الحرمان البشري في الوطن العربي.. تتفق الأسباب وتختلف المعالجات

دراسة بحثية لمركز أسبار.. ترصد حالاته وعوامله وأنواعه وتوزيع نسبه

توقعات بأن تعاني معظم الدول العربية من مشكلة ندرة المياه بشكل عام والمحسنة منها بشكل خاص
TT

خلصت دراسة بحثية أجراها مركز دراسات متخصص بالعاصمة السعودية الرياض إلى تحديد عدد من العوامل المؤثرة في تشكل ظاهرة الحرمان البشري، ضمن المنظومة الاجتماعية والاقتصادية، فيما أطلقت عليه مؤشرات قياس الحرمان البشري، والتي تضم توقع الوفاة قبل سن الستين، ومعدل الأمية، والسكان تحت خط الفقر، ومعدل البطالة، وفجوة مستوى المعيشة، والسكان دون مياه آمنة، والسكان دون صرف صحي، وناقصي الوزن دون الخامسة، والأطفال خارج التعليم، ولمحت الدراسة إلى أن أي خلل أو نقص في هذه الأساسيات يعد مؤشرا سلبيا لإدارة موارد الثروة وللأداء الاقتصادي لأي مجتمع، والذي يدور حول ثلاثة محاور هي الفقر والبطالة واللامساواة.

جاءت تلك الدراسة التي صدرت مؤخرا عن مركز أسبار للدراسات والبحوث، ضمن أجندتها الشهرية لبحوثها وإصداراتها، لتؤكد في دراستها الحالية أن الدول العربية تعاني من الحرمان البشري شأنها في ذلك شأن باقي دول العالم، مع الاختلاف في نسب التوزيع والأسباب.

وبموجب دليل الحرمان البشري، والذي تتضمنه الدراسة، يمكن تقسيم الدول بالوطن العربي إلى ثلاثة مستويات، الأول وهو الأفضل والذي تحصل فيه الدولة على أقل من 10 في المائة، والثاني وهو المتوسط والذي يتراوح بين 10 في المائة إلى 30 في المائة، بينما رصدت أسوأها في المجموعة الثالثة، والتي تزيد فيه النسبة عن 30 في المائة.

وتستهدف دراسة مركز أسبار إلى تقييم واقع الحرمان البشري في الوطن العربي، وتوزيع نسبه بها، وتحديد العوامل المؤثرة في الحرمان البشري بالوطن العربي، واقتراح أولويات التدخل المناسبة لكل دولة.

وفي وقت تسعى فيه التنمية البشرية إلى توسيع الخيارات أمام البشر للعيش اللائق بكافة صوره وأشكاله، في حين يقوض الحرمان البشري هذا المسعى، لذلك فإنه يعتبر أحد طرق تقييم التنمية، ويعرف الحرمان البشري أو فقر الحاجات الإنسانية، على أنه الحالة التي يكون فيها الناس غير قادرين على الوفاء بالضروريات اللازمة للحياة بسبب الفقر، فالحرمان يشير إلى الناس الذين لا يستطيعون تلبية احتياجاتهم الأساسية، ويشير إلى نقص الموارد المطلوبة للوفاء بهذه الاحتياجات.

وتأتي أهمية الدراسة البحثية التي قام بها مركز أسبار لكون الحرمان البشري أحد أهم العوامل المؤثرة سلبيا على التنمية، سواء الاجتماعية منها أو الاقتصادية، فيما تساعد دراسة الحرمان البشري على تحديد الدول الأولى بالرعاية، مما يساعد على وضع استراتيجيه للتخطيط السكاني وتحديد أولويات التنمية، وتحاول الدراسة إلقاء الضوء على هذه الفئة من السكان حتى يتم أخذهم في الاعتبار عند وضع أي سياسات أو برامج اقتصادية واجتماعية للنهوض بالفقراء.

وبحسب الدراسة البحثية فإن الدول العربية التي يعد الحرمان البشري بها قليلا شكلت 7 دول عربية بنسبة تجاوزت 31 في المائة، من جملة عدد الدول بالوطن العربي، ويسكنها ما نسبته 7 في المائة، من جملة السكان بالوطن العربي، وتذكر الدراسة أن هذه المجموعة تضم دول الإمارات وقطر والبحرين والكويت والأردن ولبنان وفلسطين.

