلى أن تفشي الفقر وانعدام الأمن الغذائي والصراعات والأمراض لا تصل في فداحتها إلى حقيقة ما يسببه نقص المياه وخدمات الصرف الصحي من موت ما يقارب من 4500 طفل يوميا، وهو ما يشبه سقوط عشر طائرات عملاقة يوميا من دون أن ينجو منهم أحد. والآن مع هذه الصورة الكئيبة والقاتمة ماذا يتعين علينا أن نفعل؟

اعتبر أن أمام الإنسان الكثير الذي يمكن فعله، فبداية ينبغي علينا أن لا نعلق آمالا كبيرة على التكنولوجيا، كما لا ينبغي أن نحبس أنفاسنا بانتظار حدوث معجزة تكنولوجية.

وقال: «من خلال عملي في قطاع المياه لمدة تجاوزت 35 عاما، معظمها في مجال تحلية المياه، لم يتحقق سوى تقدم طفيف خلال تلك الفترة في تكنولوجيا تحلية المياه، ولم يكن لتلك التكنولوجيا تأثير كبير على تقليل تكلفة إنتاجها، والتقدم الذي تحقق عادله ارتفاع تكلفة الإنشاء والمواد وتكاليف التشغيل والصيانة، ولهذا فإن من يستطيعون دفع تكلفة المياه المحلاة من البحر اليوم في العالم أقل من 1 في المائة من سكان العالم». وأورد تساؤلا بقوله: «إذن إن لم تكن التكنولوجيا هي المنقذ بعد الله فمن يكون إذن؟»، وزاد: «تكمن الإجابة في رأيي في إنقاذ ما بين أيدينا، بمعنى آخر تطوير الكفاءة والترشيد، والكفاءة في استخدام المياه وترشيدها لا يمكنها أن تفعل الشيء الكثير فحسب، بل إنها يمكن أن تحقق ذلك بشكل سريع وبتكلفة يسيرة، فعلى سبيل المثال في قطاع الزراعة تتراوح كفاءة الري عالميا حول معدل 35 في المائة، وزيادة هذا المعدل بنسبة 10% فقط من خلال الوسائل البسيطة المتاحة يمكنه توفير موارد كافية لزيادة الإمدادات المحلية إلى الضعف، وحل الكثير من النقص الحاصل في العالم». وفيما يتعلق بإمدادات المياه البلدية، قال: «يمكن تحقيق الشيء الكثير في ناحيتين وبأسعار معقولة وباستخدام التكنولوجيا المتوفرة».

وأجمل ذلك في رؤيتين تتمثلان في «أولا: خفض فقدان المياه من الشبكات العامة، فنحن نرى مدنا في العالم في الدول النامية وغير النامية تفقد ما معدله 40 في المائة من إمدادات المياه المحلية بسبب التسرب الحاصل في شبكاتها، وإنني لأتعجب أشد العجب من رغبة بعض الدول، خصوصا تلك التي تنفق أموالا طائلة لزيادة إمداداتها المحلية من المياه، في الوقت الذي تتغاضى فيه عن تسرب ما يزيد عن 50 في المائة من إمدادات شبكاتها، بينما لا تخصص سوى القليل من تلك الأموال لمعالجة هذه المشكلة». واستكمل قائلا: «ثانيا: العمل على تخفيض نصيب الفرد من استهلاك المياه في الاستخدامات البلدية، فكفاءة استهلاك المياه في الأغراض المنزلية هو مصطلح مطاط لأنه يتراوح من 1000 لتر، للشخص في اليوم الواحد في بعض الدول إلى أقل من 100 لتر يوميا في واحدة من أكثر المدن ثراء في العالم، وهي مدينة ميونيخ في ألمانيا، ومن الواضح أن الثراء وتوافر موارد المياه ليست هي العوامل الحاسمة في متطلبات الفرد اليومية من المياه».