فيما شكلت المجموعة الثانية في منظومة الدول التي يعد فيها الحرمان البشري متوسطا، فقد ظهرت هذه الفئة في عشر دول بنسبة 45 في المائة من جملة عدد الدول بالوطن العربي، فيما قدرت الدراسة عدد سكان تلك الدول بما نسبته 61 في المائة، من جملة السكان بالوطن العربي، وهي الجزائر وتونس وليبيا ومصر، وسوريا والعراق والسعودية وعمان إضافة إلى جيبوتي وجزر القمر.

وكانت المجموعة الثالثة والأخيرة والتي تعدها الدراسة بأكثر الدول ارتفاعا في معدل الحرمان وتوزعت هذه الفئة في أربع دول بنسبة 18 في المائة، من جملة عدد الدول بالوطن العربي، ويسكنها ما يقارب 28 في المائة، من جملة عدد السكان بالوطن العربي، وهي المغرب وموريتانيا والسودان بالجناح الأفريقي واليمن بالجناح الآسيوي.

وبينت الدراسة أن العوامل المؤثرة على دليل الحرمان البشري في الوطن العربي تتعدد، حيث أوضحت نتائج تحليل الدراسة إلى إرجاعها لعوامل رئيسية منها تأثرها بنسبة السكان الذين لا يستخدمون مصدرا محسنا للمياه، ونسبة الاحتمال عند الولادة بعدم البقاء على قيد الحياة حتى سن 40 سنة، ونسبة السكان تحت خط فقر الدخل (دولار واحد في اليوم).

وتوقعت الدراسة أن تعاني معظم الدول العربية من مشكلة ندرة المياه بشكل عام والمحسنة منها بشكل خاص لوقوع هذه الدول في مناطق قاحلة وشبة قاحلة، وتتصاعد حدة هذه المشكلة بسبب النقص المستمر في هذا المورد، والذي يقابله زيادة سكانية كبيرة بلغت ثلاثة أضعاف عددهم عام 1970 حيث ارتفع من 128 مليونا إلى 359 مليونا ويتوقع أن يصبح عدد سكان المنطقة العربية 598 مليون نسمة عام 2050، مرتفعا بنسبة الثلثين أو بزيادة 239 مليون نسمة عما هو في العام 2010.

فيما ذهبت الدراسة إلى تعدد المؤشرات الصحية ومدى كفاءتها وجودتها المحدد لقيمة مؤشر توقع الوفاة، ما بين الارتفاع أو الانخفاض، مشيرة إلى أنه على الرغم من الاهتمام بالشؤون الصحية في غالبية الدول العربية، فإن هذا الاهتمام يبدو غير كاف، بدليل ظهور نسبة الاحتمال عند الولادة بعدم البقاء على قيد الحياة حتى سن 40 سنة في الوطن العربي كثاني أهم المتغيرات المؤثرة في الحرمان البشري.

وفي ذات السياق تشير الدراسة إلى نوعين من التدخلات، والتي ترى فيها أنها تأتي في إطار استراتيجية للتنمية الشاملة، لتغطي الاحتياجات الأساسية، سواء في مداه القريب أو المتوسط أو البعيد، وتدعو الدراسة في الوقت ذاته إلى اشتراك الجهات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني في وضعها وتنفيذها.

وتلك التدخلات هي أولا التعامل مع الآثار المباشرة للحرمان، حيث يوجه إلى الفئات الضعيفة والمهشمة كالأسر التي تعيلها النساء والمعاقين والفقراء جدا، خاصة في الصومال والسودان وجيبوتي واليمن وموريتانيا والتي تعاني جميعها من تفاقم هذه الظاهرة.

والتدخل الثاني الذي تراه الدراسة خاص بصياغة السياسات الاجتماعية والاقتصادية، التي تتعامل مع الأسباب الكامنة وراء الحرمان البشري للوصول إلى ما يسمى بالتوازن في التنمية، بمعنى توزيع مشروعات التنمية في كل دولة، خاصة التي تعاني من ارتفاع نسبة الحرمان البشري، من دول الوطن العربي، وبالشكل الذي يسمح بالنهوض بالفئات الفقيرة والمهمشة، والتي تعاني من الحرمان البشري.