وأشار إلى وسائل تكنولوجية بأسعار معقولة متاحة يمكنها الإسهام جذريا في خفض مستويات استهلاك الفرد الحالية للمياه، وإذا كان بعضنا لا يزال يعتقد أن زيادة الكفاءة وترشيد استهلاك المياه هي عملية مكلفة فإنني أذكر هؤلاء بشهادة مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق جون إف - ترنر أمام الكونغرس عندما قال: «إن الأثر الاقتصادي للجوانب الصحية المتعلقة بمياه الشرب غير الآمنة تقدر بنحو 380 بليون دولار أميركي سنويا». ولأولئك الذين يشكون في تأثير زيادة الكفاءة قال: «إنهم لا يحتاجون للنظر لما هو أبعد من جارة كندا الجنوبية، فقد استطاعت الولايات المتحدة، على الرغم من انفتاح شهيتها لاستهلاك المياه من تخفيض الاستهلاك من 440 بليون غالون، في عام 1980م إلى 410 بلايين غالون، في عام 2005م، وخلال هذه الفترة نما الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة من 6 بلايين دولار، إلى 13 بليون دولار، كما زاد عدد سكانها بأكثر من 70 مليون نسمة».

أما الحل الثالث، فأجمله في قائمة الفاعلية القاعدة التي تقول إن رسوم استهلاك المياه يمكن أن تلعب دورا في زيادة الكفاءة وترشيد الاستهلاك، ولكن المسألة هي أننا دائما ما نقع في حيرة بين أننا نضع تعرفة مناسبة للمياه، أو تقديمها مجانا لكونها سلعة أساسية وضرورية للإنسان، ولهذا كله، وبسبب نقص الموارد المالية والاستثمارات، نعجز عن تقديمها بالقدر الكافي، ولهذا السبب أيضا نجد أن المواطن الأفريقي في جنوب الصحراء الكبرى يدفع في واقع الأمر مالا مقابل كل «لتر» أو غالون يستخدمه أكثر ممن يعيش في دولة غنية، وبالتأكيد فإن أزمة المياه الحالية ليست مسألة القدرة على دفع رسومها من عدمها، ولإثبات هذه النقطة، فإنني أود الإشارة إلى أن الكثيرين في العالم يمتلكون أجهزة هواتف جوالة أكثر من امتلاكهم لمراحيض صحية».

ثم ختم حديثه بالقول: «مع أننا في المملكة العربية السعودية نحتل المرتبة الأولى في العالم في إنتاج المياه المحلاة، لكنني لم أشعر قط بالرضا والفخر من هذه الحقيقة بقدر ما أشعر به تجاه إجراءات زيادة الكفاءة وترشيد الاستهلاك التي اتخذناها، ولا نزال نتخذها، خصوصا في استخدامات المياه البلدية، كما جعلنا من تطوير كفاءة شبكة مياه المدن أولى أولوياتنا؛ سواء من ناحية الجهود المبذولة، أو فيما وضعت لها الدولة من مخصصات في الميزانية». ولقد قمنا بتوزيع أدوات ترشيد المياه مجانا على كل منزل في المملكة، وبالمناسبة فقد تم تعويض قيمة طقم أدوات الترشيد خلال أسبوعين، لأن من قاموا بتركيب أدوات الترشيد استطاعوا أن يوفروا 30 في المائة من استهلاكهم للمياه.

واعترف المهندس الحصين بأنه يأوي إلى فراشي في كل ليلة داعيا الله (عز وجل) أن يمكننا من تحقيق إنجاز تقني يجعل من تكلفة تحلية المياه تكلفة معقولة ومتاحة للجميع، لأن مثل هذا الإنجاز سيتضاءل أمامه أي إنجاز علمي آخر تحقق في تاريخ البشرية، ولكن في الوقت الذي ننتظر ونأمل في حدوث معجزة مثل هذه، فإن أمامنا الكثير مما يمكننا عمله بأسرع وقت ممكن وبأقل تكلفة».